يوميات " مكلف بالحراسة" في امتحانات البكالوريا { 7}


الحب ينتصر على النجاح
بقلم: محمد بعدي
امتدت يد الرحمة و العفو إذن إلى "المجرم" الصغير.. و بالأحرى "مشروع المجرم". كان ينتمي إلى أسرة مفككة و كانت ظروف حياته جديرة بأن تحول إلى سيناريو درامي،
كان مدمنا، يبيت غالبا في منزل تكتريه "مومسات"، يعاقر الخمر، و يبيع السجائر، و يقتات غالبا على ما تنتشله يداه... العجيب أن الأب الذي طرده بعد تطليق والدته، و هاته الأخيرة التي طردته أيضا بعدما رفضه زوجها الثاني... اجتمعا معا لإطلاق سراحه بمجرد علمهما باحتجازه..  فكرت أن التلاميذ يكونون ضحايا في أحايين كثيرة، ضحايانا نحن أيضا... نحن الذين نريد نموذجا جاهزا لا يوجد إلا في أذهاننا، نموذجا متخلقا و مؤدبا و محبا للجد و الاجتهاد... دون أن نكلف أنفسنا عناء معرفة ظروف حياة تلامذتنا نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا... قضيت وقتا أتخيل العشرات و ربما المئات ممن يعيشون ظروفا مأساوية "يلوكون الصخر خبزا"...
في الغد استيقظت مبكرا، لم أجد شهية للأكل، كنت انتظر وقت الذهاب إلى العمل بغير شهية أيضا... عقارب الساعة كانت تستفزني.. تتحرك بكسل.. لم تكن مستعجلة اليوم... تباطؤ الزمن زاد من تعكير صفوي ... غادرت في اتجاه المؤسسة .. و كنت أدفع رجلي دفعا في اتجاه قاعة الامتحان.
في قاعة الامتحان، كان الوضع عاديا، باستثناء أحد التلاميذ الذي بدا لي مرتبكا، شيء ما يشغل باله..  طلب أكثر من ورقتي تحرير... قررت أن أراقبه عن قرب و أن لا أغفل عنه.. كانت تفصلنا عن صافرة النهاية حوالي عشر دقائق عندما اكتشفت بالصدفة أن ورقتي تحرير أمامه تحملان اسمين مختلفين: الأولى تحمل اسمه و الثانية تحمل اسم فتاة توجد في صف آخر. احتفظت بالورقة التي تحمل اسم الفتاة، و طلبت منه أن يسلم ورقته إذا كان قد انتهى أو يواصل... غير أنه طلب ورقة تحرير أخرى، سلمته إياها.. فكتب عليها اسمه و المعلومات الخاصة به.. و مدها إلي فارغة بعد ما قام بتمزيق الأولى.. لم يلتفت إلي بل استدار نحو الفتاة، و خاطبها :" هيا بنا". لم أفهم ما يحدث، خصوصا بعدما سلمتني بدورها ورقة فارغة..
أمام باب المؤسسة و بينما كنت أسير وحيدا بدا لي أن شخصا يتجه نحوي... كان التلميذ نفسه... فاجأني الموقف، حاولت أخذ الحيطة و الحذر للدفاع عن نفسي، في مثل هذه الحالات ينبغي توقع الأسوأ دائما... عندما اقترب أكثر وجدته يرسم ابتسامة على محياه... بادرني قائلا : يا أستاذي، لقد انتظرتك من أجل أن أعتذر لك... قلت: و ما الذي فعلته لكي تعتذر؟ قال : لم يكن سلوكا أخلاقيا أن أمزق الورقة.. لكن اعلم يا استاذي أن الأمر لا يتعلق بقلة احترام.. و تابع قائلا: إن الفتاة التي كتبت لها الجواب تربطني بها علاقة قرابة، و فوق ذلك علاقة عاطفية قوية منذ ما يزيد عن السنة و النصف... و هي علاقة نظيفة و ليست مثل هذه العلاقات العفنة التي نصادف في الواقع.. لقد تواعدنا على الزواج و قبل ذلك على أن نسير في نفس الطريق حتى نشتغل معا في التدريس... و أضاف: أنا لا توجد لدي مشاكل في جميع المواد، أما هي فمشكلتها فقط في المادة التي حرستنا فيها.. و ربما يكون خيرا أن نظل معا كي أساعدها أولا، و ثانيا كي أثبت لها أنني قادر على التضحية من أجلها... تسمرت في مكاني أتابع خطابه العاطفي... و قبل أن يودعني قال لي: قد لا تصدق يا أستاذ، لكن أقسم لك أن الحب هو السبب في ما رأيت... تمنيت له كل التوفيق، و مضيت في طريقي و كلماته ترن بمسمعي: الحب هو السبب... 




مقالات ذات صلة:


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس