مجزوءة الأخلاق: الواجب، الحرية، السعادة الثانية بكالوريا


فيلوبريس

مجزوءة الأخلاق
الأخلاق

تقديم
لقد تم النظر إلى الإنسان غالبا على أنه حيوان عاقل، وكان هذا العقل هو ما يرفعه درجات مقارنة مع الحيوانات. خصوصا لما يتم توظيف هذا العقل بشكل يجعله متحررا من دوافعه الغريزية الفطرية، أي عندما يوظف العقل للتمييز بين الخير والشر وللحكم على السلوك الإنساني في ذاته وفي علاقاته. وفي هذا المستوى يكمن مبحث أساسي من مباحث الفلسفة وهو الأخلاق، باعتبارها مبحثا معياريا يحدد القيم التي توجه السلوك الإنساني وتحرره من قيود الطبيعة. وهنا يبرز مفهوم الواجب كأمر أخلاقي يطرح عددا من الإشكالات الفلسفية، إلى جانب مفهوم الحرية وعلاقاته بالضرورة والإرادة والقانون....
الواجب
الواجب

مقدمة
يعتبر الواجب أمرا أخلاقيا مطلقا يتميز بما يمارسه من إكراه على الشخص، والواجب بهذا المعنى يثير إشكالات عديدة ترتبط بمصدره بين ما هو ذاتي داخلي وما هو خارجي، ومن جهة أخرى مصدر الوعي الأخلاقي بالواجب، ثم علاقته بالمجتمع.
المحور الأول: الواجب والإكراه:
الإشكال: هل الواجب إلزام أم التزام؟ وبتعبير آخر ما هو مصدر الواجب: هل هو خضوع لسلطة خارجة عن الذات أم استجابة لقانون ذاتي داخلي؟
موقف كانط: الواجب التزام مصدره إرادة الذات
ينتقد كانط التصورات التي تؤسس الواجب على القوانين الوضعية، ويؤكد بالمقابل أن مصدر الواجب هو القانون، لكن القانون الخاص الصادر عن إرادة ذاتية. فعندما يتعلق الأمر بالواجب فإن الإنسان "ليس مرغما على العمل إلا طبقا لإرادته الخاصة"، إن الواجب بهذا المعنى هو التزام وليس إلزاما، وتقوم به الذات استجابة للقانون الأخلاقي الذي يشرعه العقل الأخلاقي العملي، واستجابة للإرادة الطيبة والحرة التي لا تخضع للميولات أو المصالح أو القوى الخارجية. وهكذا يكون الواجب حسب كانط التزام عقلي حر.
موقف دوركايم: الواجب إلزام مصدره المجتمع
 باعتباره عالم اجتماع يقدم دوركايم تصورا واقعيا للواجب، ويعتبر أن مصدره هو المجتمع. ففي كتابه " التربية الأخلاقية" يقول دوركايم بأن المجتمع هو: "الذي بث فينا حين عمل على تكويننا خلقيا، تلك المشاعر التي تملي علينا سلوكنا بلهجة آمرة صارمة... فضميرنا الأخلاقي لم ينتج إلا عن المجتمع ولا يعبر إلا عنه"، هكذا يكون المجتمع هو مصدر الواجب الأخلاقي من خلال السلطة التي يمارسها على الأفراد عبر التربية والتنشئة الاجتماعية. إن الواجب حسب هذا الموقف إكراه أو إلزام اجتماعي خارجي يتجاوز إرادة الأفراد.
المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
الإشكال: إذا كان الإنسان يمتلك وعيا أخلاقيا بسلوكاته، فما هو مصدر هذا الوعي؟ هل هو طبيعي أم مكتسب؟
موقف جون جاك روسو: مصدر الوعي الأخلاقي فطري في الإنسان
 يعتقد روسو أن الوعي الأخلاقي مصدره ما هو فطري وغريزي في الإنسان، والمقصود أن تلك الملكة التي نميز من خلالها بين الخير والشر، وبين الأفعال والسلوكات الإنسانية (حسنها وقبيحها) هي ملكة أو قدرة مرتبطة بأحاسيسنا التي تميزنا عن الحيوانات.
فالإحساس بضرورة احترام الواجبات يعتبر فطريا في الإنسان، والإنسان يدرك الخير بشكل فطري ولا يحتاج لتعلمه أو اكتسابه، كما أنه يميل إلى الخير فطريا. إن الوعي الأخلاقي حسب روسو أحاسيس وجدانية وليس أحكاما عقلية، إذ لو انتظرت الأخلاق نشوء التفكير العقلي لهلكت البشرية. يقول روسو إذن بوجود مبدأ فطري للعدالة والفضيلة في أعماق النفس البشرية، تقوم عليه رغم مبادئنا الشخصية أحكامنا التي نصدرها على أفعالنا وأفعال الغير فنصفها بالخيرة أو الشريرة.
موقف فرويد: مصدر الوعي الأخلاقي مكتسب من خلال التنشئة الاجتماعية
يبدو أن فرويد ينتقد فكرة فطرية الضمير الأخلاقي كما عبر عنها جون جاك روسو، لأن الفطري بالنسبة لمدرسة التحليل النفسي مع فرويد هو "الهو" الذي يمثل الشكل الأصلي للجهاز النفسي. وهذا الهو باعتباره الجانب الغريزي في الإنسان يخضع فقط لمبدأ اللذة ولا يعرف الأخلاق أو الواجبات التي تشكل أساس الضمير أو الوعي الأخلاقي. ومن هنا يقتضي الحديث عن الوعي الأخلاقي استحضار مكون أساسي من مكونات الجهاز النفسي وهو الأنا الأعلى باعتباره الجانب الأخلاقي في الإنسان، والذي يمثل مجموع القواعد والقيم والمعايير التي يمررها المجتمع إلى أفراده من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ومن خلال نظام التربية وهكذا يبدو الوعي الأخلاقي مع مدرسة التحليل النفسي مكتسبا وليس فطريا.
المحور الثالث: الواجب والمجتمع
الإشكال: هل احترام الواجب نابع من سلطة المجتمع، أم ينبغي على الإنسان الالتزام بواجبات تجاه الإنسانية جمعاء؟ هل الواجب يرتبط بكل مجتمع ويختلف من مجتمع لآخر، أم انه مرتبط بالإنسان عموما؟ 
موقف دوركايم: احترام الواجب مصدره المجتمع ويكون نسبيا
 يؤكد أن المصدر الوحيد للواجب الأخلاقي هو المجتمع، الذي يتبدى في شكل صوت مهيب يأمرنا باحترام الواجب. فالمجتمع هو الذي أشرط كل سلوكاتنا بالواجب الجماعي المسند إلى الضمير الأخلاقي الاجتماعي عبر سيرورة تربوية تقوم على تنشئة اجتماعية تجعل أفراد مجتمع ما يشتركون في نفس القيم والنماذج الثقافية والالتزامات، ويختلفون بالتالي عن غيرهم من أفراد المجتمعات الأخرى... ومن هنا يكون الواجب نسبيا يختلف باختلاف المجتمعات.
موقف برغسون: احترام الواجب له قيمة كونية
يعتقد أنه لا ينبغي أن نحصر مفهوم المجتمع في بقعة الوطن الضيقة بل علينا أن نوسع منه حتى يشمل الإنسانية بكاملها فنتحدث عن المجتمع الإنساني وبالتالي تكون الواجبات تبعا لذلك هي أيضا كذلك أي واجبات إنسانية كونية. إن ربط الواجب بما يمليه المجتمع، حسب هذا الموقف، سيؤدي إلى ممارسات وسلوكات صدامية، ما دام ما أراه واجبا، انطلاقا من تربيتي وتكويني، قد لا يراه غيري كذلك، لكن عندما نتجاوز النظرة الضيقة للواجب وننفتح على القيم الكونية ستكون العلاقات الإنسانية أفضل حالا ويسود السلم والتعايش بين المجتمعات والأفراد ...
خاتمة:
 كان تناول مفهوم الواجب فلسفيا لحظة أساسية لفهم الانسان كذات فاعلة حاملة لقيم ضمن إطار من العلاقات الاجتماعية. على هذا الأساس يبدو الواجب فعلا حرا إراديا عندما يكون المرجع مثاليا، ويكون استجابة لإملاء خارجي عندما ننظر إليه نظرة واقعية... وعلى العموم فالأمر يرتبط بإشكال أزلي هو إشكال علاقة الفكر بالواقع.

الحرية
الحرية

المحور الأول: الحرية والحتمية
الإشكال: هل الانسان حر أم خاضع لضرورة ما؟
موقف سبينوزا: الإنسان خاضع لضرورة طبيعية
 يعتقد سبينوزا أن الإنسان ليس حرا وإنما خاضع لحتمية طبيعية. ولتأكيد موقفه وظف مثال حجر يتدحرج، بحيث أن ذلك يتم بفعل قوة خارجية، وأكد على أن ما ينطبق على الحجر ينطبق على كل الموجودات الأخرى، بحيث أنها تخضعا في أفعالها إلى قوى خارجية تتحكم فيها، بما في ذلك الإنسان. إن افتراض امتلاك الحجر للوعي سيجعله يعتقد أنه يتصرف بحرية، كذلك الإنسان فهو يعي أفعاله ويعتقد انه هو الذي يقوم بها لأنه يجهل السبب مثل الحجر الذي يجهل القوة المحركة. والحتمية التي يخضع لها الإنسان هي حتمية طبيعية كما تدل على ذلك أمثلة: الرضيع والمنفعل والجبان ... الذين يتحكم فيهم الجوع والغضب والخوف... باعتبارها حتميات طبيعية.. إذن الحرية مع اسبينوزا مجرد وهم.
الموقف المعتزلي: الإنسان مخير في أفعاله ومتحمل للمسؤولية
يتأسس الموقف المعتزلي على رفض فكرة خضوع الإنسان لحتميات تتحكم فيه وتتجاوزه، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالسلوكات والتعاملات الإنسانية. وقد كان موقفهم انتقادا للتصور الجبري الذي يتأسس على اعتبار الإنسان مسيرا ومجبرا في سلوكه وفعله لأن الله هو خالق الأفعال وليس الإنسان في نظرهم... أما المعتزلة فدافعوا عن العدل الإلهي من خلال تحميل الإنسان مسؤولية أفعاله وجعله مخيرا ومريدا... وإلا لم يكن هنالك معنى للعقاب والثواب. فما دام الإنسان ممتلكا للعقل والقدرة، وما دام هنالك رسل بلغوا الدعوة فإن الإنسان حر حرية كاملة ومخير وليس مجبرا ولا خاضعا.
المحور الثاني: حرية الإرادة
الإشكال: هل الفعل الإنساني إرادي حر؟ وبتعبير آخر هل الإرادة الإنسانية حرة؟
موقف فرويد: الإرادة الإنسانية ليست حرة لخضوعها للاشعور
 لفهم موقف فرويد من مسألة حرية الإرادة يمكن الرجوع إلى نظريته الثانية في الجهاز النفسي، حيث يميز بين ثلاثة مكونات للجهاز النفسي و هي: الهو، الأنا، الأنا الأعلى. بحيث يشير الأول إلى الجانب الغريزي، والثاني إلى الجانب الواعي والثالث إلى الجانب الأخلاقي.. ويؤكد أن الأنا خاضع لسلطة الهو والأنا الأعلى.. وما داما من طبيعة لاشعورية، يكون الإنسان (الأنا) خاضع لسلطة اللاشعور ولا يتصرف وفق إرادته الخاصة.. وبهذا المعنى تكون الإرادة حسب فرويد غير حرة لأنها تخضع لتفاعلات تحدث على المستوى اللاشعوري ولا دخل للإنسان فيها. يقول فرويد: "إن الأنا مضطر لأن يخدم ثلاثة من السادة الأشداء، وهم: الهو والأنا الأعلى والواقع".. إن الإرادة الإنسانية إذن ليست حرة بل خاضعة للاشعور.
