الله والإنسان والعالم....مفاتيح النسقية في فلسفة كانط


الله والإنسان والعالم....مفاتيح النسقية في فلسفة كانط
 بقلم: هشام آيت باحسين
إستخدم الفيلسوف الألماني إمانويل كانط النقد لأنه كان غير مقتنع بالفلسفات التاريخية السابقة فعمل على فحصها وتمحيصها من أجل تحديد مواطن القوة والضعف فيها، وإذا اشتهر كانط بالنقد فليس لأنه مؤسس النقد أو مبدعه بل إنه كان حاضر في تاريخ الفلسفة غير أن خصوصية النقد عند كانط هو أنه أخذ صورة مشروع يتناول جميع زوايا التفكير البشري بين ما هو معرفي وما أخلاقي وما هو سياسي وماهو فني وغيرها، لكن أول ما سيحاسب حسابا عسيرا كان هو العقل فمارس عليه نقدا حادا يبرز فيه أهم الإختلالات التي عرفتها التصورات الفلسفية السابقة حول مفهوم العقل وخاصة منها الفلسفتين العقلانية والتجريبية. وعند نجاح النقد في نظرية المعرفة انتقل إلى نقد الأخلاق والجمال من خلال ثلاثة أعمال أساسية: «نقد العقل الخالص» (موضوعه المعرفة) و«نقد العقل العملي» (موضوعه الأخلاق)  و«نقد ملكة الحكم» (موضوعه الجمال والفن)، فماهي أهم أسس هذه الأعمال الثلاث؟ وهل هي أعمال مستقلة عن بعضها البعض أم أنها تلتقي في النهاية لتشكل نسقا فلسفيا واحدا؟

1-    نقد العقل النظري:
 وفيه بين آليات وأدوات المعرفة، وقد حددها في إثنتان: ملكة الحساسية التي يشترك فيها الإنسان مع الحيوان إلا أنه ما يميزنا عنها أننا نتساءل عن سبب وعلة الأشياء. ثم توجد ملكة الفهم وهي العملية التي تساعدنا على وضع الروابط بين الأشياء فنستعمل عبارات مثل: إذا كان... فإن، اذن، donc وغيرها.
وقد تحدث كانط أيضا في جدلية العقل النظري عن مجموعة من المغالطات المعرفية فوصفها على ثلاثة أشكال:
أ‌-       المغالطة الأولى: انتقد فيها عبارة ديكارت القائلة «أنا أفكر اذن أنا موجود» حيث رأى بأنها ليست بسيطة بل مركبة لأن عمقها هو «أنا أفكر أنني أفكر» اذن فأنا أفكر ملازمة لكل معرفة بشرية (السيكولوجيا العقلية)
ب‌-   المغالطة الثانية: انتقد فيها التصورات القديمة حول ما إذا كان العالم متناه أم لامتناه فاعتبر أن الإشكال الرئيسي هو مفهوم العالم ذاته وليس التصورات الموجودة حوله (الكسمولوجيا العقلية)
ج- المغالطة الثالثة: انتقد القدماء واتفق مع ديكارت في تصوره حول الله، أما انتقاده فراجع إلى أن صانع العالم ليس بالضرورة هو الله (الثيولوجيا العقلية)

2-    نقد العقل العملي:
موضوعه النومين ويعني بها الأخلاق التي لا نراها مباشرة لذلك فقد أسسها على الواجب الأخلاقي الذي يتلخص في النية الطيبة للشخص في الخضوع للقانون الكوني. أما فيما يخص جدلية العقل العملي فانتقد فيه المدرستين الرواقية والأبيقورية لاعتبارهما أن مفهوم الخير الأسمى هو تحليلي، ققي نظر كانط فهو تركيبي يتكون من الفضيلة والسعادة، فأحصى أسس الأخلاق:
-          الفضيلة: تقتضي ضرورة خلود النفس لتصل الفضيلة إلى أوجها.
-          السعادة: تقتضي وجود الله الذي يوزعها بالتساوي بين الناس لأن الناس لن يعدلوا في توزيعها.
-          الحرية: إن العالم هو حتمي تقابله الحرية، لذلك لا يقصي كانط إحداهما بل كلاهما قائمتين.

في الواقع لقد قمنا بجرد العناصر السابقة المكونة لنقد العقل الخالص ونقد العقل العملي من أجل أن نؤكد مسألة أساسية وهي حضور ثلاثة أسس أساسية في فلسفة كانط:الله والنفس البشرية والعالم، ولكن هذا لا يعني أن كانط يستحضرها في فلسفته لأنه له إثبات على أنها حاصلة في الواقع بل وظفها في فلسفته لأن العقل يفكر فيها ويحتاجها من أجل فهم ذاته وعالمه. من أجل أن نوضح أكثر نقول مثلا: إن الإنسان يحتاج بالضرورة إلى النفس لأنها هي ضامن وحدة الشخص في جميع الأزمنة، وإلا فلن يكون الشخص هو نفسه قبل دقيقتين من الآن، لذلك فهي تنظم تصور العقل لذاته، وبدون العالم أيضا لما استطاع الإنسان أن يدرك الإختلاف والتعدد والتنوع. وفي النهاية فالإنسان في حاجة إلى علة أولى يعود إليها باستمرار باعتبارها رمزا لوحدة العالم المتنوع (الله).

3-     نقد ملكة الحكم:
في هذا العمل سيقوم كانط بمد الجسور بين «نقد العقل الخالص" و«نقد العقل العملي» فانتهى إلى أنه إذا وجدت غائية (ليس غاية في الطبيعة) فإن ذلك سيؤدي إلى الجمع بين عالم الإنسان وعالم الطبيعة، فافترض إذن كانط غائية الجمــــال، وبفضلها يبدع الإنسان في عالم الطبيعة ويصنع منه الجمال لأنه يطمئن الإنسان ويجعله في راحة وارتياح. إضافة إلى الجميل يوجد أيضا مفهوم الجليل وهو كل شيء خارج عن استيعاب العقل الإنساني فيرعبه ويخيفه فلا يتحقق الجلال إلا إذا كان فوق ما هو حسي عند الإنسان.

هذه إذن بعض أسس فلسفة النقد عند إمانويل كانط وأتمنى أن لا أكون قد تعسفت في حق بعض الأمور الأساسية الأخرى لأن حجم المقال لا يسمح بذلك، لكن ما يهم في هذا العمل هو الإنتباه إلى النسقية التي ميزت فلسفة كانط بعدما عمل على الجمع بين جميع عناصرها في نسق متكامل، وهو ما يؤدي إلى الإقرار بأن الفلسفة ليس فقط تراكما للأفكار بل هي نسق يحكمه منطق واحد، وهذا ما اكتشفناه عند ديكارت سابقا وعند كانط الآن لتكون بذلك فلسفة كانط تتويجا للفلسفة الحديثة وإلهاما للفيزياء الحديثة مع نيوتن في كتابه «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية».

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس