بقلم : حساين
المامون
يبدو ان
الحراك الشعبي لما يسمونه بالربيع العربي ، قد قرر تغيير وجهته، بعد ان سبق كل
التوقعات التي تنصب مؤشراتها نحو اكمال ما تبقى من تلك الدول المجاورة لدويلات
الربيع العربي كالاردن ولبنان او الجزائر وغيرها، الا ان هذا لم يتم تحققه بل اخذ
مسلكا بعكس الاتجاه الذي كان يراه البعض، او بالاحرى ما كان يتمناه ويتبناه البعض
الاخر من الذين يريدون جرف ما تبقى من الكتل العربية الى الهاوية، لكن رياح الربيع
تأتي بما لا يشتهيه هؤلاء ، فالربيع اراد ان يغير من اسمه واتجاهه و الانبهار بما
يسمى بالربيع العربي و الذي بدأت أوهامه
تتساقط في أوحال الدماء و ذاب ثلجه الحر و بان مرجه اليابس و رفع ثواره المصاحف
على فوهات البنادق ، مما يدل على
زيف الربيع البائس و نتائجه الكارثية .
ألسنا نظلم الربيع ونتجنى عليه إذا أطلقناه على
ما حدث ويحدث في سوريا ؟ أي ربيع هذا الذي أشرقت أيامُه الأولى عن جريمة بشعة
كجريمة مَقتل العالم الجليل البوطي ؟ وأي ربيع هذا الذي أزهر لنا عن ميليشيات موت
لا تُعَد ولا تحصى ومن كل شكل ولون كفرق الموت وحزب اللات عفوا حزب الله وجبهة
النصرة وفيلق الملثمين والقاعدة في كل
زاوية من أرض الوطن العربي ؟ وأي ربيع هذا الذي باتت شمس الفوضى بفضله محرقة
للأوطان ؟ وأي ربيع هذا الذي بات المواطن يصنف بسببه حَسب طائِفته ودينه فيَقول
المَرء ( عَربي، كردي، شيعي، سُني، مُسلم أو مَسيحي، علماني، متطرف، شرعي ، غير
شرعي...) قبل أن يقول أنا مواطن هذا إن تذكر وقالها ؟ وأي ربيع هذا الذي لم يأتي
للمواطن حتى اليوم بالأمن والخدمات والخبز والحرية ؟ وأي ربيع هذا الذي جاء بفوضى
في كل شيء ومن أجل اللاشيء ؟ أي ربيع هذا الذي جاء ليحرق الاخضر واليابس من المحيط
الى الخيلج ؟
أي ربيع
في أن تتحكم بنيات الفساد والإفساد وقوى مقاومة التغيير في أوصال المجتمع ،قوى استأسدت في الانظمة
والوضعية السابقة ولديها الرغبة في الاستمرار في نفس اللعبة، رغم أن عامة شعوبها
والحق يقال لا يليق بها سواهم ولا تستَحق من هو أفضل منهم، فوجودهم في السلطة
سيزيد بؤس هذه الشعوب بُؤسا وتخلفها تخلفا، في الوقت الذي تُسابق فيه باقي شُعوب
العالم الزمن للحاق بركب الحضارة والتطور. إنه في أحسَن الأحوال خَريف، مَع
الإعتذار طبعا للخريف الحقيقي لأنه أجمل وأصدق وأرفَع مِن رؤى أحزاب الإسلام
السياسي ووجوه ساسَتها العابسة المتجهمة، خَريف بُؤس ومهانة سيَطول الى ما شاء
الله من السنين وربما العُقود، سيتبَعه بكل تأكيد شتاء قارص نتمنى أن يَكون
ممطِراً ليُعيد الحياة لهذه الدول التي باتت بوراً، وبَعده رُبما سَيَأتي الرَبيع
الذي قد لا تَعيش أجيالنا الحالية والقادمة لتراه وتَعيشه، هذا إن قُدّر له أن
يَأتي.
فقد
استحال هذا الربيع إلى خريف إسلامي متصهين
هدف مباشر و منشود ليكون جسرا إلى هدف استراتيجي هو تنفيذ مخطط
"برنارد لويس" لتفتيت العالم الإسلامي من باكستان إلى المغرب و الذي سبق
أن نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية على أن يكون برنامج جين شارب المكون من مئة
و تسعة و ثمانين سلاحا غير عنيف بداء من استخدام الشارات اللونية و الرموز إلى
كيفية استخدام الجنازات الرمزية دليلا أوليا لتحريك أي حراك من اجل إسقاط الأنظمة
التي يستهدفها مخطط برنارد لويس، لتقسيم المقسم من خريطة العالم الإسلامي و بناء
"سايكس- بيكو" جديد
يعيد رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة مما يندر بصورة مفزعة يعجز عن إدراكها الوعي
القطيعي الذي ينوء بكلكله على أرجاء الوطن العربي الجريح يغذيه
"البترودولار" و صحائف الدجل الديني (الشيعي- السلفي – الوهابي
).كما يـقال العـــِـبرة بالخواتيم ، فان الذي حـصل في المغرب وتونس وليبيا ومصر
واليمن وما يجري في سوريا يجعلنا نتوقف لنعيد قراءة المشهد بشئ من العقلانية
والتروي ! النتائج التي آلت أليها ما اطلـَق عليه " ثورات الربيع
العربي"، تؤشر حالة غريبة وغير منطقية ،اد أن مـَن قام
بالتغيير ودفع الثمن من دمائه هم بالدرجــة الأولــى فئة الشــباب أو ما سمي حينها
( شباب الفيسبوك ) ، تـساندهم الطبقات
المقهورة والمـتعطـشة للحرية وبعض الأحزاب والشخصيات العامة ... ولكن في
جميع بلدان التغيير لم يبرز الى واجهة المسؤولية أو الحـكم من هو محسوب على الشباب
أو من كان معهم! الذين تسـلـموا الحـكم في جميع هذه الدول هم
تيارات وأحزاب أسلامــية تتراوح ما بين المـتطرفة والمـعتدلة ، من المغرب بعد حل
البرلمان وأجراء انتخابات جديدة مروراً بتونس وليبيا ومصر واليمن .. وفي سوريا
السلفيين والأخوان هم من يتصدر الواجـهة بدعم قطري – سعودي – تركـي وفي المقابل
نظام علوي مدعم من طرف ايران وحزب الله وهذا لا ينكره أحـد .. السؤال الذي يطرح
نفسهُ بقوة هنا : كيف يـمكن لعقولنا أن تستوعب أن صهاينة تل أبيب وصهاينة الأدارة
الأمريكية يــمكن أن ترضــى أو تـتفرج على صعود هذه الجهات الى سدة الحـكم ؟ في
الوقت الذي يقول فيه المنطق أن هذه الأحزاب والتيارات ووفقاً لبرامجها وأدبياتها
هي مـعادية لأسرائيل وأمـريكا، اذن لابد أن هناك ( ســر ) آخـر وراء هذا المشهد
المُلتبس ...اذن ما السر وراء المشهد ؟
يمكن فك أولى شفرات اللعبة من خلال ما يجري في سوريا حاليا حيث الصراع المحتدم بين المعارضة ( السنية ) والنظام العلوي المحسوب على ( الشيعة ) ، اد يمثـل تجليا واضحا لما سوف يحصل بالمستقبل في باقي دول المنطقة ، اذ لا يـُعقل أن ليس بإمكان الولايات المتحدة والغرب حول الموضوع السوري منذ مدة طويلة ، ولا يـعقل أيضا هذا الخراب والدمار ونهر الدم المفتوح بلا توقف ، وكأن الجميع مــغيـبين أو ربما مـُستـغفلين! اطالة الحالة السورية بطريقة الكر والفر بين الطرفين له غايتين : دفع إيران للغوص في المستنقع السوري أكثر فأكثر، و كون سوريا ( الأسد ) تــُمثـل حلقة الوصل بين إيران والمقاومة اللبنانية ومنها الى فلسطين ومصر والشمال الأفريقي ، مما يدفع إيران الى الاستماتة في دعم نظام الأسد من أجل بقاءه ، مـقابل استماتة قطر والسعودية وتركيا في دعم المعارضة السورية لغرض كسب المواجهة مع النظام ومن ثم إسقاطه من منطلق طائفي ، والغاية الأخرى لإطالة المشكلة السورية هي الإيغال في زرع الحقد والكراهية بين أطراف النزاع بعد أن تــعـمـد بالدم والضحايا والمـهجرين ...، لكي تكون الأرضية النفسية والموضوعية جاهزة للتقسيم القادم ، نفس السيناريو الذي جرى في العراق عندما أُشعلت الحرب الطائفية ووقف الأمريكان ( يتفرّجون ) والأطراف والأدوات المحلية تـشجـع حمــقى الشيعة و الســـنة على ذبح أحدهما للأخر! وستنتهي المشكله السورية حالما تـستكمل خيوط اللعبة، و يطمأن اللاعبون الكبار الى أن كل شئ يسير وفق ما هو مرسوم ، وهنا يفم جواب السؤال : لماذا لم يجري اقتتال داخلي على الطريقة السورية في دول ( الربيع ) باستثناء ليبيا واليمن ؟ الجواب هو أنه لا يوجد شيعـة بحجم واضح في المغرب وتونس ومصر ، أما ليبيا فقد حصل التدخـل الغربي العسكري عندما أدركت الولايات المتحدة والغرب أن المعارضة وحدها غير قادرة على إسقاط نظام القذافي ، اذن لابد من التدخل العسكري لحسم الموقف لصالح المعارضة ، وفي اليمن فأن الحوثيين وهم شيعة كانوا بالأصل في حالة صراع مع نظام على عبد الله صالح، فلا مجال لإشعال مواجهة سنية – شيعية في اليمن في حينها، و لكن هذا سيحصل لاحقا، وفق خطة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ. لذا فنحن بعيدون جداً عن الربيع وأجوائه التي تأتي فقط بما هو جميل وزاه من الوجوه والمناظر والأفكار، وهو بالعكس تماما مما رأيناه ونراه اليوم في ما يسمى بالربيع العربي من وجوه مكررة وقوى الأنظمة البائدة التي انحنت للعاصفة لتمر فقط لتغرس انيابها مجددا في أوصال الحياة السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والإعلامية للمجتمعات التي لا زالت تئن. إن الربيع بكل الأحوال لا يَأتي عَن طريق الهيجان والفلتان والثوران والفوضى، بل عن طَريق العقل والحوار والمنطق ومقارعة الحجة بالحجة والتطور السلمي للمجتمع ونظامه السياسي بعيد عن مخططات البنتاغون ، وهو أمر لا تزال الشعوب العربية ونخبها غَير مهيئة له وبعيدة عنه.
يمكن فك أولى شفرات اللعبة من خلال ما يجري في سوريا حاليا حيث الصراع المحتدم بين المعارضة ( السنية ) والنظام العلوي المحسوب على ( الشيعة ) ، اد يمثـل تجليا واضحا لما سوف يحصل بالمستقبل في باقي دول المنطقة ، اذ لا يـُعقل أن ليس بإمكان الولايات المتحدة والغرب حول الموضوع السوري منذ مدة طويلة ، ولا يـعقل أيضا هذا الخراب والدمار ونهر الدم المفتوح بلا توقف ، وكأن الجميع مــغيـبين أو ربما مـُستـغفلين! اطالة الحالة السورية بطريقة الكر والفر بين الطرفين له غايتين : دفع إيران للغوص في المستنقع السوري أكثر فأكثر، و كون سوريا ( الأسد ) تــُمثـل حلقة الوصل بين إيران والمقاومة اللبنانية ومنها الى فلسطين ومصر والشمال الأفريقي ، مما يدفع إيران الى الاستماتة في دعم نظام الأسد من أجل بقاءه ، مـقابل استماتة قطر والسعودية وتركيا في دعم المعارضة السورية لغرض كسب المواجهة مع النظام ومن ثم إسقاطه من منطلق طائفي ، والغاية الأخرى لإطالة المشكلة السورية هي الإيغال في زرع الحقد والكراهية بين أطراف النزاع بعد أن تــعـمـد بالدم والضحايا والمـهجرين ...، لكي تكون الأرضية النفسية والموضوعية جاهزة للتقسيم القادم ، نفس السيناريو الذي جرى في العراق عندما أُشعلت الحرب الطائفية ووقف الأمريكان ( يتفرّجون ) والأطراف والأدوات المحلية تـشجـع حمــقى الشيعة و الســـنة على ذبح أحدهما للأخر! وستنتهي المشكله السورية حالما تـستكمل خيوط اللعبة، و يطمأن اللاعبون الكبار الى أن كل شئ يسير وفق ما هو مرسوم ، وهنا يفم جواب السؤال : لماذا لم يجري اقتتال داخلي على الطريقة السورية في دول ( الربيع ) باستثناء ليبيا واليمن ؟ الجواب هو أنه لا يوجد شيعـة بحجم واضح في المغرب وتونس ومصر ، أما ليبيا فقد حصل التدخـل الغربي العسكري عندما أدركت الولايات المتحدة والغرب أن المعارضة وحدها غير قادرة على إسقاط نظام القذافي ، اذن لابد من التدخل العسكري لحسم الموقف لصالح المعارضة ، وفي اليمن فأن الحوثيين وهم شيعة كانوا بالأصل في حالة صراع مع نظام على عبد الله صالح، فلا مجال لإشعال مواجهة سنية – شيعية في اليمن في حينها، و لكن هذا سيحصل لاحقا، وفق خطة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ. لذا فنحن بعيدون جداً عن الربيع وأجوائه التي تأتي فقط بما هو جميل وزاه من الوجوه والمناظر والأفكار، وهو بالعكس تماما مما رأيناه ونراه اليوم في ما يسمى بالربيع العربي من وجوه مكررة وقوى الأنظمة البائدة التي انحنت للعاصفة لتمر فقط لتغرس انيابها مجددا في أوصال الحياة السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية والإعلامية للمجتمعات التي لا زالت تئن. إن الربيع بكل الأحوال لا يَأتي عَن طريق الهيجان والفلتان والثوران والفوضى، بل عن طَريق العقل والحوار والمنطق ومقارعة الحجة بالحجة والتطور السلمي للمجتمع ونظامه السياسي بعيد عن مخططات البنتاغون ، وهو أمر لا تزال الشعوب العربية ونخبها غَير مهيئة له وبعيدة عنه.
بالطبع لا يمكن أن ينكـر أحــد دور الشعوب وتضحياتها في حركة
التغيــيّر التي حصلت، وأنها كانت بمثابـة المـقود والوقود ، المـقود الذي
أدار حركة التغييـر ، والوقود الذي أحترق نتيجة التغيير، فسقط مئات الشهداء على
طريق الحرية والعدالة والكرامـة ، وسيسقط المئات من الضحايا على نفس الطريق في الايام القادمة (سوريا ،
مصر...) والسؤال الخطير هنا من الذي كان يمسك بالمقود ؟.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية