الكرة المغربية في ذمة الله!..



بقلم :  يوسف عشي

الكرة المغربية في ذمة الله..

مهما تعددت مواهب المواطن المغربي ، وتطورت مداركه، فإنه لا شك سيصاب بمزيج من الحيرة والغبن ، ولربما تأخذ نفسه حصرات الخيبات المتتالية للكرة المغربية.. فالمنطق يأبى إلا أن يجعل المرء متفائلا، إلا أن الواقع يأبى إلا أن يصفعه بوقاحة ودناءة منقطعة النضير..


خلال العشرين سنة الأخيرة وربما أكثر، تسجل المحافل الرياضية عبر مختلف ربوع القارة العجوز تألق فلذات أكباد من هاجروا هذا الوطن السعيد هروبا من شظف العيش إلى الفردوس المنشود دنيويا، والذي لم يدركوه ربما في جزئية المجد إلا مع هذا التألق لفلذات أكبادهم على المستطيلات الخضراء وخارجها..

كان المغاربة الوطنيون الأقحاح في الموعد وأعطوا للوطن ربما أكثر مما أخذوا.. ربما منهم من لا تربطه بالوطن سوى وثيقة دفتر الحالة المدنية للأب.. كانوا في الموعد صنعوا مجدا لآبائهم ولوطنهم.. كانوا ولا يزالون سفراء حقيقيون فوق العادة لوطنهم حاملين لواء مغربيتهم ووطنيتهم..

لكن الوطن يأبى إلا أن يعاقبهم.. ويخصي توق نفوسهم للتألق باسم أصلهم.. بل منهم من جلد نفسه جلدا، وندم ندما شديدا لاختياره قميص الوطن.. ونحن وإن كنا لا نشاركه الرأي، فنحن على الأقل نفهم وقد لا نتفهم موقفه الآسف على رجوعه لأصله.. وربما كان لزاما التساؤل عن السبب.. هل أخلف الوطن الموعد؟ هل تنكر لجميل أبنائه غير المباشرين؟ هل حمَّلهم ما لا يطيقوا؟ ثم هل يحق أصلا أن ننعت الوطن بهذا الفعل أو ذالك؟ متى كان الوطن يتحمل زلات من أنيطت بهم مهمة تسيير شؤونه؟

أردنا أن نثير هذه المسالة بدءا كي لا يكون في تحليلنا نوع من الحيف حين ننصرف إلى أحد أسباب خفوق نجم الكرة المغربية.. فقد يحلو للبعض أن يحمل المسؤولية للاعبي المغرب الخارجيين أو المحترفين كما يحلو للبعض نعتهم، وكأن احتراف من هو داخل الوطن ليس سوى مزحة، أو قشة في سوق الألماس..

من يتحمل مسؤولية المذلة الكروية المغربية المستمرة؟ هل هم أبناء الوطن خارج الحدود؟ أم تخاذل أبناء الوطن داخل الحدود؟ أم أن الأمر لا يحتمل تجريم هذا أو ذاك؟ بل تحميل المسؤولية للظروف والتلكؤ بالصدف وبأهازل الأمور. حتى باتت السفاهة شرطا أساسيا في من ينعت بحامل المسؤولية؟ حتى يصرح مدرب المنتخب الوطني عقب إخفاق كأس أمم إفريقيا بأنه يتحمل المسؤولية كاملة.. ثم نراه يستمر على رأس المنتخب، وحتى بعد انتهاء مدة العقد المبرم معه، دون أن نشهد استقالة أو إقالة..

كأطروحة نزعم أنها تجيب على هذه التساؤلات نقول: ليس سبب إخفاق المغرب تهاون أي من أبنائه. فمشهد عيون اللاعبين وهي تدرف الدموع حصرة إثر كل إقصاء وحده كفيل بأن يدفع عنهم التهمة. كما أن وضعيتهم في داخل الوطن وخارجه بعد الهزائم، جعلتهم يدفعون ثمن الإخفاق أكثر من غيرهم. وهذا الغير هو بيت القصيد، فإذا كأن الأساس فاسدا.. كيف نفترض في البنيان الصمود؟!.. كيف يمكن أن نحمّل المسؤولية لمن تتخذ القرارات بصدده من طرف الدخلاء على الميدان، والمرابين في سوق منتخب الوطن. حتى تصبح نتيجة مباريات المنتخب مجال مزايدات بين بعض اللاوطنيين كما نزعم..

قد رأينا كيف تمت تنحية المدرب المغربي بادو الزاكي..  قبل ذهابه إلى الكأس الإفريقية التونسية  ورأسه تحت المقصلة والعديد ينتظرون أدنى إخفاق لتركها تهوي على عنقه. وحتى بعد عودته من تونس وهو يحتل مرتبة الوصافة، وما تلا ذلك من تآمر وتقسيم للفريق من الداخل إلى مجموعات متطاحنة للدرجة التي جعلت أتفه الفرق - مع إحترامنا لها- تحرمنا من أسهل النقط، لتنتهي الرحلة السعيدة الوحيدة للمنتخب بعد ما يزيد ربما على الربع قرن.. ولم نشهد تكليف أي لجنة بالتحقيق في الأمر..

لكي تكتمل الأطروحة، نصل إلى غرتها، فنقول: الفساد في ما يسمى بـ"الجامعة" دون وجه حياء هو السبب. إذ لو أنها كانت "جامعة" بحق، لنافست سميتها الأصلية "الجامعة" وخرّجت الأبطال مثلما تخرّج الأخرى الدكاترة والمهندسين.. نقول أن فساد الجامعة هو السبب، لكن يتلازم معه جهل الغالبية العظمى من الجماهير الكروية بالقواعد التدبيرية،  ومناط سير الأمور يأخذنا إلى فساد ظاهر على عيون الأشهاد.

لا يمكن أن نمر بموضوعنا هذا، وأطروحتنا هذه، دون التدليل عليها، وربما أراحنا المسيرون الفاسدون من عناء بناء الأدلة نظريا.. حيث قدموا لنا دليلا واقعيا عيانيا شهده العالم بأسره في ليلة هوليودية تبادل فيها القائمون بأمر الكرة في هذا البلد السعيد الشتائم عبر "التعربيد" بكل وقاحة وقلة حياء.. هنا يماط اللثام.. ف"الذي سقط في السوق علمنا أنه من البيت خرج مائلا" عظيمة هي الأمثال الشعبية..ففي كثير من الأحيان وهذا أحدها تعطينا توصيفا دقيقا للموقف.

لكن لنعد شيئا ما إلى الوراء.. قبل ليلة "التعربيد". كان رائجا أن الجمع العام لجامعة الكرة هذه المرة سيكون تاريخيا (وقد كان فعلا) لأنه سيشهد أول انتخاب نزيه لرئيس للجامعة. في اعتراف ضمني لجميع مكونات المنظومة الكروية أن ما قبل ذلك لم يكن ديمقراطيا.. على أي حال.. كان هناك نظام انتخابي يعتمد نظام اللوائح. وكانت هناك لائحتان.. الغريب أن الانتخاب يعرف بالاقتراع والاقتراع يعرف بالسرية.. في حالتنا هذه لم تكن هناك سرية.. إذ سارعت الأندية للمجاهرة بأصواتها مستبقة لحظة الصندوق، فبات معروفا لكل لائحة حظوظها.. هنا سيبتدئ "زعيم" كل لائحة في التخطيط، الخطة {أ} احترام نتيجة الاقتراع إذا كانت في صالح اللائحة. الخطة {ب} "التعربيد والتحياح" والطعن في كل شي وإفشال الجمع وهدم المعبد على رؤوس الكل.. وكذا كان..

هدوء غير عادي وسير للأمور بكل سلاسة وهدوء أتناء مناقشة التقريرين المالي والأدبي للمكتب الجامعي الراحل.. وهذا ما كان ينتظر أن يعرف أخذا وردا وصراعا نظرا لحجم الأموال المنفقة وهزالة النتائج وهوانها..لكن شيئا من هذا لم يحصل. فقط بدأ التعربيد حين بدت الأمور في غير صالح لائحة عبد الإله أكرم، وعم الصراع طوال مساء وليل كامل إلى أن تم استرضاء صاحب التعربيدة القوية بمنصب نائب الرئيس...

أتسبيح القارئ عذرا لإدخاله في هذه التفاصيل التافهة، لكن أعود لأؤكد أن أصل الداء معروف، لكن المعالج مفقود.. علمنا منذ دورات ودورات أن لدينا فسادا في التسيير.. فما كانت التدابير المتخذة؟.. لاشيء.. بل بلغ التهاون من المسؤولين على هذا القطاع الرياضي وعلى الرياضة عموما بهذا البلد حد الصمت، وربما التواطؤ، إلى الدرجة التي بات الفاسدون يجاهرون أمام أنظار العالم {هناك قنوات فضائية غطت الحدث} في إهانة وتحقير واستباحة لكرامة هذا الوطن.. وواقع الحال يقول أن هؤلاء لم يكفهم مهازل المنتخب المغربي ليضيفوا إليها مهزلة أخرى ترمي بالبلد في قاع الدول المحترمة، البلد الذي وثق الإتحاد الإفريقي فيه ومنحه شرف استضافة نهائيات كاس إفريقيا للأمم 2015 و وثقت الفيفا فيه ومنحته شرف احتضان كأس العالم للأندية 2015-2016 تباعا.

هل هؤلاء هم من سيشرف المغرب تنظيما؟.. وكل واحد منهم لا يجد في نفسه غضاضة في التفوه بأسفه القول والتصرف بأحقر الفعل جهارا نهارا ، عفوا ليلا، عفوا، صباحا، بل عفوا في كل وقت؟.

وبالرجوع إلى من سيترأس جامعة الكرة.. الرئيس الحالي والمرشح السابق لم يجد أمامه رادعا، أو موقفا، أو لجنة تحقيق، حينما كان يجاهر بالتلويح بنفوذه في وزارة المالية واعدا بضخ الأموال في الجامعة، وكأن وزارة المالية ضيعة يمتلكها وذويه..خبا بريق عدسات الكاميرات إذ لم تجد من تصوره في خرجة إعلامية تضع حدا للفوضى والعشوائية والطبخ غيرالسوي للمكاتب الجامعية.. 
لكن لا تقلقوا فهاهي الفيفا ترجع العداد إلى الصفر، واضعة هيبة الدولة في سلة المهملات كما فعلت مع دول أخرى من بينها "فرنسا" التي يتشدق الكثيرون بمكانتها كنموذج أوحد للإتباع في المغرب.. تصفعنا الفيفا بسبب أراذلنا،وهي في نفس الوقت ضامنة لسير شأنها بالمغرب.. الكأس العالمية للأندية ستقام في أوانها والمكتب الذي قدم حصيلته وتقريريه المادي والأدبي وغادر الجامعة سيعود بإذن من له السلطة الحقيقية في عالم الكرة، ويسري على جميع الدول حتى لو كانت ملكية. لنعود للقول "الذي سقط في السوق، خرج من البيت مائلا".. أيها المواطن.. حلل وناقش.. فلربما تصل إلى  توصيف للوضع الكروي بالمغرب، فتأسف عليه قائلا " الرياضة المغربية في ذمة الله". 

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس