بقلم: د محمد لفقيهي
(إذا أمطرت السماء في واشنطن أوباريس
أو موسكو ترفع كثير من أحزابنا مظلا تها)
إن أهم ما يستوقفنا ونحن على عتبة
القرن الواحد والعشرين بعد الميلاد، هو هذا التهافت الأمريكي المحموم للهيمنة على
العالم بكل السبل، فبعد إمبريالية القرن العشرين
الأوروبية، ها هو ذا الراعي الأمريكي يبحث عن مراع جديدة لأبقاره التي أثقلت خطاها
أمراض السمنة وفقدان الذاكرة، فهرعت باحثة عن ظل في الشرق لتبتلعها مستنقعات
العراق وأفغانستان...
في خضم هذه الأجواء العكرة، الملبدة بغيوم
الغطرسة والاستبداد، تجد الأسرة، خصوصا في العالم الإسلامي، نفسها في مواجهة قيم
وافدة من شمال المتوسط وغرب الأطلسي أساسا؛ قيم يسعى مصدروها، دون هوادة، أن يجدوا
لها موطئ قدم في كل أرض يرفع من أعلى صوامعها أذان...
ولعل من أهم الوسائل المستغلة لتصدير
القيم الغربية، الغريبة عنا، القنوات
الفضائية التي تنبت كل يوم كالفطر، والتي يتهافت كثير من شبابنا على ما تعرضه من
صور الخلاعة والابتذال، ما يجعل المرء يجد نفسه في حالة ذهول أمام كل هذا. وهو ما
يستدعي بذل مجهود كبير، ليس فقط للتوعية بالمخاطر كما تجري العادة بذلك، وإنما
لاقتراح البدائل المناسبة وهو ما تكاد تعجز عن تحقيقه مجتمعاتنا منذ ما سمي سهوا
بعصر النهضة العربية على الأقل...
وهكذا فإن المتتبع العادي لأحوال الأمة
لابد واقف، دونما عناء يذكر، على شغف أبنائنا بما تعرضه الشبكة المعلوماتية
العالمية على مواقعها من مواد، وما تيسره وسائل التواصل الأخرى من إمكانات جعلتنا على مرمى حجر من الآخر المدجج
بالتكنولوجيا والنواقيس التي يسمع صداها في شوارعنا البئيسة....
إن الأسرة في المغرب وفي العالم الثالث
كما الحكومات وفعاليات المجتمع المدني مدعوة اليوم لتصحيح الاختلالات الكبيرة التي
يعرفها المجتمع ببذل مجهود كبير في مجال التربية والتكوين، وهو ما يستدعي الإجابة
عن سؤال عريض: أية أجيال لأية أمة في المستقبل؟ وهذا ما يفرض ضرورة الكشف عن تصور
لمشروع مجتمعي متكامل يستثمر طاقات الأمة الخلاقة؛ فيرعى بذور الخير فيها ويعانق
همومها ومشاكلها دفاعا عن كرامة أصبحت آخر ما يقض مضجع كثير من أهل الحل والعقد
فينا...
والغريب أن رياح العولمة لم تنس أن تهب
على مجتمعاتنا السياسية، حتى إنه إذا أمطرت السماء في واشنطن أو موسكو ترفع
كثير من أحزابنا مظلاتها، لتتحول إلى أبواق تردد صوت الآخر فينا وتدعونا
لمقاسمته صحون "الهومبوركر" وفراء الدببة البيضاء...
إن نهضة اقتصادية وتقنية تحفظ كرامة
الأمة وترفع رأس أبناء أسرها عاليا قمينة بأن ترد عنا ريح العولمة الصرصر العاتية
لكي لا ينطبق علينا قول ذاك المفكر الأصلع الذي حين سئل عن اقتصاد بلده أجاب: حال
اقتصاد بلدي كشعر جسدي، غزارة في الإنتاج وسوء في التوزيع...
ولا يسعنا قبل الختم إلا أن ننبه كثيرا
من الحالمين شمال المتوسط من الفرنكفونيين
والجرمان ومن سواهم من الهنود والأسيويين إلى أنهم ليسوا في مأمن من اجتياح ثقافي
أمريكي مهول، فنحن وإياهم سواسية كأسنان المنجل الروسي، لأن أمريكا تريد أن تُـعَـوْلِـم
الآخرين ولا تريد أن تتعولم...
وآخر دعوانا أنِْ كل عولمة والأسرة المغربية
بألف خير...
ودامت لكم متعة القراءة وحلاوة الأمل
د.محمد لفقيهي
أستاذ باحث
Lafkaihi.mohammed@gmail.com
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية