بقلم : يوسف عشي |
خطاب الضبع "المستأسد"..
أكاد أسمع أيها الإخوة الكرام صوت الضبع بما يعرف
عنه من طبائع الانتهازية والخسة والغدر..
وهو يتكلم بكل وثوق بعد أن ظن أن الأسود هرمت.. واعتقد واهما، لما يقارب السنوات
الثلاث، أن بمقدوره هزيمتهم، بل واستعبادهم وقهرهم.. وأكاد أراني أشرف على تل من
الجثث المتراكمة يعلوه منبر وقف عليه هذا الضبع البشري ناصبا أذنيه عاليا وهو يعوي
بخطاب يظن أنه أتى به مبشرا بشارا.. فتخيلت الخطاب الذي سيلقيه، وشذرات المعاني
التي يمكن أن يقذف بها عويل هذا الضبع الذي قلب اسمه سهوا فصار"الأسد"،
فرأيته –لا أكذبكم قولا في مخيلتي- يقول:
"إختف أيها الإنسان.. إضمحل.. تردى وتقهقر..
فمرتبتك لا تتجاوز الحيوان.. وبين صفوف الحيوان.. لا مكان لك إلا إذا استقويت
وقهرت البقية.. وإن كانت شوكتهم قوية .. فالويل لك .. الويل لك .. إن ضعفت وضيَّعت
الهوية.. حينها.. ستقهر.. تموت وتندحر..
عليك بالاستقواء.. بأي وسيلة.. حتى لو كانت
رذيلة، لا تترك لأثر غيرك بقاء..لا تكن من الضعفاء.. إياك ثم إياك يا ويلاك..إياك
أن تفكر !.. ما عليك سوى أن تكون..
حيث القاعدة والقانون.. هو أن تكون، وغيرك لا يكون.. إنهب خيراته !..
فهذا حلال !.. لا تفكر.. قطعا حلال..
استبح حرماته !.. أيضا حلال.. لا تفكر، لا
تأبه !.. نكل به !
إقتت من جثته.. إبن صرحك على نعشه !..
لا تهن.. فلا مكانان..ولا رأيان.. ولا عالمان.. هناك فقط مكان واحد.. ورأي واحد..
وعالم واحد !.. إياك أن تفكر، أن تظن،
أو حتى تتخيل أن تعيش.. ويعيش !.. أحمق أنت !..
حيوان وأحمق إذا فكرت.. هل جننت؟.. الحيوان لا يفكر.. الحيوان يعيش.. فقط يعيش..
ولاشيء يهمه غير العيش..
حينما تصير قويا، أو حينما تستقوي.. بأي شيء، لا
تنس أنك دائما مهدد !.. وسيلتك
الوحيدة.. أن تقهر كل ما سواك.. هذا إذا تركت في الحياة سواك.. عش فقط ودونك ممن تقتات
من عرقه.. وتركب جناح رغباتك فوق رقبته.. وترتوي حين ضمئه من دمائه.. وهو الضعيف
اللطيف الذي يخدمك.. لا تخدمه !. ويعتبرك.. لا تعتبره !.
وينفعك.. لا تنفعه !. ويبتسم لك..
اصفعه !. فأنت القوي ولا وجود
لغيرك إلا بإذنك.. ونير جمار نارك.. وذلك لأنه مع الاستحياء حمارك !..
لا تحلم أيها الإنسان.. إنس.. فما مقامك
سوى الهذيان !.. لأن المنطق في حياة
الحيوان مفقود.. والكرامة شيء منبوذ.. وأنت حيث أنت لا تتجاوز الحدود.. لا تحتمل..
إحتمال الرياضيات.. فقط إحتمل واحتطب واملأ جيوبك ملء الأرداف شوكا وحنظلا وسما و
ذلا وهوانا.. حينها فقط كن جوادا.. كريما.. معطاءا.. بدون حسبان.. لأنك لا تستطيع
العيش، عيش الشجعان.. ولا تستطيع قهر الأحرار.. لأنهم، يزعمون أنهم من يمثل
البشر.. فيا ويلك .. يا ويلك.. إن حلمت بالعيش مع مثل هؤلاء البشر.. سيستهجنوك..
ويستعبدوك.. ولا يتركوا لك بقايا جيفهم.. لن تقتات.. لأنهم بكل بساطة.. لا
يصطادون.. بل يزرعون.. ويصنعون.. وينتجون.. هل ظننت نفسك حقا إنسان؟.. ها أنت تغدر
بطبيعتك.. وتخرج عن بني جلدتك.. وتنسى نوعك وفصيلك..
وأنت أيها الظهير.. تظن أن لك ضمير.. وتحاول
إقناعي أنك نصير.. تبا لك.. لا منطق لك.. ويحك.. لا أم لك.. تعتقد أن من عبيدي من
هو إنسان؟.. من هو غيري أنا.. إنسان؟ كيف؟.. إذا أثبتت لك أنني أنا نفسي.. لا أملك
أن أكون إنسان !.. مرتبتنا جميعا.. لا
تتعدي صراع البقاء.. والاقتتال دون عنوان.. لهذا.. إخسأ .. واندحر.. لست سوى
جبان.. لن أواجهك.. وحتى إن تحداني أقبحك.. أعطيه مخالبا.. وأنيابا.. وأأمَنُه..
حتى لو لم يبق لي.. بما أبتلع دوني.. سوى اللسان..
أيها الشبيه بالإنسان..شبيهي.. أخي في الطبع
..أيها الضبع.. انتظر.. إياك أن تهيجك السطوة فتغتر.. ما قدروك وإياي حق القدر.. انتظر
إلى حين نتون الجيف.. وابتعاد أذرع أنياب ذوي الحلف .. حينها ستقتات معي فلا
تسأل.. فقط أطلق حرسك وابنك غير الشرعي، ومعه سأطلق لساني المتبقي.. لنعيث في
الأرض بالفساد.. حتى نلتهم الجيف ونلعق سويا ما بقي من الدماء فوق الرماد.."
انتفضت من شرودي.. وشعرت وكأن هناك من ينتشلني من
غار عميق أو بئر سحيق.. ثم ما لبثت أن عدت إلى هدوئي وكأن من انتشلني يربت على
كتفي محاولا طمأنتي ، وكأنها يد حنون طالما أعادتني إلى الفراش مطمئنا.. فعدت إلى
التداعي حيث تذكرت بقية الخطاب الذي كاد السيد الضبع يختمه لكن بنبرة أخرى هذه
المرة حيث سمعته يقول:
"لكن يا ابن الهم يا ضبع.. يا أخي في الطبع..
بالأمس كنت أترصد الأسود.. أحرمها جيفها.. وأغرز أنيابي في الخدود.. واليوم طالت الأحراش، واستغابت الأزهار.. ولم
أعد أستطيع التميز بين نعيق الغراب ونهيق الحمار.. صار كل شيء يسمع في أذني صفارات
إنذار.. كثرت جحوري وامتدت الأنفاق حتى ضاقت بالأعناق.. كثرت كوابيسي.. صرت أخشى
مآل أخينا العقيد.. صرت أشك في أن أكون إسما على مسمى، ضبعا، يخال أنه أسد.. "
التفتت يمينا وشمالا.. خشيت أن تنتقل عدوى
الكوابيس من السيد الضبع إلي.. فتمتمت ببضع كلمات أستعيذ بها من الشيطان الرجيم..
ثم عدت لأغط في نوم عميق لم يقلق مضجعه سوى صوت المنبه الذي لم يترك لي مهلة لأخذ
كفايتي من النوم.. فنهضت مسرعا وأنا أتمتم ببضع كلمات ساخطة " اللعنة على
بشار.. لم يكفه القتل والتدمير والتنكيل بشعبه، بل تمادي إلى الحد الذي بات فيه
يقض مضاجعنا" .
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية