بقلم: مصطفى بيدوح
بعد تأمل وتفكير في بعض الأقوال و الأغاليط
التي صدرت عن أفواه بعض المدرسين فيما يتعلق ببيداغوجيا التدريس سامحهم الله، والملخصة
في العبارة التالية : "شتان بين ما هو وارد في المجال البيداغوجي وما نصادفه
ونحن داخل العملية التعليمية التعلمية"، وكأن هذا القول يريد إثبات مدى صورية
المجال البيداغوجي.
إن ما تبين من خلال ذلك ما هو إلا فهم ركيك
لهذا المجال الغني بنظريات لها ما يكفي للكشف عن هفوات المتعلم كفاعل من داخل
العملية التعليمية التعلمية من جهة أولى، والارتقاء بمستوى التعليم لدى المدرس من
جهة ثانية. فإذا قلنا افتراضا بصورية البيداغوجيا فهل هذا يمنعنا من أجرأتها
عمليا؟ وإذا كان مجال البيداغوجيا ما هو
إلا قول في فراغ، فماذا سنقول عن المتعلم، هل هو محتوى فارغ أم موضوع يجب تشييئه ونزع كل خصوصية إنسانية عنه بذريعة تحقيق التعلم بموضوعية على حد
قول أحدهم؟ ألم تكن الكفاية هي قدرة المتعلم على إدماج كل معارفه النظرية التي
اكتسبها سابقا والتي هي جديدة بالنسبة إليه بتجربته الخاصة، منها ما يتعلق بحياته
وثقافته ومجتمعه...إلخ، من أجل مواجهة
وضعية مشكلة معينة أو عدة وضعيات، وإيجاد حل لها؟ وإذا كنا نتحدث عن الكفاية في
علاقتها بالمتعلم، ألا يمكننا كذلك أن نخصص الذكر للكفاية الخاصة بالنموذج
الديداكتيكي لدى المدرس الذي يعتقد بالصورية؟
إننا هنا نطالب المدرس في مستوى من المستويات أن يكون مسؤولا عن قوله قبل فعله، وذلك من خلال إلمامه بالنموذج
الديداكتيكي من جهة، والمضمون المعرفي من جهة ثانية، وإلا فسنكون أمام شخصية
تتناقض بكل ما يحمله هذا المفهوم من معنى، وهذا الأمر أشبه بمن يعتقد أنه يرتدي
جلبابا، لكن هو في الحقيقة بدون ملابس. فما سنخلص القول إليه هو أن هناك تداخل
كفايتين وهما كالتالي:
1- مراعاة الكفاية الخاصة بالمدرس في
علاقته بالنموذج الديداكتيكي، وهو المسؤول عن ذلك.
2- مراعاة المدرس لكفاية المتعلم في
علاقته بالمضمون الذي يحتويه المقرر الدراسي على سبيل الذكر.
بهذا نكون قد تطرقنا إلى العلاقة الديداكتيكية
في أقطابها الثلاثة بطريقة أو بأخرى وهي: (المدرس-
المتعلم- المضمون)، فإلى أي حد نتجرد من قول يعاني من عاهة معرفية بيداغوجيا بعيدا
عن فهم صحيح للكفاية في جميع أبعادها المحتملة؟ وما ذنب المنظومة التربوية بعد
الذي قلناه، أليس المشكل هو مشكل فردي ذاتي أكثر منه بنيويا ؟
لذلك فإن إرجاع أي مشكل دراسي إلى جملة
تعاني من التعميم يستحودنا ويدر التراب في عيوننا، وعوض أن نسائل المشكلة، ونقف
عند حدودها، نضفي عليها صيغة التعميم فنضع اللوم على الآخر، فتتحول إلى إشكالية ترخي
ظلالها نحو الغد فيصير الأمر مرجأ، إنه
التسويف يغمرنا ويؤجلنا عن الحل، عن حقيقتنا في المستقبل، هذا هو الخوف الذي يبث
مخالبه في ذات، لأنها تخاف المسؤولية البيداغوجية، لأن هذه الاخيرة تحتكم إلى
قوانين عقلية تراعي الفوارق المعرفية لدى المتعلمين. بذلك يكون بعض (بدون تعميم) من
ترأس العملية التعليمية التعلمية تبريري أكثر منه عملي (البراكسيس) داخل العملية
التعليمية التعلمية. إن شعار البيداغوجيا في حقيقة الأمر يمكن إيجازه في القول
التالي: "أيها المدرس قم إلى السبورة وأد دورك بعقلانية مسؤولة ومرنة وتجنب
الارتجالية والفوضى في عملك التعليمي".
مقالات أخرى للكاتب:
تجربتي مع هيدغر
الفلسفة والعقل
مقالات أخرى للكاتب:
تجربتي مع هيدغر
الفلسفة والعقل
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية