التاريخ / وهم الحتمية والتطور الخطي الغائي

              التاريخ / وهم الحتمية والتطور الخطي الغائي
29 شتنبر 2019


علي محمد اليوسف/الموصل





تمهيد أولي
عديدون الذين مرّوا باستخفاف أمام مقولة هيجل (ميزة التاريخ أننا لا نتعلم منه شيئا).
غالبية النظريات وفلسفات التاريخ والمفاهيم الوضعية الحديثة وتفاسيرها في دراسة التاريخ البشري، تذهب الى أن مسار التاريخ التطوري تحكمه (غائية) أو غائيات ضرورية مراحلية مصاحبة رافقته وقادته الى حتميات معدّة سلفا، مرسومة له مسبقا سعى التاريخ حيثيا الوصول لها وبلوغها كضرورات.
وأكثر من ذلك عمد المؤرخون الى زرع محفزّات تطوّرية في ثنايا المراحل التاريخية، تشكّل أرادة ذاتية شغّالة تلهم التاريخ التقدم الى أمام على وفق حتميات متنوعة مرجوّة وغايات مطلوبة لاحقا.
بمعنى أوضح أنه صار بمكنة المؤرخ كتابة تاريخ آخر مغاير للوقائع التاريخية أمامه حسب اجتهاده المنهجي...أو استنباطه قوانين شغّالة تحكم سيرورة وتطور التاريخ البشري في تطويع حقائق التاريخ لمنهجه في قراءته وتورخته التاريخ.
وهذه القوانين التاريخية هي غيرها القوانين الطبيعية في الزمان والمكان التي تحكم المادة والوجود الانساني في الطبيعة والتطور التاريخي وتعالقهما كمعطى أزلي تعمل بمعزل عن إرادة الإنسان مثلما تذهب له الماركسية. خلافا للقوانين الوضعية والنظريات التي يضعها الانسان في دراسة التاريخ والانثروبولوجيا، التي هي من صنعه أيضا أي من صنع الانسان.. في المناهج والفلسفات والنظريات والسرديات الحديثة والمعاصرة.
الحتميات والغائيات التطورية المراحلية للتاريخ القريبة منها والبعيدة جدا، التي تم إقحامها  كمصاحبات حيثية رافقت المسار التأريخي، إنما هي مغالطات واستنباطات لا تمتلك مقومات الصدق العقلاني ولا مشروعية التسليم بها في دراستها حركة التاريخ غير المنتظمة والعشوائيات والمصادفات غير المحسوبة النتائج التي لعبت دورا محوريا مركزيا في وقائع ومجريات التاريخ، هذه المصادفات الجوهرية كان بعضها سببا في سلسلة من التراجعات والكبوات، وبعضها الآخر جاء عوامل مساعدة في تحقيق طفرات نوعية في المسار التاريخي غير المنتظم، وتلك القفزات الكنغرية التاريخية حققت حلقات من التطور والتقدم إلى أمام، نتيجة عاملي الصدفة العمياء غير المحسوبة، والعشوائية، مضافا لها ردود الأفعال الإنسانية (كإرادة) في تصحيحها مسار انحرافات ومحركات النوازع السلطوية الحمقاء للملك أو الحاكم أو البطل أو الدكتاتور أو أيّة زمرة خارجية متحكمّة متطرفة وحشية، بعيدة عن منطق ونوازع الخير المتأصلة بالإنسان.
دور الصدفة والضرورة في صناعة التاريخ
ما كتبته وأورثته لنا عشوائيات الوقائع وعفويات الأحداث التاريخية التي تحكمها الصدفة العمياء أو المصنّعة غير المتوقّعة المتتالية التي عالجتها الماركسية بالقول أن الصدف التي أثرّت في مسار التاريخ هي الصدف التي تحكمها الضرورة، كانت أكثر أهمية بكثير من محاولات تفسير وتحليل تلك الحوادث على ضوء حشر المحفزّات الذاتية والضرورة الذاتية في تحريك التقدم التاريخي، التي حسب اجتهاد المؤرخين الماركسيين قادت وتقود التاريخ في مسار غائي تصاعدي تطوري حتمي منتظم الى أمام وتحقيق الافضل في الحياة، بنوع من الفعالية الذاتية (روح التاريخ) بتعبير هيجل التي يستبطنها بأحشائه ذاتيا، كغائية تحفيزية مطلوبة متوخاة أو حتمية يبلغها التاريخ مرحليا ويتجاوزها الى مراحل متقدمة من غير ما الأخذ بنظر الاعتبار إرادة الإنسان الفاعلة في صناعة التاريخ عبر العصور وفي تصحيح المسار العشوائي لأحداثه وهكذا.
 أقطاب التفسير التطوري للتاريخ جاء في أهم جنبة منه على وفق النظرية الماركسية في المادية الجدلية الديالكتيكية للتاريخ، باعتماد مركزية العامل الاقتصادي وتقسيم العمل والمجتمع طبقيا كبؤرة تحكم جدلية التاريخ ومراحله التطورية.
وأصبحت هذه النظرية الماركسية اليوم رغم ما تحمله من رؤى علمية منهجية وقراءة فلسفية معمّقة لواقع البشرية على امتداد تاريخ العصور الطويلة، وما حملته من تفسير مادي أنثروبولوجي إنسانوي متكامل، ثبت أنها لم تكن كافية لتفسير الانتقالات النوعية والطفرات في المسار التاريخي المتطور من مرحلة الى أخرى متقدمة عليها ومتجاوزة لها... بدءا من مرحلة الصيد والالتقاط، تلاه عصر الزراعة بداية صنع الانسان للحضارة سبعة الاف سنة قبل الميلاد، وليس انتهاءا بالمرحلة الاشتراكية والشيوعية والتنبؤ بنهاية الدولة وانحلالها لاحقا على المدى البعيد غير المنظور لكنه المتوقع تنظيرا أيديولوجيا حسب التنبؤ الاستقرائي الماركسي الفاشل لاحقا.


وهم نهاية التاريخ شيوعيا ورأسماليا
ثبت أن التفسير المادي الماركسي للتاريخ شأنه شأن المناهج والدراسات التاريخية المضادة له المثالية والليبرالية المعاصرة المقاطعة الرافضة للجدل التاريخي في تمييزها المراحل التطورية على أساس من تضاد وتفاوت مستوى الطبقات الاجتماعية أقتصاديا، التي أفرزت نظريات مناوئة لها كالرأسمالية الديمقراطية واللبرالية وغيرها.
لم يعد اليوم الماركسيون ينفردون بل الجميع يشتركون في حقن المراحل التاريخية بتحفيزيات محرّكة ذاتية للوقائع والأحداث في تبرير انتقالات وتحولات التاريخ النوعية أو ما يسمى الطفرات النوعية، في وصول التاريخ إلى غائيات وحتميات سعى إلى بلوغها في السيرورة التطورية المحكومة بإرادة التاريخ الذاتية ونزوعه لخير الإنسانية التي تعتمل بداخله وتعمل على تسريع مساراته وانتقالاته التطورية، مع عدم أهمال المنهج الماركسي لعامل الانضاج الموضوعي( الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي) المحايث لضرورة التقدم في الانتقالات والطفرات النوعية المراحلية عبر التاريخ. وهو ما تنكره النظم الرأسمالية الديمقراطية وتعاديه بشراسة.
كان هذا التفسير الجدلي الماركسي استقراءا واستنطاقا للتاريخ كماض أختّطّ مساره الخطي، قبل اكتشاف قوانين المادية التاريخية (هيجل وماركس وفيورباخ) وصياغة فلسفتها المعروفة، وتبلورها المتكامل في التطبيق الاشتراكي ...على وفق ديناميكية تحفيزية ذاتية حملها التاريخ في مساره التطوري الطويل لآلاف السنين أو يزيد، متجاوزة بذلك أية عشوائية أو سلسلة مصادفات أن يكون لها سببا أو تأثيرا سلبيا أو إيجابيا في مسار تطور التاريخ عبر العصور، معززّة أن التاريخ في تطوره الماركسي تحكمه أيضا الضرورة الإلزامية في جعلها العشوائية والصدف التاريخية لا تعمل بمعزل عن حتمية التقدم التاريخي الى أمام.
بمعنى أكثر توضيحا أن التاريخ البشري كان محكوما -حسب الماركسية- بالتطور الذاتي والموضوعي الطبيعي قبل اهتداء الماركسية إلى اكتشاف تلك القوانين المادية الجدلية الثلاث. وحدة وصراع الاضداد، وتحول التراكمات الكمّية الى ظاهرات أو موجودات نوعية، وأخيرا قانون نفي النفي في انحلال الظاهرات المادية المتناقضة القديمة وفي استحداث نفسها بأخرى نوعية جديدة، وهكذا تستمر الحركة والتضاد والتحولات المادية الى نوعيات يحكمها أيضا التضاد والنفي، وأخيرا استحداث الظاهرة الجديدة التي تحمل في أحشائها عوامل تضادها وانحلالها وهكذا.
وأن هذه المراحل التطورية أخذت نصيبها في التطبيق المراحلي الانتقالي من مرحلة الى أخرى أكثر تطورا وتقدما في حياة الانسان ووجوده وتاريخه كحتميات يجب أن تحصل في التاريخ البشري عموما بمعزل عن إرادة الانسان وتصنيعها وحاجته لها. بمعنى أن الانتقالات المراحلية النوعية للتاريخ التي كان محركها الأساس قوانين المادية التاريخية، التي قادت التاريخ على وفق صراع الطبقات وتقسيم العمل وملكية وسائل الانتاج وناتج فائض القيمة حصلت في قيادتها التقدم التاريخي الطبقي الاقتصادي بأدراك مباشر من الانسان أو بغير الادراك منه ورغبته وحاجته للتغيير من عدمها فهي حصلت بحكم الضرورة التي تقودها القوانين الشغّالة في الطبيعة وفي أرادة الانسان نحو التقدم القائم على الصراع الطبقي في المجتمع.
ومن الجدير ذكره أن داروين في نظرية التطور والانتخاب الطبيعي للأصلح، استبعد فكرة الغائية التطورية والحتمية في ألزام التاريخ البشري الانثروبولوجي السير بمقتضاها حسب النظريات الماركسية التي ذهبت في هذا المنحى التطوري الحتمي. وأن التطور الطبيعي للحياة والكائنات على الارض حسب نظرية داروين لا تسري ولا تنطبق في معطياتها على التاريخ البشري في ارتقائه التطوري.
أي أن داروين أنكر استنساخ الضرورة البيولوجية التطورية في الارتقاء الانتخابي الصاعد الحاصل في الطبيعة وأسقاطه على الواقع المراحلي لأنثروبولوجيا تطور الانسان تاريخيا.
اقفال التاريخ ومنعه من التقدم
الملفت للملاحظة أن التفسير الماركسي (قفل) التطور التاريخي بمرحلة افتراضية هي حتمية ووجوب انحلال الرأسمالية الامبريالية لتعقبها المرحلة الاشتراكية ومن ثم الشيوعية، وهكذا تتوقف دورة التطور التاريخي لتعيد نفسها في مشاعية نوعية في إلغاء الحاجة الى الدولة ومؤسساتها التنفيذية وهو ما لم يحدث..
بالمقابل نجد أن الرأسمالية (المعولمة) هي الاخرى (قفلت) التطور التاريخي بنهاية التاريخ عولميا عندها ومن جانبها عقب استفادتها التاريخية المجّانية من تمزّق الاتحاد السوفييتي وانهيار النظام الشيوعي 1991م دراماتيكيا ونادت بعدها أنّه لا تاريخ بعد العولمة الرأسمالية وأن العولمة هي نهاية التاريخ وأفول نجم وعصر الايديولوجيات.(هنتكتون وفوكوياما).
لم يكن واردا في الاستقراء التنبؤي الماركسي أن ينهار النظام الشيوعي قبل انهيار الرأسمالية الأمبريالية، هكذا كان التفسير التنظيري الاستقرائي الماركسي للتاريخ القائم على مركزية الفهم أن التطور البشري منذ العصور الاولى للبشرية، كان محكوما بغائيات وحتميات وقوانين طبيعية تقود التاريخ قسرا وبمعزل عن إرادة الانسان في تدخلّها المباشر، وقوانين ذاتية مصدرها الواقع المعيشي المتفاوت طبقيا للبشر، ونضجهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي موضوعيا.
نخلص بإيجاز أن تطور التاريخ ماركسيا بنوع من الغائيات والحتميات، كان مرتكزه المحوري هو التحفيز الذاتي الديناميكي الشغّال فيه باستمرار هو تطور الواقع الاقتصادي والاجتماعي كبنية تحتية ومن ثم الثقافي والأخلاقي والديني والقيمي أيضا كبنية فوقية في تخارج جدلي بين البنيتين التحتية والفوقية..
هذا التفسير تم دحضه تاريخيا في بروز وانبثاق عصر العولمة وعدم انحلال النظام الرأسمالي الامبريالي، رافقه انحلال النظام الاشتراكي الشيوعي في منظومة الاتحاد السوفييتي القديم، وبهذا تنتفي الحاجة لدحض ما سبق وتم دحضه سياسيا تاريخيا واقعيا على الأرض، في وجوب أعادة دحضه بالتنظير الايديولوجي أو الفلسفي على صعيد الفكر والمعرفة.
من جانب آخر تلتقي العولمة مع الماركسية في اعتمادهما الغائية والحتميات في تفسير التطور التاريخي من جهة وفي إقفالهما التاريخ المراحلي كلا حسب أحتياجاته السياسية من جهة أخرى... الماركسية أوقفت التاريخ على رأسه بدلا من قدميه حين اعتبرت الشيوعية آخر مراحل تطور التاريخ البشري بحسب التنبؤ الماركسي الذي لم يتحقق، وكذا فعلت العولمة الرأسمالية الامبريالية في اعتبار أنها تمثّل خلاصة مرحلة نهاية التاريخ ونهاية عصر الايديولوجيات وأنه لم تعد هناك حاجة ولا ضرورة لمرحلة تاريخية تلي العولمة وتعقبها.(مقولات فوكوياما في نهاية التاريخ وأفول عصر الايديولوجيات وكذا تفسيرات هنتكتون في حتمية صدام الحضارات).
إن العولمة لا تمثل صيرورة تاريخية في وصولها لحتمية تاريخية أوجدتها ومهدّت في أنبثاقها، كانت متوقعة ومحسوبة لا بد أن يصلها تطور التاريخ البشري، بل ولدت العولمة من صدفة عشوائية تطورية نوعية طارئة على الاستقراء التاريخي، ساهم بوجودها انهيار الشيوعية السوفييتية بشكل دراماتيكي غير متوقع.
ولم تنبثق العولمة بعوامل تحفيز ذاتية اعتملت مع فاعلية الجدل الموضوعي بإيجادها تاريخيا. اذ كان النظام الرأسمالي حينها يراوح بمشاكله السياسية والاقتصادية الخانقة ولا يزال في عصر الرأسمالية الامبريالية، ولم تدب به الحركة إلا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لتأخذ العولمة دورها المتفرد في الهيمنة القطبية الواحدة في غياب الند والمنافس لها... وبدأ التنظير العولمي يذهب منحى أكثر راديكالية وتطرّفا في التبشير ليس في نهاية التاريخ وحسب وإنما في صدام وصراع الحضارات.(هنتكتون في صدام الحضارات).
النظام العولمي الرأسمالي لن ينجو هو الآخر من التجاوز والمغادرة في تفسيره التاريخ على وفق المنطق الايديولوجي السياسي قصير النظر، ليلتقي بذلك مع الاخفاق الشيوعي في (أقفال) التاريخ مرحليا، حينما اعتبرت العولمة نفسها المحطة الأخيرة لوقوف قطار التاريخ البشري على حد تعبير مارتن اندك.
وبذا فإن النظام الرأسمالي العولمي أدرك جيدا، بل أراد – خاصة الآن عولميا - أن لا يكون هناك غائيات وحتميات تطورية تعتمل داخل التاريخ الانساني يتجاوز العولمة وتقودها إلى مراحل متقدمة جديدة بعد العولمة تفقدها مبرر وجودها تاريخيا.
كما أوضحنا سابقا أن كلا النظامين الشيوعي والرأسمالي (قفلا) التطور التاريخي سياسيا كلا من جانبه على أساس من حتمية تاريخية أصبحت الآن (اكسباير) منتهية الصلاحية التداولية والاستعمال على ارض الواقع البشري.
إرادة الانسان وصناعة التاريخ
هذا الإقفال الافتعالي للتاريخ شيوعيا ورأسماليا ومحاولة إيقافه في مرحلة تطورية من مراحله المستمرة لا يتجاوزها، نجد فيه النظرية تسبق الواقع ولا تأتي تفسيرا له، وتسبق المسار التاريخي ولا تهديه أو يهتدي هو بها، والنظرية تجرّ التاريخ وراءها وتتقدمه، لكن لم ولن تلبث هذه الدوغمائية الفجّة الافتعالية طويلا قبل الاصطدام بحقيقة حتمية خارج إرادة واضعي النظريات هي أن التاريخ يصنع النظريات ويسحبها وراءه وليس العكس. وليس بمقدور النظريات والمناهج كتابة تاريخ يمشي ويعيش على الارض تكون مادته الوجود البشري الارضي حضاريا.
الحقيقة التي أثبتها التاريخ بمساره العشوائي اللاغائي وغير الحتمي في التطور أنّه لا التفسير الماركسي ولا التفسير العولمي قادر على غلق مسار التاريخ وإيقاف قطاره في محطة نهائية وأخيرة لا تاريخ بشري تطوري بعدها. هذا مناف لحيوية وديناميكية الوجود الانساني على الارض. وخلاف ما أستقتل من أجل ترويجه مارتن اندك وسامرز رئيس جامعة هارفرد الأمريكية وآخرين عديدين.
كما أن التاريخ لم يستقم سابقا ولن يستقيم لاحقا في تصنيع (الملك الحاكم) للتاريخ وكتابته أو البطل الخارق أو أية سلطة دينية أو سياسية له، وسوف لن يستقيم وتلجم تطور التاريخ إلى ما لانهاية المصالح السياسية والايديولوجية أيضا كما حاولته سابقا السرديات الكبرى وفشلت.
لأن التاريخ تحكمه العشوائية والصدف الطاردة للغائيات والحتميات، ولا وجود لصدف ضرورية تقود التاريخ حسب التفسير الماركسي، كما أن التاريخ هو متمرد وعسير أيضا في حركة تطوره المتلاحقة من السيطرة عليه ومصادرته من قبل الحكام والملوك والمتطرفين والابطال الخارقين. أو من قبل أصحاب النظريات المسبّقة الدوغمائية وايديولوجيا السياسة التي تحاول فرض وصايتها على حركة التاريخ ومحاولة سحبه وراءها، ربما كان أمكان حدوث ذلك في عصر أو فترة زمنية لكنها تبقى مرحلة مقطوعة و كسيحة في مسار التعميم، فالنظريات لا تصنع تاريخا ولا تقدر سحبه تابعا وراءها.
عشوائية المسار التاريخي لا حتميته
 التاريخ في مجمل إخفاقاته وتراجعاته وقطوعاته وتقدمه، هو سلسلة من المصادفات العشوائية التي يتخللها ويعتريها التقدم إلى أمام بإرادة انسانية وليس بقوى ذاتية يدّخرها التاريخ ويحتويها في أحشائه غير منظورة محكومة بالضرورة السياسية أو غيرها، إلى جانب القطوعات والتراجعات غير المنتظمة التي أعاقت مسار التاريخ.
وبحسب سارتر (فإن جميع الامور تحدث بالمصادفة التي هي الصفة الاساسية المميزة للوجود). بمعنى لا وجود لتطور تاريخي تصنعه الحتمية التطورية مهما كان محايث تحريكها الذاتي والموضوعي منفصلا عن عشوائية الصدف.
كما أن عشوائية التاريخ وتأثير المصادفات فيه جعلت من تطوره لا يحدّه انتظام المسار ولا تحكمه غائيات غير منظورة يسعى بلوغها. ووصول مرحلة تطورية مجاوزة لسابقتها بعد أنضاج عاملي الذاتية والموضوعية اللذين مصدرهما الفعل الانساني المتحقق على الارض وليس ديناميكية ذاتية شغّالة غير منظورة ولا محسوسة تلهم التاريخ وتقوده الى مراتب التقدم الى أمام.
مثال ذلك الثورات الشعبية والتمردات والكفاح المسلح والحركات الاصلاحية في مختلف مشاربها وغيرها هي التي كانت تصنع مراحل تاريخية متقدمة وتبديل حال سيء الى أفضل منه وليس نظريات وفلسفات مكتوبة على الورق جرّبت حظّها واخذت فرصتها في التطبيق وفشلت فشلا ذريعا....أن أرادة الانسان في تغيير التاريخ نحو الافضل يسبق جميع الضرورات والحتميات الملزمة للتاريخ أن يتبعها، كذلك فأن أرادة الانسان في وضع التاريخ على سكة التطور الحضاري الإنساني، هي وحدها التي منعت أن يكون التاريخ ملاحم بطولات حربية أو كتابة تاريخ تمليه الصدف العشوائية.
وفي هذا يبرز الدور للإرادة الانسانية الفاعلة والجوهرية في تقدم التاريخ الى أمام .ومن هنا نجد الفروقات التاريخية بين شعب وآخر او أمة وأخرى, وهذه الانجازات المتناثرة كجزر معزولة ليس بمقدورها ومكنتها أن تحكم مسار التاريخ البشري بمجموع تنوعاته التي لا يمكن حصرها بنوع من الغائيات المرحلية البعيدة المستقبلية.
وصناعة تاريخ مرحلي في بلد أو عدة بلدان لا يعني ذلك تخليص التاريخ البشري من مساره العشوائي والاعتباطي. وعشوائية المسار التاريخي وتأثير المصادفات ونتائجها غير المحسوبة التي لا وصاية ولادخل مباشر لإرادة الإنسان بها، فهي باقية ولا تنتهي...
صحيح جدا أن الوجود الانساني سابق على التاريخ، وهذا الوجود وحده كفيل بإعطاء التاريخ معنى وهدف، لكن في المحصلة يبقى الانسان وحده يعمل على تصحيح المسار العفوي الشاذ غير المنتظم للتاريخ، ولكنه لا ينهي بذلك تلك العشوائية في التاريخ التي تنتظمه على الدوام نهائيا. كما أنه لا معنى لتاريخ أو أي معطى انثروبولوجي أو معرفي أو أنطولوجي من غير أسبقية فعالية الإنسان عليه وتأثيره فيه وتعليل سبب وجوده وعلّة حصوله أيضا.
وبهذا يقول أرتيجا (أن التاريخ يستوعب أحداث الحياة الانسانية الماضية والحاضرة والمستقبلية, وما لا يتصل بالإنسان ليس تاريخا, فالتاريخ هو الآنية في المحل الاول, يليها الطبيعة باعتبارها ميدان التاريخ).
التاريخ هو الحاضر وليس الماضي او المستقبل
إن التاريخ البشري الماضي والحاضر والمستقبل هو ما كان فقط وليس محاولة صنع ما سيكون، وأي مسعى لإعطاء معنى قيمي هدفي تنبؤي للتاريخ في غير مساره العشوائي، هو نوع من دوغمائية الافكار والنظريات المتورّخة للمسار التاريخي وتعليبه أيديولوجيا، وهذا لا ينفي أبدا قدرة ورغبة وإمكانيات الإنسان من الوصول بالمسار المستقبلي للتاريخ إلى (بعض) الاهداف المرسومة والمعدّة سلفا.
وهذا يختلف عن دوغمائية الأفكار التي تأتي لاحقا في دراسة التاريخ وتضع له أهدافا نظرية ومنهجيات عقب حدوث وقائعه.. دوغمائية الافكار في دراسة التاريخ هي محاولة الإمساك بحركة التطور التاريخي وتجييره لحساب التنظيرات التي تسندها وترعاها أجندة سياسية، مسألة لا جدوى من الاعتداد والأخذ بها.
وهذه الدوغمائية النظرية في تفسير التاريخ محكومة بالتضاد مع وقائع الاحداث الحية والسيرورة المتطورة للتاريخ ومع مساره العشوائي العفوي أيضا الذي تحكمه المصادفات التي تدخل على مسار انتظامه المتّعثر باستمرار.
إن في الاستقراء السببي لوقائع التاريخ المدوّنة ومراحل سيرورتها التطورية، ومحاولة تطويع العشوائية والصدف المتتالية الى منهجية ايديولوجية تخدم السياسي، هي محولات تؤرخ لوضع نظريات واستنتاجات توفيقية – براجماتية قد تفيد توجهات سياسية - سلطوية او تفيد البشرية في مباحث الانثروبولوجيا او غيرها من المجالات البحثية. في دراسات انتقائية لعيّنات واهتمامات معينة تربط التاريخ بالفلسفة,او التاريخ بالاجتماع أو التاريخ بعلم النفس، أو التاريخ بحرب أو حروب حقبة زمنية، أو ربط التاريخ ببطولة فردية، أو التاريخ بقائد ونخبة ثورية أوحقبة فوضوية وهكذا، وتوظيف ذلك مع  ما تحمله العشوائيات والمصادفات في الوصول الى أيجاد تبريرات إقناعية لعوامل ومسببات حدوث تلك الوقائع. وأهم أنجاز لتلك التنظيرات أنها تخلص الى نتيجة لماذا حصل هذا ولم يحصل ذاك؟
ميزة العشوائية والصدف في المسار التاريخي التطوري عبر العصور، هو تقاطعها مع النظريات والفلسفات والمناهج التي تريد دراسة تلك العشوائيات والمصادفات بيقين الغائيات و منهجيات الحتميات التي يقحمونها في دراسة السيرورة التاريخية في قطع وتحقيب المراحل على وفق ما ترغبه المصالح السياسية الحاكمة كما تعبّر الماركسية عن ذلك قولها أن الصدفة التاريخية ملزمة بالضرورة القصدية في التقدم الى أمام.
إن حرية المسار التاريخي المتطور على الدوام هي حرية (فوضوية) غير مشروطة أبدا وغير ملزمة للتاريخ السير بمقتضاها. وبهذا المعنى يقول سارتر (أن جميع الامور تحدث بالمصادفة التي هي ميزة لكل وجود). ونعتقد أن كلامه صحيح كحقيقة صادمة للعديدين قبل أن تصدر عن فيلسوف ممّيز مثل سارتر.
كما ان التنوع الهوياّتي في عصر العولمة مثلا يجب أن يسعى الاسهام بصنع تاريخ حضاري جامع وموحد لحاضر ومستقبل البشرية، على وفق مبدأ ورغبة توظيف هذا التنوع الهوياتي العالمي إيجابيا، وتوحيد ولملمة أرادات الشعوب الخالصة في نشدان استحضار مشتركات وتكامل يساهم به الجميع لخلق حضارة مشتركة جامعة. لكن هذا بعيد المنال في عالم تحكمه أرادة الهيمنة المتفردة والتسلط الاستعلائي واشعال الحروب والانحياز للقوة الغاشمة في قهر الشعوب المستضعفة.
لكن يبقى هذا المحرك الذاتي (ارادة الانسان) يعمل الى جانب اشتمالات العشوائية وتوالي المصادفات الصادمة غير المحسوبة ولا المتوقعة تاريخيا، التي تعمل بالتوازي مع هذا المسار وتتقاطع معه أحيانا في تحقيق التطور الحيوي الملازم للتاريخ.
وكذلك تتقاطع مع جبروت الطغاة ونوازع السياسة والايديولوجيات في شن الحروب لإشباع رغبة التسلط والهيمنة وقهر الضعيف وحرف المسار التاريخي عن كل قيمة أخلاقية وتغليب نوازع الشر على الخير، وهذه الوقائع التاريخية بمجملها تحركها الظروف الاجتماعية والدينية المتطرفة والثقافية ومنهجيات السياسة والايديولوجيات المتنفذة وغيرها التي تنعدم معها حركة التاريخ الانسانية الواعية والمدركة المتكافئة المراد حضورها كغايات مرسومة سلفا لتخدم مصالح البشرية قاطبة.
وعموما يأتي الاصلاح لهذه الانحرافات الشاذة تاريخيا بتقديم الكثير من التضحيات الانسانية للشعوب بغية الاصلاح وإرساء قيم الخير والحرية والانسانية والمساواة من قبل الشعوب وليس من قبل الايديولوجيات ولا من قبل المنهجيات النظرية أو السلطات السياسية الحاكمة.
صناعة الانسان تاريخ قدره
إن التاريخ من غير الجهد الانساني لا يمتلك إرادة ذاتية حيّة تقوده الى أمام, مالم يتوفر فيه الوجود الانساني الفاعل الذي يحاول سحب التاريخ الى مواقع متقدمة، وما يصنع التاريخ المستقبلي هو ما يقوم الانسان بإنجازه وما يستطيع تحقيقه أو الفشل به حاضرا، فالتاريخ المتحقق وغير المتحقق هو اولا واخيرا يبقى كيان معنوي ومادي يحضر أو لا يحضر،على وفق قدرات الانسان وطموحاته.
انه لمن الصعوبة أيجاد تعميمات وأحكام عامة مطلقة تصلح أن تكون قوانين يعمل بمقتضاها التطور التاريخي ملزمة له كحتميات. ومن هنا تعددت الرؤى والافكار في ربط التاريخ بالفلسفة أو بالدين أو بالسياسة والايديولوجيا أو بالأنثروبولوجيا أو بالاقتصاد أو بالبيئة والجغرافيا أو بعلم النفس أو بالاجتماع أو بالبطل والحاكم وهكذا.
هذا التنوع التناولي- التداولي في دراسة التاريخ يضعنا أمام حقيقة أن حوادث التاريخ البشري لا ينتظمها مسار ذاتي خطّي منتظم متطور واحد، كما لا توجد حتمية تاريخية يسعى التاريخ بلوغها بإمكانات واستلهامات ذاتية محرّكة له بمعزل عن أرادة الانسان الواقعية الطموحة في تغيير حوادث  التاريخ نحو الافضل.
لابد لنا من تثبيت ما ذهبت له فلسفة الحداثة في أدانتها الحتمية التاريخية الى التشكيك في مراحل التاريخ الرسمي(الكلاسيكي)، تاريخ الايديولوجيات الثلاث، الايديولوجيا الماركسية، وايديولوجيا الرأسمالية الليبرالية المعولمة, وأخيرا ايديولوجيات العالم الثالث الهجينة التي أنجبت أبشع الديكتاتوريات بالعالم.
يوجد مسارات تاريخية متعددة شابها الكثير جدا من الكبوات والاخفاقات والفجائع الكارثية، ربما كانت خاصة بمجموعة بشرية أو عدة مجموعات في زمن معين ومكان محدد، في قطر أو عدة أقطار ربما كان يجمعها نوع أو أكثر من التجانس الاجتماعي والثقافي أو الديني، وكل مسار من هذه المسارات التطورية له دوافعه وأسبابه ومبرراته التطورية المعزولة كجزر متفرقة لا يجمعها رابط أو جامع ذاتي غائي تطوري يصلح للتعميم يقرر حاضر ومستقبل التاريخ البشري.
ولما كان التاريخ هو وقائع الماضي، أي بنيويات ماضوية بمعنى هي مقاربات تراثية، تصبح حينها قيمته محدودة متراجعة في محاولة تسييرها الحاضر ورسمها المستقبل عند الشعوب الغربية, بعكس الشعوب الشرقية التي تجعل من مجمل تراثها الماضوي متحّكما في سيرورة الحاضر وترسيم أفق المستقبل. وأستنباط العبر والدروس من التاريخ، والمسكوت عنه وغير المفكّر به، ووقائعه وإخفاقاته وانتصاراته لا تلغي عشوائية التاريخ ولا تقلل من أهمية المصادفات غير المتوقعة ولا المحسوبة في نتائجها وتأثيراتها.
وفي اختطاط التاريخ مسارات بعيدة له عن الأماني الغيبية أو الغائيات المسّبقة أو الحتميات المفترضة المرجّوة والمطلوبة لكنها لا تتحقق في اعتمادها ذاتية التاريخ الشغّالة أو روح التاريخ الافتراضية كما هي عند هيجل بمعزل عن أرادة وعمل الانسان على الأرض. فالإنسان الذي يصنع حاضره الحياتي اليومي أنما يصنع مستقبله الحضاري.
كما أن  توظيف تعالق التاريخ بالدين أو تعالقه بالسياسة والايديولوجيات القائدة أو الخادمة له بمحاولات دوغمائية تضع الماضي في صورة المستقبل الجديد والزاهر المستمد من روحية الماضي محكومة بالفشل وسوء تقدير حركة التاريخ ومحاولة حصرها قسرا تحت هيمنة السياسي ورغائبه، أي كتابة التاريخ بأجندة الحاكم السياسية وايديولوجيا السياسة التي لم تعد صالحة في تقبّل البشرية لها.
بدأ التاريخ بالأساطير والميثولوجيا وانتقل الى ثيولوجيا الدين في اللاهوت والميتافيزيقا ومرّ بسّير الملوك والحكام والابطال ليصل مرحلة الايديولوجيات السياسية ويصطدم أخيرا بالعلم التجريبي- العقلاني الذي وضع خطوطا حمراء أمام كل توجهات السرديات الماضوية الكبرى والانساق الفكرية والمنظومات الثقافية، أن يكون لها دور حقيقي تستطيع أن تلعبه في ترسيم الحاضر أو المستقبل.
والنظرة الاحيائية للتاريخ كماض لم تعد تعني المستقبل بشيء الذي يحكمه العلم والتكنولوجيا المتطورة باستمرار. التي جعلت من العلوم الطبيعية والتاريخ مساران متوازيان لا يلتقيان. (ليس المقصود بهذا هنا العلوم الانسانية والتاريخ جزء منها).
أن تاريخ الدول والملوك والحكام وأبطال الحروب الكارثية والتطرف والفتوحات والهيمنة الغاشمة التي سادت ثم بادت كانت عوامل اشتغالها وديناميكية محركاتها هي النزوات الفردية المنحرفة والانانية والوحشية والحماقات والرعونة في اختلاق المنازعات وسفك الدماء لا غير.
وبهذا النوع من التاريخ ورثت البشرية الاوراق الساقطة التافهة، في تعويض دوغمائي لما تّم حجبه من معاناة وكوارث ملايين البشر في الحياة التي لا تواسيها ولا تعطيها حقها كل هالات التعظيم والخلود.
إن تحقيق المؤرخ للمدّونات وإعادة تفسيرها ودراستها واختراع النظريات التحليلية ووضع المناهج لها، وما يكتشفه من الخفي غير المعلن والمستور في حوادث التاريخ, لا يمنح التاريخ أية مصداقية على أن مساره ذاتي استلهامي تطوري في تغليب نوازع الخير والقيم والانسانية فيه على الدوام، وأنما كانت جدوى التصحيحات تأتي من فاعلية أناس قادة وجماهير صحّحوا المسار المنحرف لمرحلة أو مراحل من التاريخ، وقدموا تضحيات كبيرة لتحقيق هذا الهدف، ولم يكن للتاريخ أي قدرة ذاتية أو إمكانية أن يصحح مساره الخاطيء بقواه الذاتية الخفيّة غير المنظورة وحدها.
غالبية الموروث من التاريخ هو انحرافات الحاكم وحب الهيمنة والسيطرة والتوسع الامبراطوري، أو بروز حركات وحشية همجية تتلذذ بسفك الدماء باسم امتلاكها الحقيقة الدينية أو الحقيقة التاريخية، كل هذا وعلى شاكلته ورثت البشرية عامة تاريخا بائسا، تداخلت حوادثه مع المسار الاعتباطي والمصادفاتي للتاريخ.
ويؤكد هذا أن التاريخ في جميع مراحله الماضية لم تكن تحكم مساره الغائيات والحتميات المرسومة الاهداف سلفا، للارتقاء بالإنسانية في معارج التقدم والازدهار.
والعلامات المضيئة المشرقة التي جاءت على شكل طفرات نوعية مرحلية محدودة في منطقة دون أخرى بالعالم، كانت ردود أفعال الانسان التصحيحية ورفع ظلم وجور وقائع تمت أزالتها بإرادة واعية وتضحيات قوى إنسانية مغيبّة عن صناعة التاريخ الحقيقي على حساب تلميع صورة الحاكم المتنفذ والسياسي الفاسد.
وما حصل في هذا التطور ليس من حكمة الحاكم ولا من حكمة التاريخ في أن غائية إنسانية مثلى تعيش بأحشاء التاريخ وتأخذ بمساره الانساني المتقدم. فالتاريخ بداية ومنتهى هو من صنع الانسان فقط في علاقاته وتطور وسائل عيشه (الانسان) أجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وحبّه لقيم الحرية والعدل والمساواة.
أقصى إفادة لنا من التاريخ وحوادثه ووقائعه هو استذكار ومراجعة تفيدنا بالعظة والتحسّب في اجتناب تكرار الخطأ والاخطاء مرات عديدة. وما نظريات وفلسفات ومنهجيات التاريخ سوى فذلكات عابرة لأكاذيب سابقة لها في التجّني على التاريخ دينيا ولاهوتيا وايديولوجيا، سادت قرونا من عمر البشرية والتي أبهضت التاريخ بما لا يحتمل من التفسير الخاطيء.
أن فلسفة الوجود الانساني هي فلسفة تاريخه (تاريخ الانسان) لا غير, وهي أسبق في توليدها علامات استفهام وتساؤلات بلا نهاية تحفيزية تغييرية تكون إجاباتها في التطبيق الواقعي في الحياة هو خلق تاريخية متطورة على الدوام.
ولا يحق ولا بمقدور تجربة أمة من الامم أو شعب من الشعوب ان تسحب تجربتها المتفردة استنساخا على أمم وشعوب أخرى تمتلك تمايزات جمّة واختلافات عديدة عنها، ومنهج دراسة تاريخ شعب له خصوصية ومرحلة تاريخية مميزة، تؤكد استحالة تعميم تلك التجربة على الآخر المختلف عنها. وفاعليته في مصنع الحيوية البشرية، قوانين التاريخ الحقيقية هي القوانين الوضعية المستمدة من التحقيب الزماني والمكاني التي تنطلق من الوجود الانساني الفاعل وتنتهي به.
والتاريخ من غير المفيد إخضاعه لقوانين طبيعية تعمل بمعزل عن أرادة الانسان خلال مساره الطويل لم يكن يتقدم بحوافز غائية تخلع عليه من قبل المؤرخ أو الدارس، كما أن التاريخ لا يهتدي بنظريات منظورة أو غير منظورة تسحبه خلفها.
ولا يوجد حتميات يصلها التاريخ من دون وعي وأدراك ومسار يصنعه ويقوده الانسان كوجود حركي محايث، فالحتميات والاهداف نتيجة عاملي الارادة الذاتية وملائمة الظروف الموضوعية وهذا ما لا يتوفر عليه التاريخ ذاتيا في مساره العفوي قبل دخول الارادة الانسانية عليه.
فحركة التاريخ حركة عشوائية ومصادفات غير محسوبة، تتداخل بها ومعها ردود الافعال الانسانية ونفسيات الحاكم أو القائد المتنفذ والدين والايديولوجيات والنزوات المريضة ونوازع الخير ويقظة الضمير وحب الانسانية وغير ذلك كثير.
                                         


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس