شكرا للمجنونة...



بقلم: حساين المامون


إذا كانت كرة القدم  قد وجدت لغرض التسلية والترفيه عن النفس و تزجية الوقت، فإنها  اليوم أخذت أبعاداً أخرى، وأصبحت سياسة أكثر مما هي تسلية وإهدارا للوقت، فالناس تتحدث عنها كما تتحدث عن السياسة، وتختزل محبة الوطن والوطنية مثلا بانتصار الرجاء البيضاوي والدعاء له بالنصر على أعداءه في الصلوات الخمس، بل وصل الأمر في بعض المنتديات الى الدعوة الى القيام  بصلاة الليل، و تكون خالصة لله، حيث الدعاء فيها مستجاب للفريق ضد الفريق الالماني العنيد والقوي .قرأت أيضا عن أحد محبي الفريق بأنه نذر نذراً خالصا لله بأن يذبح خروفاً كبيراً ويوزع لحمه على الفقراء والمعوزين والمحرومين والعاطلين عن العمل (حاملي  الشهادات العليا ..)، وعلى من تبع وشجع فريقه العالمي الرجاء، إذا فاز الفريق على الالمان الصعاب.
ويرى  
جمهور الرجاء وجل المغاربة أن فوز الرجاء على الألمان هو بمثابة فوز اقتصادي، سياسي وعسكري حاسم، معتبرين أن هذه الساحة هي ساحة معركة وليست ساحة لعب وترفيه، بعيداً عن السياسة ودهاليزها المظلمة، والتي أوصلت المغاربة  إلى ما هم فيه من شجون ومآسي . فما السر الذي يكمن وراء هذه المعشوقة المجنونة؟
هناك جملة أسباب تجعل المواطن البسيط يتسابق باندفاع ورغبة قوية لمشاهدة ورؤية ومتابعة مباراة كرة القدم، و الرجاء البيضاوي هنا  نموذج  وخاصة بعد خيبات المنتخب الوطني الكثيرة والطويلة بما في ذلك كاس إفريقيا والفشل في التأهل لكأس العالم...  لذا فالعوامل والأسباب النفسية والاجتماعية في المقدمة نظرا لحاجة المواطن المغربي إلى الفرح أو لنقل قليل من الراحة النفسية والذهنية للخروج من العمل اليومي الممل والمثقل والأوضاع السياسية والاقتصادية والصحية الصعبة على كاهل هذا الإنسان.  
وبما أن مباريات كرة القدم ملأى بالأحداث المثيرة و الانفعالات وإيعازات وترقب وتوتر وتشجيع تزيح وتبعد عن الجهاز العصبي انشغاله اليومي بالهموم والمشكلات، وخلال المباراة يتابع الجماهير برغبة شديدة وباندفاع وتشجيع وحماس قوي وبانفعال متزايد للأداء الفني الممتع للاعبين والنجوم وهذا مما يساعد الى تغيير نمط وأسلوب العمل. من جانب آخر هناك  اهتمام ومواكبة إعلامية (الإذاعات الخاصة، المواقع الإلكترونية، شبكة التواصل الاجتماعي...) لمشاركة الرجاء البيضاوي في هذا الحدث العالمي  بشكل خاص، باعتباره يمثل المغاربة والوطن، خصوصا و أن البطولة تنظم لأول مرة في المغرب، وهذا ما أشعل مباريات الرجاء في هذه الكأس، حيث الحماس و العواطف والمشاعر المتداخلة لدى  المغاربة داخل البلاد وخارجها، في البيوت والشوارع والمقاهي والساحات. خلال أيام بطولة كأس العالم، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي على الأنترنت ومنها الفيسبوك،  سجالات وتعليقات حماسية عكست مزاج المغاربة  في التعامل مع هذه المناسبات، وفي صفحة "الرجاء الفراجة " كتب بعضهم : "انها كرة القدم يا ناس، سر تشويقها أننا لا نعرف النتيجة مسبقا، وسر سحرها أن الحظ يلعب دورا فيها، وعبقريتها أنها نقلت العنف من الحياة الى المستطيل الأخضر... لذلك فيها هجوم ودفاع وهدف وزاوية وتسديدة وإصابة وفوز وهزيمة، لكن كل ذلك يجري بروح رياضية، حرب بلا  كراهية، بلا حقد، بلا خسائر بشرية وبلا احتلال أراضي العدو، الفوز فيها هو حمل كأس جميلة، وأفراح شعبية جميلة" في النهاية يتسمّر الجميع أمام شاشات التلفاز وتنحبس الأنفاس مع كل مباراة... حينها تختفي النزاعات المرتبطة بالفرق  والاختلافات الفكرية والانتماءات السياسية الضيّقة وتخلّصنا ولو لحين من أسطوانة شباط ولشكر وبنكيران، ومعاناة حاملي الشواهد... حيث يتوحد الجميع، ولا يتقمص أي طرف سياسي (الحكومة أو المعارضة) دور البطولة لتبني هذا الانجاز ويغيب التلاسن والسب المفضوح من هنا وهنالك، ليحل نفس الشعور عند الجميع ... إنه شعور النخوة بالانتماء الى المغرب الذي  سيبقى  شامخا حتى و إن سعى البعض الى تدنيسه برجس أفعال وأقوال  كحفل الافتتاح وحفل الختام للأسف.
إن فرقتنا الأحزاب والمشاكل اليومية فان "كرة" مملوءة بالهواء تستطيع أن تعيد الأمل في الوحدة والإجماع الوطني، أن تمنح لحظات  الفرح  إلى ما لا نهاية طالما أنها تعفينا من  مشاق متابعة التناطحات الحزبية وأخبار أشباه السياسيين الذين  يمارسون سادية في حق هذا الشعب، فشكرا لك أيتها المجنونة الساحرة.

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس