إيران: درس الهوية و القيمة





بقلم: محمد بعدي



انتابتني أحاسيس غامضة و متناقضة و أنا أتابع ما يحدث في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، و خصوصا ما يتعلق بالرئيس الإيراني حسن روحاني: خطابه، مواكبة تحركاته إعلاميا، حضوره... خيل إلي أحيانا أنه رئيس أقوى دولة في العالم!! كان حضوره يشعر بنوع من الفخر... رئيس مسلم يحظى بهذه المتابعة و الاحترام و تتسابق عدسات عالمية لالتقاط صوره... و الأكثر إثارة من ذلك أن يستجدي الرئيس المغرور أوباما لحظة لقاء مع الرئيس الملتحي الذي يرتدي الزي الإيراني التقليدي... كنت أجول بناظري لعلني أعثر على رئيس عربي يزاحم هذا الإيراني المزهو كطاووس... أو أقرأ عن رئيس عربي لفت الأنظار ... لكن لم ألفي غير"الأصفار"... كان أغلب العرب "كتلا من اللحم البشري" عافته "كلاب" الغرب، و كأن بهم "جرب"... وحده هذا "الروحاني" الفارسي كان يملأ المكان في الحضور و الغياب... تساءلت عن السر... فوجدت مفاتيحه في كلمتين: الهوية و القيمة.
إيران دولة لها هويتها الخاصة المرتبطة بلغتها، و عقيدتها الدينية، السياسية، و العسكرية، و تطورها العلمي... دولة يفوز فيها رئيس {نجاد} بولايتين، يخدم بلده، و يعود إلى مكانه مدرسا في الجامعة يسافر عبر الحافلة، يعود "رئيسا سابقا" بدون قصور و لا خدم و لا حشم، بدون أسطول سيارات و لا طائرة خاصة ... إيران دولة تمتلك "سينما" بمواصفات عالمية لكنها تعبر عن الهوية الوطنية و الثقافية... و لا تستطيع أن تعثر في أفلامها على قبلة واحدة غير أنها تفوز بجوائز عالمية... دولة ذات سيادة و كرامة و ندية... كل ذلك و غيره مما لا يتسع المجال لذكره منح إيران قيمة كبيرة بين الدول، و أعطاها مهابة بحيث ينصت الآخرون حينما تتكلم... و لم يعد تأثيرها إقليميا فحسب، بل صارت قادرة على المساهمة في رسم الخارطة العالمية، و صارت لها قيمة دولية لا يمكن إنكارها... و يكفي أن يطلب أوباما خمس مرات لقاء روحاني دون يجد الآذان الصاغية... للتدليل على ذلك.
و في مقابل ذلك تجد بعض العرب منبطحين تماما لأمريكا،"سراويلهم تحت الركب"... و يا للعجب!! يخدمون أمريكا دون طلب، ينفذون مشاريعها و ينعشون اقتصادها و يدعمونها في تصفية القضية الفلسطينية دون حياء أو أدب... إنه فعلا عجب!! البعض من العرب يعبد أمريكا و يسبح بحمدها ليلا و نهارا، سرا و جهارا... لذلك تعاملهم مثل عبيد، و تذبح رمز "الفحولة" فيهم يوم العيد... تذلهم، تهينهم... فيطلبون مع رضاها المزيد... كيف لا نشعر بالغضب؟ هويتنا ضائعة و قيمتنا تحت الصفر... من نحن؟ لا جواب يشفي الغليل... شعب ذليل... بجانب الكبار نحن عابرو سبيل... زادنا العلمي قليل... و مشاريعنا الكبرى غواني و راح و ليل... حكامنا يريدون الحكم إلى الأبد و بعد الأبد... يريدون شعبا قطيعا يساق إلى الذبح و السلخ... و لا يتألم، يسرق و يغتصب في حقوقه و عرضه و ثروات أرضه... و لا يتكلم... يلدغ مرات و مرات و لا يتعلم...
يعلمنا الدرس الإيراني أن القيمة تكتسب متى وجدت هوية، و أن من لا يمتلك هوية لن تكون له قيمة... سيكون ضائعا و تائها، سيكون "مسخا" ليس إلا... و في أحسن الأحوال تابعا مقلدا عبدا لأسياده الذين يمتلكون هوية يدافعون عنها، و يعتزون بها... و هكذا فلا مستقبل مشرف لهذا الوطن و لا كرامة لهذه الأمة إلا إذا كانت لها هوية تمتد إلى الماضي لتربطه بالحاضر و تنفتح من خلاله على المستقبل..




مقالات أخرى للكاتب:



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس