اغتيال المسقاة البرتغالية

اغتيال المسقاة البرتغالية
بقلم: هشام آيت باحسين
منذ تواجدي بمدينة الجديدة وأنا معجب بالتاريخ العريق لهذه المدينة وخاصة الحي البرتغالي أو ما يسمى أيضا بمزاكان، وقد كان لي شغف كبير في اكتشاف هذا الإرث التاريخي، وفعلا فقد تجولت بين أسوار هذه المدينة القديمة، وقمت بإطلالة على البحر من فوق أسوارها فأحسست بقوة هؤلاء الذي عاشوا في الماضي بين أحضان هذه المدينة واستطاعوا أن يحصنوا مدينتهم ويراقبوا سفنهم وتجارتهم الحاصلة على ضفاف البحر، لكن مع ذلك بقي شيء وحيد لم أكتشفه إلا بعد سنوات على تواجدي بالجديدة، إنها المسقاة البرتغالية.
وفي الواقع لم أقدر على إكتشافها مبكرا لأنني كلما حللت بالحي البرتغالي كنت برفقة أقربائي وبنيتي، وأخص الذكر بابنتي لأن الثقافة الشعبية في مجتمعنا تقول بأنه من المجازفة إدخال طفل صغير لم يكمل بعد ربيعه الأول إلى مثل هذه الأماكن المظلمة... فقد تمسه روح ما أو سحر فيه شر فلقيت مقاومة شديدة من أقربائي... لكن الآن أصبح بمقدوري أن أدخل إلى هذا المكان رغم ظلمته الموحشة لأن ابنتي أصبح بإمكانها أن ترافقني إليه.
ها آنذا الآن قد اجتزت الباب الأول في المسقاة (لأن الدخول إليها يقتضي المرور عبر بابين) أجد مكتبا لاستخلاص ثمن تذكرة الدخول، في الوقت الذي أدفع فيه ثمن التذكرة أنظر إلى الباب الثاني الماثل أمامي، هو مفتوح جزئيا لكن ذلك لا يسمح برؤية ما يوجد بالداخل. المشرف على المسقاة يمدني بتذكرة الدخول مقابل بضع دريهمات... صار الآن بإمكاني اكتشاف ما يوجد بالداخل، أدفع الباب بيدي وأنا أستمتع بلحظة اكتشاف المجهول... قبالتي الآن  درج مصنوع من خشب يساعد الزوار على النزول إلى الأسفل مادامت المسقاة موجودة في مستوى منخفض عن سطح الأرض... فأنتقل من نظرتي الضيقة للدرج إلى نظرة كلية على المكان، ماذا يوجد يا ترى هنا؟ بدأت أتجول في المكان فلا أجد أمامي سوى أسوار، والضوء في المكان خافت، وفي وسطه يوجد حائط دائري، وفي الأعلى مدخل يساعد على دخول الشمس إلى المكان... فما معنى كل هذا؟ بدأت أبحث عن دليل يرشدني إلى الدلالة التاريخية لكل هذا، بحثت عن شيء مميز لأنني لم أقتنع بأنني أديت تلك الدريهمات من أجل صورة جامدة، لا شك أنه يوجد شيء مميز يبين من أجل ماذا وجد هذا المكان... أين هو؟ بدأت ألمس الحيطان بيدي لعل أصادف بابا سريا يرجع بي إلى الماضي... هل السر في الحائط الدائري الواقع وسط المسقاة؟ ممكن لكنني لا أستطيع الوصول إليه لأن مياها تحيط به من كل ناحية والوحل يفسد منظره.... إنه أيضا مجرد حائط لأنني لم أحس بروح المكان... لم أحس بأني عدت قرونا إلى الماضي بل مازلت في الحاضر... بحثت وجلت عن أي نفس في المكان لكنني اقتنعت في النهاية أنه ميت... لا يتنفس... أحد ما اغتاله... من؟ هل هو الشخص الذي أعطاني تذكرة الدخول أم هو ذاك العجوز الجالس إلى جانبه؟ هل هو مأجور خفي لا يظهر أمام العيان؟
لقد خدعوني، أديت ثمنا مقابل أربعة جدران ميتة... باعوني الفضول فقط... يغلقون الباب الداخلي للمسقاة لأنهم يدركون أن الإنسان لن يرغب في اكتشاف جثة هذا المكان... مكان نسوه ونسوا حضارته وجوعوه فلم يستطع أن يكلم الزائر. اعذرونا أيها البرتغال أردت أن أكتشف إرثكم وحضارتكم لكنني لم أجد ما يساعدني على ذلك، كنت أملك حنينا إلى روح تاريخكم لكنني لم ألقى سوى جسد من الحيطان. فإذا كان المثل الشعبي يقول: "دخول الحمام ماشي بحال خروجو" فإنني أقول "دخول السقاية بحال خروجها".  

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس