من البوعزيزي إلى السيسي تونس تصدر ثورة.. وتستورد إنقلابا !!..






بقلم: يوسف عشي



هناك علاقة جدلية بين تونس ومصر، فالبلدان تصدرا قائمة بلدان الربيع العربي، وحققا أرقاما قياسية ولازالا في تسهير الأقوام من بني جلدتهم على امتداد الجغرافيا من المحيط على الخليج ومن طنجة إلى جاكارتا..
وضعت الأيدي على القلوب وحبست الأنفاس وارتفع الضغط تارة وتوردت الشرايين أخرى.. وما لبث الجميع أن قفز رافعا أيديه إلى السماء مهللا يهتف بنصر بدا محققا، فها هي تونس الخضراء تلون سماء الربيع العربي باخضرارها البهيج، فاحتراق البوعزيزي مثل قربان نهر الحرية الدافق وطوفان الحق الجارف للديكتاتور الذي تحول إلى فأر فار إلى حضن عشاق العسكر والجبروت ناهبي الشعوب ومجيري قاتلي النفوس..
وتعلو رايات الإنعتاق المؤقتة لتمسح الرؤوس الهرمة التي شاخ انتظارها لنسيم الحرية. تحررت تونس.. أو هكذا ظننا.. وانطلق الخيط الناظم .. ليتجاوز ليبيا ضاربا لها موعدا للعودة بعد دق أجراس التهديد بعد التصريح الغبي للقدافي حول من يسميه ب"الزين".. انطلقت الروح الثورية لتستقر ببلد الكنانة.. بلد الملايين البئيسة..ملايين الفول والطعمية والوجبة الواحدة.. ملايين الفن والأدب والفكر والعلوم.. ولم يتوانَ شباب الفيسبوك عن التقاط إشارة الحرية حتى أعلنوها مدوية "الشعب يرد إسقاط النظام" لقد تحول البوعزيزي إلى خالد سعيد.. وتداعت روحه الثائرة لتسكن أجساد شباب وسم بالتفاهة ووصف بالهوان.. فرَدَّ ثائرا.. متمردا صارخا "كفاية" فكلنا خالد بروحه الهائمة بالحرية وسعيد بشهادته وتقديم دمائه الزكية قربانا للثورة.. وصدحت الحناجر وتكاثرت وتزاحمت الأجساد بميدان التحرير..
المتابعون عبر ربوع "الأمة" يكررون المشهد السابق من مسرحية متابعة شريط الثورة في نسخته المصرية، وارتفع ضغط الدم ثانية، وتهللت الأسارير ثم رفعت الأيادي إعلانا لفوز ثوار الخامس والعشرين من يناير السعيد.. وظن الجميع أن الظفر قادم ليواصل الخيط الناظم للثورات العربية طريقه نحو اليمن وليبيا وسوريا.. لكن.. لأن القدر هيتشكوكي النزعة.. يأبى إلا وأن يترك الأيادي على الأفواه ويحبس الأنفاس في الصدور.. لوَّح بورقة الانتخابات المصرية في مشهد ديمقراطي مهيب لا نظير له ربما حتى في أعتى الديمقراطيات عراقة.. فالملايين تصطف وتدلي بالأصوات..
ومرة أخرى رفعت الأيادي عاليا مع رفع محمد مرسي على الأعناق.. وتهللت الأسارير.. وظن الجميع أن طريق الحق قد رسم، وخارطته واضحة بارزة في سبيل ديمقراطي معبد بالاقتراع تلو الاقتراع.. لكن القدر الهيتشكوكي اللعين، يأبى من جديد إلا أن ينغص على الجميع فرحته. فمرسي فاز، لكنه لم يفز بالضربة القاضية.. وكما يقول المثل " الضربة التي لا تقسم الظهر.. تقويه" تقوى فلول نظام مبارك، أنصار شفيق، واستطاعوا الصمود في مجتمع حديث الثورة عليهم، لكنهم بدهاء الخبثاء امتطوا ظهر الثورة، و حرفوها عن مسارها. ليتحول العدو من نظام طاغ يقتل ويبطش وينهب خيرات البلاد، إلى عدو جديد، حليف الأمس الذي سيسرق الثورة ويُأخْون البلاد..
تززحت روح البوعزيزي، فما صدَّره إلى بلاد الكنانة بات مهددا.. بل تحول إلى النقيض.. ومع تواتر أخطاء مرسي المبالغة في الديمقراطية والتسامح اللاقانوني.. ستتحول المعارضة بجهود الفلول، وطمع النفوس الضعيفة، وشهوة السلطة، إلى كراهية لتخرج إلى الوجود في شكل جبهة تحارب الرئيس المنتخب وفصيله. سمت نفسها ب"جبهة الإنقاذ" إنقاذ البلد من الشرعية ليعود إلى سابق عهده بالطغيان في حركة "تمرد".. فالإخوان ورئيسهم لم يستكملوا أهداف الثورة !.. تلك الثورة التي ينبغي أن تضع جنرالا على رأس البلاد، وتعتقل كل قادة المعارضين وتختار لهم فيما بعد  بكل تأني التهم المناسبة .. وتقتل بالآلاف من يقرر الصمود والاعتصام مانعا إياها من تحقيق مآربها، حتى لو كانت الوسيلة سلمية.. تلك السلمية التي  ستسمى فيما بعد "إرهابا"..
اختنقت روح البوعزيزي حينما انتقلت "تمرد" من مصر إلى تونس .. وبدأت الأصوات تتعالى ضد الحكومة الشرعية المنتخبة!.. اندحرت روح البوعزيزي حينما تأسست قبلها "جبهة الإنقاذ" هذه المرة في تونس، ومعلوم ما تريد هذه الجبهة إنقاذه .. تهللت النفس..لكن هذه المرة ليس لدى المتابعين من طنجة إلى جاكارتا.. لكن في المملكة السعودية.. نفوس كنفس الديكتاتور المارق الملقب لدى الراحل القدافي لارحمة الله عليه ب"الزين" وربما تحول التهلل إلى ضحك وقهقهة، حينما أعلنها السيسي انقلابا ! مستبلدا الملايين من الأغبياء وضعاف النفوس والوصوليين والطامعين والمشتهين للسلطة : اعتُقل الرئيس المنتخب، طورد وزراؤه المخلصون، وكوفئ منهم الخائنون، ورُمي الآلاف في السجون، وقٌتل الآلاف والملايين عبر العالم ينظرون !..
تحولت الثورة إلى انقلاب وصُدّر الانقلاب إلى البلد الباعث للثورة.. وجبهة الإنقاّذ التونسية هذه المرة لا هم لها سوى استكمال مسار الانقلاب.. فحرام أن يرد بلد هدية جاره.. ولسان حال المعارضة التونسية الساعية للانقلاب على الحكومة المنتخبة يقول:" حرام علينا أن نرد هدية المصريين في حين قبلوا هم هديتنا الأولى"..  كل حزب بما لديهم فرحون..
أليس هذا من سخرية القدر؟ في المباراة التونسية المصرية : تصَدرُ تونس ثورة ، فتستورد انقلابا على الشرعية؟!  ربما لا يكون هذا غريبا، فقد سبق وأن كادت مصر مبارك أن تعلن الحرب على الجزائر بسبب مباراة في كرة القدم.. فهل يخبئ لنا القدر الهيتشكوكي النزعة مباراة أو مباريات أخرى؟..
ليبتعد ضعاف القلوب عن الشاشات، وليخاصموا الجرائد، بل حتى المواقع الإلكترونية الإخبارية.. علهم ينجون من صافرة الحكم التي قد تنهى المباراة، و لربما تنهي معها حياتهم.     

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس