نص لإدوارد هاليت كار حول التقدم في التاريخ

نص  لإدوارد هاليت كار حول التقدم في التاريخ
إنَّني أودُّ أوَّلا: أن أوضّح الخلط بين التَّقدم والتَّطور. لقد اتَّبع مفكرو التَّنوير رأيين من الجلي عدم توافقهما. فقد سعوا نحو الدّفاع عن مكان الانسان في عالم الطبيعة، واعتبرت قوانين التَّاريخ مساوية لقوانين الطبيعة، ومن ناحية أخرى اعتقدوا في التَّقدم، ولكن على أي أساس اعتبرت الطبيعة تقدميَّة، أي متقدّمة باستمرار نحو غاية؟ لقد واجه هيكل هذه الصعوبة بأن ميّز تمييزا حادا بين التَّاريخ الطي هو تقدمي، وبين الطبيعة الَّتي ليست كذلك؟ وبدا أنَّ الثورة الداروينيَّة أزالت كلّ العوائق بمساواتها بين التَّطور والتَّقدم، بعد أن تبيّن أنَّ الطبيعة مثل التَّاريخ هي كلّ شئ تقدّم، ولكن هذا الرأي قد فتح الطريق أمام سوء فهم أشدَّ خطرا، وذلك من جراء الخلط بين الوراثة البيولوجيَّة الَّتي هي مصدر للتَّطور والاكتساب الاجتماعي الَّذي هو مصدر التَّقدم في التَّاريخ.
ثانيا: لسنا في حاجة أن نتصوَّر التَّقدُّم، وكان له بداية محدَّدة أو نهاية. وينبغي أن لا نتصوَّره كذلك…فافتراض نهاية التَّاريخ له طابع أخروي ديني (اسكاتولوجي) أكثر ملاءمة لعالم اللاَّهوت منه للتَّاريخ….. ولكن إذا أراد المؤرّخ إنقاذ افتراضه الخاصّ بالتَّقدم، فأظنُّ أنَّه ينبغي عليه أن يكون على استعداد للنَّظر إليه بوصفه عمليَّة تودع فيها مطالب العصور المتعاقبة وأحوالها، مضمونها المميَّز
ثالثا، إنَّه لا يوجد شخص سليم العقل، يعتقد أبدا في نوع التَّقدم يسير في اتّجاه مستقيم لا ينقطع دون انعكاسات أو انحرافات، وتوقف عن الاستمرار…. وهذا يعني أنَّ أي تقدم نستطيع أن نشاهده في التَّاريخ هو بالتَّأكيد غير مستمرّ في أي من الزَّمان أو المكان.”
المصدر: إدوارد هاليت كار، ما هو التَّاريخ؟، ترجمة أحمد حمدي محمود، مؤسَّسة سجل العرب، وزارة التعليم، مصر، 1962 ص ص146- 150.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

0commentaires:

إرسال تعليق

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس