إدماج
الكتابة الإنشائية في الدرس الفلسفي
بقلم: المامون حساين 09 فبراير 2019
إن تدريب التلاميذ على التفكير الفلسفي بأنفسهم من خلال تعاملهم مع النّصوص، و تدريبهم على الكتابة الفلسفية ليس بالأمر
اليسير وذلك لأسباب عدة أبرزها كون المادة- مادة الفلسفة – جديدة كليا على التلميذ
في المرحلة الثانوية إن من جهة الموضوعات وطبيعة المقاربات الفلسفية وإن من حيث
المنهجية وطرق التفكير والكتابة. فمن خلال تعاملهم مع النّصوص والأقوال والأسئلة
الفلسفية – على اختلافها – يتعرّف التلاميذ على خصوصية التفكير الفلسفي من حيث هو
تفكير يقطع مع البداهات العامّة و الأحكام المسبّقة و يطرح إشكاليات يسعى إلى
حلّها بكيفية منهجية.
غير أنّ المطلوب ليس أن يتعرّف التلاميذ
على تفكير الفلاسفة، بل أن يفكّروا هم بأنفسهم تفكيرا فلسفيا، و أن يكتبوا هم بأنفسهم
و أن تكون كتابتهم فلسفية اقتداء بالفلاسفة و من خلال التحاور معهم، ويحترم
العناصر المطلوبة في كل صيغة فلسفية وسواء كان نصا أو قولا أو سؤالا، و لكن كيف
يمكن للتلميذ أن يمتلك كلّ هذه القدرات و أن ينسّق بينها في موضوع إنشائي متكامل
إن لم ندرّبه على ذلك تدريجيا في حصص دراسية نموذج فيها بين الكتابة الإنشائية في
الدرس الفلسفي؟فما هي أهمّ هذه القدرات التي ينبغي استحضارها أتناء انجاز الدرس
الفلسفي؟ ما هي التمارين التي يمكن اعتمادها لتدريب التلاميذ عليها ؟ كيف يستعدّ
الأستاذ لهذه التمارين ؟
في المفهوم:
إن المقصود بانجاز الدرس
وفق مهارات الكتابة الإنشائية، وهو بناء الدرس الفلسفي على الخطة المنهجية التي
يُختبَرُ على أساسها المتعلم، عندما يطالب بإنجاز موضوع إنشائي. فإذا جرت العادة،
أن يختبر في إحدى الطرائق التالية: نص فلسفي ، قول فلسفي ، سؤال فلسفي، وجب أن
تكون طريقة الدروس، على الاحتمالات التلات.
في الأهمية:
إنه لا يعقل، أن نمارس
التعليم دون أن نَعْلَم ماذا ندرِّس، و لا يعقل، أن ندرِّس دون أن نعرف الكفايات
والمهارات التي ننشدها. أما الطريقة التي نختارها كهمزة وصل بين منطلق الدرس، و
مبتغاه، فإنه تتحكم فيه، عدة شروط متداخلة، منها طبيعة الدرس و نوع الأهداف المرتسمة، و خبـرة المدرس وشخصيته،
و مستوى المتعلمين في الدرس. و إذا ثبت لنا ذلك، عرفنا أنه، لا معنى لتدريس
الفلسفة في السنوات الثلاث (الجذع المشترك، السنة الأولى، السنة الثانية)، إذا لم
يكن مدخلا أو نموذجا يحتذى به، من الناحية المنهجية على الأقل. فهو في نهاية هذه
السنة، يرتبط بامتحان اشهادي لشهادة البكالوريا، والنجاح فيها، والحصول على نقطة
جيدة في مادة الفلسفة يتوقف على العلاقـة المثمرة بين إنجـاز الـدرس، و إنجاز
الخطوات المنهجية، و الفوز فيها أيضا، معناه فــوز الـمادة و أساتذتِها و تلامذتها
المتعلمين و تعليميتها. فإدماج المنهجية في صياغة وانجاز الدرس الفلسفي هي، إذن
طـريقة تجتمع فيها، حاجة المتعلم النظرية، وحاجته التطبيقية، حيث يتعلم الخطوات
المنهجية عن طريق بناء الدرس الفلسفي.
علاقتها بالدرس الفلسفي
علاقتها بالدرس الفلسفي
إن علاقتها بالدرس، تتجلى
في مستويات ثلاثة: في مستوى العلاقة المنهجية، و في مستوى العلاقة
العملية-السلوكية، و في مستوى العلاقة التسخيرية.
أ ـ علاقة منهجية
إن لهذه العلاقة، أهميةً
أساسية من الناحية البراغماتية، إذ لم يعد المقصِد تقديمَ معرفةٍ للتلميذ من خلال
الدرس: إن المقصِد الأساسي الذي يجب أن يسعى إليه الدرس، هو أن تكون له، وظيفة
منهجية. فبإلمام المتعلم بشتى النظريات و المواقف، و بامتلاكه للمادة المعرفية،
دون اقتران ذلك، بطريقة الاستعمال، كل ذلك، لا يعد إلا عمـلا مجانيا لا نفع فيـه .
و عليه، فإن الدرس الفلسفي، يهتم بنمو القدرات العقلية وتحويلها إلى كفاءات،
كالنقد و التحليل و المقارنة و البحث، و يسعى إلى دفع التلميذ، إلى استعمال أسلوب
الحجاج و أسلوب الاستدلال. و إننا بعملنا هذا، لـننمي لديه، الملكة على التفكير
المحكم، واستخدام أساليب التدعيم، و النقد، و التحليل المنطقي، و حب التنظيم.
إن قراءة لمنهاج الفلسفة
والمذكرات الوزارية الصادرة في هذا الباب ، تحتوي على جملة من الكفايات، وعلى
محاور معرفية محددة، تختلف شكلا و مادة، حسْب الشعبة، و السنة الدراسية. و نحن
مطالبون بتدريسها كاملا، وتطوير مهارات المتعلم، و تجسيد أهدافها ميدانيـا. وذلك
بتوظيف وسائل تربـوية، من دروس و نصوص ووضعيات اختبارية....
ب ـ علاقة عملية- سلوكية
و لكننا على الرغم من
استخدامنا لهذه الوسائل ـ إذا تحدثنا عن الفترات الأخيرة ـ فإننا لا ندعي بأننا
تجاوزنا الأهداف النظرية المرسومة للارتقاء إلى واقع السلوكات، والممارسات لدى
تلامذتنا، لأن الاكتفاء بالاستقرار في هذه الغايات المجردة، لا يضمن لنا إطلاقا،
أنهم تمكنوا من البرنامج، تمكنا سلوكيا و ميدانيا.
و هنا، نود التركيز على
أنه لا يجب أن تذهب جهودنا المدرسية عبثا، فإذا نحن اجتهدنا، فلا بد من أن يكون
اجتهادنا هادفا و ملتزما. و انطلاقا من هذا المبدأ، و بوحي من منطق النجاعة، يحق
لنا أن نتساءل: من هو المتعلم الموفق؟ فهل هو الذي يهضم الدرس بكل تفاصيله، أو هو
من ينجح في بناء إنشاء فلسفي يحترم الخطوات المنهجية؟ فإذا كنا نعرف أن الناجح في
البكالوريا مثلا، هو الناجح في بناء موضوع إنشائي ، عرفنا ما هو المقصِد الأساسي
الذي يجب أن يسعى إليه الدرس الفلسفي، طبعا إضافة البعد القيمي. إن المدرس الذي لا
يدرك هذه الحقيقة، يُخشى أن يقف تأثيرُ مهمته، عند باب القاعة، و ذلك، لأننا نلاحظ
أن التلاميذ المتعلمين يهضمون أحيانا، كل الدروس، حفظا واستظهارا أو فهما وإدراكـا
عن طريق الشرح والإلقاء، ولكنهم يجدون صعوبة، في كتابة موضوع إنشائي.
و خلاصة ما يعني هذا، هو
أننا في دروسنا، نقدم لهم الوسيلة الخرساء، و نسكت عن طريقة استعمالها. و هذا
يعوقهم بالطبع، عن تحويل قدراتهم الكامنة، إلى عمل ملموس. إنهم يجدون أنفسهم
ضائعين بين الدروس و النصوص و الكتاب من جهة، و بين الكتابة الانشائية من جهة
أخرى، و لا يدركون جيدا، العلاقة بين هذا و ذاك حيث لا تنسيق و لا تكامل، و كأن
الدرس مثلا، أمام هذا التشتت و التفكك، مستقل عن مهارات الكتابة الانشائية تمام
الاستقلال.
ونحن لا نفشي سرا، إن
قلنا بأن تلامذتنا أصبحوا اليوم، يميلون أكثر إلى البحث عن النقطة في مادة الفلسفة
و التقدير و الحسابات، بحكم قلقهم على مصائرهم، و حرصهم على تحقيق أهدافهم
المنشودة، وبحكم إيمانهم بالفلسفة البراغماتية.
ج ـ علاقة تسخيرية
إن الهدف من هذا الكلام،
هو السعي إلى تسخير كل نشاطاتنا، و على رأسها الدروس في مختلف المستويات التلات
(الجذع المشترك، السنة الأولى و السنة الثانية بكالوريا)، خدمة للكتابة الانشائية
فضلا عن المناقشة الفلسفية. و عليه، فلم يعد يكفي المدرس عرضُ الدرس ـ مهما كانت
هيكــلته ناجحة، من ناحية الاشكلة والمفهمة والحجاج... و بل أضحى ساعيا إلى البحث
عن سبل تسخيره لتوصيل إشكالات الدرس الفلسفي، و لإعداد التلميذ لإنجاز الموضوع
الانشائي بوجه أخص. و انطلاقا من هذا المسعى البيداغوجي، يكون التلميذ ـ بـدءا من
فهمه للدرس ـ قد تقدم في الاطلاع على مفاهيم السنة الدراسية، و قد تهيأت له أسباب
الكتابة الإنشائية.
لقد أهملنا هذه العلاقة
الموجودة بين انجاز الدرس الفلسفي و ادماج خطوات الكتابة الانشائية، و تسببنا
أحيانا، في تشــويش الصورة السليمة التي كان يجب أن نحملها عن الكتابة الانشائية،
إلى تلامذتنا. هذا، و إن طمس هذه العلاقة أو تجاهلها، و الاعتقاد بأن الدرس لا
يخدم الكتابة، و أن كل واحد منهما مستقل عن الآخر استقلالا مطلقا، لهو انزلاق
منهجي و تربوي خطير، على أن هذا، لا يعني بتاتا، الخلطَ بينهما، و تذويبَ خصوصيات
كلٍّ منهما.
إن المنطق التربوي يقتضي
أن نطالب التلميذ بما يتلقاه في حصص الـدروس. فإن كان ما يتلـقاه فيها، لا يمكنه
من الاهتـداء بها إلى الكتابة الانشائية ـ فضلا عن أننا إذا كلفناه بكتابة موضوع،
لا نعززه بنموذج ـ فإنه لا يحق لنا عندئذ، أن نَقْلـَقَ لفشله، لأن العيب عيبُنا،
و لأننا فسخنا معه، التعاقد التربوي المبني مند بداية الموسم (عقد النجاعة).
هذا، و يحملني أسلوب
الإيضاح إلى القول، بأن هناك من جهة، فرقا بين أن نشرك المتعلم مثلا، في صناعة
أحذية، و نطالبه بعد ذلك، بصناعة حقائب، و بين أن نعلمه المبدأ المشترك في
الصناعتين، من جهة أخرى. فنحن لسنا مطالبين بتعليم التلميذ كيف يدرِّس الفلسفة، و
إنما بتعليمه كيف يجب أن يستثمر الدرس لإنجاز موضوع إنشائي و ما تفترضه من كفايات
أو لحل وضعية مشكلة.
في النهاية لابد أن نتفق على أنّ الدرس الفلسفي بناء
فكري و تماسك منطقي، فإذا كان المقصد من تدريس الفلسفة هو دفع التّلاميذ إلى
الانخراط في تجربة فلسفيّة ذاتيّة و امتلاك الكفايات اللازمة للكتابة الإنشائية،
فانّ نجاح هذه المهمّة التّربويّة يتوقّف على مدى التزام المدرس في الحصّة بآليات
الدرس الفلسفي و ثوابته لأنّ الفلسفة كتكفير، وبالنظر إلى مستواها المنطقي، هي نزوع
إلى النسقية في عرض التصورات و المواقف. فلا معنى للمعارف والمعلومات التي نقدمها
خارج التماسك المنطقي لمحتوياتها. التماسك المنطقي الذي يضمن الحصانة لدروسنا والقوة في تبليغها و الأثر في تثبيتها، في خطوات منهجية تنسجم مع مطالب الكتابة
الإنشائية للامتحان الاشهادي.
لدلك فان منهجية بناء خريطة الدرس في أي مفهوم، يمكن
القول بأن المدرس وحده يقدر الأسلوب المنهجي الذي يناسب المقام، والدي يستحضر دمج
خطوات الكتابة في بناء الدرس ، و له الحرية أن يتبنى ما شاء منها، شريطة استجابتها
للأهداف الجزئية التي يرمي إليها المنهاج، والكفايات التي يستهدفها، و طبيعة
المفهوم الذي يعالجه، مهما كانت الاختلافات المنهجية الموجودة بين الأساتذة من درس
إلى آخر،وفي الدرس الواحد، فإن هناك في مجال التخطيط، ثوابت أو محطات
لا يستقيم بدونها وبسهولة، الفهمُ و لا التفكير وهي الأشكلة والمفهمة والحجاج وهي
رهانات الكتابة الإنشائية.
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية