الفلسفة والمجتمع

الفلسفة والمجتمع

                                                           25 غشت 2020

        ذ محمد بنوي

مدخل

منذ أن بدأت في الكتابة قبل عشر سنوات وأنا أكتب في مواضيع التربية والتعليم بحكم اشتغالي في هذا المجال وبسبب حبي الكبير لهذا الميدان - وإن كان لابد من الاعتراف أن تخصصي الفلسفي بالدرجة الأولى والعلوم الإنسانية وبالتحديد علم الاجتماع وعلم النفس في الدرجة الثانية هو ما جعلني أحمل هذه الرسالة النبيلة ( التربية والتعليم)- ولم يسبق لي أن كتبت موضوعا أو مقالا فلسفيا "خالصا"، لكن لما تعرفت على هذا الموقع الفلسفي المتميز " فيلوبريس" ومن خلال اطلاعي على توجهه وما ينشر فيه من مواضيع فلسفية مفيدة، ارتأيت ان أكتب هذا المقال وهو عبارة عن تأملات شخصية وجيزة جدا حول علاقة الفلسفة بالمجتمع وستليها مقالات اخرى في نفسى المنحى- لو سمحت كل الإكراهات بذلك (الفلسفة والدين - الفلسفة والاخلاق - الفلسفة والعلم - الفلسفة والتربية- الفلسفة والتعليم ... وغيرها من المواضيع المطروحة للتفكير) .

تحديات الفكر الفلسفي 

رغم أن مؤرخي الفلسفة يتفقون على أن التفكير الفلسفي كنسق فكري نظري عقلاني متميز ظهر في اليونان حوالي القرن السادس قبل الميلاد بعد أن وصل الإنسان في تلك الفترة وفي تلك البقعة الجغرافية إلى مستوى من التطور الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والسياسي، الذي سمح بميلاد فكر جديد يعتمد على العقل في التفكير والتفسير والتحليل لمختلف الظواهر الطبيعية وما وراء الطبيعية والاجتماعية والإنسانية، يمكن القول أن التأمل، وما يتولد عنه من دهشة وأسئلة وتساؤلات كخاصيات مميزة للفلسفة وجد مع وجود الإنسان في هذا الكون.

إن هذا النوع من التفكير واجه منذ ظهوره عدة صعوبات وعراقيل من أعدائه وخصومه العلنيين والسريين. إنهم في الحقيقة أعداء العقل والحرية والعدالة والمساواة والكرامة وكل القيم الإنسانية النبيلة. إن التفكير الفلسفي هو أرقى أشكال الوعي: الوعي بالذات والآخر والغير والمجتمع والطبيعة وأيضا الوعي بما وراء هذا الكون الذي نعيش فيه، أي العالم الآخر الذي قد يؤمن به الشخص أو لا يؤمن به وهو حر في ذلك ويتعلق، كما يقول إيمانويل كانط بالإيمان" أو" التصديق" بتعبير أبو الوليد ابن رشد.

 إن الفلسفة عبر تاريخها تعرضت لكثير من المحن كما تعرض فلاسفتها والمتفلسفين بها وفيها للكثير من الآلام والعذاب والأمثلة كثيرة ومتعددة بداية من سقراط مرورا بالفلسفة العربية - الإسلامية في العصر الوسيط والفلسفة الكلاسيكية أو الحديثة في أوروبا وصولا الى الفلسفة المعاصرة. لماذا كل هذا؟ إن الجواب واضح لا يحتاج إلى كثير من التفكير والتردد أن الفلسفة في أي مجتمع تسعى إلى نشر الوعي وإلى تنوير العقل وممارسة التفكير النقدي الحر والمنطقي وتدعو إلى احترام كرامة الإنسان مهما كان موقعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي و تحارب الجهل والأسطورة والخرافة واستغلال الدين وتوظيفه من أجل الهيمنة وتحقيق المصالح والمنافع الخاصة. يقولون إن الفلسفة ضد الدين .إنها لم تكن أبدا وليست ضد الدين والتدين في كل الأزمنة وإنما ضد استغلال الدين لأهداف وأغراض غير دينية، إن الفلسفة تفصل بين العلم والايمان، فالأول نسبي ومتغير والثاني مطلق وثابت، كما أن العقل عام وشامل، يقول روني ديكارت " ان الناس متساوون  في العقل ومختلفون في درجة استخدامه ". والناس أيضا مختلفون في الديانات هناك يهود ومسيحيون ومسلمون وهناك ديانات أخرى غير سماوية وهناك أناس لا ديانة لهم وهم أحرار في ذلك. إن الدين ليس هو مقياس الحكم والتعامل مع البشر. إن السلوك المدني المتحضر المرتكز على قيم العقلانية والتعدد والاختلاف والتعايش والتضامن واحترام حقوق وواجبات الجميع والاحتكام الى القوانين وعلى أساسها يتم تحمل المسؤولية والخضوع إلى المساءلة والمحاسبة. ان كل ذلك هو ما ينبغي أن يسود في المجتمع. لكن دعاة الجهل و أعداء العقل والعلم  وكل من يريد العيش والحياة على حساب الاخرين من بني جنسه هم من يحاربون الفكر الفلسفي الإنساني الحر .

ماذا تريد الفلسفة؟ تريد السلم والسلام والإخاء والمساواة والعدل بين الناس. أليس هذا هو الهدف الأسمى للدين؟ إن الفلسفة كما يقول ديكارت "لا تزدهر إلا في مجتمع متحضر"، ولكي يتحضر أي مجتمع ينبغي تربية أفراده وتعليميهم مبادئ الفكر الفلسفي القائمة على التفكير النقدي والمنطقي وعلى استخدام العقل في التحليل والاستنتاج والوصول إلى حقائق الأشياء بمجهود خاص دون فرضها عليهم بشكل قسري.

خلاصة

إن من يحمل فكرا فلسفيا عقلانيا يحترم كرامة الإنسان وحقوقه وواجباته ويدعو الى القيم النبيلة من سلم وتعايش وتسامح لابد أن يواجه محن كثيرة في مجتمع تغلب عليه الأنانية والرغبة في السيطرة على الآخرين والرغبة في الاستحواذ على كل ما تصل اليه قوته.

 

   


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس