بقلم: محمد بعدي
قصة دعاة الحداثة مع ما سمي ب"الربيع العربي"
مثيرة حقا... و تحتاج إلى دراسة معمقة و ليس فقط مقالا يتيما... في جل، إن لم نقل
كل، بلدان "الثورة" كان هؤلاء حاضرين بقوة، خصوصا و أن الكثيرين منهم
يمتلكون "رصيدا" من "النضال" ضد الدولة المستبدة، و الدفاع عن
"حقوق الإنسان" و "الحريات"...
لذلك كان من الطبيعي أن ينخرطوا في الانتفاضات تنظيما و حشدا و مشاركة... و قد كان
البعض منهم يعتبر المناسبة فرصة لإعادة الاعتبار للقوى الشعبية، و ترسيخ مبادئ العدالة
و الحرية و المساواة... لذلك وقفوا جنبا إلى جنب مع الإسلاميين ما داموا يدافعون
من حيث المبدأ على نفس القيم و المعاني... أما بعض "الحداثويين" فكانوا
انتهازيين بالمعنى اللاأخلاقي للكلمة، و كانت مشاركتهم في الانتفاضات مشاركة
مصلحية هدفها قطف النتائج أو على الأقل اقتسامها مع الغير... خصوصا عندما بدا أن
رياح "الثورة" تسير وفق وجهة إسلامية...
حاول بعض أهل الحداثة منذ البداية احتكار قيادة
الانتفاضات من خلال رفع شعارات متطرفة و راديكالية بهدف المزايدة السياسية ليس إلا...
و حاول بعضهم اقتراف سلوكات لا أخلاقية بهدف اختلاق مواجهة مع الإسلاميين من أجل
فرم اللحمة التي بدأت تتشكل من خلال أطياف متباينة المنطلقات و الأهداف... تحت
شعار " لا أربح... لا أترك خصمي السياسي و الإيديولوجي يربح.."، حتى و
لو خسر، بسبب ذلك، كل الوطن... كان البعض إذن يتصرف كعدو للوطن، و بأنانية مقيتة
يصعب استيعابها...
بعدما استقر الأمر للإسلاميين من خلال صناديق الاقتراع و
من خلال لعبة ديموقراطية كانت الأكثر شفافية في تاريخ بلدان "الربيع
العربي"، كشر " دعاة الديمقراطية و الحداثة " عن أنياب الحقد الفطري،
فكفروا بالديمقراطية و شحذوا سيوفهم لتقطيعها إربا، لأنها حملت غيرهم لكراسي
السلطة، و شنوا هجومهم العنيف على الشعب و اتهموه بالغباء و القصور و التخلف
العقلي و العاطفية... لأنه لا يعي مصلحته و لا يدرك لمن ينبغي أن يسلم زمام
أمره... لم يمهلوا حكومات الإسلاميين و لو حتى أسابيع... بل بدأت حملات التشكيك و
التخويف و التهويل من "البعبع" الإسلامي منذ البداية... و دارت "الماكينة"
الإعلامية بهدف "طحن" الإسلاميين... من خلال استغلال سذاجتهم، إن لم نقل
"غباءهم" المتمثل في التعامل بأخلاق مع من لا أخلاق له، و بوفاء مع من
لا عهد له، و بصدق مع من اتخذ النفاق منهجا و عقيدة...
فيما يخص التجربة المغربية رغم أن التركيبة الحكومية
هجينة، لا يمثل فيها حزب العدالة و التنمية شيئا مذكورا، إلا أن الإصرار على إفشالها
و تحميلها كل المسؤولية كان واضحا لا يمكن أن ينكره من أنعم عليه الله بعينين... و
حاول الحداثويون اللعب على "الورقة الأخلاقية" غير ما مرة لأنها نقطة
قوة و ضعف الإسلاميين في الآن نفسه... و تم إقحام هذه الورقة في النقاش الإعلامي
العمومي و تضخيم بعض الأحداث للتخويف من الإسلاميين { موازين، الحرية الجنسية، تضامن
"البوسان"...}. و وصل العبث السياسي حد تصرف الحداثويين بدناءة، بهدف
إقبار المشاريع التي يمكن أن تنسب لفترة حكم الإسلاميين، و حضر الهاجس الانتخابي محل
الهم الوطني... و خصوصا مع وجود رئيس حكومة يتقن الانحناء...
في مصر كان مكر الحداثويين أكبر، و كان العداء
للإسلاميين أبشع، نظرا لطبيعة البنية الاجتماعية للمجتمع المصري، بوجود الأقباط، و
وجود المنتفعين من النظام السابق من "الطبقة المثقفة" التي دب الخوف إلى
نفسها من فقدان امتيازات سابقة... هناك أيضا اشتغلت الآلة الإعلامية على مدار
الساعة بدعم و تمويل خارجي... و استطاعت هذه الآلة الإعلامية أن تؤلب و تغرر
بالعديدين من أجل صنع ديكور "ثورة" أنهت سلطة الإسلاميين إلى أجل غير
مسمى عبر انقلاب "كامل الأوصاف"، و أجهزت على الحلم بمجتمع ديمقراطي و
لو على مستوى الممارسة السياسية، و أدخلت البلاد في متاهة لا يمكن التنبؤ بمآلاتها...
الغريب أن قادة "الثورة المضادة" سواء في مصر أو
غيرها من البلدان العربية هم من "المثقفين" الحداثويين الذين كثيرا ما
"صدعوا" لنا رؤوسنا بدروس الديمقراطية و حقوق الإنسان و حتى الحيوان...
بل إن كاتبا كبيرا مثل علاء الأسواني كان يوقع كل مقالاته ب: "الديمقراطية هي
الحل"... تفرغ لوضع نظريات في تبرير الانقلاب العسكري في مصر مخترعا لمفاهيم
ديمقراطية جديدة ما أنزل الفكر السياسي بها من سلطان... أما شيخ الصحفيين المصريين
حسنين هيكل فقد كان العقل المدبر للانقلاب ضد هذه التجربة الديمقراطية الفتية و هو
الذي كثيرا ما حاضر في الديموقراطية و تغزل بها ...
ربما لن يكون رجما بالغيب القول بأن بعض دعاة الحداثة هم
أكبر "البلاطجة" الذين أفسدوا "العرس الديموقراطي"، و أجهزوا
على الحلم بواقع عربي مختلف عما ساد في العقود الأخيرة... و أن الوزر الأكبر في
فشل الانتفاضات الشعبية يتحمله هؤلاء نظرا لكونهم يحملون مشروعا معاديا للمشروع
"الإسلاموي"، و مستعدون لتدمير الوطن من أجل إفشال المشروع المضاد، و
يخدمون بشكل مباشر أو غير مباشر مشروعا غربيا غريب الهوية ...
مقالات أخرى للكاتب:
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية