الرغبة و الحاجة: نص ميلاني كلاين

الرغبة و الحاجة: نص ميلاني كلاين
يرغب الطفل الرضيع في جعل ثدي أمه دائم العطاء و دائم الحضور، و لا يتعلق الأمر – في علاقة الطفل بثدي الأم – بالحاجة إلى الطعام فقط، ذلك أن الطفل يرغب أيضا في التخلص من دوافعه التدميرية و من قلقه الاضطهادي. فعند تحليلنا لشخصية الراشد نجد لديه هذه الرغبة في أم قادرة على القيام بكل شيء، و أن تحمي ذاته من كل المعاناة و الشرور، التي يكون مصدرها من داخل الذات أو من خارجها.
لنلاحظ بهذا الصدد، و نحن نتناول الطرق الجديدة في إرضاع الطفل، كيف أن بعض هذه الطرق، خصوصا تلك التي تكون أقل ضبطا لزمن الإرضاع و الأكثر ملاءمة لحاجات الرضيع، مقارنة مع طرق أخرى و التي تلتزم التزاما صارما بأوقات محددة للإرضاع، ففي الحالة الأولى يصادف الطفل صعوبات في تحقيق جميع رغباته، لأن الأم عاجزة عن إزالة جميع الدوافع التدميرية لطفلها و قلقه الاضطهادي، أما في الحالة الثانية فإن العناية المبالغ فيها لأم تجاه رغبة طفلها، و التي تتجلى في قيامها بإرضاعه كلما بكى و طلب ثديها، هذه الأم لا تزيل عنه معاناته و آلامه. و بواسطة تحقيق رغبته في الأكل، يدرك لاشعوريا، قلقها، فيتعمق لديه نفس القلق.
لقد سمعت من بعض الراشدين شكواهم من هذه العلاقة الشيئية بثدي الأم، إذ لم يكن لديهم في طفولتهم المبكرة، مساحة البكاء الفاصل بين الرغبة و تحقيقها، لم يسمح لهم بأن يعبروا بالبكاء عن قلقهم و عن توتراتهم و معاناتهم. فهؤلاء لم تتمكن دوافعهم التدميرية و لا قلقهم الاضطهادي من أن يجد له مخرجا يتنفس من خلاله... إذا كان إحباط رغبة الطفل غير مبالغ فيه، فإن ذلك بإمكانه أن يساعده على التكيف السليم مع العالم الخارجي، و يتطور لديه مفهوم الواقع. فمجموعة من الاحباطات، التي تليها مجموعة أخرى من التحفيزات و التشجيعات، الصادرة عن الأم، تمكن الطفل بالفعل، من الشعور أنه قادر على مواجهة قلقه، كما يتبين أيضا أن رغبات الطفل غير المشبعة، و أكرر هذا الأمر، تساهم في فتح الطريق مستقبلا للإعلاء و للأنشطة الإبداعية.
مقابل ذلك، إن غياب الصراع، بين الرغبة و إشباعها عند الطفل، سيمنع الفرد من إغناء شخصيته، و سيحرمه من عنصر أساسي يساهم في تثبيت الأنا، ذلك لأن كل صراع أو أزمة، يتضمن بالضرورة تصور حل لهذا الصراع، الذي يشكل أساس العملية الإبداعية.
ميلاني كلاين، الرغبة و الامتنان، غاليمار 1968، ص 25-26



مواضيع ذات صلة:

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس