فيما ما بين امتحانات المدرسة وامتحانات الحياة من اتصال
وانفصال
18 غشت 2020
مدخل
رحم الله فيلسوفنا الكبير أبو الوليد بن رشد (1126-1198) على هذا التراث الفكري والمنهجي الذي تركه لنا
لتعتمد عليه جميع الأجيال وفي كل العصور في بحت وتحليل مختلف الظواهر والأحداث
الإنسانية خاصة مؤلفه الخالد" فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من
اتصال" ومنه اخترنا عنوان هذا المقال والذي أتمنى من خلاله التواصل والتفاعل
مع القراء الكرام.
يقول المرحوم ابراهيم الفقي (1950-2012)، الخبير المصري في التنمية البشرية
والبرمجة اللغوية العصبية: "في المدارس نتعلم الدروس ثم نمر على الامتحانات، أما
في الحياة فنمر بالامتحانات ثم نتعلم الدروس". استحضرت هذه القولة وأنا أفكر
في هذا الامتحان الذي يمر منه العالم بأسره بشكل عام وبلادنا بشكل خاص- امتحان
كوفيد 19- لنتساءل جميعا: كيف سنجتاز هذا الامتحان؟ وهل كان تاريخه وتوقيته محددا
سلفا مثل باقي الامتحانات؟ وهل تم التحضير والإعداد له نفسيا ومعرفيا وعلميا؟ وماهي
طبيعة وحجم أسئلته؟ وماهي المدة الزمنية لإنجاز هذا الامتحان؟ وكيف ستكون
نتائجه؟ هل سنستفيد مستقبلا من هذا الامتحان لمواجهة امتحانات اخرى؟ وما
الفرق بين الامتحانات المدرسية والامتحانات" الحياتية"؟
1-
الامتحانات المدرسية:
لنأخذ الجزء الأول من قولة المرحوم ابراهيم الفقي المذكورة في مدخل هذا
المقال" في المدارس نتعلم الدروس ثم نمر على الامتحانات"، هكذا يستعد
المتعلمون والطلبة ليوم أو أيام الامتحان، يأخذون مضامين الدروس ويتعلمون مجموعة
من المهارات الفكرية والمنهجية وتقنيات الامتحان من أساتذتهم خلال سنة أو
سنوات دراسية استعدادا للاستحقاق التربوي والعلمي، وقد يخضعون للامتحان التجريبي
بنفس المواصفات والمعايير التي يكون عليها الامتحان الرسمي الذي يعرف الجميع
تاريخه وتوقيته ومدة اجتيازه سلفا و يتم الاستعداد له على كافة المستويات وبدرجات
مختلفة حسب طبيعة وأنماط المتعلمين والطلبة وتبعا لأوضاعهم الاجتماعية وظروفهم
النفسية. هذا الامتحان الذي بموجبه سيحدد مصير ومستقبل المتعلم(ة) والطالب(ة) إما
بالنجاح والتفوق أو بالرسوب
هكذا يمر الامتحان المدرسي أو الجامعي، يأخذ الإنسان ويتعلم الدروس، ثم ينتقل إلى
اجتياز الامتحان.
2 - الامتحانات الحياتية :
لنستمر مع قولة الخبير في التنمية الذاتية رحمه الله ولنتوقف عند الجزء الثاني
والاخير "أما في الحياة فنمر بالامتحانات ثم نتعلم الدروس" يا لها من
امتحانات ويا لها من دروس!!! في الامتحان المدرسي أو الجامعي يذهب المتعلم (ة) أو
الطالب الى الامتحان بعد أن يكون قد أخذ معه ما أخذ من أدوات معرفية وعلمية
ومنهحية لمواجهة موضوع الامتحان والجواب على أسئلته وبعد أن تمكن من الوقت الكافي
في الإعداد والتحضير. أما في الحياة فإن الامتحان يفرض علينا فرضا وبشكل فجائي
وبدون إشعار وإخبار مسبقين ولا يمكن بل من المستحيل رفضه او حتى تأجيله وما علينا
الا مواجهة هذا المصير المحتوم.
لن نجد في هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها أكثر من هذا الامتحان القاسي الذي
تجتازه البشرية قاطبة في جميع أرجاء المعمور والذي يطلق عليه الكثير من الأسماء
والتعابير حسب رؤى وفلسفات الأفراد، قد يسميه البعض " امتحان الحياة"
وقد يطلق عليه البعض الآخر " امتحان الدنيا" أو" امتحان القدر"
وقد يفضل البعض ان ينعته " بامتحان او اختبار الطبيعة". تتعدد الأسماء
وتتنوع التعابير ولكن يبقى الامتحان هو هو، إنه" اختبار كوفيد 19" أو"
امتحان جائحة كورونا".
فماهي طبيعة هذا الامتحان؟ ماهي مدته الزمنية؟ ما هي أسئلته؟ وكيف سنستفيد من
نتائج هذا الامتحان الصعب والمعجز لحد الآن؟
هذه الأسئلة وغيرها هي التي سنحاول مقاربتها فيما تبقى من سطور هذا المقال وهو
خلاصة لبحت معمق في الموضوع .
بما أن الجميع يخضع لهذا "الامتحان الوبائي" الذي فرض نفسه على
الجميع ومارس" عدالته" بدون تمييز، فان كل واحد سيواجه مواضيع وأسئلة
هذا الامتحان حسب موقعه الاجتماعي ومستواه الثقافي والمعرفي والعلمي وعلى
الرغم من أن دروس هذه الجائحة كثيرة ومتعددة، فيمكن إجمالها في أربعة دروس
أساسية: أ- التربية والتعليم
ب- الطب
ج- الاقتصاد
د- الدولة القوية.
لقد كشف لنا امتحان كورونا أن وجود هذه القطاعات الحيوية وحضورها بقوة في أي
مجتمع هو الكفيل لمواجهة وتجاوز الامتحانات والمحن الوبائية ومختلف انعكاساتها
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
خلاصة: لقد كشف هذا الامتحان الوبائي- الذي لا زلنا نجتازه في هذه اللحظات ولا
ندري متى سينتهي- عن الكثير من الدورس والعبر ويبقى التساؤل المطروح: هل سنستفيد
من دروس هذا الامتحان ويعمل كل واحد منا انطلاقا من موقعه على بناء مجتمع قوي
بتعليمه وعلمه واقتصاده وأمنه؟ إنها مسؤوليتنا جميعا.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق