بقلم: يوسف عشي
"سيعلم الذين ظلموا ممن سبق أن النصر آت
وأن الحق قادم، وأن الله متم نوره ولو كره الكافرون..."بكلمات كهذه كان
القائم على الأمر يعقوب المنصور يخاطب الرعية مستنهضا الهمم وحاثاً على الجهاد. في
الوقت الذي كانت الحركات الطائفية تنخر كالسوسة في عظم البلاد، تستقطب شبابه و
تعيث في عقولهم فسادا باسم الدين والأخلاق والطاعة... وقد شكلت ثنائية الخطاب
السياسي/العقدي على المستويين الرسمي و
غير الرسمي، مثار جدل أسس لتوترات فكرية/عقدية شاركت فيها مختلف مكونات المجتمع
بما في ذلك المفكرون و الفلاسفة، لينتهي المطاف بهزيمة ذريعة للمفكرين والفلاسفة
بانتصار النقل على العقل وكان ما كان ...
نحن الآن لا نعبث بصفحات التاريخ لماما، كما أننا
لا نحاول أن نقيم ترابطات جزافية بين بعض المراحل التاريخية للأمة وبين بعض
الأحداث الآنية. لكن فقط نحاول رأب صدعٍ قد يحيل مجرد ما نتوهم حدوثه بشكل من
الأشكال أمرا واهيا، وذاك بيت القصيد.
إن ازدواجية المرجعية النقلية/ العقلية، أو
التقليدية/ الحديثة يجعل الأمر ملتبسا، كما يجعل الإحالة على التاريخ أمرا ملحا
خصوصا إذا كان النظام الرسمي الحالي يستند على نفس المصدر في تأسيسه لمشروعيته (
يتجسد ذلك مثلا في مؤسسة أمير المؤمنين القائمة على أساس ديني محض) والمصدر
ذاته يشكل المنطلق الأولي والعصب الأساس
في ما يخص عمل الحركات الإسلامية اليوم. وكأن الأمر يتعلق برمي الأحزاب السياسية
خارج اللعبة.
إن هذا
التقاطع في استخدام الديني كمحرك أساسي لليومي من خلال إنتاج خطاب سياسي هو ما
يجعل الوضع الحالي للحركات الإسلامية -على عكس النظام الرسمي- معقدا وغامضا خصوصا
بعد نزوح بعضها الى العمل السياسي المباشر من خلال الاندماج في خانة الأحزاب
السياسية ، لكن المثير في الأمر هو تلك الازدواجية في الخطاب والعمل الميداني:
السياسي على مستوى الحزب والاجتماعي على مستوى الحركة كما هو الشأن بالنسبة لحركة
الإصلاح و التوحيد كحالة خاصة.
وتشكل ازدواجية العمل هاته مركز خلل وعدم اتزان ،
ويتضح ذلك إذا أخذنا بعين الإعتبار المرجعية الإسلامية لأغلب الأحزاب السياسية
المغربية ، هكذا نصبح أمام عامل خطير يلعب لصالح الإسلاميين ويرجح كفتهم ربما بشكل
غير عادل وقد تمثل ذلك فعلا خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إذ العمل
ليس سياسيا فقط ، وإنما هو اجتماعي و دعوي أيضا بالنسبة للإسلاميين، بينما هو
سياسي وأحيانا اجتماعي بالنسبة للأحزاب السياسية. ويبدو أن الخريطة السياسية
المغربية ستعرف تغيرات وتذبذبات مستقبلية قد تخرج البلد من عنق الزجاجة، وقد تلقي
به في التهلكة ، خصوصا وأن البلد لا يزال مهددا "بالسكتة القلبية".
ترى هل
سيستطيع المغرب تجاوز هذا الوضع العسير خوصا وأنه يعيش إحدى أهم وأخطر التجارب
السياسية، ويضطلع الآن بمهمة استخلافها، وهي مهمة تتطلب- من ضمن أبسط ما تتطلب-
استنهاض كافة الهمم، وتحدي كافة العراقيل.. ترى هل سيستطيع ذلك حقا؟ وفي ظل ظروف
كالتي تطبع الأجواء العامة اليوم؟ سؤال ستجيب عنه الشهور أو ربما الأعوام القادمة
...
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية