بقلم
: حساين المامون
جميل أن يُصادف المواطن المغربي كل هذه البلاغات
والإجراءات المواكبة لأيام امتحانات الباكالوريا. وكأننا في حرب ضروس ضد أعداء
يهددون وحْدة كيان الوطن. وجميل أيضا أن تبدأ قيمة النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص
من قلاع المدرسة وفي عقول أجيال الغد لأنها الرهان الحقيقي لبناء دولة المواطنين
والمواطنات ودولة الحق والقانون "ففي العقول تدق طبول الحرب وفي العقول أيضا
تبنى قلاع الحب والسلام".
فإلى أي حد تستطيع المدرسة الدفاع عن قيم لم يعد الوطن
يؤمن بها؟ فالغش والتدليس أصبح قيما بنيوية تنخر جسد المنظومة القيمية للمجتمع، وليس
غريبا أن تعيد المدرسة إنتاج نفس الأنماط القيمية والفكرية التي أنتجها المحيط.
ولا تغدو عملية إعادة الإنتاج والتوريث القيمي إلا تطبيعا مع أنماط الفساد السياسي
والاقتصادي والثقافي والاجتماعي حسب تعبير الباحث السوسيولوجي "بيير بورديو". كيف يمكن
لقيم المدرسة أن تصمد أمام قيم الابتذال والغش التي رهنت البلاد والعباد طيلة
عقود، ونَخرَت جسد الوطن حدّ التقزز؟ أَلم يتم محاصرة الفكر التنويري والعقلاني
الذي أنتجته المدرسة المغربية في فترة من الفترات؟ ألم يتم تسخير كافة إمكانيات
الدولة الرسمية وغير الرسمية، المعلنة وغير المعلنة لضرب سُمعة المعلم (ة) وتلطيخ
صورة المدرسة؟ بعدما كان الأستاذ (ة) يمثل فيْنك التغيير، ونبراس الأمل الذي يلهم
كافة فئات المجتمع؟ ألم يمارس الإعلام الرسمي ومؤسسات الدولة الأخرى أنواع شتى من
الغش والتدليس لتسطيح الوعي الجماعي لعقود طويلة ولأجيال وأجيال؟ وأُفرغ فعل
التربية من غاياته النبيلة وأَصبحت المدرسة تنتج أَجيالا معوقة ثقافيا واجتماعيا؟
إن متتبع مسلسلات الإصلاح التربوي في المغرب منذ فجر الاستقلال سيلاحظ أنه كان
دائما لصيقا ورهينا بالإصلاح السياسي. وما تزال هذه الجدلية بين السياسي والتربوي
إلى يومنا هذا، فكلما فشل الإصلاح السياسي وتعثر الانتقال إلى الديمقراطية كلما
تعثر الإصلاح التربوي والانتقال إلى مجتمع المعرفة ومجتمع الحرية. لأن فعل التربية
في العمق هو فعل للحرية حسب قول "كانط".إن التاريخ السياسي للمغرب مليء بحالات الغش والتدليس،
فقد تم تزوير الإرادة الشعبية في التحرر والانعتاق في كل المحطات السياسية بدءً
بتزوير الإرادة الشعبية في إكس ليبان، إلى قرصنة وتدليس تجربة عبد الله ابراهيم،
وتوالت عملية الاستنساخ المشوهة والمزورة لانتقالات المغرب إلى الديمقراطية، وها
نحن اليوم نعيش حالة وعي جماعي مغشوش بالاستثناء الديمقراطي لا يغدو أن يكون سوى
قاعة كبرى للانتظار، ووقف التنفيذ ترهن الوطن إلى أجل غير مسمى. وهذه قمة الغش
والتدليس. فأين هي بلاغات الحكومة لتنوير الرأي العام؟ ورفع اللبس والغموض على ما
يجري في البلد؟ أليس التعتيم وتدليس الحقائق هو ممارسة للغش؟ أليس عدم الوفاء
بالوعود ومحاربة الاستبداد والفساد هو عين التدليس وعين الغش؟ أليس عدم متابعة
المتورطين في نهب أموال دافعي الضرائب هو مساهمة في الغش وأعمال التلصص؟ أليس
التستر عن ناهبي الخيرات الوطنية برا وبحرا وجوا هو عين الغش والتدليس؟ والتستر
على المجرمين هو مساهمة في التطبيع مع الغشاشين والمفسدين والإفلات من العقاب؟
أليس التهرب الضريبي وإعمال الغش في التصريح بالممتلكات هو غش وتزوير؟ أليس الفساد
الإداري والقضائي وكل الأمراض التي تنخر المرفق العمومي وتعطل تنمية الإنسان
المغربي وحقه في التطبيب الجيد والسكن اللائق والتمدرس والشغل الكريم والتمتع
بكافة حقوق الانسان هو غش وتدليس في بناء أساسات مجتمع ووطن يليق بالاعتزاز
والانتماء؟فكيف تطالبون من متعلمين (ات) لم يعرفوا أبدا قيما أخرى غير التي أنتجها
الخطاب السياسي والتربوي الغارق في التدليس والتزوير والنهب والانتظارية
والانتهازية؟ كيف تطالبون من هذه الأجيال التي شُوهت جيناتها الثقافية أن
يتمثًلواْ سلوكات مدنية بديلة تؤمن بالإنسان وبقدرته عن الإنتاج المبدع والخلاّق؟
إن الجواب على هذا السؤال (القيمي / الوجودي) لن يكون عبر بلاغات وزارة التربية
الوطنية ولا عبر سن قوانين زجرية، في اعتقادنا إن الجواب يكمن في تفاصيل وثنايا
الوطن الذي يحلم به ملايين المتعلمين والمتعلمات: وطن يوفّر العيش الكريم وتكافؤ الفرص للجميع، وطن يحضن
أبناءه وبناته بدفء الاعتزاز والانتماء، لا وطنا يرمي بأجيال كاملة في عباب البحر
والمجهول، أو يسلط عليها هراوات القمع
والتنكيل. إنهم يريدون وطن الحرية والكرامة وقيم حقوق الإنسان يريدونه وطنا شفافا
وطنا عادلا لا وطنا يضبط كل يوم وهو في حالة غش بيِّن...
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية