هل فعلا نصوم ؟





بقلم: حساين المامون
                 يحل علينا رمضان من كل سنة و نلاحظ نوعا من الازدواجية و الانتقائية في التصرفات يخلط فيها التدين بالدين. حيث نشهد جملة من المظاهر السلوكية التي تصدر عن كثير من الناس لكنها لا تصدر إلا في هذا الشهر فهناك اهتمام مرتفع بالطقوس الدينية ، و اعادة نظر في السلوكيات الشخصية ، والحذر من الاساءة للآخرين و بعضنا نراه يطيل ترديد الادعية و التسبيحات على حبات مسابح فخمة و رجال يتوقفون عن التدخين بعدما ما كانوا لا يفتئون عن مفارقته ولو للحظة و منهم من لم يفعل و له علته الخاصة به ( و هذا شأنه) مما لا ريب فيه ، ونساء يمتنعن عن استخدام مساحيق التجميل ويرتدين حجاب الرأس،الى غيرها من المظاهر و السلوكيات الحميدة التي تميز افراد مجتمعنا في هذا الشهر . ومما لا ريب فيه اننا نحاول ان نتخلص من الكثير من المظاهر التي كانت جزء لا يتجزأ من مظاهر و شكليات لا نفارقها بالعادة عن حياتنا اليومية والسبب في ذلك كوننا صائمون و هذا شهر الطاعة و الغفران. لكن مع انتهاء هذا الشهر تذبل هذه المظاهر رويداً رويداً حتى تختفي، فننتظر العام القادم لرؤيتها. يرى البعض ان ذلك التغير في سلوكيات الناس في رمضان على أنه تعبير عن شوق للروحانيات، بعد أن غلب التفكير المادي على الكثير من علاقاتنا الاجتماعية، شوق للروحانيات يعبر عن صدأ بدأ يأكل أرواحنا من الداخل، فيأتي هذا الشهر ليشكل مناسبة تتيح للجميع غسل نفسه من ما علق فيها من اردان الحقد و الضغينة .
لكن ما يطرح نفسه على مائدة التساؤل هو هل ان الصيام يعني الابتعاد عن كل ملذات الدنيا من المأكل و المشرب ؟ ام ان العبرة من ورائه اكبر من ذلك وهل حققنا الهدف المرجو منه ؟ قد يجيب مجيب ان العبرة في الصيام تكمن بإحساسك بأحوال الفقراء و الشعور بجوعهم و وحاجتهم الى المساعدة و تنظيف الجسد من المحرمات ، ولكن ما نراه في رمضان هو فقط الانقطاع عن الطعام لعدة ساعات وعند موعد الاذان ترى موائدنا ملئى بما لذ وطاب من الاطعمة التي تكفي لملء البطون و سلال النفايات ايضا وكأن العبرة من الصيام هي فقط الامتناع عن الطعام لفترة من النهار .فأي احساس بالفقير هذا و اي تطهير للأنفس هذا ما دمنا لا نخرج حتى النزر البسيط من هذه الموائد لا نخرج ما يستحق علينا من اموال للسائل و المحروم ولو فعلنا لكنا حققنا جزئاً بسيطاً من الهدف المرجو من الصيام .
نجد أن المسلمين  للاسف يعانون في رمضان أكثر مما يعانون في غيره ، فيتجشم مصروفات ونفقات أكثر مما يفعلون في غيره ، ويعرقون ويعطشون ويجوعون ويتذمرون أكثر مما يفعلون في غيره ، والأوضاع المالية للطبقة المتوسطة بأسرها في مجتمعاتنا تهتز من فرط المأكل والمشرب لتعاني فيه أكثر من غيره (قروض رمضان). اضافة الى أن هذا الشهر غايته العمل والانتاج وفيه تحققت انتصارات المسلمين، في حين تحول اليوم شهر رمضان الى شهر الكسل والنوم بدعى شدة التعب والمشقة والعطش وقلة النوم...و يتحولون إلى كسالى يستهلكون ولا ينتجون..أكثر مما هم في غيره من الشهور.أما النساء فحدث ولا حرج ، فربة البيت المسلمة تتحول في رمضان إلى "جارية" حقيقية تعمل بالسخرة ضمن مطبخها لا تستطيع منه فكاكاً حتى لو كانت تمتلك خادمة ، لتغطي واجبات الحريرة والحلويات والمقليات نهاراً على أكمل وجه وواجبات الشحنات الجنسية الناتجة عن ذلك في زوجها ليلاً نتيجة ما أكل ليلا من مأكولات غنية بالمنشطات الجنسية.  اذا كان الغاية من رمضان هو تهذيب النفوس ،فهل هي هذه النفوس التي نراها غاضبة مستنفرة على أبواب المحال وفي الأسواق وهي في حالة هياج غريزي نتيجة فقدان السوائل والهبوط الناتج عن الحرمان من طاقة الغذاء والماء..هل هذه نفوس مهذبة ؟  ويكفي أن نلقي نظرة على المرور وحركة السير في رمضان ووجوه السائقين لندرك كم أن نفوسهم مهذبة. ولننظر إلى "الحوارات العقلانية" التي تعقد عشوائيا تحت شمس الظهيرة بين الناس لنعرف مدى تهذيب النفوس، و لنمر على أبواب أحد المخابز المفضلة قبيل المغرب لنحس أجواء الشهر الفضيل ونفوس الناس ذات التهذيب "العالي" . أين هو تهذيب النفوس في رمضان يا أيها الصائمون ؟ ان الحقيقة المرة اننا في هذا الشهر بالذات نعيش حالة من النفاق الديني الذي يستغل هذا الشهر بكل ما يحفل به من طقوس وروحانيات مضاعفة، بغية تأمين صورة اجتماعية أفضل للفرد اذ ما ان يتخلص الجميع من شهر رمضان ينطلقون فى لهوهم معوضين ما فاتهم في هذا الشهر، اذ اننا كنا نتمسك بطقوس دينية محصورة على مظهر متغير دون أن تمس لدينا اي جوهرا او كما يقول الحديث الشريف : "كم من صائمٍ ليس له من صيامه الا الجوع و العطش ".


مقالات أخرى للكاتب:


أوهام الربيع العربي تتهاوى
من يريد إبادة الدرس الفلسفي مجددا ؟
الغش لا ينتج إلا الغش



تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس