بقلم: محمد بعدي
عبد الباري الزمزمي رجل دين مغربي من أبرز علماء المنهج الوسطي في المغرب العربي، هكذا تعرفه موسوعة وكيبيديا. إنه رجل دين شغل الناس بفتاواه و مواقفه و آرائه...
حيث أثارت فتاواه ردود أفعال كثيرة... خصوصا
و أنه بدا كمن يؤسس لفرع جديد في الفقه، يهتم بالأعضاء التناسلية للجنسين،
يمكن تسميته ب"فقه اللذة".. هكذا فكلما ارتفع إيقاع الحراك و التوتر
السياسي أطل علينا السيد الزمزمي بفتوى جديدة يدعي أنها تستند على أدلة و حجج
شرعية دامغة... مترفعا عن الرد عن منتقديه ممن يعتبرهم من الغوغاء و الدهماء الذين
لا علم لهم ولا زاد فقهي.
و من بين فتاوى الزمزمي التي أثارت جدلا واسعا: الفتوى الشهيرة
بفتوى الجزرة و فتوى جواز مضاجعة جثة الزوجة... و أخيرا ـ أكيد لن تكون آخرا ـ فتوى
"الاحتكاك" و مضمونها أن "الاحتكاك بين المرأة والرجل في الحافلات لا يفسد الصيام
حتى ولو نتج عنه قذف". و هي فتوى
يقول الرجل بأنها جواب عن أسئلة وجهت إليه باعتباره عالما لا يجوز أن يسكت و يخفي
ما علمه الله. نعم العلم و نعم التنوير...
ألم يجد الزمزمي نازلة غير الاحتكاك بين الرجل و المرأة في الحافلة؟ و أي فقه هذا
الذي يتأسس حول الجزء السفلي من الجسد؟ ثم ما هي القيمة التربوية و التهذيبية لهذه
الفتوى؟ ما هي أبعادها التقويمية؟ ما هي المشاكل التي ستعمل على حلها؟
ربما يكون هدف "الفقيه" الزمزمي هو محاربة "المجاعة
الجنسية" لأبناء الشعب و بناته، من خلال تحويل الحافلات و الأماكن المزدحمة
إلى فضاءات لاقتناص لحظات من "المتعة الجائزة" حتى لا نقول "الحلال"..
رافعا شعار: "يا رجال المغرب لامسوا النساء... فصومكم صحيح"... ماذا؟
الاحتكاك بين الجنسين...؟ و في رمضان...؟ و مع وجود قذف...؟ تخيلوا هذا المشهد... عجيب
أمر هذا "الرجل" و فتاواه... ربما نحتاج ـ لكي نفهمه ـ إلى تحليل نفسي
لشخصيته... و لن نحتاج كثير جهد لاكتشاف أعراض مرضية منحرفة تميز سلوكه الفتوي
بخصوص الفتاوى الثلاث مجتمعة... بالنسبة للفتوى الأولى، هل يعقل أن يتم الاستمناء
الأنثوي بواسطة الجزر أو يد "المهراز" كما يفتي الرجل؟ و هل يقبل
المنطق سواء العقلي أو الواقعي أو العلمي ـ الطبي ذلك؟ و هل يمكن تحصيل اللذة
بهكذا سلوك دون أن تكون صاحبته مازوشية أو نزيلة "بويا عمر" أو "مارستان
36"؟ أما مضاجعة جثمان الزوجة ففيه من الحيوانية {بالمعنى الأخلاقي و ليس
البيولوجي حتى لا نظلم الحيوان} الشيء الكثير... بل لا أعتقد أن أخس الحيوانات
يأتي مثل هذا السلوك، فما بالك بالإنسان الذي يتأسس السلوك الجنسي لديه على
التفاعل و الانسجام و المودة و السكن و انتزاع الاعتراف من الشريك عبر الحب... ألا
ينبغي أن يكون الإنسان بدون مشاعر و بدون عقل أيضا لكي يضاجع جثمانا؟ أما فتوى
"الاحتكاك" فلا تحيد عن السياق العام لفقه اللذة "المرضية" ـ
بفتح الميم و الراء معا ـ عند فقيهنا... فسلوك "الاحتكاك" ـ إن وجد ـ
إما أن يكون عرضيا لا ينبغي الالتفات إليه، أو مرضيا ينبغي معالجته... و باستثناء
الحالات المرضية لذوى النفوس الضعيفة... يوجد غالبا نوع من الاحترام لجسد الانثى
على مستوى السلوك... إذ ينذر أن تضبط احتكاكا "جنسيا" في الحافلات، حتى
في حالات الازدحام... بكل بساطة لأن الفضاء عام، و لأن السلوك مستهجن... اللهم إذا
استثنينا بعض الحالات المرضية لبعض ذوي الاحتياجات العقلية و العاطفية... ممن
يتصيدون اللذة الحسية دون مراعاة مبادئ الواقع و قواعد الخلق... لذلك تبدو فتوى
الاحتكاك كنوع من "التيه" الفقهي، إن لم تكن تشجيعا على الفحش، خصوصا
عندما يقرن صاحبنا الاحتكاك بالقذف " مما يعني أن المحتكين يأخذان وقت اللذة
كاملا... و كأننا لسنا داخل حافلات، بل بيوت دعارة متنقلة..." كان على الفقيه
أن "يكمل خيره" و يفتينا ـ و ليس يفتننا ـ حول الاحتكاك الذي ينتج عنه
افتضاض أو حمل...
أن تكون الفتوى إجابة عن تساؤلات لمواطنين، فهذا مؤشر
على المستوى الثقافي و الأخلاقي للسائل و المسؤول... إنها أسئلة غبية دون شك، و
أغبى منها النزول إلى مستواها و الإجابة عنها... أليس غباء اختزال الفتوى في
"تفاهات" لا قيمة أخلاقية و لا تربوية... لها؟ لماذا لا يتجرأ فقيهنا
على المسؤولين عن قطاع النقل و يحملهم المسؤولية الأخلاقية و السياسية عن مثل هذه
الظاهرة إن وجدت؟ لماذا لا يفتي مثلا بتحريم و تجريم استغلال أرباب النقل
للمواطنين ـ نساء و رجالا ـ من خلال حشوهم داخل الحافلات مثل أكياس؟ لماذا لا يرفع
عقيرته بالصراخ في وجه المسؤولين بأن يوفروا عددا كافيا من الحافلات يسمح بأن يأخذ
الرجل و المرأة مكانيهما حتى لا يقع "الاحتكاك"؟ لماذا لا يصدر فتاوى
تخدم الدين و تخدم الوطن و المواطن؟ أم أن فتاوى الرجل تخدم توجها سياسيا يقوم على
إلهاء البشر و تحويلهم إلى قطيع "بقر"...؟
مقالات أخرى للكاتب:
من "الانتقال" الديموقراطي إلى "الانتقام" الديموقراطي
"التلوث" السياسي في الوطن العربي
موازين... طريقنا إلى التقدم!!
"الشباطيزم" أو فلسفة العبث السياسي
جهاد النكاح أو الدعارة الحلال
الأسد و الضباع
الفيديو كليب و إدماج المرأة في التعرية
الكفاءة التربوية و فلسفة التخلف السياسي
لأجل نيني : أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
المعرفة بين " الداودي " و " الداودية "
أعداء العربية
ماذا خسر المغرب بوفاة الشيخ ياسين؟
مقالات أخرى للكاتب:
من "الانتقال" الديموقراطي إلى "الانتقام" الديموقراطي
"التلوث" السياسي في الوطن العربي
موازين... طريقنا إلى التقدم!!
"الشباطيزم" أو فلسفة العبث السياسي
جهاد النكاح أو الدعارة الحلال
الأسد و الضباع
الفيديو كليب و إدماج المرأة في التعرية
الكفاءة التربوية و فلسفة التخلف السياسي
لأجل نيني : أما آن لهذا الفارس أن يترجل؟
المعرفة بين " الداودي " و " الداودية "
أعداء العربية
ماذا خسر المغرب بوفاة الشيخ ياسين؟
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية