"مدرسة فرانكفورت" وتجديد الإسلام في القرن الحادي والعشرين؟

"مدرسة فرانكفورت" وتجديد الإسلام في القرن الحادي والعشرين؟
                                                                          18 ماي 2020


الكاتب والمترجم التونسي محمّد المهذبي
ربما يأتي الجديد من حيث لا ننتظر. تلك حقيقة معروفة، وهي تتأكّد من خلال كتاب "حقوق الإنسان بين الكونيّة والمشروعيّة الإسلاميّة" للدكتور محمود بسيوني الأستاذ بجامعة فرانكفورت. فبعيدا عن كلّ الأفكار المألوفة المتراوحة بين الرفض التامّ أو ادعاء السبق الإسلامي، يقترح الدكتور محمود بسيوني، في كتابه الصادر بالألمانيّة عن إحدى أكبر دور النشر الألمانيّة بل الأوروبيّة سنة 2014، مقاربة جديدة متجذّرة بعمق في التراث الإسلامي ومستوعبة استيعابا كاملا لأدبيات الحداثة الفكريّة المعاصرة بكلّ أبعادها الفلسفيّة والسوسيولوجيّة والنفسيّة. والدكتور بسيوني يستند إلى بحوثه الشخصيّة الواسعة، فضلا عن مناقشاته في معهد الدراسات الإسلاميّة القائم حديثا بفرانكفورت.
يقول المؤلّف:
"إنّ مسار تشكّل تصوّرات حقوق الإنسان على المستوى الإسلاميّ يجد نفسه في مجال تجاذب بين مطلبين معياريين متباينين: المشروعيّة الإسلاميّة من جانب والكونيّة من جانب آخر. وحتّى لا يبدو تبنّي حقوق الإنسان مجرّد اقتباس لأفكار "غربيّة"، يجب على حقوق الإنسان، انطلاقا من ذلك، أن تُستنبط وتُؤَسَّسَ على التراث الإسلاميّ. وفي الوقت ذاته يجد الخطاب الإسلاميّ حول حقوق الإنسان نفسه في مواجهة تحدّي إنشاء تصوّر لحقوق الإنسان جدير بالقبول حتّى من منظور غير إسلاميّ، باعتبار أنّ حقوق الإنسان تفترض صلوحيّة كونيّة، وهو ما يعني أنّها تشمل الناس جميعا واحترامها واجب على كلّ إنسان. إنّ لحقوق الإنسان، بهذا المعنى إذن، تطلّبات معياريّة، تضمن للإنسان، من ناحية، مجال فعل محدّد وتفرض عليه، من ناحية ثانية، أيضا سلوكا معيّنا. وبذلك تقتحم أرضيّة أخلاقيّة تدّعي امتلاكها أنظمة دينيّة وثقافيّة مختلفة. ولذا فيجب على حقوق الإنسان، كي ترتقي إلى مستوى ادّعاء الصلوحيّة الكونيّة، أن تكون مؤسّسة بطريقة تجعل طابعها الإلزامي جديرا بقبول كلّ إنسان بقطع النظر عن انتمائه الثقافيّ أو قناعاته الدينيّة. وبالنسبة لخطاب حقوق الإنسان الإسلاميّ، تترتّب عن ذلك ضرورة صياغة تعليل لحقوق الإنسان، يمكن أن يُقبل أيضا بمعزل عن القناعات العقائديّة الإسلاميّة وأن يُعترف بإلزاميّته. وذلك ما يوضّح المعضلة التي يواجهها خطاب حقوق الإنسان الإسلاميّ اليوم. ففي حين تنتج، من ناحية، على المستوى النظري التأسيسي، ضرورة وضع مقاييس مستقلّة عن الدين، من أجل ضمان قابليّة الإجماع الكوني وما يرتبط بها من صلوحيّة حقوق الإنسان، ينتج، من ناحية أخرى، على مستوى المشروعيّة النظريّة، ضرورة تَلَقٍّ إسلاميّ لحقوق الإنسان يسمح بإنشاء علاقة إيجابيّة معها وجعل مصادر التحفيز للدّين تصل إلى مستوى التأثير الفاعل. وفي هذا المعنى تحديدا تجد حقوق الإنسان نفسها، مثلما يتجلّى في عنوان الكتاب، بين الكونيّة والمشروعيّة الإسلاميّة.
يطرح هذا الكتاب مقترحا لحلّ تلك المعضلة العويصة. فينبغي القيام بمحاولة إنجاز تصوّر لحقوق الإنسان يراعي بنفس الدرجة المتطلّبات المعياريّة للكونيّة والمشروعيّة الإسلاميّة."
وقد صدرت الترجمة العربيّة للكتاب عن دار الجمل للنشر، بيروت، 2020، بإمضاء الكاتب والمترجم التونسي محمّد المهذبي.
العنوان الأصلي:
Menschenrechte zwischen Universalität und islamischer Legitimität,
Mahmoud Bassiouni,
Suhrkamp Verlag, Berlin, 2014





تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس