قضية فلسفية: قريبا من المتن بعيدا عن الهامش

قضية فلسفية: قريبا من المتن بعيدا عن الهامش
                                                                                         24 أكتوبر 2019


علي محمد اليوسف




 أين نحن من الفلسفة اليوم؟
هذه وجهة نظر لا أتوخى أن يشاركني الجميع صحتها بمقدار هدفي أن يشاركني الجميع مناقشتها في إعطاء بدائل حقيقية لها، قضية ثقافية – فلسفية تمتلك زوايا رصد ومعاينة متباينة عديدة تعني المشتغلين بقضايا الفلسفة والفكر بغية الوصول الى قناعات نحن بحاجة لها وليس استعراض عضلات حجاج من أجل الحجاج ولا نقد من أجل الانتقاد لا يسمن من جوع ثقافي ولا يغني من صقيع فلسفي عربي.
لم يعد عجبا أننا دائما ما نصطدم بتساؤل لا نمتلك له جوابا شافيا مقنعا، أين نحن من الفلسفة الغربية المعاصرة اليوم؟ وهو شقّ متفرع عن تساؤل مركزي مزمن أكبر مؤرق لنا وأكثر أهمية هو أين نحن من الحداثة المعاصرة المتقدمة بمتواليات علمية في مختلف مجالات الحياة المتخلفة المتراجعة باستمرار راسخ عندنا؟ في كلا التساؤلين نحن نعيش الهامش بالإجابة الثقافية النخبوية التضليلية والإجابة المجتمعية الاستهلاكية المتخلفة.
وما يهمنا في مفتتح هذه المقالة هو الشق الاول من التساؤل العقيم، عندما نجد أنفسنا ضحية كذبة فلسفية كبرى مجدبة راسخة لدينا,, حقيقة زائفة تعيشها النخب الثقافية بدوغمائية فجّة رغم وضوح ضحالتها الفكرية البائنة القاصرة الفهم والاستيعاب النخبي والمجتمعي عندنا، تلك هي أن الفلسفة الغربية المعاصرة الخاوية التي نكتب هوامش بعض قضاياها بتقديس مفرط، لا تقول شيئا جديدا ذا قيمة معرفية تفيدنا في نشداننا تحقيق أمل نهضوي ثقافي معرفي حضاري يراودنا، فالفلسفة الغربية المعاصرة غاطسة في عبثية تفسير الماء بالماء بعد جهد جهيد, ولا نملك سوى أن نردد تأسّينا قولنا هذه هي فلسفة (العصر اليوم) التي يتوجب علينا عصر ما يردنا منها مترجما أو في أصوله اللغوية الاجنبية بهوامش من التعليق والتفسير الطفيلي الشارح كي يدر ضرعها لبنا يسقينا، وهيهات ما نبتغي ففاقد الشيء لا يعطيه ..كل هذا ترك أسوأ الأثر عند متلقي التفلسف الهامشي عندنا حين وجدنا أنفسنا ومعنا المتلقي المثقف أن تفلسفنا اليوم هي كتابة هوامش تريد أن تقول أشياء عن لا شيء غير موجود في الفلسفة الغربية المعاصرة أصلا !!...كي لا يلحظ الآخرون سذاجتنا الثقافية المتهمة بالتخلف كما هو موقفنا المخجل من تناولنا الحداثة المعاصرة بعيون غيرنا، وربما تكون مفارقة غريبة لا تصدّق أنه أحيانا وفي القليل جدا ربما نكتب بعض الهوامش الفلسفية النقدية بما هو أكثر أقناعا للمتلقي في مقارنته بجدب وخواء متون التفلسف الغربي البائسة المعاصرة التي تمتلك هالة التعظيم بلا أهلية حقيقية تستحقها... وربما يؤاخذ على من يمارس كتابة الهامش النقدي أنه يستمسك بضحالة التفكير الهووي المتشّنج على حساب الإقرار بالحقيقة الثقافية المعاصرة المسبوقين عنها كثيرا... وربما تكون المصادرة النقدية الهامشية في مناوشتها بعض معطيات الفلسفة الغربية المعاصرة من منطلق المقايسة المعيارية المجحفة بحقنا وهي قائمة فعلا هي أننا نمارس الهامش النقدي من غير امتلاكنا مسوغات الندّية المؤهلة لمثل تلك المهمة لذا يجدر بنا الأخذ في الاستيعاب قبل ممارسة النقد الهامشي لمتون غربية لا نمتلك قدرة الإتيان بمثلها أو مجاوزتها بمغايرة التجديد والاضافة لها.
حقيقة هوامشنا الفلسفية التي تمتح من متون مباحث الفلسفة الغربية المعاصرة التي بات يستهويها الدوران المجدب العقيم حول ذاتها الفكرية المحتضرة باعتراف فلاسفتهم يجعلنا نتوقف قليلا أمام مفترق طريقين نحاول فيهما أو أحدهما التماس منفذ الخروج والخلاص من جاذبية الدوران التابع المزمن حول المركز الفكري البؤري الغربي الذي يعيش أمجادا بالية أخترعها لنفسه وأراد فرض تعميمها والباسها ثقافات أمم وشعوب العالم اليوم... وليس عسيرا علينا ملاحظة العديد من باحثي شؤون الفلسفة عندنا تنّطّعهم اللغوي في كتابة تقعرات وتهويمات لغة هوامشهم الفكرية - الفلسفية للتدليل على سعة اطلاعهم في ممارسة الفذلكات والتدليس على القارئ في تداول تفكير فلسفي فارغ لعرض متن غربي مجدب كل رصيده اللغة المقعرّة العصيّة التلقي وفي هامش عربي خجول بائس يحاول فك طلاسمها بحس نقدي غير جدير القدرة والامكانية..
أمام هذه الحقيقة القائمة فإما أن تكون هوامشنا المتفلسفة تعرية صادقة وحقيقية صادمة للمشهد التمثيلي الفلسفي الغربي ممثلا في أسطورة ملابس عاهل الامبراطور الجديدة، ونكون بهذا خرجنا من رثاثة التهريج الكاذب والتصفيق المنافق الذي لا يمّل من ركض التسابق في مارثون الوصول الى نهاية الوهم والسراب الخادع والتضليل الاجوف المنتهك لهويتنا في عقر تفكيرنا. وإما أن تكون هوامشنا في المسار الثاني هو تأصيل هووي راسخ في أعماق الوجدان الجمعي الثقافي فينا, وتأصيل جيني غائر في الروحانية الفلسفية للأمم والشعوب الشرقية عموما منها مجتمعاتنا العربية في وجوب مفارقتنا الحتمية المعرفية المفروضة علينا في يباس الفلسفة الغربية وجفاف تخوم آفاقها الثقافية المجددة التي استنفدت نفسها في الدوران حول مركزيتها الذاتوية، فأخذت تغتذي من منجزات العلم عكاز أستناد وطوق نجاة لها لأنها عاجزة من ابتداع فلسفة ثقافية جديدة تنقذهم من التكرار الملتبس المستنفد لحيويته الفكرية المعرفية لديهم.. وكل هذا الاختلاف التفاوتي في الأعلى والأدنى، وفي المتقدم والمتخلف بيننا وبينهم لا يغّير من حقيقة أننا نعيش عصر أصبح العالم فيه قرية على صعيد استهلاك المعرفة الحضارية ومنتجات العلم والاتصالات والمثاقفة..
الحلم الذي يراودنا سبقنا غيرنا فيه وجعله قيد التطبيق
لقد كانت الماركسية أول فلسفة وجدت على يدي ماركس وإنجلز الفخ الهرائي المنصوب في مباحث الفلسفة الغربية الحديثة التي تغوص في مياه البحث الموحلة عن الحقيقة المطلقة في نسبيتها المتحققة المنجزة والحقيقة المطلقة المغيّبة وهي خالية الوفاض لا تحمل أية قيمة إجرائية نتائجية في مصادرتها واقع المعرفة الحقيقية في خدمة الانسان والحياة...أمام هذا الطريق الفلسفي المسدود أنعطف ماركس بالفلسفة انعطافة تاريخية أيديولوجية سياسية اقتصادية استقرأت واقع الانسان الطبقي المتفاوت في توزيع الغنى والفقر بالعالم وقرأت التاريخ بحس نقدي أجرائي سليم انثروبولوجيا – سياسيا - اقتصاديا جعل من مباحث كلاسيكيات الفلسفة الغربية كمن يغرف ماء البحر ليسقي به ظمأ الارض المتشققة ويبّل يباسها القاحل فيزيدها ملوحة على ملوحة وتصّحرا فوق تصّحرها عالميا... وكان ما جرى للماركسية بعد التطبيق الاجرائي المّخل معلوم منذ تسعينيات القرن العشرين في تفكك تجربة الاتحاد السوفييتي في مفارقة مصاحبة مذهلة حقا بمقايسة نجاح تجربة الصين والتجربة الكوبية والفيتنامية والكورية الشمالية بتحفظ مقبول....لكن بقي مفترق الماركسية عن الفلسفة الغربية مؤشرا لا يمكن دحض تنبؤه المستقبلي في تأشيره المتقدم المبكر لعقم الفلسفة الغربية الرأسمالية...
الفلسفة البراجماتية والخروج على الفلسفة الاوربية
ثم تبعتها بنفس المنحى المتضاد والتوّجه بالأهداف الفلسفة البراجماتية الذرائعية العملية الامريكية في انعطافة فلسفية لا تزال قائمة حيّة الى اليوم في صدقها الحياتي(البراجماتي) الذي لا نتعامل معه والاستشهاد به هنا من منطلقات أخلاقية سياسية عربية ولا من منطلقات ايديولوجيات مشرقية بل من منطلقات فلسفية ثقافية علمية براجماتية حققت منجزات لا تحد ولا تحصى في زمن قياسي قصير من عمر التاريخ لرقعة جغرافية تتسّيد العالم اليوم هي أمريكا.. في معالجة واقع الحياة في المجتمعات الرأسمالية قبل تبديد جهودها وعبثية انشغالها في فذلكات وتدليس التفلسف العقيم المجرّد عن واقع الانسان الحقيقي في قضايا إشباع حاجاته الحياتية بمنطلقات رأسمالية ناجزة قد تبدو لنا فيها مسألة استلابها القيمة الحقيقية للإنسان لا تصب في رجحان كفتها لكن هذا لا يمنع حقيقتها الفلسفية التي أصابت النجاح تاريخيا على صعيد التطبيق الميداني أمريكيا...
وفي صلب هذا التوجه الايديولوجي الرأسمالي كانت الفلسفة البراجماتية حاضرة وبإلحاح شديد بما يجب أن تكون عليه الفلسفة المعاصرة في ظل النظام الرأسمالي حصرا.. معتبرة كل مدارس وتيارات الفلسفة الاوربية الحديثة والمعاصرة هي كثبان رملية لا تصلح مثابات ارتكاز لفلسفة أمريكية جادة حقيقية.. واعتبرت فلسفات مثل المثالية الذاتية والدوغمائية الخيالية والوجودية والبنيوية والتفكيكية والتحليلية والعدمية وما بعد الحداثة وغيرها من تيارات فلسفية فرنسية والمانية وانجليزية معاصرة موضات استهلاك فلسفي لا مانع أن ينمو بعضها بالاستقبال وليس في الانبثاق التأسيسي المضاد على الارض الامريكية موسميا كنباتات صبّار لا تضر مزارع الفلسفة البراجماتية دائمة الاخضرار طالما هناك علوم تحقق المنجزات الباهرة وباستمرار في صالح المجتمع الرأسمالي البراجماتي حصرا..  
ولم يقلل من أهمية وتأثير النزعة البراجماتية الامريكية إدانتها أنجليزيا على لسان شيخ الفلاسفة المعاصرين براتراند رسل قوله (الفلسفة البراجماتية فلسفة خسيسة ونذلة).. لكن الحقيقة التي لم تستطع الفلسفة البراجماتية القفز من فوقها لصالحها فلسفيا هي محاولتها جعل الفلسفة تقود العلم كما هي واقعيا تقود السياسة الامريكية اليوم.. وتلك هي الحقيقة الصادمة التي تواجهها الفلسفة الغربية اليوم، هي أن العلم بتخصصاته العالية الدقة والابهار التقدمي ترك الفلسفة تركض وراءه من دون أن يلتفت لها في محاولة عرقلة مساره أو أبطاء تحقيق منجزاته المعجزة الهائلة.. وهادنت الفلسفة البراجماتية العلم كما هادنته من قبل الكنيسة الكاثوليكية.. وكلتاهما (الكنيسة والبراجماتية) كان مقدّرا لهما الاندثار لولا تعايشهما البراجماتي المهادن للعلم.
الأميركان في ابتداعهم الفلسفة البراجماتية لم يكونوا متنبئين ناجحين في معرفة مستقبل الفلسفة الغربية وانحطاطها المستقبلي القادم بل كانوا في منتهى الامانة والاخلاص لحاضرهم الرأسمالي الذي ألزمهم اختيار الحد الادنى الوسط في مزاوجة الفلسفة البراجماتية مع الجانب التفضيلي لمنجزات العلم في ضرورة تجربة صلاحية الافكار وصدقها العملاني التطبيقي الواقعي في الحياة... وبذا كانت البراجماتية أيديولوجيا الفلسفة المعاصرة الرأسمالية الامبريالية بلا منافس حقيقي لها,, تماما في موازاة ما فعله ماركس بالاشتراكية الشيوعية بتحويله الفلسفة الى أيديولوجيا يهمّها تغيير العالم وليس تفسيره باللغة المنطقية الفلسفية المجردة فقط. وليس في وارد هذه المعيارية في التماثل بين ايديولوجيا الرأسمالية البراجماتية وايديولوجيا الشيوعية الماركسية وكلاهما حوّل الفلسفة الى علم في السياسة أن يقول التاريخ قولته الحاسمة في مستقبليتهما.. فكلتاهما صنعتا التاريخ في وقت لم يكن متاحا للتاريخ صنعهما.
علوم اللغة والتفكيك الفلسفي
وفي تطور إضافي متراجع لاحق بالفلسفة أريد له أن يكون انتقالة نوعية متقدمة الى أمام حين حاول فلاسفة اللغة وعلماء اللسانيات إنقاذ الفلسفة من براثن العقم المجدب المزمن في البحث عن اللامعنى الغائب في لعبة اختبار أن تكون اللغة  محور إشكاليات الفلسفة اليوم حسب ادعائهم، واستحضار الغياب بدلا من الحضور والبحث عن فائض المعنى التي تدّخره اللغة في مخاتلة التعبير بما أطلقوا عليه الاختلاف والارجاء، الذي سرعان ما تطوّع شراح الهوامش الفلسفية على تعريبه افتعاليا مصطنعا تماشيا مع (المصطلح التفكيكي) بغير مرادف لغوي عربي له موجود في معاجم اللغة العربية بمصطلح يساير موضة تبديل الحرف (a)  على الطريقة الفرنسية بدلا من (e) عند جاك دريدا في كلمة (diffarance) عن كلمة (difference) وبذلك الانجاز الفلسفي العظيم ؟؟ انقلبت قضايا الفلسفة المعاصرة رأسا على عقب في تعمية أيجاد الحل المثالي الفوضوي في اللغة وليس في تعقيدات قضايا الفلسفة الموروثة المزمنة عبر العصور... وبلغ الانبطاح التفكيكي عربيا قمته في استماتة بعض نقاد الادب العربي أن يكونوا تفكيكيين أكثر من ملك التفكيك دريدا في محاولتهم سد النقص الثقافي العربي وابتداع فذلكة النقد العربي الاغترابي مابعد الحداثوي التفكيكي الجديد.. وانطلت اللعبة الفلسفية في صمت الجميع المريب في المسكوت عنه هو الإدانة الغائبة لهذاءات النقد العربي الادبي التفكيكي على يدي أفراد معدودين من طالبي وهواة بناء الامتيازات الأدبية الثقافية الزائفة في بذرهم بذور التيه والهجنة والاغتراب في مناهج النقد الادبي العربي السليمة المنبثقة من رحم النص الادبي العربي حصرا كما هو المنطقي المطلوب..
إشكالية في اللغة أم إشكالية في المنهج الفكري؟؟
ونرى هنا أهمية الاستشهاد برأي فلاسفة المدرسة الانجليزية التحليلية الحديثة عند كلا من جورج مور وبراتراند رسل، ومن بعدهم لوفيدج فتنجنشتين الذين وضعوا ولأول مرة في تاريخ الفلسفة معيارا نقديا فلسفيا غير مسبوق أنه يتوجب على متفلسفي اليوم وفي المستقبل البداية من منطلق أنه يجب أن تكون لغة الفلسفة هي لغة عامة الناس التداولية الدارجة كي يجدوا ما تقوله الفلسفة معبّرا عن قضايا حقيقية تمس حياتهم بدل الامعان بتخريجات الفلسفة القائمة على فبركات لغوية عصيّة على التلقي لا تفصح عن شيء يستحق الوقوف عنده.. كما وجدوا في تفكيكية دريدا موضة استهلاكية متطرّفة لا تحمل معاني فلسفية تغني عن مراجعة ودراسة موروث قضايا الفلسفة الاشكالية, ورفض فلاسفة التحليلية محورية أن تكون اللغة إشكالية قائمة بذاتها كقضية محورية تخص الادب قبل الفلسفة وما تقوم عليه من(نحو وبلاغة) قضية تشغل مباحث الفلسفة أن تكون معيارا مجديا في مراجعة قضايا الفلسفة في القاء مسؤولية الاستعصاء الاشكالي المعرفي فلسفيا في حل اشكاليات قضايا الفلسفة على عاتق اللغة بما هي تعبير فكري إبهامي غامض ملتبس تأويليا في عجزه أن يسمّي الاشياء بمسمياتها الحقيقية وعدم قدرته أن يقول أفكارا جديدة بدلا من اللف والدوران في لعبة استهلاك اللغة بما هي لغة ادب وليس لغة حلول قضايا فلسفية عالقة، وميّزوا بين أن تكون اللغة هي اشكالية قائمة في تركيبية النحو والبلاغة والاستعارة والمجاز بمعزل عن دورها كمنهج تحليلي في معالجة حل إشكاليات فلسفية لا تقوم أخطاءها على تعبير اللغة الخاطئ عنها فقط بل الخطأ في فكر الفلسفة الفارغ من معالجة قضايا حقيقية بالفلسفة.., وبين أن يكون تقويم اللغة وسيلة مراجعة نقدية منهجية تحليلية في حل تلك الاشكاليات الفلسفية التي لن تكون اللغة أكثر من منهج في التحليل للوصول الى حقائق كانت الفلسفة عبر تأريخها الطويل تدور حولها باللغة المستعصية المبهمة على الفهم الواضح والدقيق في معالجة قضايا فلسفية لا وجود حقيقي لها كما أشار له بتشخيص علمي سليم فلاسفة التحليل الانجليز، وليس بالفكر التخليقي التجديدي الذي لا يقف أمام اللغة كإشكالية محورية تستأثر بالاهتمام الفلسفي بما هي لغة قائمة في مقوماتها الذاتية الخاصة بها، بل في توسيل وتوظيف اللغة منهجا تعبيريا في مراجعة وحل قضايا الفلسفة العالقة منذ قرون، واعتبروا تحليل اللغة ليس من اعتبارها دالا ومدلولا يقوم على البحث في المعنى الضيق لدلالات اللغة بما هي لغة (مدلول فقط كما في التفكيكية) من منطلق أنها مجازات بلاغية ونحو واستعارة وجناس وطباق ومحسنات لفظية وكنايات وغيرها بما يخص علم اللغة.. فهذا لا يحل لا قضايا اللغة الأدبية ولا يحل إشكاليات الفلسفة منهجا لغويا...وعن هذه المفارقة نجد تعليقا متندّرا لبراتراند رسل لا يحضرني نصّه لكن في مقاربة معناه قوله أننا بفهمنا اللغة قضية يقوم على حل اشكاليتها الداخلية بما هي لغة أدب، حل قضايا الفلسفة، يصبح من الأجدر بنا نحن الفلاسفة أن نعمل (أجراء) خدم تحت أمرة علماء اللغة والمشتغلين المتخصصين بشؤونها، وليس فلاسفة نعالج قضايا كونية انسانية تهم حاضر ومستقبل الانسان..
ما يعنينا أنه لمن الحقائق الصادمة التي نواجهها بما لا خلاص منه أن نعيش الثقافة الغربية المعاصرة من ضمنها الفلسفة شرّاح هوامش في محاولتنا سد النقص الثقافي البعيد عن محاولة تأسيس مشروع ثقافة عربية تحمل مقومات تلبية تحقيق حلم نهضوي حضاري متكامل ننشد به بلوغ أولى درجات اللحاق بالركب العالمي.. لكن واقع الحال يشير العكس تماما في اعتياشنا على الهوامش كقدر لا خلاص ولا فكاك منه لا تحكمنا فيه عجز القدرة النديّة بل التطبّع بحكم العادة على استمراء وضع التبعية والاستكانة التي ترسخت بأذهاننا وممارستنا كتابة الهوامش الذيلية لأفكار غيرنا وكلاهما خلوّا من المعنى.. أن المأزق التي تراوح الفلسفة الغربية بين فكيّه اليوم في منظورنا نحن المجتمعات الشرقية والعربية هو أما أن تكون مباحث الفلسفة عندنا مؤدلجة كي يتم هضمها واستساغتها وأما أن تكون الفلسفة الغربية ثرثرة لا تناسبنا بأكثر من استقبالها نزعة استهلاكية نخبوية هامشية في طريقها الى الانقراض والتلاشي في الاصل الغربي بعد وفاة معيلنا الغربي على التفلسف في دوام كتابة هامشنا العربي التمجيدي لها.. وفي كلتا الحالتين لا يكون ضياعنا الثقافي الفلسفي أكثر من ضياع الاصل الغربي الغائص في وحول التخبط الفلسفي.
خاتمة التباسية مرفوضة
لا غرابة في مصارحة مكشوفة لأنفسنا بضوء قراءتنا لما سبق ذكره في هذا المقال أننا نرفض ما يريده مثقفي السلطة ومرتزقة الاعتياش على ثقافة الاعلام الهابط في التسويق الاستهلاكي البغيض للمفلسين من العطاء المعرفي والثقافي والفلسفي وترجمة واقع منتجات الحضارة المعاصرة من حولنا بحس نقدي سليم يستشرف طموحنا الثقافي المشروع... للخلاص من المأزق الثقافي الفلسفي الذي استعرضنا بعضا من مشاكله هو في ضرورة أن نجعل حسب رغبتهم المشبوهة من المنطق الفلسفي الهامشي (ايديولوجيا) يمكن التعامل معها مجتمعيا وبلا حدود تلغي الفوارق الجوهرية بين المعارف اليومية الاستهلاكية والفلسفة كتعبير وإفصاح حضاري متقدم.. فكل شيء في الحياة العربية أصبح بفضل هؤلاء المرتزقة الذين يمّثلون الثقافة العربية الزائفة ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية زورا وبهتانا جواز مروره المجتمعي مرتهن في أدلجته كما جرى الحال معنا في أدلجة الدين وأدلجة السياسة وأدلجة التاريخ وأدلجة الاقتصاد وأدلجة الأخلاق والقيم والعادات وكل ماله صلة بالحياة العربية ماضيها وحاضرها ومستقبلها.. فلا يضيرنا الامر حسب رغبتهم أن تكون الفلسفة والأدب والفنون (ايديولوجيات مسيّسة ) في خدمة تراجع الوعي الجمعي عن مواكبة التجديد المستمر بالحياة من حولنا والتشبث بالمتخلف الرّث في الوعي والسلوك الذي يصب في خدمة السلطة الفاسدة والحاكم المتسلط الجائر.. والسبب أن مجتمعاتنا العربية لا تمتلك مصيرها الثقافي ولا السياسي الا بالانقياد الإذعاني القطيعي للايديولوجيا التي تحكم جميع مناحي حياتنا الغاطسة بهيمنة قدرية التخلف المجتمعي المصنوع بالوعي الجمعي التضليلي التعبوي المتخلف الزائف..           


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس