تحليل نص جون لوك حول الهوية الشخصية
النص:
"لكي نهتدي إلى
ما يكوّن الهوية الشخصية لابد لنا أن نتبين ما تحتمله كلمة الشخص من
معنى. فالشخص، فيما أعتقد، كائن مفكر عاقل قادر على التعقل
والتأمل، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء
الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة. ووسيلته الوحيدة لبلوغ ذلك هو الشعور الذي
يكون لديه عن أفعاله الخاصة. وهذا الشعور لا يقبل الانفصال عن الفكر،
بل هو، فيما يبدو لي، ضروري وأساسي تماما بالنسبة للفكر، مادام لا يمكن لأي كائن
[بشري]، كيفما كان، أن يدرك إدراكا فكريا دون أن يشعر أنه يدرك
إدراكا فكريا.عندما نعرف أننا نسمع أو نشم أو نتذوق أو نحس بشيء ما أو نتأمله أو
نريده، فإنما نعرف ذلك في حال حدوثه لنا. إن هذه المعرفة تصاحب على نحو دائم
إحساساتنا وإدراكاتنا الراهنة، وبها يكون كل واحد منا هو نفسه بالنسبة إلى ذاته،
وفي هذه الحالة لا نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت الذات نفسها تبقى مستمرة في
الجوهر نفسه أو في جواهر متنوعة. إذ لما كان الشعور يقترن بالفكر على نحو
دائم، وكان هذا هو ما يجعل كل واحد هو نفسه، ويتميز به، من ثم، عن كل كائن
مفكر آخر، فإن ذلك هو وحده ما يكون الهوية الشخصية أو ما يجعل
كائنا عاقلا يبقى دائما هو هو. وبقدر ما يمتد ذلك الشعور بعيدا ليصل إلى الأفعال
والأفكار الماضية، بقدر ما تمتد هوية ذلك الشخص وتتسع. فالذات الحالية هي نفس
الذات التي كانت حينئذ، وذلك الفعل الماضي إنما صدر عن الذات نفسها التي
تدركه في الحاضر."
(مأخوذ من الكتاب المدرسي في رحاب الفلسفة، للسنة ثانية باكلوريا)
مفاهيم أساسية في النص
الشخص: هو الأنا أو الذات العاقلة المفكرة التي تقوم
بمجموعة من العمليات العقلية بالاعتماد على الشعور (الوعي الحسي).
الشعور: يقصد به في سياق النص
تجربة الوعي الحسي التي لا يمكن أن يتم التفكير في غيابها أو بانفصال عنها.
السؤال الذي يجيب عنه النص:
ما هو الشخص وما هو الأساس الذي تقوم عليه هويته
الشخصية؟
أطروحة النص:
يؤكد جون لوك أن الأساس الذي تقوم عليه الهوية الشخصية
هو الفكر المقترن والمتأسس على الوعي الحسي.
أفكار النص:
تعريف الشخص بأنه ذات مفكرة تقوم بعمليات عقلية أساسها
تجربة الوعي الحسي
تأكيد علاقة الاقتران المستمر بين الفكر والشعور (الوعي
الحسي)
تأكيد أن اقتران الفكر بالشعور هو ما يحدد هوية الشخص،
ويفسر امتدادها عبر الزمن.
خلاصة النص
يريد صاحب النص التأكيد على أن أساس هوية الشخص هو الفكر المرتبط
بالشعور (الوعي الحسي) أو التجربة الحسية للشخص و التي تجعله يشعر بذاته و يدركها
في كل مكان و كل زمن. أي أن الخاصية الجوهرية و الثابتة التي تجعل شخصا، أي ذاتا مفكرة، مطابقا لذاته
في كل الأحوال هو هذا الفكر الذي يقترن بالشعور الذي للإنسان عن ذاته..
موقف جون لوك بخصوص الهوية الشخصية
في كتابه "محاولة فلسفية في الفهم البشري" نجد
نصوصا لجون لوك يمكن من خلالها أن نستنبط تصوره بخصوص الهوية الشخصية. ففي إحدى
مقولاته نجده يعرف الشخص بأنه ذات مفكرة (كائن عاقل، قادر على الاستدلال و التفكير)،
غير أن مفهومه للفكر يختلف عن ذاك الذي نجده عند ديكارت، بحيث أن الفكر لديه يتمثل
في مجموع العمليات العقلية أو النفسية التي لا تنفصل أبدا عن الإحساس، بل إن الفكر
يكون مرافقا دوما بالإحساس. لذلك فأساس هوية الشخص، فيما يعتقد لوك، هو الفكر
المرافق بالإحساس أو ما يمكن أن نسميه التجربة الحسية (الفكر أو الوعي و الذاكرة
باعتبارها أحاسيس أو مصدرها الإحساس)... و الإحساس عند لوك نوعان: إحساس
خارجي يربطنا بالعالم المادي من خلال الحواس، و إحساس داخلي من خلال ما يسميه
بالتأمل أو الاستبطان.. و هكذا فلا فكر بدون إحساس بل نستطيع الزعم بأن الفكر عنده
إحساس، لكنه يتم على المستوى النفسي الداخلي. لذلك يعتبر العقل عند لوك (و عند
التجريبيين عموما) صفحة بيضاء لا توجد فيه الأفكار الفطرية، و الإنسان يحصل على
الأفكار فقط عندما يتكون لديه الإدراك الحسي…يقول لوك : "إنني حين أدرك شيئا
ماديا لا أدركه مباشرة ـ بواسطة العقل ـ بل أدركه بطريقة غير مباشرة، أي عن طريق
أفكاري عنه، هذه الأفكار هي ما أدركه مباشرة…". و لعل هذا الموقف ينسجم تماما
مع الفلسفة التجريبية التي تعطي أولوية للتجربة الحسية و للإحساس على حساب الفكر
أو العقل.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية