وجود الغير
بقلم: زينب سعيداني
أكيد
أننا جميعا تربطنا علاقة مع الغير، كيفما كان شكل هذه العلاقة... لكن هل وجود
الغير ضروري و لا يمكن الاستغناء عنه؟
سبق
و أن طرحت على نفسي هذا السؤال، فغصت في حوار عميق بيني و بين نفسي. تطلبت الإجابة
على هذا السؤال مدة طويلة... ربما ساعات أو أيام... فكان الجواب بالنفي. فسألتها:
كيف؟ و لماذا؟ فبدأت تحكي لي عن المشاكل و المتاعب التي يسببها الغير لها من حزن و
ألم و غير ذلك... و تعبر عن رغبتها في الاستغناء و التخلي عن هذا الغير من أجل
الوصول إلى الراحة الداخلية و السعادة المطلقة دون أدنى إزعاج أو ضرر ناتج عن
الآخر.
-
صحيح أن الغير بإمكانه الإخلال بتوازنك النفسي، و هذا ما
يسمى برصاصة الشر التي يتسلح بها الغير. لكن، إذا كان وجود الغير ثانويا، و أنه
بإمكانك البقاء في عزلة طيلة أعوام أو عقود، فكيف العيش؟ و أي معنى للحياة؟
مر
صمت بيني و بين {نفسي} ذاتي، ثم سألتها من جديد: "من الذي طعنك بهذه
الرصاصة؟"، أجابت: "الغير".
-
الغير إذن هو الذي جعلك تحسين بالألم و الحزن و القلق،
أي أنه هو الذي جعلك تدركين هذه الأحاسيس، فلو لم تربطني علاقة بالغير، لما تعرفت
على هذا النوع من الأحاسيس. كذلك الشأن بالنسبة لرصاصة الخير، فإذا كنتما تقومان
معا بعمل ناجح و كلاكما تستفيدان منه، فستعرفان قيمة هذا التعاون. فللغير إذن
مظهران: الأول إيجابي و الآخر سلبي، و كلاهما متلازمين، لا يمكن الفصل بينهما، فلا
مذاق للسعادة الحقيقية دون إحساس مسبق بالتعاسة، و لا طعم لحزن حقيقي في غياب فرح
مسبق. و هذا يعني أن وجود الغير هو المسؤول عن بعض من أحاسيسك.
-
و ما البعض الآخر؟
-
أجبتها قائلة:" لا حدود للبعض الآخر في ظل وجود
الغير". فقالت: "كيف ذلك". فطلبت منها حينئذ الغناء، فبدأت تتلعثم
في الغناء إلى أن احمر خداها.
-
قلت لها: "ماذا أصابك؟ ألا تجيدين الغناء؟ قالت:
بلى، فقط أحرجت".
-
ها قد أجبت عن سؤالك، فلو كنت لوحدك لغنيت بكل عفوية و
حرية، و لما تجمد لسانك و أحرجت، أي أن وجودي هو الذي سبب لك الإحساس بالخجل.
فإذا
كان كان الغير يساهم في إدراكنا لأحاسيسنا فإنه يساهم بذلك في معرفة ذواتنا...
قاطعتني
نفسي قائلة: "كيف يمكن للغير أن يساهم في معرفة الذات؟"، فحكيت لها عن
تجربة خاصة لي: "أثناء ممارستي المستمرة لرياضة التايكواندو، لم أكتشف قط
أنني موهوبة في هذا المجال، إلى أن لاحظ المدرب و مساعدوه أنني أبدع في هذا
الميدان، فلولا وجود الغير لما تعرفت على موهبة من مواهبي. و بهذا فالتعرف على هذا
الجزء الفريد من ذاتي استوجب حضور و مساعدة الغير.
من
هنا، فالغير أو الأنا الآخر عنصر مكون و مكمل لحقيقة الذات أو الأنا، أي جزء من
هوية الشخص، و بذلك فالأنا الآخر يعتبر مرآة للأنا، أي أنه لا غنى لوجود الآخر عن
الأنا ما دمنا عاجزين عن معرفة و إدراك "الكل"، و بالتالي فحضور الغير
ضروري لا غنى عنه.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية