حديث اجدار

حديث اجدار



نهى محمد الربيع



كانت الوحدة هي صديقه الذي ظل ملازما له منذ الصغر، والذي لم يتركه عندما تركه الجميع. أنصت وأرهف السمع فلم يسمع سوى صوت الرياح في الخارج، وهي تعبث بأوراق الأشجار. أسند خدّه إلى الجدار، شعر بالضيق رغم إن الغرفة كانت واسعة موحشة باردة، لعله الضيق الذي يجثم على صدره فيثقل على أنفاسه... ترى هل ستعاتبه اليوم أيضا؟ ماذا سيكون موضوع حديثها معه هو يشفق عليها عندما يراها صامدة لا تشكو فلماذا لا تشفق هي عليه؟ أرهف السمع.. دمعت عيناه وهو يرجع بذاكرته إلى أيام قريبة .. قريته التي تحيطها الخضرة، تلك الوادعة على ضفاف النيل. أبناء عشيرته وليالي الأنس التي كانت تجمعهم، وجدت بسمة طريقها إلى شفتيه عندما تذكر شجارهم وضجيجهم، فقد كانت الأشياء المحيطه بهم رائعة روعة والدته التي تسبب في فجيعتها بعد كل الذي قدمته من أجلهم، ولكن ماذا كان بوسعه أن يفعل حيال طموحه الذي أتى به من منطقته إلى تلك الأرض التي تسببت بما آل إليه حاله اليوم. يكفى أنها جمعته بها وبصديقاتها، طافت سحابة من الألم  في قلبه فجعلته العبرات عاجزاً عن الاستمرار في استرجاع معاناته ...
كانت تختلف عن بنات بيئته، لم يكن يدري أن بعض البشر يختلف داخلهم عن مظهرهم الخارجي، كل الأشياء تختلف عن قريته. بهرته بسحرها كما بهرته أنوار تلك المدينة، فلم ير الظلام القابع خلف الأضواء. أخبرته عن أحزانها، فأراد أن يحمل عنها بعض الهموم، وهو الذي لم يصادف من يشعر بمعاناته، أو يحمل همومه.. وليتها كانت صادقة في روايتها. لعلها اليوم تنصب شراكها على ضحية أخرى، هكذا حدّثته نفسه .. شعر بقشعريرة شبيهة بما حدث معه ذاك اليوم، أراد أن يساعدها بالمال الذي لا يمتلكه هو نفسه، لم يتمن أن يتسبب بالضرر لأحد ما، أراد الدفاع عن نفسه فقط ليجد أنه أصبح هكذا .. ويجدها تهرب بعيدا بل تنكر معرفتها مع أمثاله. ابتعد وهو ينظر لها بغضب إذ أنها دائما ما تذكّره الماضي الذي يحاول أن يتناساه، بعد أن أصبح لا رفيق له سوى تلك الجداران الباردة.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس