يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا {9}


طرائف الحراسة
بقلم: محمد بعدي
رافقني في رحلة الحراسة أحد الأساتذة الحاقدين على الوضع... جاء منذ خمس عشرة سنة من مدينة فاس... كان في كل سنة يمني النفس بالانتقال، لكن تجري رياح الحركة الانتقالية بما لا يشتهي. كان متذمرا دائما، يسب، و يلعن، يبدأ بالتلاميذ، ثم يمر إلى المدير، دون أن ينسى بعض زملائه الذين تصيبهم نيرانه الصديقة، خصوصا أولئك الذين يشعر أنهم يناصبونه العداء... مرت حوالي ثلث ساعة عندما جاء المكلف بتسجيل الغياب، و الذي كان يحمل وثائق الصباح تسجيل غياب المترشحين... سألني إن كان هنالك تلميذ واحد فقط غائب... عددت التلاميذ دون أن أجد نقصا في العدد. قلت له: لا يوجد غياب. استغرب و قال لي بأن الأمر غير ممكن، و بأنه ينبغي أن يكون هنالك تلميذ غائبا... و بدأ بدوره يعد التلاميذ، ليكتشف أن العدد لا يتضمن غيابا... غادر ثم عاد بعد لحظات رفقة شخص آخر، بدآ يعدان التلاميذ... لم يكن هنالك نقص يشير إلى الغياب. بحثا عن اسم التلميذ المتغيب، نادى عليه أحدهم لنكتشف أنه غير موجود.. كان الأمر غير مفهوم: يوجد تلميذ متغيب لكن عندما نعد التلاميذ نكتشف أن العدد لا مكتمل و لا يوجد غياب... حاولنا أن نتأكد اسما اسما ... غير أن المفاجأة أننا اكتشفنا متأخرين أن زميلي الذي كان يفترض أن يكون حارسا يراقب معي التلاميذ، يبتلعه مقعد التلميذ المتغيب و هو يقرأ أوراق الامتحان دون أن ينتبه لما يجري حوله أو ننتبه نحن إليه...
نهض زميلي، بعدما اكتشفنا الأمر، جلس على كرسي قرب المكتب، كنت أتحرك بين الصفوف عندما بدا لي أن أحد التلاميذ يبتسم و هو ينظر في اتجاه المكتب.. استدرت فوجدت زميلي يغالب النوم فيغلبه النوم، و هو يكاد يسقط عن الكرسي... و ما هي إلا لحظات حتى بدأت موسيقى الشخير، كان شخيره يسمع من بعيد.. كان منظره مضحكا إلى حد أن أحد التلاميذ لم يستطع أن يتحكم في غدده الضحكية ليطلق ضحكة اهتزت لها القاعة... لتتبعه موجة ضحك عارمة لم استطع ايقافها... و أخيرا استيقظ زميلي مذعورا.. هاجم التلاميذ واصفا إياهم بغير المؤدبين.. لم يستسغ أن يكون موضوعا للضحك، و كان يقول لهم على طريقة القذافي : من أنتم لتضحكوا علي أيها الأوغاد؟ ثم بدأ يهددهم و يتوعدهم و يقسم بأنه سيكون لهم بالمرصاد، و أنه لن يتعاطف معهم أبدا، و بأن من يضبط منهم فلن يرحمه... و بدأ يتجول بين الصفوف و يقوم بحركات استفزازية و هو يبعث بالأوراق و كأنه يفتش عن شيء ما.. رغم أنه يعلم أن لا شيء هناك. اتهم إحدى التلميذات بأنها تخفي شيئا ما تحتها، و رغم قسمها أصر على نهوضها، و عندما نهضت لم يجد شيئا.. كان يريد موقفا للانتصار. تحرك كثيرا و أخيرا عاد ليعتلي الكرسي و يستند بمرفقه على المكتب... مر من الوقت ما يزيد عن النصف ساعة عندما اكتشفت بأن "حليمة عادت إلى عادتها القديمة"، كان النوم يتحرش به ثانية و هو يقاوم، غير أنه استسلم أخيرا... و بدأ رأسه يتدلى.. ثم يعود إلى وضعه، ثم يتدلى... و هكذا إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان... انزلق مرفقه من على المكتب، و عندما اراد استعادة التوازن انزلقت رجله إلى الأمام فسقط متمرغا.. حاول النهوض مستندا على المكتب، غير أنه خذله أيضا ليسقط ثانية... و عندما استوى واقفا نظر إلي و الابتسامة تعلو وجهه... فانفجرنا ضاحكين..

مقالات ذات صلة:


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس