رفع اللبس عن موقف ديكارت من الغير

رفع اللبس عن موقف ديكارت من الغير
بقلم: الاعرج بوجمعة
تُرغِم اللغة أستاذ الفلسفة على القول بأن ديكارت لا يعترف بوجود الغير ويدعو إلى فكر منغلق، يتصف بالوحدانية solipsisme، معتقدا بأنه قد حقق الكفاية المطلوبة من هذا الموقف. لكن المشكل هو في ذهن المتعلم الذي يطرح أسئلة كثيرة من قبيل هل ديكارت لم تكن له عائلة؟ هل ديكارت لم يكن له أصدقاء؟ هل ديكارت إنسان مريض؟ وهي أسئلة تبدو لي مشروعة بالنسبة للمتعلم في سن 17سنة.
إذن، البديل الذي نطرحه لهذا القول هو أنه مع  ديكارت أصبحت الأنا le moi مشكلة فلسفية، (الشخص)؛ أي في الفلسفات السابقة (اليونانية والإسلامية) كنا نبحث في إشكال الوجود خاصة مع اليونانية، ومن تم التفسير الذي نقدمه مرتبط العقل الكلي logos أي نفكر انطلاقا من هذا العقل المنظم للوجود. وجود الإنسان هنا عرضا خاصة مع سقراط. نفس الفهم نجده في الفلسفة الإسلامية بحيث نجد الفلاسفة المسلمين يجعلون من العقل الإنساني نسخة للعقل الإلهي، مسألة تراتبية العقول؛ أي تفكيرنا نسخة لما يفكر فيه الإله، نقيس على جميع المسائل السعادة نسبية نسبة لسعادة الإله، إذن الإله كان هو مصدر كل شيء، لدرجة إن قلت أنا في العصور الوسطى قد أكفرت بالله، يقول المتحدث "أنا وأعود بالله من قولة أنا"، خشية من التكفير.
لكن ديكارت لأول مرة يقول أنا، فصارت الأنا أساس المعرفة، أساس الوجود، "أنا أفكر إذن أنا موجود" هذا يحيل على مفارقة واضحة مفادها أن ديكارت هو من ميز بين الذات le sujet وبين الموضوع l’objet، أساس الذات هو الفكر، الذات المفكرة le sujet pensant، الموضوع شيء. إذن هنا نطرح السؤال على ديكارت من هو الغير؟ من هم هؤلاء المارة الذين تراهم من النافدة يجيب بكل راحة إنهم قبعات، إنهم موضوعات، هذا القول يجد ما يبرره في الفلسفة الديكارتية، أي أنا ديكارت عندما كان يؤسس لفلسفة الذات أي الفلسفة الحديثة لم يطرح بعد إشكال الغير؟ هذا الإشكال سننتظر مجيء هيغل ليدخله لتاريخ الفلسفة من خلال فلسفة التاريخ وحديثه عن "جدلية السيد والعبد".
إذن، فمشروع ديكارت هو مشروع قائم على فلسفة الذات، بل الذات سمة من سمات الحداثة. أي لأول مرة مع ديكارت سنتحدث عن ذات سمتها الفكر، ونؤلف بين العقل والذات على خلاف الفلسفات السابقة التي كانت تميز بينهما. ثم الفصل بين الذات والموضوع، حيث صارت الذات متقدمة على الموضوع المعرفي، ومن تم أسبقية الأنا على الغير الذي هو في نظر ديكارت لازال موضوعا، أي أنه نظر إلى نفسه و لم ينظر إلى الغير بعد. بهذا يمكن وصف الأنا عند ديكارت بأنه أنا منغلق على ذاته، وحسب هذه التوليفة السابقة وتبسيطها للمتعلمين بإمكانهم استيعاب الموقف الديكارتي.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس