الفلسفة الذرية

الفلسفة الذرية
ما المقصود بالنزعة الذرية؟ وماذا تعني الذرية أو المدرسة الذرية؟ إنها مدرسة ما قبل سقراطية في الفكر اليوناني القديم، ظهرت في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد. مع لوكيبوس/لوقيبوس المالطي، وتلميذه الأكثر شهرة، ديموقريطس. الذي كان يعتقد أن المادة الكامنة في جميع الأجسام المادية تتشكل وفق تنظيمات مختلفة للذرات والفراغات (انظر القسم الخاص بالنزعة الذرية لمزيد من التفاصيل).
ولا يحتفظ تاريخ الفكر الفلسفي بكتابات لمؤسس الحركة، لوكيبوس، بل فقط بعض الشذرات من كتابات ديموقريطس، وهي في أحيان كثيرة غير موثوقة أو متناقضة. وتوجد أدلة كثيرة في انتقادات أرسطو، الذي اعتبرها تيارا منافسا في الفلسفة الطبيعية.
درس أبيقور الفلسفة الذرية مع نوسيفان والذي كان تلميذا لديموقرطس (حوالي 325 قبل الميلاد). وعلى الرغم من أن أبيقور كان يؤكد على وجود الذرات والفراغ، إلا أنه لم يكن متأكدا من تفسير ظواهر طبيعية معينة بشكل صحيح مثل الزلازل أو البرق أو المذنبات ... وقد أسس أبيقور مدرسته الخاصة التي تسمى الأبيقورية.
من أتباع ديموقريطس وأبيقور، نجد الشاعر والفيلسوف الروماني لوكريتيوس (c. 99 - 55 قبل الميلاد) الذي كان كتابه "في طبيعة الأشياء" أحد آخر أعمال الأبيقورية ، بل أيضا الذرية. حيث يجادل بأن الكون و المادة أبديين، ومؤلفين من ذرات تتحرك في فراغ بلا حدود، وأن النفس البشرية تتكون أيضًا من ذرات دقيقة تتبدد في الدخان عندما يموت الشخص. كما أنه يصور أبيقور باعتباره البطل الذي يسحق ديانة الوحش من خلال تثقيف الناس حول ما هو ممكن وما هو غير ممكن في عالم يتكون من ذرات.
لقد طغت النزعة الأرسطية على أهمية الذرات، وكان هناك اهتمام ضئيل بالفكرة طوال فترة القرون الوسطى وحتى القرنين السادس عشر والسابع عشر، على الرغم من أن المدرسة الإسلامية الفلسفية الأشعرية، خاصة مع الغزالي (1058 - 1111) ، تقدم نوعا من الذرات الهجينة حيث الذرات هي الأشياء الوحيدة الدائمة والمادية في الوجود، وكل شيء آخر في العالم هو "عرضي" (دائما للحظة فقط)، والأحداث الطارئة هي النتيجة المباشرة للتدخل الإلهي الثابت.
لقد كان للتقدم العلمي الكثير من الفضل في الاهتمام المتجدد بالفلسفة الذرية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، خاصة مع نيكولاس كوبرنيكوس (1473 - 1543) وغاليليو غاليلي (1564 - 1642)، الذي تحول هو نفسه إلى الذرية عندما اكتشف نظريته الجسيمية. من خلال تجاربه حول سقوط الأجسام والسطوح المائلة التي تناقض النظريات الأرسطية السائدة. كذلك كان الفلاسفة الإنجليز فرانسيس بيكون وتوماس هوبز ذريين خلال فترة زمنية معينة، والأمر نفسه بالنسبة لجيوردانو برونو (1548 - 1600) في إيطاليا.
ومع ذلك، فإن الشخصيات الرئيسية التي أسهمت في ولادة النزعة الذرية هم الفلاسفة الفرنسيون روني ديكارت René Descartes وبيار غاسندي Piere Gassendi  (1592 – 1655)، والفيلسوف الايرلندي والعالم روبرت بويل (1627 - 1691).
إن فلسفة ديكارت الميكانيكية حول الجسيمات (القائلة بأن كل ما هو فيزيائي في الكون يتكون من "جسيمات" صغيرة من المادة، وأن الأحاسيس، مثل الذوق أو درجة الحرارة، يسببها شكل وحجم قطع صغيرة من المادة) كان لها الكثير من القواسم المشتركة مع الذرية ، ويمكن اعتبارها بشكل ما نسخة أخرى منها، على الرغم من أنه بالنسبة لديكارت لا يمكن أن يكون هناك فراغ، والمادة تدور باستمرار لمنع الفراغ، حيث تتحرك الجسيمات عبر مادة أخرى. لقد كان ديكارت منغلقا أيضا على مفهوم ازدواجية العقل / الجسد ، مما سمح بوجود عالم مستقل لوجود الفكر، الروح، والأهم من ذلك الله.
كان بيار غاسندي كاهنا فرنسيا وفيلسوفا طبيعيا، حيث شرع في "تطهير" الذرية من استنتاجاتها الفلسفية الهرطقية والإلحادية. وصاغ مفهومه الذري للفلسفة الميكانيكية في جزء منه كرد على ديكارت، لا سيما معارضة وجهة نظر ديكارت المختصرة التي تقول إن التفسيرات الميكانيكية الخالصة للفيزياء وحدها صحيحة.
كان شكل الذرية عند روبرت بويل، الذي قبله معظم العلماء الإنجليز، في جوهره دمجا بين النظامين الفرنسيين. حيث انتهى إلى ذلك بعد مواجهة مشاكل التوفيق بين الفيزياء الأرسطية وتجاربه الكيميائية.
كما قدم روجر بوسكوفيتش (1711-1787) أول نظرية رياضية عامة عن الذرية، مستخدما مبادئ الميكانيكا النيوتونية. بعد ذلك، وفي أوائل القرن التاسع عشر، طور جون دالتون (1766 - 1844) نظريته الذرية حيث اقترح لأول مرة أن كل عنصر كيميائي يتكون من ذرات من نوع واحد فريد، يمكن أن يتحد لتشكيل بنيات أكثر تعقيدا (مركبات كيميائية).
وعلى الرغم من أن النزعة الذرية الفلسفية قد أدت إلى تطوير نظرية ذرية علمية مبكرة، فقد أظهر العلم الحديث أن الذرات في المعنى الكيميائي تتكون من جسيمات أصغر (إلكترونات ونيوترونات وبروتونات) وأنها تتكون من جزيئات أساسية أكثر تسمى الكواركات. على الرغم من أن المبدأ قد يظل ساريا نظريا، إلا أنه لا يوجد سوى عدد قليل، إن وجد، من الذرات الحديثة.
إن الفكرة الذرية التي تشير إلى أن كل شيء يمكن أن يتكون في نهاية المطاف من تجميع وحدات صغيرة غير قابلة للتجزئة تمت استعارتها داخل ميادين أخرى، مثل "الذرية الاجتماعية" (النظرة الاجتماعية التي يتكون على أساسها المجتمع من أفراد وليس مؤسسات اجتماعية). والذرية المنطقية لبرتراند راسل Bertrand Russell. كمحاولة لتحديد ذرات الفكر، وجزيئات الفكر التي لا يمكن تقسيمها إلى أجزاء صغيرة من التفكير).


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس