الوعي
القصدي والمعنى اللغوي
14 ماي 2020
د علي
محمد اليوسف
بداية
نستطيع الجزم بأن
الفلسفة البنيوية جاءت كرد فعل عنيف بوجوب تنحية واستبعاد المواضيع الفلسفية
القديمة التي استهلكت نفسها واعتماد فلسفة اللغة ونظرية المعنى المتعالقة بمبحث
فلسفة العقل ومبحث الوعي القصدي في قاموسها البحثي الفلسفي المتعدد المنتقد بشدة
مباحث الفلسفة الكلاسيكية وعلى وجه التحديد مبحث الابستمولوجيا باعتباره الفلسفة
الاولى منذ القرن السابع عشر وكذلك مبحث الوجود والميتافيزيقا.
تناولت البنيوية الأنثربولوجيا
واللغة والفلسفة والعقل والانسان وعلم النفس والتاريخ والسرديات الكبرى في تماهيها
مع ما بعد الحداثة في وجوب تجاوز هذه المواضيع ما عدا مركزية اللغة الذي اعتمدته
في تفلسف خاص بها، مواضيع شغلت التفكير الفلسفي طويلا ولازمت الحداثة الاوربية منذ
القرن الثامن عشر وحان أوان تجاوزها حسب البنيوية، وقد كشف بول ريكور هذا المنحى
الفلسفي المتطرف في كتابه (نظرية التأويل /الخطاب وفائض المعنى).
حين ذهبت البنيوية تأكيدها
مغادرة الفهم الكلاسيكي (الساذج) في توظيف اللغة كوسيط ناقل لفهم الواقع الخارجي
والانسان ما جعل من البنيوية تعتمد نظرية المعنى التأويلي للغة نمطا كليّا من
التفكير الذي يتخطى جميع الاشتراطات المنهجية على حد تعبير ريكور.
بمعنى استبعاد مباحث
الفلسفة القديمة التي أصبحت بضوء فلسفة اللغة ونظرية المعنى هراء لا معنى له على
هامش الفلسفات الحقيقية الجادة الجديدة التي تتمحور حول فلسفة اللغة والتحول
اللغوي. فلا تداخل لهذه الموضوعات الفلسفية الكلاسيكية مع محورية العناية بفلسفة
اللغة والمعاني والعقل الواعي.
أكدت البنيوية مبدأ
وجوب تجاوز الفهم الابتذالي الفلسفي للغة أذ لم تعد اللغة تلعب دورا بوصفها توسيطا
أو وساطة توسيلية بين العقول والاشياء أو هي وسيط تداولي في المحاورة بين الناس بل
أصبحت اللغة والمعنى مبحثا محوريا في الفلسفة باعتبارها لغة لها نظامها الخاص في
التعبير عن الحياة.. وتشكيلها لعالمها بنسق خاص بها وحدها بمعزل عن كل المؤثرات
الخارجية باعتبارها نمطا كليّا من التفكير يتخطى جميع الاشتراطات المنهجية بمعنى
الغاء وطأة الواقع الخارجي.
أنه لمن السذاجة
والسطحية أن نعتبر توصيفات ريكور التي أشرنا لها عن الفلسفة البنيوية بريئة
ومحايدة رغم وجودها وحقيقتها في البنيوية ولم يكن ريكور مخاتلا في منهجه التأويلي
الخروج على المنطلقات الفلسفية التي جاءت بها البنيوية وأورثتها للتفكيكية واخيرا
التأويلية فهو متماهي مع هذه الارضية الفلسفية التي منحت له أرضية جيدة وفضاءا غير
محدود.. ولم يمارس ريكور أدنى تحذير نقدي وتحفظ بالضد من توجهاته في فلسفته التأويلية
التي أرادها امتدادا طبيعيا في محورية فلسفة اللغة والمعنى وعلوم اللسانيات في كل
من البنيوية ومن بعدها التفكيكية، بل الصحيح الاكثر أهمية أن ريكور وجد في
المنطلقات البنيوية والتفكيكية الارض الصلبة والملاذ الآمن في انطلاقته الفلسفية
خاصة ثيمة استلاب اللغة من علائقية الارتباط بالواقع الانساني.. التي تلتقي عنده
تلك الفلسفات التي مهدت لظهور تأويلية ريكور تحت مظلة ما بعد الحداثة عموما.
اللغة في البنيوية
وفلسفة ريكور
عندما أشرّت وبشرّت البنيوية
كما ذكرنا أن وظيفة اللغة لم تعد تلك الوسيلة المعرفية (الابستمولوجية) لفهم
الواقع وتفسير ظواهر الحياة والطبيعة والعلاقات بينها، أو لم تعد اللغة واسطة
علائقية بين الافكار والاشياء كما هو معهود بها سابقا فهي أنكرت على العالم الخارجي
والمجتمع مؤثراته على فلسفة العقل واللغة في نظرية المعنى، خاصة بعد أن اصبحت
نظرية المعنى وفلسفة العقل والتحول اللغوي في مركزية الاهتمام الفلسفي واعتبارها
الفلسفة الاولى في القرن العشرين.
بعبارة أخرى لم تعترف
البنيوية ولا التفكيكية ولا العدمية ولا التأويلية أخيرا ولا توليدية نعوم شومسكي
بأن اللغة ظاهرة (مجتمعية) لا من حيث التراكم التوليدي ولا من حيث أنها وسيلة
التعبير عن قضايا المجتمع...حتى الفلسفة السلوكية اللغوية القصدية التي ترتبط
بفلسفة العقل وعلم النفس لم تعترف باللغة ظاهرة اجتماعية (سوسيولوجية).
رفض بول ريكور أن تكون
اللغة كما هي في السابق ظاهرة مجتمعية متجذرة في حياة الانسان وفي تطور تاريخه أنثربولوجيا
ومؤيدا خروج البنيوية عليها أن تكون اللغة والكلام يجري التعامل معهما بوصفهما
صورة حياتية كما أراد لهما فينجشتين، بل صارت اللغة نظاما لغويا نسقيا مكتفيا
بذاته في علاقاتها الداخلية بما هي لغة ونسق لنظام داخلي منعزل عن المؤثرات
الخارجية من أي نوع كانت.
وهذا الاكتفاء الذاتي
في تغريب اللغة واغترابها أنما يقوم على استقلالية النظام اللغوي ونسقه الداخلي
الذاتي معزولا عن النظام المجتمعي المعرفي تماما وفي أفضل الحالات يوازيه لا
يقاطعه ولا يستكمله في نهجه الابستمولوجي كما جرت عليه الفلسفة قديما من حيث
الفلسفة هي تراكم متسلسل من تاريخ الفلسفة. لقد أزاحت فلسفة المعنى الابستمولوجيا
من مكانتها الاثيرة التي كانت تتبوأها في تاريخ الفلسفة طويلا.
وأصبح تطوير اللغة لنظامها
التوليدي النسقي الخاص بها هو في مجمل التناقضات والاختلافات والفروقات القائمة
داخل النظام اللغوي التي تعطي ذلك النظام تحولات وانتقالات تطورية لا علاقة لها
بالتطور الخارجي داخل منظوماته الخاصة به الذي لا يقاطعه نظام اللغة أو يستكمله بل
يوازيه في علاقة انفصامية فلسفية عنه.. وهو ما أعتمده واستنده بول ريكور منهجا في
فلسفته التأويلية، فاللغة عنده تقوم على مبدأ الاكتفاء الذاتي والاستقلالية في إقامة
نظامها وعالمها الخاص ولم يعد هناك دورا تلعبه اللغة بخلقها أنساقا معرفية لغوية
تعالج وتفاعل قضايا الواقع الانساني بما هو مرجعية معرفية يسندها وتتعالق معه
اللغة فلسفيا جدليا.
أقام بول ريكور تأويليته
اللغوية من النقطة التي انتهت اليها البنيوية ومن بعدها التفكيكية فهو تعامل مع
اللغة من منطقها اللغوي التجريدي بالتفكير وبناء الانساق اللغوية بما هي لغة بعيدا
عن مؤثرات وضغوطات الواقع والعالم الخارجي عليها. وأستبعد ريكور كما فعلت البنيوية
في تجاوزها مهمة الامساك بتلابيب الواقع الخارجي في تطويعها اللغة تابعا له وفي
خدمته كواقع انساني كما قامت فلسفات عديدة في تاريخ الفلسفة وفق هذا النهج الذي
جاءت ما بعد الحداثة والفلسفات المتعالقة بها خروجا كاملا لهذا السائد الذي أصبح
لا يجاري تبدلات الحياة وتنوع قضايا المعرفة والعلوم ولم يعد الانسان مقياس كل شيء
بالفلسفة في قراءة معاصرة لمقولة بروتاغوراس.
من الملاحظ أن ما بعد
الحداثة والفلسفات المتعالقة معها في أدانتها لما سبقها من فلسفات أهتمت بالإنسان
كبؤرة مركزية في فهمه وفهم العالم من حوله, كما أنكرت هيمنة العقل والأيديولوجيات
السردية الكبرى لكنها، أي هذه الفلسفات مثل البنيوية والتفكيكية والتأويلية
والعدمية لم تعط بديلا مرضيا للعديد من تلك الالغاءات النقدية ما عدا استثناءات
قليلة نجدها عند شتراوس وفوكو وألتوسير الى حد ما رغم إخفاقهم الشديد في معالجة
السردية الماركسية على سبيل المثال بما لا قدرة لهم عليها أذ أستهدف ألتوسير كتاب
راس المال والمادية التاريخية والجدل المادي في كتابه (نقد رأس المال) كما فعل
زميله شتراوس بكتابه (نقد الجدل المادي) لكنهما لم يتمكنا من إعطاء البديل الذي
يمكن الركون اليه ويحمل أسباب القبول في تجاوز الماركسية في منطلقاتها الفلسفية
والتنظيرية المتعالقة جدليا مع الايديولوجيا بمفهومها الطبقي والاقتصادي السياسي
المعروف.
فلاسفة البنيوية استهدفوا
المنطلقات الماركسية والوجودية في نفي الذات وهيمنة الانسان الفردي والعقل وأسطورة
التناقض الطبقي الجدلي والمادية التاريخية لكنهم فشلوا تجاوز الماركسية في ماركسية
بديلة خارج اوراق تسويد الصفحات والمؤلفات الفلسفية وأنكار الواقع الانساني والتاريخ
في الحياة. ولا تمتلك ماركسية التوسير وشتراوس وفوكو وقبلهم سارتر الحد الادنى من
المنطلقات الماركسية التي لم تفقد حضورها ولم تشخ بعد، بل هناك اليوم رغبة عارمة
في ظل التأزمات الاقتصادية المميتة التي يشهدها العالم العودة لأحياء الماركسية
الكلاسيكية بصيغ ديمقراطية جديدة في عدم الغاء حقوق الفرد الاساسية وتذويبها في
مراعاة مصلحة المجموع لحل معضلة العالم في استشراء التفاوت الطبقي بين الغنى
والفقر بظل الانفجار السكاني وزيادة الانجاب عن الحد الاستيعابي للموارد المعيشية.
بما يجعل من أمر تجاوز الماركسية بصيغة انسانية متجددة مقبولا قابلا التطبيق في
عالم اليوم، وكذلك فعلت البنيوية نفس الشيء في سعيها تجريد سارتر من وجوديته
كسردية فلسفية انتهت صلاحية استعمالها بعد أن نالت رواجا منقطع النظير في عصرها
الذهبي ستينيات القرن العشرين.
الشيء الملفت الانتباه
أن سارتر حاول التماهي مع الماركسية كخلفية فلسفية له في محاولته تكاملها مع
الوجودية وفشل في مسعاه كما أتضح لاحقا، وكذلك أراد سارتر ممارسة نقد قاس جدا
للبنيوية حول مفهومها انه لا يوجد هناك ذاتا انسانية متفردة وهي ثيمة فلسفية
تتعارض وفلسفته الوجودية القائمة على محورية الذات وبدلا من تقاطعه مع البنيوية في
مسائل عديدة نجده أي سارتر يتحالف مع البنيوية أو على الاقل لم يصطدم بمنطلقاتها
التمهيدية الاولى في عدائها الشديد للماركسية كسردية كبرى تحتضر.
أن ما يحسب للبنيوية
الفرنسية هو تعدد مجالات مباحثها الفلسفية في الانطولوجيا والتاريخ وعلم النفس
والفلسفة واللغة والانثروبولوجيا والمعرفة وغيرها وفلاسفتها على كثرة عددهم كان
تاثيرهم الفلسفي ولا يزال طاغيا جدا على معظم الفلسفات المتجايلة معها أو التي
جاءت من بعدها. وحملت معها معالجات راديكالية غير منضبطة مهدت لظهور تيارات فلسفية
متحررة من كل الارث الفلسفي السابق عليها خاصة
مع ظهور التمهيد الفاعل الذي زرعت بذوره الاولى البنيوية, والذي نقصده بروز نظرية
المعنى وفلسفة العقل في التحول اللغوي والانهمام باللغة على أنها (متاهة ) انقاذ
الفلسفة عبر تاريخها الذي أثبتت انعطافة فلسفة اللغة وعلوم اللسانيات اعتبارها
تاريخ الفلسفة كان تاريخا تراكميا من اللغو الفارغ الذي يستعمل اللغة ولا يفهم
معناها ولا دلالاتها المحددة والصحيحة في تفسير الحياة ما أدخل الفلسفة بسفسطة
تقوم على نقد الافكار في حلقة مفرغة وعدم الوصول لحصيلة فلسفية واضحة في فهم
المعنى اللغوي.
لغة التأويل والواقع
انفصام نظام اللغة وابتعاده
عن التخارج مع الواقع الانساني هو النهج الذي اعتمدته البنيوية كانت التمهيد
والارضية الصلبة التي أقام ريكور فلسفته في تطوير مفهوم نظرية المعنى بالتأويلية،
ولم يأخذ ريكور عن فينجشتين اعتباره اللغة هي تمثيل حيوية الواقع في مجرى الحياة،
واعتباره اللغة نظاما لا يمكننا فهمه الا من خلال تداخله بواقع الانسان وليس فهمه
نسقا تجريديا منعزلا لا شأن له بالحياة والانسان والعقل، فينجشتين أعتبر اللغة
ظاهرة تتطور اجتماعيا مؤسسا لفلسفة السلوك اللغوي والتحليلية من بعده وهو خلاف
توليدية شومسكي اعتباره اللغة نظام توليد الافكار النسقية بجهد ذاتي فردي والفرد
يطور لغته الخاصة به في فهم الواقع بقابلية فطرية هي ملكة العقل الانساني.
كما أن مجتمعية اللغة
كظاهرة لا يمكن فهمها ولا التعبير بها من غير سريان دفق الحياة ومجريات الواقع
الانساني التي سعى لها فينجشتين في محاولته الخلاص من مفهوم اللغة كنظام (صوري)
تجريدي لفهم الحياة والتعبير من خلاله وبه نفهم ما تعّبر عنه اللغة تجريديا ورغم
عدم أمكانية توفر البديل في أن يعقل العقل الاشياء والواقع بغير تجريد لغوي صوري
ألا أنه يناقض تماما الفهم التأويلي عند بول ريكور حيث أعتبر اللغة تمتلك نظاما
خاصا تصنعه بنفسها ذاتيا ليس من أجل تغيير الواقع والتأثير به بل من أجل أن يكون
نظام اللغة البحث عن المعنى اللغوي في كل خطاب يعالج مبحثا فلسفيا. وبذلك تم الغاء
اللغة أداة للتواصل المجتمعي يتم بها معالجة التجارب الانسانية لدى كل مجموعة
بشرية حسب تعبير اندريه مارنيتي وهو نفس التعريف الذي وصلنا عن أبن جني في تعريفه
اللغة.
الوعي القصدي والمعنى
يطرح الباحث اللغوي
عبد القادر البار تساؤلا مهما أثار فيه الاشكالية في علم المعنى قوله أين يوجد
المعنى؟ هل يوجد في أذهان البشر أم يوجد في العالم المشترك بين البشر؟ وهل يمكن
للمعنى أن يكون خارج المكوّنات التي تسهم في البناء اللغوي؟
تساؤلات مترابطة تحمل
العديد من وجهات النظر والاجتهادات ونرى في معرض تعقيبنا عليها الوقوف على الفهم
الصحيح للوعي اللغوي فهو حسب توصيف بعض علماء اللغة هو ظاهرة بيولوجية انطولوجية
وليست تجريدا لغويا لا فيزيائيا لا يمكن التحقق المنفرد منه. وهذا التعريف البيولوجي
للوعي يتأتى من اعتبار الوعي حلقة وصل قصدية يدخل في منظومة الادراك العقلي التي
تبدأ بالحواس وتنتهي بالذهن بالنسبة لمعرفة محتويات واشياء العالم الخارجي، ويكون
الوعي بهذا المعنى ذاتيا قصديا وبيولوجيا انطولوجيا. وليس جوهرا غير فيزيائي ولا
مادي كما في فلسفة ديكارت.
والوعي الذاتي الذي
مصدره الذهن يحمل معه ويمتلك معنى ادخاري يلازمه يمكن أضافته لمعنى الجملة أو
العبارة اللغوية التي يكون لها هي أيضا محمولا من المعنى مجهولا لدى المتلقي وقد
لا يتطابق مع محمول معنى الذهن لدى حامله.
والوعي بهذا المعنى هو
وعي استبطاني داخل الجسم يمّثّل استجابة كردود أفعال عن المثيرات التي ترسلها أجهزة
الجسم الى الذهن مثل الشعور بالألم والحزن والفرح والجوع والعطش ورغبة إشباع الجنس
وهي غرائز انسانية لا وجود لها خارج وعي الانسان الفرد بها.
والسؤال هل يبقى فهم
المعنى وسطا معلقا بين الوعي الذهني والجملة أو العبارة اللغوية موضوعة الادراك؟ أم
يبقى المعنى وسطا بين المتحادثين لغويا (الكلام الشفاهي) في تبادل الافكار؟ بالتأكيد
لا.
لا يبقى المعنى مدركا
ذهنيا مغيّبا في اللامعنى لا في علاقة الوعي الذهني الادراكي الذاتي الفردي في
محصلة فهم المعنى بالتخارج الجدلي بين الدال والمدلول على صعيد تبادل الفكر وليس
الكلمة، فالمحصلة في فهم المعنى يكون قسمة مشتركة بين المتلقي والعبارة المقروءة
المكتوبة لغويا أو العبارة المسموعة كلاما حواريا في الوصول للمعنى الذي يغني
العبارة وتغني فكر ولغة المتلقي في مشتركهما بالمعنى. وكل ما لا يكون له محمولا
لمعنى غير مدرك ذهنيا لا قيمة حقيقية له.
والمعنى المرجو المضاف
هذا هو في عملية دخول الذهن بمحموله من المعنى في علاقة جدلية تخارجية مع المعنى
الدلالي في محمول الجملة أو العبارة المقروءة أو المسموعة كلاما، وبذا يتم تبادل
المعنى الذاتي في الوعي مع المعنى الموضوعي في العبارة. بمختصر العبارة المعنى
يدرك بمشاركة جدلية بين المتلقي من جهة مع العبارات اللغوية المكتوبة أو المسموعة
كلاما من جهة أخرى.
الوعي الذهني هو
المعنى التعبيري في حمولته الذاتية المدركة ذهنيا لما يستطيعه الالمام بمعرفته
قصديا من أشياء وظواهر وعبارات وكلام شفاهي تحاوري. والقصدية هنا هي المعنى
المطلوب استحضاره في الوعي الذاتي الفردي في توجهاته نحو معرفة مدركاته.. تلك
المدركات التي لا ينحصر بها تحقق المعنى على الفهم اللغوي التجريدي حصرا بل في
المدركات المادية الاخرى المستمدة من الواقع والمدركات الاخرى المستمدة من مخيلة
الذاكرة الذهنية. حيث نجد المعنى المطلوب في مجالات متعددة لا حصر لها من ضروب
المعرفة مثل الادب والعلوم الانسانية والمنطق وعلم النفس والاجتماع وغيرها مضافا
لها اشباع غرائز البيولوجيا عند الإنسان..
الوعي بين التجريد
والبيولوجيا العضوية
المعنى حسب نظرية
الوعي الادراكي البايولوجي يأتي في اعتبار الوعي هو حلقة فسلجية بيولوجية تتوسط
مدركات الحواس والذهن في منظومة الادراك العقلي المتكاملة، التي هي بمجموعها تعتبر
العقل ومنظومة الادراك المتعالقة به هي نظام بيولوجي – نفسي مشترك في تحقيق ونشدان
القصدية في الفعل، ويتوزع الوعي نوعين من الفهم بضوء نظرية المعنى في الادراك.
فأما أن يكون الوعي
وعيا استبطانيا داخليا يكون مصدر إدراكاته مخيلة الذاكرة والذهن كما في لغة الادب
والفنون وما يتعالق معها من مواضيع الخيال واشباع غرائز الانسان. ويتفرع عن هذا
الوعي الادراكي الاستبطاني الداخلي نوعا آخر من القصدية حين يكون الوعي الداخلي استجابة
ورد فعل للمثيرات التي تصل الذهن عن طريق الجهاز العصبي على شكل إيعازات مستثيرة
مستقبلة هي (الاحاسيس) التي مصدرها أعضاء جسم الانسان الداخلية والتي تختلف عن
الاحساسات التي مصدرها الحواس، الاستثارات المنبعثة داخل جسم الانسان يمثل ردود
الافعال تجاه شعور الشخص بالجوع والعطش والحب والحزن والالم والفرح والتفاؤل ورغبة
اشباع غريزة الجنس وغير ذلك مما يدخل ضمن الوعي الاستبطاني الداخلي المركّب من
البيولوجيا والنفس معا.
والنفس كمعطى يلازم الجسم
جوهر غير فيزيائي تكون هي مصدر انبعاث المثيرات الجسمانية التي تصل على شكل أحاسيس
داخل جسم الفرد مرسلة الى الذهن, وهذه غيرها الاحساسات والمثيرات التي ترسلها
الحواس للذهن عن مدركاتها الاشياء المادية والاشياء الموجودة في العالم الخارجي.
ثمة مسألة يجب ألا
نغفلها أنه طالما كان الوعي هو شعور ذاتي انطولوجي بيولوجي انفرادي يهم الشخص دون
غيره، يكون الشخص حامله المستثار لغويا أو المتكلم يمتلك فائض معنى يضيفه على
المعنى المدرك من قبله المنبعث من العبارات والجمل التي يسمعها في الكلام أو التي
يقرأها مكتوبة بخطاب. بنفس وقت دخول وعي المعنى الذاتي للفرد مع المعنى المدرك
لغويا سواء عن الاشياء أو في المحادثة التواصلية مع الاخرين.
ويذهب العديد من علماء
علم النفس في تصديهم لنظريات المعنى الى أن المعنى هو الصورة الذهنية، التي هي
اللغة التي تتألف من صوت لفظي زائدا له معنى قصديا.. وبهذا الصدد يضيف دي سوسير أن
العلامة اللغوية هي كيان نفسي ذو وجهين دال ومدلول وتفسير الكلام الذهني يسبق
الجملة اللغوية حسب تعبيره.
كما يذهب الباحث
اللغوي احمد مختار عمر الى أن نظرية المعنى هي فرع من علم اللغة الذي يدرس الشروط
الواجب توفرها بالرمز اللغوي حين يكون قادرا على حمل المعنى وتتوفر به صفة المعنى
القصدي.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق