بقلم: إبراهيم شكواتي
هناك تحليلات بشأن الوضع السوري، كحال عقولنا نحن العرب
سطحية، ولا تفقه الا تحت سطوة العاطفة وضبابية الرؤية،
ما
ترمي إليه بعض المقالات في حقيقة الأمر ،هو التغني بان سوريا بشار، صخرة
صلدة تتكسر عليها كل من سولت له نفسه العدوان
من الغزاة الامريكان، ومن سار في ركبهم من العرب الاذناب ،وما يزيد من هذا الوهم ان سوريا بشار ليست لقمة سائغة ،هو تحالفاتها
:ايران و حزب الله ،روسيا والصين ،اي ان سوريا الطاغية لديها من يحميها وبالتالي ،اي
خطوة للعدوان ستشعل المنطقة ،....تحليل يصدر
عن رؤية ساذجة ،لا تحيط بابجديات الفعل السياسي والعسكري لقوى الاستكبار العالمي ،ومن
قال ان التردد الامريكي تعبير عن خوف، وفشل في حشد الحلفاء،هل احطت بكواليسهم ومفرداتهم
السياسية و الاستراتيجية ،هل ادركت دقيق حساباتهم، واستوعبت المقدمات الكبرى التي يصدرون
عنها في كل فعل، سياسيا او عسكريا. ان المقدمات التي تصدر عنها، انت صاحب المقال
او التحليل، هي التي حكمت هذه الرؤية الساذجة،
وهي ان النظام البعثي الفاشيستي بتحالفاته، يمثل اخر معاقل الممانعة والمقاومة ضد المؤامرة
الصهيونية، وفي هذه الرؤية فساد مبين وموقف مشين، يضرب فلسفة التاريخ القرآنية وغير
القرآنية، عرض الحائط، الا وهي انه لا يمكن ان تنتظر من الاستبداد خيرا ،احيلك على
اعظم كتاب وضع عن الاستبداد في الثقافة العربية
والاسلامية، وهو: "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للمفكر السوري الشهيد عبد الرحمان الكواكبي ،وفيه " ان المستبد فرد عاجز ،لا حول له ولا
قوة الا بأعوانه أعداء العدل وانصارالجور" هذا الوصف هو وصف لسنة الله في الوجود البشري تابثة،
فكيف لمستبد بل اكثر من ذلك سفاح، ان يكون له مشروع للممانعة والمقاومة ،ومن اين له
ان يدفع المؤامرة، او من اين له ان يصد من هو اشرس منه استبدادا من امثال الامريكان
،الم تقرأ التاريخ ان الطغاة هم السبب في
دخول الغزاة، وقصة صدام الطاغية وسقوط بغداد، ليست منا ببعيدة، و لك في التارخ
العربي البعيد امثلة اخرى، فراجعها تظفر بحقاقق تبدد ظلمات غفلتك عن فلسفة التاريخ
وسننه، وتشحذ رؤيتك وتخرجها عن سذاجتها ،ما يؤسفني أنك قد تكون دارسا للسوسولوجيا،
لكنك غفلت مرة اخرى عن الايديولوجيات التي يبنيها المستبد لتبرير تسلطه وحكمه للرقاب
واستمراره في السلطة، التي تعتبر أعظم شهوة يمكن ان تستبد بالانسان، وتاريخ الحكم السلطوي
في السياق العربي و الغربي يشهد ان المستبد يرفع شعارات دعائية كوحدة الصف و محاربة
العدو ودفع المؤامرات، والوقاية من الفتنة، والجيل الجديد من الدعايات، كمحاربة الارهاب،
يرفع ذلك للتحكم في الرقاب، بل ويدعي انه الحافظ للمجتمع، والمرشد له، وقد عبر القرآن
عن ذلك حكاية عن فرعون المستبد :""
وما اريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد
"" .انها قوانين الاستبداد .
وبخصوص التحليل الرائج لدى المدافعين
عن نظام البعثي، لماذا لا يرى ان التردد الامريكاني ليس خوفا، وإنما هي نتيجة لمراجعة
حسابات سياسية واستراتيجية وعسكرية ،ترتبط من جهة، باختلاف الحلفاء في توزيع الكعكة
الاستراتيجية والسياسية المرتقبة ، ومن جهة اخرى، وهذه قيمة موجهة لهم في كل ما يفعلون، وهي مصلحة ما يسمى " اسرائيل" التي تدرس
ودرست مدى صحة قرار الضرب وملاءمته لأمنها، لأنها تطمئن للنظام البعثي ولا تريد ان تفرط فيه لأنه عدو بلا أنياب وغير مهاجم، ولا يعلم بالجار الا
جاره القريب، واذا كان له بديلا فينبغي تدقيق الحسابات، وترشيد التحركات لانتاج
نظام ترتاح له اسرائيل . ربما تدرس امريكا حسابات تتعلق بتنظيم القاعدة، هناك على الارض،
فكيف ستحل مشكلته الميدانية والسياسية بعد سقوط النظام، وهناك حسابات كثيرة لا نعلمها
بحكم التسرع في التحليل، أو فساد مقدماته، وهناك حساب آخر ومن وجهة نظري المتواضعة
مستبعد، وهو احتمال دخول ايران في الحرب، أقول انه مستبعد، لماذا ؟ للاعتبارات التالية
:إن ايران لها منطق برغماتي، لن تنجر أبدا إلى هذه الورطة، لأنها تتقن الشطرنج السياسي،
وأكيد ان هناك جدلا داخليا، استخباراتيا و سياسيا واستراتيجيا، فلا بد أن هناك آراء
داخلها، تقول : بان حليفها البعثي سيؤول للزوال بسبب إنهاكه العسكري، واحتراقه أخلاقيا
وسياسيا. فكيف نراهن عليه، ويمكن ان توجد آراء أخرى داخل ايران تقول بأنه لايمكن أبدا
ان نعطي الفرصة للصهاينة للحرب علينا .... بحيث أن ايران ستعمل كل ما بوسعها لتأخير
نذر الحرب عليها بكل الطرق الممكنة، تذكر ذكاءها في تدبير الملف النووي، ولها أوراق
في ذلك لا نعلمها الآن . كما انها لن تدخل ايران في الحرب لانها تعلم ان الضربة ليست طويلة الأمد، بل هي تأديبية
ومحدودة بمواقع بعينها، فلا بأس أن تسكت ايران عن ذلك عسكريا فيما ستبح ببيانات التنديد،
أما الدب الروسى فجعجعة ولا طحين، فمتى أردفت روسيا الفيثو الذي بيدها بسلوك فعلى على ارض
الواقع، انها تلعب دورا مكملا للسياسات الخارجية الامريكية ،هل حاربت الى جانب صدام
؟ كلا، إنها كذلك لن تحارب بجانب الأسد القاتل، أما الصين فهي كذلك شبيهة بالروس، بئس
الحلفاء اذا . أما حزب الله فان التاريخ سيعاقبه وسيجني نتائج موقفه من الثورة
السورية بل والخوض فيها بالدماء و سيدفع ثمن سقوطه الأخلاقي بالوقوف الى جانب رب نعمته، بحيث سيحترق
رصيده المقاوم على طول السنوات المقبلة إلا إذا صحح موقفه، والثمن الذي سيدفعه
داخلى، بحيث سيواجه وضعا سياسيا محرجا داخل لبنان وقد يتورط لا سمح الله في بعض
المناوشات العسكرية ضد معارضيه
......ومع
ذلك فإن الواقع أعقد من التحليل وأسرع من التنظير، خصوصا مع تهافت المقدمات التي ننطلق
منها في التحليل، أو عدم نجاعة مفرداتنا التحليلية، وعدم علمنا بأبجديات السياسات والاستراتيجيات.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية