نص هربرت ماركيوز حول التاريخ والتقدم
أود في البداية أن أعرف النموذجين
الرئيسيين لمفهوم التقدم اللذين يميزان الفترة المعاصرة من الحضارة الغربية.
فمن ناحية يعرف التقدم على وجه الخصوص
بطريقة كمية، ونتجنب أن ننسب لهذا المفهوم أية تقديرات إيجابية، وبهذا فإن التقدم
يعني أن المعارف والكفاءات الانسانية قد تنامت من خلال تطور الحضارة، رغم العديد
من فترات التراجع، وأن استخدام هذه الكفاءات في اتجاه السيطرة على الوسط الإنساني
والطبيعي قد أصبح باستمرار أكثر شمولا. نتيجة هذا التقدم هي ازدياد الثروة
الاجتماعية. وبقدر ما تستمر الحضارة في تطورها، فإنها تضاعف حاجات الناس، ووسائل
اشباع هذه حاجات الناس، ووسائل إشباع هذه الحاجات أيضا (...) يمكن أن ندعو هذا
المفهوم الكمي للتقدم بمفهوم التقدم التقني، وأن نقابله بالمفهوم الكيفي للتقدم
كما تم إنشاؤه في التاريخ. يعني التقدم إذن تحقق الحرية الانسانية، تحقق الأخلاقية:
حيث يصبح الناس أكبر فأكبر أحرارا، ويدفعهم وعيهم بالحرية ذاتها الى توسيع دائرة
الحرية.
وتعني نتيجة التقدم، إذن، إن الناس يصبحون إنسانيين
أكثر فأكثر، وإن العبودية والتعسف والاضطهاد، والألم تتضاءل: نستطيع أن ندعو هذا
المفهوم الكيفي للتقدم بفكرة التقدم ذي الأهداف الإنسانية.
وإذا كان الأمر كذلك فإن هناك رابطة بين
المفهوم الكمي والمفهوم الكيفي للتقدم: فالتقدم التقني يبدو أنه هو الشرط الأول
لكل تقدم إنسانى. إن ارتقاء الإنسانية خارج العبودية والفقر نحو حرية تكبر بالتدرج
يفترض التقدم التقني(...) ولكن من جهة أخرى، وليس التقدم الإنساني نتيجة أوتوماتيكية
للتقدم التقني.
نص لهاربرت ماركيوز ورد ضمن كتاب بول لوران اسون، التحليل
النفسي، منشورات الزمن 2005، ص ص،133 – 134.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية
0commentaires:
إرسال تعليق