موقف ابن باجة:  الإرادة الإنسانية حرة والإنسان يختار أفعاله
يعتقد أبو بكر ابن باجة أن الإرادة الإنسانية حرة وأن الفعل الإنساني يقع للإنسان بالاختيار وليس بالإكراه. فالفعل الإنساني بالنسبة إليه هو الفعل الذي يختاره الإنسان بعد تفكير وروية وهو فعل لا يحدث لغيره من الكائنات غير المفكرة. لذلك يميز بين الفعل الإنساني والانفعال، فالأول مصدره النفس الناطقة (العقل)، أما الثاني فمصدره النفس البهيمية (الغريزة) لذلك فهو انفعال نفساني. كمثال على ذلك تكسير عود، فمن كسره لكيلا يؤذي غيره أو لغاية إنسانية مفكر فيها يكون فعله إنسانيا ناتجا عن إرادة حرة، أما من كسره لأنه خدشه فقط فهذا فعل بهيمي لأنه انفعال ورد فعل يرتبط بالنفس البهيمية. إن الفعل الإنساني إذن هو الفعل الإرادي الحر المرتبط بالتفكير والروية والهادف إلى الصواب والأخلاق.
المحور الثالث: الحرية والقانون:
الإشكال: ما علاقة الحرية بالقانون؟ وهل القانون يتنافى مع الحرية الإنسانية؟
موقف حنا أرندت: الحرية لها بعد سياسي وليس فقط ميتافزيقي
تعتقد أرندت أن مفهوم الجرية ليس مفهوما ميتافزيقيا نظريا كما تصر على ذلك الفلسفة الكلاسيكية وإنما هو مفهوم مرتبط بالممارسة السياسية، هذه الممارسة التي يتجلى فيها مفهوم الحرية بشكل أكثر وضوحا. هكذا تؤسس حنا أردنت الحرية ضمن إطار قانوني ينظم العلاقات بين الحاكم والمحكومين بعيدا عن اعتبار الحرية قضية باطنية. إن الحرية سلوك مشترك بين جميع الناس، لذلك يفترض توفر نظام سياسي وقوانين ينظمها. أما الحديث عن حرية داخلية، فهو حديث ملتبس وغير واضح. هكذا يكون مجال الحرية، حسب أرندت، هو المجال السياسي، لما يوفره من إمكانات الفعل والكلام، والحرية بطبعها لا تمارس بشكل فعلي وملموس، إلا عندما يحتك الفرد بالآخرين، إن على مستوى التنقل أو التعبير أو غيرها، فتلك هي إذن الحرية الحقيقية والفعلية في اعتقاد صاحبة " وضع الإنسان المعاصر".
موقف مونتسكيو: الحرية هي التصرف وفق القانون
يعتقد مونتسكيو أن الحرية لا تعني أن يفعل المرء ما يشاء ويتصرف كما يريد، وإنما أن يسلك وفق ما تسمح به القوانين، ذلك أن القوانين هي وحدها التي تضمن الحرية الإنسانية من خلال الحد من الشطط في استعمال السلطة.. يقول مونتسكيو "إن الحرية تحتاج إلى حدود"، أي أن الحرية تشترط وجود قوانين لأن البشر لديهم سلطة يميلون إلى إساءة استعمالها ما لم يجدوا حدودا وقوانين تكبح استرسالهم وتماديهم.. وبالتالي تكون الحرية حسب مونتسكيو هي التصرف وفعل كل ما تبيحه القوانين، وليس فعل ما يراد أو الاكراه على فعل ما لا يراد.. فالحرية وفق هذا التصور لا تتعارض مع القانون لأن الإنسان هو من يضع القوانين لاو يصادق عليها...
خاتمة:
السعادة
السعادة

مقدمة
تعتبر السعادة غاية من الغايات الإنسانية السامية، وتتحدد فلسفيا باعتبارها حالة إرضاء وإشباع وارتياح تام للذات... لذلك فهي حلم وطموح إنساني يغدي المشاعر ويعطي للحياة معنى... ويطرح موضوع السعادة عددا من الإشكالات المتعلقة خصوصا بدلالات السعادة وتمثلاتها من جهة، ومن جهة ثانية سبل تحقيقها ثم علاقتها بالواجب..
المحور الأول: تمثلات السعادة
الإشكال: هل للسعادة دلالة واحدة أم تختلف معايير تمثلها؟
موقف الفارابي: السعادة ترتبط بالتأمل العقلي
 إن جوهر السعادة عند الفارابي يرتبط بأسمى فعل يمارسه الإنسان وهو التأمل الفلسفي العقلي، والسعادة عنده فضيلة. والفلسفة سبيل لتحقيق السعادة وتحصيلها.. هكذا تكون السعادة خيرا مطلقا مطلوبا لذاته ما دامت مرتبطة باللذة العقلية، وليس وسيلة لغاية أخرى. إنه موقف يمجد النفس والعقل ويحتقر الجسد.
موقف كانط: السعادة مثل أعلى للخيال
 يعتقد كانط أن هناك صعوبة في تحديد مفهوم السعادة لأن تمثله يختلف من شخص لآخر، ولأنه مرتبط بالتجربة الحسية من جهة أخرى، في حين يسعى الإنسان إلى تكوين مفهوم مطلق عنه. إن هذه المفارقة تجعل السعادة مجرد مثل أعلى للخيال وليس مفهوما عقليا يمكن التحقق منه. فإذا كانت شروط تحقيق السعادة تتمثل في الثروة والصحة والحياة... فهي حالات متغيرة ولا يمكن اعتمادا عليها تحديد تمثل للسعادة، لذلك يبدو مفهوم السعادة غير قابل للتعريف.
المحور الثاني: البحث عن السعادة
الإشكال: هل يمكن بلوغ السعادة؟ وما هي سبل تحصيلها وتحققها؟
موقف روسو: السعادة سعي للكمال
يعتقد روسو أن السعي وراء السعادة هو سعي وراء الشقاء، ذلك أن الإنسان ترك السعادة وراءه في مرحلة الطبيعة التي كانت بسيطة وتخلى عنها الإنسان وهو يسعى إلى حياة الكمالات التي ليس لها نهاية والتي لا قدرة له على تحقيقها جميعها. إن السعادة تتطلب تحقيق معادلة التكافؤ بين الرغبات والقدرات، وهذه المعادلة لم تكن ممكنة سوى في حالة الطبيعة حيث كانت الرغبات بسيطة ومقدور عليها، أما في حالة المدنية فقد صارت الرغبات كبيرة وكثيرة تتجاوز ما لديه من قدرات.
موقف فرويد: ترتبط السعادة مرتبطة بمبدأ اللذة
يعتقد فرويد أن السعادة غاية كل الناس، وما يدفعهم إلى الطموح إلى السعادة هو مبدأ اللذة الذي يحدد هدف الحياة النفسية ذاتها، إلا أن طبيعة الإنسان ذاته تقف دون وصوله إلى السعادة، وفي مقابل ذلك يبدو الشقاء مهددا للإنسان في كل وقت. إن الألم حسب فرويد يتهدد الإنسان من جهات ثلاث: من الجسم بالذات الغارق في الهم والألم، ومن العالم الخارجي الذي تتوفر له قوى عتية لا يمكن قهرها ولا تعرف الرحمة... ومن الغير أيضا والذي يكون ألمه أشد وقعا علينا من أي ألم آخر كما يعتقد فرويد.
المحور الثالث: السعادة والواجب
الإشكال: ما علاقة السعادة بالواجب؟ وهل السعادة واجب نحو الذات أم واجب نحو الغير؟
موقف ألان: السعادة واجب نحو الغير
 يعتقد أن السعادة واجب نحو الغير ورغبة في إسعاده، إلا أن ذلك لا يتم دون الالتزام أولا بإسعاد الذات، إذ من واجب الإنسان أولا أن يسعد ذاته وهو أمر قابل للتحقق إذا كانت هنالك رغبة وإرادة. إن الإنسان لا يستطيع إسعاد غيره، ما لم يسعد ذاته أولا. ويعتقد ألان أن عدم القدرة على رؤية الآخرين سعداء هو السبب فيما تعرفه الإنسانية من حروب ومآسي... لهذا يجب على كل واحد منا أن يطلب السعادة بقوة ويصنعها بنفسه كالطفل الصغير الذي يحول كل شيء إلى مصدر متعة وسعادة.
موقف راسل: السعادة الحقيقية تتجسد في الانفتاح على الغير
 يرى الفيلسوف الانجليزي راسل أن التصور العامي للسعادة والذي يحصرها في الاستمتاع بملذات سخيفة يؤدي إلى سعادة مزيفة مؤقتة تمثل هروبا من مشاكل الواقع الأليم. تقابل هذه السعادة سعادة أصيلة وحقيقية تتجسد في الانفتاح على الغير والاهتمام به من خلال تخصيص الوقت والجهد لكل ما يبعث السرور في نفسه دون رغبة في السيطرة عليه أو إخضاعه أو حتى الحصول على ثنائه وإعجابه. يرى هذا الفيلسوف أيضا أن الذات ينبغي عليها التودد إلى الغير وإسعاده خارج إطار الواجب الذي يجعل إقبال الذات نتاج إكراه وإلزام ما يؤدي إلى النفور وبالتالي حصول العداء في العلاقات الإنسانية. يقوم موقف راسل Russel، إذن، على أن السعادة تحصل بعيدا عن فكرة الواجب، لكنها لا تتحقق إلا بالحضور مع الغير ومحاولة إدخال السرور والفرح على حياته.
خاتمة:
مهما اختلفت تمثلاتنا حول السعادة وسواء ربطناها بالجسد أو الروح أو العقل... تبقى قيمة سامية وغاية ننشدها باستمرار، ونظل في بحث دائم عنها.. أما علاقتها بالواجب فليست بالضرورة متعارضة، إذ لا تعارض بين إسعاد الذات وإسعاد الغير، بل يمكن أن يكون أحدهما شرطا للآخر شرط تجاوز النزعة الأنانية والنزعة الغيرية المتطرفة...
خلاصة عامة:
الأخلاق باعتبارها موضوعا فلسفيا تجعلنا ننفتح على إمكانيات متعددة لفهم الإنسان في بعد أساسي من أبعاده الإنسانية، ويتعلق الأمر بالبعد الذي يسمح بالنظر إليه كإنسان بالمعنى الدقيق للكلمة، أي بعيدا عن المعطى البيولوجي الذي يسجنه ضمن "مملكة" الحيوان. وذلك من خلال فهم الجوانب السامية التي ترقى بالإنسان حين يتصرف وفق الواجبات ويتعامل بغيرية في علاقته بالآخرين، ويكون حرا متحملا لمسؤولية ما يقوم به من أفعال وسلوكات، ويسعى إلى السعادة باعتبارها غاية إنسانية ينشدها الكائن البشري.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس