بقلم : يوسف عشي
لكل منا عقيدة .. يؤمن بها، يعتد بها،
ويدعو لها، ولربما يبشر بها. وقد تكون هذه العقيدة منطلقا أيديولوجيا قويا، يزحف
بقوة، ويوسع من مدى اكتساحه إلى درجة إبادة كل المعتقدات المجاورة.. لكن العقيدة
تظل مع كل هذا مجرد قناعة، ربما تكون راسخة، لكنها تبقى قناعة. وهي لا ترقى إطلاقا
إلى درجة المبدأ. وحتى لا نسقط في دوامة التعريفات والحدود التي لا تعد غاية
مساهمتنا هذه ، نقول أن المبدأ كوني، وهو بالضرورة أخلاقي. ومن ثمة تعتبر المبادئ
أساس أي اعتقاد..
وبحصول تعارض بين العقيدة والمبدأ تظهر
قوة الإيديولوجيا، وحينها يتم لوي عنق المبادئ لكي تتوافق قصرا مع المسارات
المنبثقة عن التوجهات الإيديولوجية الكبرى. وحينها تقع الطامة الكبرى. فما عرفه
العالم من كوارث إنسانية لم يتعد منطلقه خرق المبادئ الكونية فحسب، بل طوعها تعسفا
لخدمة الطبيعة الهمجية والوحشية للإنسان ذاته، حتى تقول النازية بالجنس الأرقى،
وتقول الولايات المتحدة بالإرهاب، ويقول المستبدون في بلداننا العربية بالوطنية
والأيادي الخفية ونظرية المؤامرة، بل يصبح الخمر حلالا للحاكم الفاسد بموجب الفتوى
الشرعية، وهلم جرا..
لقد عانت الإنسانية من جور العقائد على
المبادئ، وعانت الحضارة من الهمجية كثيرا، فهل هو قدر هذا الإنسان البئيس.. أن
يكتشف الحضارة ولا يعيش في كنفها، حتى توسم المبادئ باليوتوبيا، ويظل كل معتنق لها
راهبا وحالما طوباويا؟ ومتى كان الرمز يدل على ما يعبر عنه ضرورة، مع أن علوم اللغة
والسيميولوجيا تؤكد على اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول؟..
بالارتباط بما يعيشه العالم اليوم،
وخصوصا ما يمثله مشهد الربيع العربي الذي بدا أنه يتحول إلى خريف دموي ظلامي، ظهرت
على السطح تحليلات وتعليقات وربما حتى تبريرات لما يجري. فالإنسان لا يكاد يعيش
مطمئنا دون أن يتبنى تفسيرا أو تبريرا ما لما يحدث، خصوصا وأن ما يجرى بات يذهل
العقل. هل القتل سبيل من سبل الحياة؟ هل الشرعية تورث؟ أم أنها تنتزع بالقوة؟ أم
هي غاية وطريق الشورى والديمقراطية؟ هل يتأسس العدل على مبادئ ثابتة؟ أم انه يقوم
فوق بحر تيارات يومية وظرفية وآنية؟ هل يمثل التوافق مبدأً؟ هل وهل وهل.. يبدو أن
وراء كل تحليل عقيدة سياسية قوية إلى درجة أن منها من تحاول التغطية على نهر الدماء الجاري بسوريا ومصر
الشقيقتين، وخلط المعاني إلى الحد الذي تتحول فيه الضحية إلى جلاد، والجلاد إلى بطل..
علينا أن نعلم أن النوايا لا تسند الجور.. وأن الغاية
مهما كانت لا تبرر الوسيلة .. وإذا كان لابد من الاستعارة والرمزية .. فيمكن أن
نستعير من أسد الغابة خموله وانتهازيته وعيشه على قفا اللبؤة.. لنطابقها مع انتهازية
بشار الأسد ونهبه لأموال الشعب السوري وقواته، وتوظيفها للمصلحة الشخصية. حتى وان
تعارضت هذه المصلحة مع مصالح الشعب وحريته وكرامته وأرواح وجثامين المواطنين التى فاحت روائح نتونها في المقابر الجماعية، بقدر ما فاحت
عفونة بشار وحلفائه من هول تعرُّقهم ترقبا للضربة العسكرية الغربية القادمة.. للحد الذي دفع به
للحديث عن حرب عالمية ثالثة، وهو يرى هروب عائلات أعوانه إلى بيروت ومن هناك إلى
ما شاء الله من بلدان العالم.. ويمكن استعارة دونية الضبع واقتياته على الجيف والحيوانات الهرمة
أو الجريحة المنهكة من وقع الصراع المرير من أجل البقاء.. وتوظيف هذه الاستعارة
لفهم مشهد انقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي على النظام المنتخب ديمقراطيا،
واعتقال الرئيس المنهوك القوى هو وجماعته من جراء المقاومة الشرسة الكامنة في ما
سمي بالدولة العميقة أو الثورة المضادة.. وتحويل هذه الثورة المضادة إلى ثورة
يوليو المجيدة كما يقول هو وقطيعه، حيث يبارك بموجبها الشعب المصري، عفوا، أقصد
القطيع المصري من تابعيه، قتل المواطنين بالآلاف واعتقالهم بالآلاف واتهام
الملايين بالإرهاب..
هكذا يبدو أن ما يطلع علينا من عباقرة
في القنوات الفضائية، من الذين يتشدقون بالمبادئ الإنسانية ويفسرونها في نسختها
الحيوانية. ويسمون العمالة للأجهزة القمعية في الأنظمة الفاشية
"مواطنة"، ومقاومة الظلم والطغيان سلميا "إرهابا".. والإيمان
بقضايا الأمة "تخابرا وعمالة للأجانب".. ووو .. ويعتقدون أن منطق القطيع
يمتد على الإنسان الحضاري في نسخته الحيوانية.. لهؤلاء نقول هيهات..
لا عقيدة بدون مبادئ.. ولا مبادئ بدون
أخلاق.. ولا أخلاق بدون إنسان.. ولا إنسان بدون حرية.. نقول هيهات.. لن تدفعنا
تعليقاتكم.. وإيديولوجياتكم.. وهمجياتكم.. للحياة الحيوانية المذلة.. "متى
استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" كذا قال من مثَّل حقيقة الإنسان
الحضاري في القيادة السياسية، ذاك الذي عدل فاطمأن ونام، وكذا نقول..
"المبادئ أساس العقائد".. و"العدل أساس الحكم".
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية