أساس المجتمع – جون جاك روسو
إن
الانتقال من حال الطبيعة إلى الحال المدنية أوجد في الإنسان تبدلا ملحوظا، إذ أحل
في سلوكه، العدل محل الوهم الفطري، و أكسب أفعاله أدبا كان يعوزه من قبل. عند ذاك
فقط، إذ حل صوت الواجب محل الباعث المحرك الجسماني، و الحق محل الشهوة، اضطر
الإنسان، الذي لم يكن يراعي من قبل إلا ذاته، اضطر أن يسير على مبادئ أخرى و أن
يستشير عقله قبل أن يصغي لميوله. إنه و إن يكن قد حرم، في هذه الحال، مزايا كثيرة
استمدها من الطبيعة، فلقد اكتسب بدلا منها مزايا أخرى كبيرة: لقد انجلت قواه
العقلية و نمت، و اتسعت أفكاره، و نبلت عواطفه، و سمت نفسه كلها حتى إنه كان يجب
عليه – لولا أنه تجاوز الحد و أسرف في هذه الحياة الجديدة، مما جعله أحط منزلة منه
في الحياة التي خرج منها – كان عليه أن يبارك، بلا انقطاع، الساعة السعيدة التي
انتزعته من تلك الحياة إلى الأبد، و التي جعلت منه كائنا ذكيا و رجلا، بعد أن كان
حيوانا بليدا محدود الفهم.
و
قصارى القول، في تعبير تسهل به الموازنة بين ما يفقده و ما يجنيه من ربح، أن ما
يفقده الإنسان بالعقد الاجتماعي، هو حريته الطبيعية، و الحق غير المحدود الذي كان
له على كل ما يستهويه و يجنيه و يمكنه الوصول إليه، و أما ما يكسبه فالحرية
المدنية.
جزن جاك روسو، العقد الاجتماعي، ترجمة بولس غانم، بيروت 1972، ص 31
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية