كيف نكتب مقدمة في الإنشاء الفلسفي؟

كيف نكتب مقدمة في الإنشاء الفلسفي؟
إعداد: محمد بعدي
تعتبر كل مقدمة استهلالا لكلام مخصص لتوضيح معنى موضوع ما . مثلما هي وضع تمهيدات للإنشاء. و لتحقيق هذا الهدف المزدوج، تعرض إشكالية، أي أنها تبين بدقة ما يطرح مشكلة في موضوع ما…
المرحلة الأولى: تكوين رأي مشترك
إذا كان كل سؤال ينتظر جوابا، فإن الجواب الفلسفي يبنى تدريجيا من خلال فحص الحلول الممكنة، بهدف الحصول على ذلك الجواب الذي يوافق أحكامنا. و الإشكالية، في المقدمة، تضع حلولها لتبين كيف يوجه التفكير نفسه. و من بين الأجوبة الممكنة، يمكن الإشارة إلى ذلك الذي يمكن للرأي الشائع أن يعبر عنه، و يبدو من الملائم عرضه في البداية للاستناد عليه.
مثال 1: هل يمكن للإنسان أن يختار حقيقته؟
يمكن أن نكتب في المرحلة الأولى: إذا أسسنا تفكيرنا على التسامح، فإننا نقبل أن يكون للآخرين حقائق مختلفة عن حقائقنا. سواء فيما يخص الأخلاق، أو الدين، أو القيم… إنه رأي يتوقع أن يكون كل واحد سيد نفسه، يعود إليها ، بحرية، لاختيار معايير حكمه و التحكم فيه.  (  نجد في البداية عرض رأي شائع (نقبل) مع إعطاء مثال توضيحي (الأخلاق))
مثال 2:هل تعتقد أن الاقناع يشكل خطرا على الحقيقة أكثر مما يفعل الكذب؟
يمكن أن نكتب في المرحلة الأولى: يظهر الكاذب في نظر الكثيرين كعدو طبيعي للحقيقة، ما دام الكاذب ، الذي يعرف الحقيقة، يعمل على إخفائها. أما الإقناع فهو على العكس من ذلك، يبدو أقرب إلى الحقيقة في إطار كونه تأكيدا لامتلاكها. و بمبرر كونه يقدم تأكيدا أكثر فعالية.
( نجد هنا عرضا لرأي مشترك )
المرحلة الثانية: عرض الإشكالية
تعتبر المرحلة الثانية حاسمة، لأنها تهدف إلى معارضة الرأي المعبر عنه سابقا، و ذلك من خلال تبيين "اللامفكر فيه" داخله. و هكذا فالإشكالية تضفي الطابع الإشكالي على ما يبدو ، في بداية الأمر، مسلما به. و هذه المواجهة مع الرأي المنطلق منه تسمى " مفارقة"، و تتطلب ضرورة تعميق التفكير. و يمكن لعرض الإشكالية أن يأخذ صيغة تساؤلية دون الاقتصار بالضرورة على السؤال.
مثال 1- يمكن أن نكتب في المرحلة الثانية: مع ذلك، هل تتوافق هذه الاختيارات الوجودية مع ما نفهمه من الحقيقة؟ ألن تكون هذه نقطة مواجهة بين الحقيقة و الرأي، بدل قبول كفاية أن يصدر لكل واحد حكما ذاتيا لكي يكون على حق؟ في الواقع غالبا ما تخفي الحقيقة رأيا قبليا، حيث يغيب هاجس الحقيقة على حساب الرغبة في التأكيد أو القوة. إن فكرة الحقيقة تتلاءم بشكل سلبي، في الغالب، مع هذا التعدد الغامض في الآراء.
( نجد في البداية أسئلة تقدم الاعتراض، ثم بعد ذلك عرض المفارقة(الحقيقة واحدة و الآراء متعددة))
مثال 2- يمكن أن نكتب في المرحلة الثانية: مع ذلك، أليس من الوهم إصدار مثل هذه الأحكام؟ فلكي أكون مقتنعا، شخصيا، بامتلاك حقيقة ما ، لا يكفي، دون شك ، أن يكون مضمونا أن الأمر يتعلق فعلا بالحقيقة. إن الاقناع يمكن أن يكون خاطئا أو خادعا، وغالبا ما يبعدنا عن الحقيقة التي لا نتخيل حتى امكانية خداعها لنا. و على العكس من ذلك، فالكاذب نفسه يعرف الحقيقة، وإذا كان يخفيها من أجل فائدة أو نزوة، فسيكون بإمكانه، عاجلا أو آجلا، أن يكشف عنها. إن كذبه ليس في شكل من أشكاله سوى ولاء [العيب] للفضيلة.
[نجد في البداية أشكلة الرأي الأولي، ثم بعد ذلك المفارقة : خادع/يعرف الحقيقة]
المرحلة الثالثة: الرهان الفلسفي للموضوع
إن التعارض بين الرأي الشائع و الاعتراض المقدم يتطلب تجاوزا ، ولا يكفي في الواقع البقاء أمام هذه المواجهة لأنها لا تؤسس جوابا كافيا، لذلك ينبغي تدقيق رهان المضوع، وتبيين ما هو الجواب الذي يمكن أن يحمله، و ما هو المشكل الذي يمكن تأمله (….)
مثال 1- يمكن أن نكتب في المرحلة الثالثة: من خلال هذه الشروط يمكن أن يتحدد رهان الموضوع كالتالي : هل نتحدث عن الحقيقة بصيغة المفرد أم عن الحقائق بصيغة الجمع؟ و هل تقبل كلمة "حقيقة" معنى يمكن أن توجد من خلاله حقائق بقدر ما توجد طرق لقولها؟ إن البحث عن الحقيقة، و الذي يفترض نقاشا عقلانيا، يتضمن مقتضيات منطقية تدقيقية… لا يستطيع الاختيار الفردي وحده أن يضمنها، هذه المقتضيات هي ما يدعونا إليه الموضوع.
[نجد في البداية ذكرا للتعارض :حقيقة/حقائق. و في الأخير رهان الموضوع]
مثال 2- يمكن أن نكتب في المرحلة الثالثة: يظهر نقد الإقناع ضرورة معرفة كيف يتبلور نمط الحقيقة. فالحقائق و الإقناعات تبدو في الغالب، غامضة، لكن غموضها يبدو مضرا بالنسبة لمن لا يريد العيش داخل الخطأ أو داخل الوهم. كما يتطلب الأمر أيضا معرفة ما إدا كان هذا الاكتشاف للحقيقة يمكن فعلا أن يحمينا ضد هذين العدوين و هما الإقناع و الكذب.(  طرح رهانات الموضوع ).
بالنتيجة تكون مقدمة السؤال الأولهل يمكن للإنسان أن يختار حقيقته؟، كالتالي:
إذا أسسنا تفكيرنا على التسامح، فإننا نقبل أن يكون للآخرين حقائق مختلفة عن حقائقنا. سواء فيما يخص الأخلاق، أو الدين، أو القيم… إنه رأي يتوقع أن يكون كل واحد سيد نفسه، يعود إليها ، بحرية، لاختيار معايير حكمه و التحكم فيه.
مع ذلك، هل تتوافق هذه الاختيارات الوجودية مع ما نفهمه من الحقيقة؟ ألن تكون هذه نقطة مواجهة بين الحقيقة و الرأي، بدل قبول كفاية أن يصدر لكل واحد حكما ذاتيا لكي يكون على حق؟ في الواقع غالبا ما تخفي الحقيقة رأيا قبليا، حيث يغيب هاجس الحقيقة على حساب الرغبة في التأكيد أو القوة. إن فكرة الحقيقة تتلاءم بشكل سلبي، في الغالب، مع هذا التعدد الغامض في الآراء.
من خلال هذه الشروط يمكن أن يتحدد رهان الموضوع كالتالي : هل نتحدث عن الحقيقة بصيغة المفرد أم عن الحقائق بصيغة الجمع؟ و هل تقبل كلمة "حقيقة" معنى يمكن أن توجد من خلاله حقائق بقدر ما توجد طرق لقولها؟ إن البحث عن الحقيقة، و الذي يفترض نقاشا عقلانيا، يتضمن مقتضيات منطقية تدقيقية… لا يستطيع الاختيار الفردي وحده أن يضمنها، هذه المقتضيات هي ما يدعونا إليه الموضوع.
 أما مقدمة السؤال الثاني:هل تعتقد أن الاقناع يشكل خطرا على الحقيقة أكثر مما يفعل الكذب؟ فتكون كما يلي:
يظهر الكاذب في نظر الكثيرين كعدو طبيعي للحقيقة، ما دام الكاذب ، الذي يعرف الحقيقة، يعمل على إخفائها. أما الإقناع فهو على العكس من ذلك، يبدو أقرب إلى الحقيقة في إطار كونه تأكيدا لامتلاكها. و بمبرر كونه يقدم تأكيدا أكثر فعالية.
مع ذلك، أليس من الوهم إصدار مثل هذه الأحكام؟ فلكي أكون مقتنعا، شخصيا، بامتلاك حقيقة ما ، لا يكفي، دون شك ، أن يكون مضمونا أن الأمر يتعلق فعلا بالحقيقة . إن الاقناع يمكن أن يكون خاطئا أو خادعا، وغالبا ما يبعدنا عن الحقيقة التي لا نتخيل حتى امكانية خداعها لنا. و على العكس من ذلك، فالكاذب نفسه يعرف الحقيقة، وإذا كان يخفيها من أجل فائدة أو نزوة، فسيكون بإمكانه، عاجلا أو آجلا، أن يكشف عنها. إن كذبه ليس في شكل من أشكاله سوى ولاء [العيب] للفضيلة.
يظهر نقد الإقناع ضرورة معرفة كيف يتبلور نمط الحقيقة. فالحقائق و الإقناعات تبدو في الغالب، غامضة، لكن غموضها يبدو مضرا بالنسبة لمن لا يريد العيش داخل الخطأ أو داخل الوهم. كما يتطلب الأمر أيضا معرفة ما إدا كان هذا الاكتشاف للحقيقة يمكن فعلا أن يحمينا ضد هذين العدوين و هما الإقناع و الكذب.




تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس