الحراسة الأمومية
بقلم: محمد بعدي
اجتهد مدير المركز و استأذنني في أن أتكلف بالحراسة
لوحدي لأن زميلتي، و بعد الذي حدث، يعز عليها أن تستمر في أداء مهمتها خصوصا مع وجود
تلميذ "قليل الأدب" كما وصفته...
و طلب منها ان تذهب لتأخذ قسطا من الراحة من هؤلاء "الأوباش" حسب نعته{ هو همس في أذني كلمة أخرى لن أفصح عنها لأسباب تربوية}، بل إنه تبرع عليها بأحسن ما يمكن أن يتمناه مدرس في مثل هذا الوضع، و هو الإعفاء مما تبقى من عقوبة "الحراسة"... حسدتها على هذا الحظ الذي تبسم لها، لكنني ادعيت أنني، و بناء على معرفتي بسيكولوجيا المرأة، و أحاسيسها المرهفة أتفهم وضعها و أساندها... قلت في نفسي إنني قادر على أداء هذه المهمة، و طرق باب ذاكرتي ذلك التعبير الذي يدبجون به استدعاء الحراسة: " و إننا على يقين بأنك ستؤدي المهمة على أكمل وجه...نظرا لما عهدنا فيك من جدية و إخلاص..." كثيرا ما توقفت عند هذا التعبير البليد الذي يراد أن يستغفلك بمنحك نوعا من الاحساس بقيمتك التي تهدر و تداس صباح مساء من خلال ظروف العمل و ظروف الحياة... قضيت حوالي عشر دقائق أصول و أجول و أنا مزهو كطاووس لقدرتي على أداء مهمتي بنجاح و دون مساعدة من أحد... فجأة دخلت زميلة احتياطية لتعوض الأولى. انفرجت أسارير بعض التلاميذ و قرأت في عيونهم فرحهم بدخولها بل هنالك من حياها بحركة أو ابتسامة أو حتى همسات... دنت مني، سألتني عن أحوالي و أحوال عائلتي و ... ثم بدأت تحكي لي عن زوجها و ترقيته في العمل و أشياء أخرى بدت لي ثرثرة لا مبرر لها... كان ينبغي أن أتوزع بينها و بين التلاميذ... منحتها سمعي، و منحتهم بصري... كان يصعب علي التوفيق بين فعلين في نفس الوقت، لذلك كنت أوهمها بأنني أبدي اهتمامي بما تقول غير أن تركيزي كان منصبا على المراقبة... طلب أحدهم ورقة تسويد و وجدتها فرصة للاستراحة من عبء لسانها... غير أنها اقتفت أثري فوجدتها تقف مرة أخرى بجانبي. لم يكن يظهر عليها مطلقا أنها هنا من أجل "الحراسة"... ربما كانت تنظر إلى جديتي على أنها غباء أو بلادة... أحد التلاميذ حاول أخذ الجواب من زميله، و عندما أردت التوجه ناحيته سبقتني و قالت له: يا بني ليس بهذه الطريقة.. لا تثيروا الانتباه.. بالنسبة إلينا لا مشكلة في أن تساعدوا بعضكم البعض لكن احذروا أن يضبطكم مدير المركز أو أحد أعوانه... اقتربت مني مرة أخرى و قالت: و الله أنا أشفق عليهم، مساكين إنهم ضحايا... و أضافت بأسلوب من يمتلك تجربة و حكمة: ينبغي أن نساعدهم، لكي يسخر الله من يساعد أبناءنا... عندما سيكون لك أبناء في البكالوريا سوف تدرك جيدا مغزى كلامي هذا...إن هؤلاء بمثابة أبناء لنا... قلت: إن واجبنا هو أن نحارب الغش... و أن... قاطعتني: الكل يمارس الغش.. فلماذا ينبغي أن نحاربه نحن؟ فالوزير و البرلماني و المدير و التاجر... كلهم "غشاشون"... ثم إننا ليس لنا تعويض عن هذه المهمة... ولنفترض أنني منعت تلميذا من الغش... و اعتدى علي بعد خروجي... "هل ستعرفني الدولة؟"... تركتني مع حيرتي، و توجهت صوب أحد التلاميذ الذي أخذت ورقة تسويده و أعطتها لتلميذ آخر يبدو في حاجة إليها... بدأت الحركة تدب في القسم.. كثرت الوشوشة... اقتربت من زميلتي و استأذنتها في الذهاب إلى المرحاض... كنت أبحث عن راحة ما.. ربما أجدها هناك... أليس بيت الراحة؟؟
و طلب منها ان تذهب لتأخذ قسطا من الراحة من هؤلاء "الأوباش" حسب نعته{ هو همس في أذني كلمة أخرى لن أفصح عنها لأسباب تربوية}، بل إنه تبرع عليها بأحسن ما يمكن أن يتمناه مدرس في مثل هذا الوضع، و هو الإعفاء مما تبقى من عقوبة "الحراسة"... حسدتها على هذا الحظ الذي تبسم لها، لكنني ادعيت أنني، و بناء على معرفتي بسيكولوجيا المرأة، و أحاسيسها المرهفة أتفهم وضعها و أساندها... قلت في نفسي إنني قادر على أداء هذه المهمة، و طرق باب ذاكرتي ذلك التعبير الذي يدبجون به استدعاء الحراسة: " و إننا على يقين بأنك ستؤدي المهمة على أكمل وجه...نظرا لما عهدنا فيك من جدية و إخلاص..." كثيرا ما توقفت عند هذا التعبير البليد الذي يراد أن يستغفلك بمنحك نوعا من الاحساس بقيمتك التي تهدر و تداس صباح مساء من خلال ظروف العمل و ظروف الحياة... قضيت حوالي عشر دقائق أصول و أجول و أنا مزهو كطاووس لقدرتي على أداء مهمتي بنجاح و دون مساعدة من أحد... فجأة دخلت زميلة احتياطية لتعوض الأولى. انفرجت أسارير بعض التلاميذ و قرأت في عيونهم فرحهم بدخولها بل هنالك من حياها بحركة أو ابتسامة أو حتى همسات... دنت مني، سألتني عن أحوالي و أحوال عائلتي و ... ثم بدأت تحكي لي عن زوجها و ترقيته في العمل و أشياء أخرى بدت لي ثرثرة لا مبرر لها... كان ينبغي أن أتوزع بينها و بين التلاميذ... منحتها سمعي، و منحتهم بصري... كان يصعب علي التوفيق بين فعلين في نفس الوقت، لذلك كنت أوهمها بأنني أبدي اهتمامي بما تقول غير أن تركيزي كان منصبا على المراقبة... طلب أحدهم ورقة تسويد و وجدتها فرصة للاستراحة من عبء لسانها... غير أنها اقتفت أثري فوجدتها تقف مرة أخرى بجانبي. لم يكن يظهر عليها مطلقا أنها هنا من أجل "الحراسة"... ربما كانت تنظر إلى جديتي على أنها غباء أو بلادة... أحد التلاميذ حاول أخذ الجواب من زميله، و عندما أردت التوجه ناحيته سبقتني و قالت له: يا بني ليس بهذه الطريقة.. لا تثيروا الانتباه.. بالنسبة إلينا لا مشكلة في أن تساعدوا بعضكم البعض لكن احذروا أن يضبطكم مدير المركز أو أحد أعوانه... اقتربت مني مرة أخرى و قالت: و الله أنا أشفق عليهم، مساكين إنهم ضحايا... و أضافت بأسلوب من يمتلك تجربة و حكمة: ينبغي أن نساعدهم، لكي يسخر الله من يساعد أبناءنا... عندما سيكون لك أبناء في البكالوريا سوف تدرك جيدا مغزى كلامي هذا...إن هؤلاء بمثابة أبناء لنا... قلت: إن واجبنا هو أن نحارب الغش... و أن... قاطعتني: الكل يمارس الغش.. فلماذا ينبغي أن نحاربه نحن؟ فالوزير و البرلماني و المدير و التاجر... كلهم "غشاشون"... ثم إننا ليس لنا تعويض عن هذه المهمة... ولنفترض أنني منعت تلميذا من الغش... و اعتدى علي بعد خروجي... "هل ستعرفني الدولة؟"... تركتني مع حيرتي، و توجهت صوب أحد التلاميذ الذي أخذت ورقة تسويده و أعطتها لتلميذ آخر يبدو في حاجة إليها... بدأت الحركة تدب في القسم.. كثرت الوشوشة... اقتربت من زميلتي و استأذنتها في الذهاب إلى المرحاض... كنت أبحث عن راحة ما.. ربما أجدها هناك... أليس بيت الراحة؟؟
مقالات ذات صلة:
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية