بقلم: محمد بعدي
مازكان و المهدومة... من بين أهم الأسماء التي حملتها مدينة الجديدة، عاصمة دكالة. مدينة جمعت كل خصائص المدينة السياحية، و أهمها الواجهة البحرية التي تبدو كعقد يطوق جيدها،
بالإضافة إلى المآثر التاريخية التي يشتم منها عبق الماضي، و تفوح منها عطور الامتداد الحضاري، و يتجسد فيها التثاقف و التسامح الديني { تجاور بين المسجد الاسلامي و الكنيسة المسيحية و المعبد اليهودي}. هذه المؤهلات و غيرها... كان يمكن أن تجعل من الجديدة ليس فقط عاصمة دكالة، بل عروس دكالة بكل ما تحمله كلمة عروس من معاني الجمال و الروعة... لولا أنها ابتليت بطغمة ممن لا وجود لمفاهيم الجمال و الفن في قاموسهم. و في هذا السياق يقدم المعطى العمراني الشاهد الكبير على ذلك.
إن الحديث عن العمران في الجديدة هو حديث متشعب الدروب،
و يمكن تناوله من خلال عناوين عديدة، يهمنا منها في هذا المقال غياب ما يمكن أن
نسميه " العقل الأخضر"، و هو تعبير نقصد به نوع من الوعي بقيمة و أهمية
المساحات الخضراء في الفضاء المديني، باعتبار هذا الوعي منظومة أفكار مترسخة لدى الفرد و الجماعة، و باعتباره ثقافة تتجسد
في السلوك و الممارسة اليومية. إن القيام بجولة بسيطة داخل خارطة الجديدة يبين بما
لا يدع مجالا للشك أن المدينة تتعرض لأبشع أنواع الجرائم العمرانية، و تتعرض
لتشويه عمراني خطير... يمارسه مسؤولون يصل الغباء الجمالي عندهم إلى مستويات
قياسية، و يفتقدون لكل ذوق فني أو حس إبداعي، بل يفتقرون للمشاعر الإنسانية، و
لقيم المواطنة الحقة.
هكذا حيثما وليت وجهك تجد الإسمنت يقيم حفلا مأساويا،
منازل و عمارات تنبت كالفطر، حتى أنه بين العمارة و العمارة توجد عمارة... إلى حد
أنك قد تسير أحيانا لمئات و ربما آلاف الأمتار دون أن يقع نظرك على حديقة واحدة،
أو فضاء أخضر واحد... وهنا يكفي ان نقوم بمقارنة بسيطة بين العقلين الغربي ـ
الفرنسي {بدايات القرن العشرين} و المغربي الدكالي {بدايات القرن الواحد و
العشرين} على المستوى المعماري و على مستوى هندسة المجال المديني... حيث يبدو "العقل
الأخضر" لدى المستعمر الفرنسي حاضرا بقوة من خلال أكبر حديقتين في الجديدة
تشكلان تحفتين و قلادتين تزينان المدينة... غير أنه و مع حصول الاستقلال و رحيل
المستعمر رحلت معه المشاريع الخضراء و إلى الأبد ربما {و من بينها مشروع حديقة
ثالثة كان مخططا له قرب درب غلف...} و كأن المسؤولين الجديديين يريدون الانتقام من
المستعمر إلى حد مخالفته و محو أثره، حتى و لو من خلال رفض "تفكيره الأخضر"
و تعويضه ب"تفكير رمادي" يعشق الإسمنت و مشتقاته، و ينفر من كل ما له
علاقة بالأشجار و الورود و الأزهار.
إن منظر التطاول في البنيان في حي المطار و امتدادا إلى
حي السلام و محطة القطار... يبعث على القرف، و يجعل القلب ينقبض و النفس تشمئز...
حيث الهكتارات من الأراضي تتحول في رمشة عين من الأخضر إلى الرمادي، دون أن تخصص
مساحات للحدائق و النافورات و المناطق الخضراء... و كأننا أمام سباق محموم بين المسؤولين
و "المتعطشين" العقاريين عنوانه: من يشوه الجديدة أكثر، يربح أكثر...
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية