تجربة الحب الأولى.. (تحقيق)

تجربة الحب الأولى

هل الأولى في حياتي هي الآخرة في آهاتي ..؟

                      كيف يبدأ شبابنا حياتهم العاطفية ؟

       تحقيق من إنجاز يوسف عشي  

يتعدى الواقع أحلام الجميع، فتنقشع ضبابيات الحلم الذهبي ليجد الإنسان نفسه أمام فتى أو فتاة أحلام تتوارى خلف جدار المحسوس، وتتلاشى كالوهم النرجسي.. وسرعان ما تتبدى صور أخرى ووقائع أخرى.. لكن كيف يعيش الشباب المغربي هذه التجربة؟ ما هي ظروفها؟ كيف تجري أطوارها؟ ما هي مخلفاتها وعواقبها؟... يقدم لنا التحقيق  التالي  بالعرض والتحليل عددا من النماذج الدارجة في وقعنا وحياتنا اليومية...


     دأبت جل مكونات المجتمع، من خلال السير العادي للحياة اليومية، على اعتبار الحياة العاطفية جزءاً منفصلا، وركنا منزويا من الحياة الاجتماعية، وعلى كل فرد أن يستأثر بطريقة خاصة يعالج من خلالها إشكالاته الشخصية، ويضبط مجريات حياته العاطفية. وفي غياب تربية جنسية، يتجه الجميع إلى المطابقة والملازمة بين الجنس والعاطفة، على اعتبار هذه الأخيرة موصلة بشكل حتمي إلى المعطى الأول، أي الجنس. هكذا ستتعدد المشاكل والإشكالات النفسية لتفعل فعلها في عمق الحياة اليومية وما يطبعها من احتكاكات وتوترات بين الأفراد...

 فطام من نوع خاص:


تشكل الطفولة المرحلة الذهبية في حياة الإنسان العاطفية، حيث تتوجه عواطفه بشكل طبيعي إلى محيطه العائلي، وطبعا فالمجتمع لا يمانع فيما يخص هذا النوع من العاطفة التي يمكن أن نعتبرها-إذا جاز القول-"فطرية"، لكن مع مرور الزمن وتتالي فترات النمو يبدأ نوع جديد من العاطفة في الظهور والنمو المتصاعد، ليجد بعد ذلك فضاءا جديدا بلوغ الطفل سن المراهقة، وهنا تبدأ المشاكل. تقول فاطمة التي لم تتجاوز ربيعها السابع عشر بعد فترة تردد:".. هذه المسألة محرجة.. أنا في الأول كنت أتصور أموراً صدمت فيها فيما بعد.. يمكن أن أقول أنه لا يمكن العثور على ذاك الإنسان الذي تتخيله.. لا تنس الناس ومراقبتهم، فأينما توجهت لا تسمع سوى "حشومة", "عيب", "حرام , ربما يستلزم الأمر أن يحارب المرء ليجد فتاه وحبه الأول.." وحين يتعلق الأمر بأحد الطابوهات الإجتماعية، فالكل ينتفض ويتصلب، ليبدأ فصل جديد من فصول الرقابة والمنع الموسومين بالتربية. وخلال هذه الفترة، وفي فترات من قبل,تكون صورة فتى أو فتاة الأحلام قد تكونت لدى المراهق.وتبدأ بالتالي مناوراته الرافضة للمبادئ الإجتماعية والمنطلقة من مبدأ سيادة الذات. تقول فاطمة:"كنت أخوض معركة حامية طوال سنة بأكملها.. فعلى الأسرة أن لا تدري شيئا عن علاقتي، وحتى الجيران.. خصوصا أولاد وبنات الدرب.." وفي ظل أجواء كهاته يصبح  الأمر معقدا ويصعب ضبطه خصوصا من الناحية النفسية في هذه الفترة الحياتية الخطيرة، والمحاصرة اجتماعيا. وطبعا يمكن تخيل الحالة النفسية لفتاة محاصرة "نفسيا واجتماعيا"، إذ تصبح جملة القواعد المؤسسة للحياة الأسرية متصلبة في شكل عامل صد رادع بخصوص أي شكل من أشكال العلاقات خارج الحدود الضيقة للأسرة والمحيط العائلي.. وكأن الأمر يتعلق بعملية فطام من نوع خاص.



 خبرات مطلوبة:

تصرح حليمة 20 سنة:".. لم أكن أتصور أن الإنسان بهذا الشكل.. تتحدى أسرتك وظروفك من أجله، ثم لا يعجبه حال.. كنت أحبه، كان هو الأول في حياتي.. ربما لم أكن أدري كيف أتصرف معه، لكن هو أيضا يتحمل المسؤولية أكثر مني في عدم التفاهم و الفشل الذي وصلنا إليه.. حيث على كل حال يبقى هو الرجل.." لأن الفهم العادي للحياة عادة ما ينطلق من النظرة الأسرية لكل ما هو أسري/عائلي، ثم غير أسري، فستشكل قواعد "الأصول" و"الآداب" المرجعية الأولى في التعامل العلائقي، سواء داخل مجال الأسرة/العائلة، أو خارجها. لكن حين يتعلق الأمر بعلاقة عاطفية خارج مجال الأسرة، سيصبح من الصعب توظيف المرجعية السابقة، وهكذا سقطت حليمة في الإرتجال الذي شكل عائقا أساسيا أمام نجاح تلك العلاقة, خصوصا إذا أخذنا بعين الإعتبار عامل المنع و خرق ذلك المنع بما تتسم به تلك العملية من عنف ثوري يؤدي غالبا إلى نتائج غير مبتغاة. ويصبح من الضروري توفر نوع من الخبرة الذاتية في التعامل مع الحبيب، وهذا ما يؤكده كلام حكيم ،24 سنة، في معرض حديثه عن العلاقة الأولى أو الحب الأول:".. كان من الضروري أن أعرف ما يجري قبل أن أدخل في تلك العلاقة.. ولكن أنت تعرف الإنسان حين يكون ما يزال صغيرا و"صايط ليه البرد في مخو"، وكلام الرفقاء.. كل ذلك يؤثر.. ومع ذلك كنت أعتبر نفسي قد حققت إنجازا كبيراً حين تمكنت من ربط تلك العلاقة.. خصوصا وأنني كنت خجولا شيئا ما.." ويبدو أن عامل الخبرة يلعب دورا سلبياً عند بداية الحياة العاطفية على الرغم مما تقدمه المسلسلات التلفزية من نماذج ، ويردد حكيم:" ذاك كلام مسلسلات، أما الواقع فشيء آخر".


أحلام بالجملة:


تتمثل الحياة العاطفية السعيدة في ذاك الحبيب الوسيم، أو تلك الفتاة الفاتنة، ذوي الأخلاق العالية والروح المتسامحة،والعطف الشديد غير المحدود... هكذا يتصور المراهق أو المراهقة حياته العاطفية. لكن بالإرتباط بالواقع المعيش، لا يسع الجميع إلا التوقف وإعادة الحسابات من جديد. تقول حليمة:"بعمري لن أختار بقلبي.. سوف أختار بعقلي هذه المرة .. لقد ولى زمن روميو.. واليوم لا ينفع الإنسان سوى نفسه وجيبه.. فذاك الذي تظنه موسى، يصبح فرعون.. لقد كنت مخطئة حينما حلمت كالحمقى بقيس أو روميو.. نسيت بأنني لست ليلى ولا جولييت.. ولا حتى أننا نعيش الآن في القرن21" لكن لجليلة،18 سنة، رأيا آخر:".. الحب دائما موجود.. فقط هناك من هو غير محظوظ.. أما أنا فأحب وأُحب.. وأنتظر فقط مرور بعض الظروف، وبعدها سأعلن الخطبة.. هكذا اتفقنا.. على الفتاة ألاَّ تكثر في التدقيق، ولا بد من شيء من التنازل.. وسوف تسير الأمور.. بالنسبة لي عادل هو الأول والأخير في حياتي، صحيح ليس هو ما تخيلت .. لكنه هكذا يملأ علي حياتي، وهذا هو الأهم.."ربما يكون هذين الرأيين متناقضين ومتضاربين، لكنهما يعكسان صورة واحدة لما يمكن أن نسميه ب"المتخيل" على رأي الأستاذ إبراهيم،41 سنة، أستاذ اللغة العربية الذي يصرح قائلا:"المسألة تبقى بين حدود الواقع والمتخيل.. فحين يطابق الواقع المتخيل- وهذا أمر ناذر الحدوث- يمكن القول أن هذا حلم تحقق، لكن ليس بشكل تام، أما في حالة العكس- وهذا ما يحدث عادة- يتحول المراهق إلى إنسان بئيس.. لكن سرعان ما يتجاوز تلك الحالة- طبعا حسب شخصيته والبيئة التي تربى فيها- ، أنا شخصيا مررت بهذه التجربة وتجاوزتها برغم ما حملته من اختلال في التوازن بالنسبة لي، لكن الأمور تمشي.. هيه.. أنت تعيدني إلى ذكريات جميلة برغم شقائها..".


كوارث أخلاقية:


تصرح عتيقة 30 سنة من أحد بيوت الدعارة والدمع ينهمر من عينيها في آخر حديثها: "لم أتخيل يوما انه سيأتي  يوم أجد نفسي فيه في هذه الحال ولكن "الله يأخذ فيه الحق" كنت لا أزال صغيرة   لا أعرف شيئا  وضعت ثقتي به فخدعني "ولد الحرام" كان قد وعدني بالزواج .. الناس لا يعرفون سوى العذراء أما من فرطت  فلا أحد يرحمها  إنها لا تعدو أن تكون "صلكوطة " ترمى و يتبرأ منها الجميع. صديقة وحيدة هي التي كنت أعرفها لجأت إليها وهي التي أتت بي إلى هنا، وها أنت ترى.." هكذا قد يتحول مصدر السعادة إلى منجم للبؤس والضياع، ويتحول بالتالي مسار حياة بأكملها، في إطار قيم كالتي يلح  المجتمع – بكل ما يملك من وسائل ضبط وتسيير وضغط، سواء فيما يتعلق بالثقافة الشعبية أو ما يؤطرها، كالدين والعادات والتقاليد والأخلاق- ويصر على سيادتها واحترامها و تطبيق مقتضياتها. إنه أمر يدفع "للأسف"  بهامش الخطأ إلى الإرتفاع ، وبالتالي الإقصاء من دائرة الصواب والشرع والقانون، لتجد مراهقة كعتيقة مثلا نفسها على عتبات الدعارة مدفوعة دفعا من قبل ذاك الضغط الإجتماعي الهائل، لكن أخطر من ذلك، حين تحكي سعيدة عما حدث بينها وبين خالها:"كان يسكن معنا.. أتى ليدرس بالجامعة، كان سني 14 سنة، بدأت أحس بأنني أحبه رغما عني، وشيئاً فشيئا بدأ هذا الإحساس يلج إلى قلبه هو أيضا.. لم يكن فارق السن بيننا يتجاوز الست سنوات، حاولنا الإبتعاد عن بعضنا فلم نستطًع.. أصبحنا في حالة من اللاتوازن خصوصا بعد أن حدثت المصبية حينها فكرت في الإنتحار، لكن لجبني لم أستطع. هو أيضا تحولت حياته إلى جحيم، وطبعا لم يوفق في الجامعة.. لقد مرت الآن سنتين ولا أحد يدري بالواقعة.. أنا الآن أخبرك لكي يقرأ الناس ذلك، وليقدروا ظروف الحب الأول وأيضا لكي ينتبهوا لأولادهم، لأنهم لا يعيرون اهتماما للعواطف، لا يعرفون سوى "حشومة" و"حرام".." ترى هل ستتواصل مجريات الحياة اليومية وفقا للسائد والمعتاد؟ أم أنه قد حان الوقت لإعادة النظر في الطرق المتبعة في التربية والتعامل مع أكثر الجوانب الحياتية حساسية؟ يبدو أن الأمر يتعلق بخلق نوع من التربية المتوازنة يحتل الجانب العاطفي والجنسي حيزا غير يسير من الإهتمام أثنائها.


قرارات مصيرية :


يتمتع الإنسان بقدرة غير عادية على ضبط المحيط وتوليف خبراته وقدراته على أساس الجو العام السائد بهذا المحيط والمعبر عن مواقفه وتموقعاته حيال أي نازلة أو حادثة. هكذا تسهر مؤسسات التنشئة الإجتماعية على تكييف الفرد وتدريبه وتهيئته للعيش والتماهي مع الجو العام للمحيط. لكن هناك عوامل أخرى تدخل في هذه العملية كالإتجاهات الفردية Attitudes individuel  المعبرة عن الإستعدادات النفسية للفرد، والتي تؤثر بشكل حاسم في الإختيارات الشخصية لكل فرد. هكذا يعتبر علال17 سنة، الناشئ في أسرة محافظة أن:" .. هذه العلاقات من أفعال الشيطان، في وقت مضى كنت أشعر ببعض الميل تجاه ابنة عمي، كان الشيطان يصورها لي في أحسن الصور.. جعلها تبدو لي أجمل فتاة في العائلة، كنت على وشك أن أعصى الله معها، تمنعها كان يزيدني شغفا بها، لكن حين أدركت أن ذاك التمنع كان مصطنعاً، أحسست بخيبة أمل كبيرة، كان ذلك حينما صارحتني ذات مرة بحبها لي وتمنياتها بأن يترجم هذا الحب إلى علاقة ثم الزواج أخيراً.. دهشت لجرأتها غير المعتادة، في الوقت الذي كان فيه الإخوة- جازاهم الله خيراً- يحثونني على النكوص عن هذه العلاقة التي حرمها الشرع.. لا أخفي عليك ذاك الصراع الذي كان يروج بداخلي، حينها قررت أن أحسم أمري بعد أن اطلعت على كتاب كان قد أهداه لي أحد الإخوة في الحركة، لا أذكر عنوانه جيدا، ربما كان يتحدث عن المرأة والحجاب في الإسلام.. المهم، إنتهيت على رأي واحد وقرار واحد.. قمت بصلاة الإستخارة، ثم واجهتها فيما بعد، أين هي عفة المرأة المسلمة؟ أين هو دينها؟ والمرأة تنكح لثلاث مالها وجمالها ودينها.. أما عن الجمال فقد كانت على نصيب وافر منه، لكن تعاملها معي أكد لي أنها لا ترقى لعفاف ودين المرأة التي قد تكون زوجتي.. على كل حال، صارحتها في وجهها، لم أترك لها مجالا للمناورة، لأنني كنت أعلم أنني- بفعل عمل إبليس اللعين- سأقع تحت تأثيرها وأستمر في المعصية. وهكذا تخلصت من تلك العلاقة.. لم يكن الأمر هينا لكن الحمد لله أنا الآن لا أشعر نحوها أو نحو أي أخت بأي نوع من العاطفة سوى الأخوة، وأنصح إخوتي في الله إنطلاقا من مجلتكم هذه أن يعودوا عن أي عمل أو معصية، وألا يتبعوا هوى النفس ، لأنها – النفس اللعينة- لا تقود إلا إلى الفواحش ، والرسول(ص) يقول:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء."وعلال الآن ينتمي إلى نفس الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها الوالد. وفي غياب التوجيه السليم في هذا الإطار الناتج أساسا عن غياب تربية عاطفية/جنسية، قد تنحو الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، يقول سليمان 37 سنة:" وبالرب لن أحن عليها.. عليك أن تعرف" ألخوادري" الفتيات أو النساء لا توجد ضمنهن من تقول أنها مؤدبة أو"بنت دارهم"، والله إن لم تفز بها فإنها س"توشم ليك.." أنا الآن أمامك.. خدعتني"صلكوطة" بعثت بي إلى السجن " سيفطتني للقصر الأحمر" ولكن لا تعر بالاً " ما تخممش فديتها بالثاني والمثني".. " ولسليمان سجل سوابق في السجن يؤرخ لجريمتي اغتصاب، وعدد من السرقات، وقد يكون لتجربته الأولى الفاشلة تأثير من قريب أو بعيد في سلوكه المنحرف.

      وعموما قد تشكل التجارب الحياتية رصيدا هاما من الخبرات الشخصية لكل فرد منا، لكن هذا لا ينفي افتقارنا لجانب كبير وخطير أثناء عملية التنشئة، ويتمثل ذلك في تربية جنسية وعاطفية موازية لمختلف برامج  ومقتضيات التربية السليمة. ويبقى من الأكيد التشديد على ذكر والإقتداء بالتجربة العاطفية الأولى في نفس الإنسان،خصوصا وأنها تأتي غالبا في مرحلة حياتية أقل ما توصف به أنها الأكثر حساسية وخطورة.  
     


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس