من "الانتقال" الديموقراطي إلى "الانتقام" الديموقراطي


بقلم : محمد بعدي
توجد تقاطعات كبيرة بين البلدان التي حكمها الإسلاميون بعد الانتفاضات الشعبية التي عرفتها تلك البلدان، سواء كان ذلك الحكم كليا كما هو الحال بالنسبة لإخوان مصر أو جزئيا مثلما هو الأمر بالنسبة لحركة النهضة في تونس و حزب العدالة و التنمية بالمغرب... و التقاطع الذي يهمنا هنا هو وصولهم إلى الحكم من خلال عملية انتقال ديموقراطي... إذ أنهم استطاعوا الوصول إلى سدة الحكم من خلال انتخابات يوجد شبه اجماع على نزاهتها... و بعد طول انتظار في دكة المعارضة... و بعد حصار و حظر أو تهديد بالحل .. حسب التجارب السياسية التي مر منها الاسلاميون في هذا القطر أو ذاك.
في مصر حوصر الاسلاميون منذ عبد الناصر... و عانوا معاناة شديدة دفعتهم إلى العمل السري و المسلح أحيانا... و دفعوا أثمان باهظة جدا و صلت إلى حد القتل {إعدام سيد قطب أحد كبار منظري الحركة الاخوانية المصرية و العالمية}، و استمر الحصار و الاعتقالات و السجن... مع حكم الرئيس مبارك، إلى أن جاءت انتفاضة 25 يناير التي أطاحت بفرعون مصر و حملت الاخوان إلى قمة الهرم السياسي... فحصل "الانتقال الديموقراطي".
في تونس كانت حكاية الاسلاميين مع الحكم العلماني مختلفة، سواء مع بورقيبة أو بنعلي. هكذا لم تعد تونس تتسع لغير العلمانيين و ضاقت مساحتها بالاسلاميين إلى حد أصبح الحجاب جريمة، و الصلاة في المسجد تتطلب ترخيصا !! و اختار غالبية المعارضين و من بينهم الاسلاميون أرض الله الواسعة... إلى ان جاءت انتفاضة تونس بالأمل في الحرية و الكرامة... و بقية الحكاية أن الاسلاميين تبوأوا المشهد السياسي من خلال اللعبة الديموقراطية و إن تقاسموا السلطة مع المرزوقي غير الاسلامي.
في المغرب كان الوضع مختلفا قليلا نظرا لاختلاف الواقع السياسي و خصوصيته، و مع ذلك فقد أدى الحراك الشعبي أو ساهم في وصول أو توصيل الاسلاميين، نظرا لتظافر عوامل ليس المجال لذكرها... فإذا كان المصريون و التونسيون قد أسقطوا نظاميهما السياسيين فإن النظام السياسي في المغرب لم يتم اسقاطه، و إنما استطاع القيام بعمليات تجميل "ديموقراطي" انتهت بالإسلاميين في السلطة، و لكن دون أن يكونوا حكاما فعليين، و إنما مشاركين في الحكم، خصوصا و أن البنية السياسية في المغرب لا تسمح اطلاقا بوجود حزب يستطيع ضمان أغلبية مطلقة تمكنه من تنزيل برامجه و تنفيذ مشاريعه { هذا بغض النظر عن ما يسمى حكومة الظل التي تحكم بالفعل } دون تحالفات سياسية، قد تكون هجينة أحيانا، مثلما هو الأمر في الحكومة الحالية { تحالف العدالة و التنمية الاسلامي مع التقدم و الاشتراكية اليساري}.
هكذا نجد أنفسنا أمام تجارب سياسية مختلفة يوحدها وصول إسلاميين للحكم بطريقة ديموقراطية، و من الطبيعي أن تسمى العملية في سياق التداول السلمي للسلطة ب"الانتقال الديموقراطي"... في جميع التجارب المذكورة بدأت الحرب على الاسلاميين قبل أن يبدأوا الحكم ... و في كل تلك التجارب استندت الحرب على آلة إعلامية تملك كل الوسائل و الإمكانيات التشكيكية و التحريضية... من خلال استغلال قضايا هامشية و إعطائها أبعاد كبيرة و خطيرة... فإنشاء مقهى في قلب القاهرة يقوم على إلغاء الاختلاط و توزيع المجال بين العائلات من جهة، ثم الرجال من جهة ثانية، ثم النساء... نفخ فيه إعلاميا ليصبح أخونة و أسلمة للمجتمع، و في تونس صار الدفاع عن التقبيل في الشارع أحيانا أهم من الدفاع عن الوطن... أما في المغرب فقد أصبح العري من المقدسات التي لا يجب الاقتراب منها او انتقادها، و الترويج للحرية الجنسية عقيدة عند البعض... و عندما يبدي إسلامي رأيه تتحرك الآلة الاعلامية محذرة مخدرة... ساهم في ذلك الأخطاء غير القليلة التي ارتكبها بعض الاسلاميين...
إن كل من تابع الوقائع سيدرك دون شك أن التجربة الإسلامية كانت مزعجة بالنسبة للكثيرين، و كانت محاربة أيضا من طرف الكثيرين، و كانت أخطاؤهم تضخم بطريقة كاريكاتورية... ففي الواقع المغربي مثلا لم تكن المعارضة من خارج الحكومة فقط، و إنما من داخلها أيضا { حزب الاستقلال}... لقد بات واضحا أننا لم نعد امام انتقال ديموقراطي، بل أمام "انتقام ديموقراطي" يتأسس على توريط الاسلاميين في الحكم و تحقير إنجازاتهم إن وجدت، و تضخيم هفواتهم و هي موجودة  دون شك. و الهدف هو "شيطنة" كل ما هو إسلامي في إطار حرب حضارية قيمية بين مشروعين أحدهما يدعي "الحداثة" و  الثاني يؤمن أو يدعي "الاسلام"... و الخطير في الأمر أن دعاة "الحداثة" يريدون استئصال التجربة الاسلامية دون منحها فرصة الاختبار وفق القواعد الديموقراطية... و أحيانا بمبررات لا تحاكم الواقع، و إنما تحاكم النوايا المفترضة... إنها إذن عقلية انتقامية تخشى أن ينجح الآخر حيث أخفقت هي، و إلا كيف نفسر هذه "الحرب" على كل ما تشم فيه رائحة "الاسلام"...؟ نقول هذا الكلام ليس دفاعا عن "الاسلاميين" أو عن سياساتهم التي نختلف مع الكثير منها، و لكن دفاعا عن "القيم" و المبادئ الديموقراطية... التي يدعي الكثيرون أنها أهم النظم السياسية التي عرفها البشر { و هذا كلام فيه نظر}.

مقالات أخرى للكاتب:
"التلوث" السياسي في الوطن العربي
موازين... طريقنا إلى التقدم!!
"الشباطيزم" أو فلسفة العبث السياسي
جهاد النكاح أو الدعارة الحلال
الأسد و الضباع
الفيديو كليب و إدماج المرأة في التعرية
الكفاءة التربوية و فلسفة التخلف السياسي
لأجل نيني : أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
المعرفة بين " الداودي " و " الداودية "
أعداء العربية
ماذا خسر المغرب بوفاة الشيخ ياسين؟


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس