بقلم: عبد الله مرشد
كل
من يطلع على مواقع التواصل الاجتماعي سيكتشف هول المهزلة التي يعيشها الجيش المصري
منذ بداية الثورة أقصد ثورة 25 يناير وليست ثورة 30 يونيو الذي لا أحد يمكن أن
يتردد ولو لحظة واحدة في تصنيفه داخل مفهوم الانقلاب العسكري.
كان المصريون ينظرون إلى الجيش كمصدر اعتزاز
يصل إلى حدود التقديس. زاد هذا التقدير عقب ثورة 25 يناير حين نادت الجماهير
الثائرة الشعب والجيش يد واحدة ووقف الجيش مع الثورة الوليدة ما أدى إلى نجاح
الثورة في الإطاحة بالطاغية حسني مبارك.
لكن الوقائع، ما ظهر منها وما خفي، أبانت عن
أن الجيش أو المؤسسة العسكرية لم تكن مستقلة عن النظام أو خارجه، بل كانت جزءا منه،
وهو ما جعل منها طرفا في الصراع من أجل استعادة النظام البائد الذي شكل العسكر
ركيزته الأساسية. وهكذا بدأت الصورة الجميلة للعسكر بالتشظي في أذهان كثير من
المصريين خصوصا الثوار الذين ذاقوا الكثير من قسوة العسكر ولا إنسانيته ولا
وطنيته. فكانت كشوف العذرية المهينة للفتيات المشاركات في الثورة أول استفزاز
لمشاعر المصريين الحريصين على الشرف والعرض. في حينه تم اعتبار ذلك مجرد إشاعة
للوقيعة بين الجيش والشعب. وتم طمس القضية دون إجراء تحقيق في الموضوع. واستمر
الجيش في الإمساك بالعصا من الوسط مستغلا ثقة الجمهور...
غير أن العسكر كشروا عن أنيابهم بعد انتخاب
الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين العدو اللدود ليس فقط للنظام
البائد وإنما لكل الأنظمة المستبدة التي تعاقبت على حكم مصر بدءا بالنظام الملكي
إلى النظام العسكري. عمل العسكر بكل ما أوتوا من قوة وخبرة على إفشال أول تجربة ديمقراطية.
وبلغ بهم الدهاء إلى اصطناع ثورة جديدة للإطاحة بالرئيس مرسي، فكان لهم ما أرادوا
بين 30 يونيو و 3 يوليو.. في المقابل احتشد المؤيدون للشرعية التي يمثلها الرئيس
المنتخب محمد مرسي في الميادين بقوة واعتصموا بعدة مدن في محاولة لإسقاط الانقلاب
لكن دون جدوى، ذلك أن الآلة الإعلامية الجبارة التي ساندت الإنقلاب والمكونة من
رجال أعمال فاسدين ومخبرين وغيرهم عملت على تشويه المعارضين للانقلاب واتهامهم
بالعمالة والإرهاب والخيانة و تفاهات عجيبة وغريبة لا يمكن أن يصدقها مغفل فضلا عن
إنسان عاقل. حويصلة العسكر الضيقة لم تكن في يوم من الأيام لتتسع للآخر لتراه
معترضا وإنما لتراه مطبلا ومصفقا ومعظما للسيد الحامي/الحرامي للبلاد والعباد.
تفتقت عبقرية العسكر عن مذبحة رهيبة لا يحتملها ذو قلب وذو ضمير إلا أن يكون خارج
دائرة البشر. اشتغلت الآلة الإعلامية الرهيبة لتبرير القتل واشتغلت الآلة العسكرية
للقتل ببشاعة نقلت صوره الفظيعة بعض الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي: قنص للنساء
والأطفال والشيوخ العزل وإحراق للجثث وتدمير للمستشفيات الميدانية وإحراق للمساجد...
كان المشهد أشبه بحرب من حروب القرون الوسطى أو أشبه بأفران غاز هتلر. تمت عملية
الفض بنجاح بفعل تدخل الجيش بقناصته وطائراته ومدرعاته وتدخل الشرطة وأعوان الشرطة
من مخبرين وبلطجية ومجرمين. وحتى الآن لا تعلم بالضبط الحصيلة النهائية للضحايا.
تم فض الاعتصامات لكن المظاهرات استمرت إلى
حدود كتابة هذه الأسطر. وأصبح ميدان رابعة العدوية عنوان الصمود الذي تم التعبير
عن في شكل رمز يد ترفع أربعة أصابع على خلفية صفراء. ولأن الجيش المصري لم يحرز
نصرا منذ تأسيسه في شكله العصري، فإنه يصنعها الآن ليس على الحدود أو خارجها وإنما
في الميادين وبعض القرى التي صوتت بقوة للرئيس مرسي بزعم وجود إرهابيين ومطلوبين.
تم اقتحام القرى وأسر المواطنين المسالمين / الإرهابيين الذين لم يطلقوا لحد الآن
رصاصة واحدة في مواجهة الجيش المصري العظيم.
آخر الانتصارات العظيمة التي حققها الجيش
المصري هو اقتحام المدارس في بداية العام الدراسي لترهيب التلاميذ وثنيهم عن
التظاهر أو إبداء التعاطف مع الرئيس المعزول أو مع ضحايا المجازر. في مخيلتي الآن
وأنا أكتب هذه السطور مجموعة صور لجنود وهم يقفون أمام المدارس بل داخلها بزيهم
العسكري وأسلحتهم النارية. الناظر لهذه الصور يعتقد أن البلاد منكوبة وفي حالة
طوارئ وأن الجيش يتدخل لمد يد العون لمؤسسات الدولة التي عجزت عن مواجهة النكبة.
صورة أخرى معبرة عن حقيقة الثورة المزعومة، بل عن حقيقة الانقلاب العسكري الدموي:
يقف جنديان داخل قاعة الدرس بلباس عسكري أحدهما يلقي التعليمات على التلاميذ
والآخر يقف منتصب القامة بسترته الواقية من الرصاص ونظارته السوداء. في كل حين تتم
مطاردة أطفال يرفعون شارة رابعة أو يرتدون ثيابا بلون أصفر و تأديبهم لأنهم لم
يمتثلوا لإلقاء النشيد الوطني الجديد " تسلم الأيادي " وهي أغنية
لمرتزقة من الفنانين الانتهازيين تشيد بالمجازر التي قام بها الجيش وتمس بذلك مشاعر
كثير من المصريين خصوصا ذوي الضحايا الذين سقطوا بأيدي الجيش وأجهزة الأمن. هؤلاء
الأطفال يرفعون شارة رابعة كدلالة على الصمود والنصر والتحدي للانقلاب، ويفلحون في
التهكم على الجنود وذلك بالتظاهر بأخذ صور تذكارية معهم بعضهم لكنهم يشيرون في
خفية عنهم بإشارة رابعة.
لقد حول السيسي الجيش المصري إلى موضوع
للتفكه وإلى مهزلة بعد أن حوله إلى عصابة من القتلة والمجرمين الخارجين عن أي
قانون أو أخلاق، وهو الآن يدفع به إلى المدارس ليلقن الأطفال الصغار تعاليم
العبودية ويعرض أمامهم صُنّاع الإرهاب الحقيقي.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية