عبد الله العروي نحو أفق
التاريخانية و الفكر الحداثي
بقلم: نجيب جيهان - باحثة من المغرب
من المعلوم أن فكر عبد الله العروي هو فكر حاسم لا رجعة
فيه ، أو بالأحرى يؤمن بالحقيقة الحدية ، كما هو الأمر لدى أهل المنطق القدامى،
إما اختيار التراث أو الحداثة لا ثالث لهما ، فاختيار الرجل للحداثة ينعكس على جل كتاباته رغم أنه
يصعب على متتبع ودارس "العروي" أن يلمس عنده تحديدا دقيقا لمفهوم
الحداثة ، فتارة الحداثة يحددها بما هي مجموعة من المفاهيم المرتبطة وهي الحرية ،
الدولة، التاريخ، العقل،[1]
وتارة يجعل منها الطبيعة ، العقل الفرد، الحرية، السعادة.... حيت تنطلق الحداثة من
الطبيعة معتمدة على العقل في صالح الفرد لتصل إلى مراتب السعادة عن طريق الحرية [2]وتارة
يعتبرها مؤسسة على أهمية القانون وأولويته[3]
ومن تمة كانت الحداثة عند "العروي" هي الحداثة القاطعة مع التراث ، أي
هي قلب الصفحة و القطيعة الجوهرية مع القديم وقطع الحبل الواصل بينه وبين الحديث ،
و بالتالي فإن تصور "العروي" للترات هو تصور تشاؤمي وسلبي مع التراث،
رغم أن الرجل له دراية بالتراث وقطاعاته المعرفية ،لا ينكرها إلا مكابر. وأما تلقي
الحداثة ، فهو تلقي إيجابي عند الأستاذ "العروي" ، قائمة على النزعة
التاريخانية المناهضة للتقليد و القدامة و البلى ،وهي تورة تاريخانية ، تدعوا إلى
ترسيخ العقلانية الطبيعية الوضعانية التي تؤمن بمصدرية المعرفة البشرية ونسبيتها ،
لدى اعتبر "العروي" أن الماركسية التاريخانية هي النظام الملائم
لاستيعاب الحداثة وتجاوز التأخر التاريخي ، ولعله من المفيد القول ، إن إبراز
"العروي" لمحدودية التراث وعدم انسجامه مع مكتسبات التطور المعرفي الحديث
، كان من خلال لحظة "محمد عبده" في كتابه الأخير "مفهوم
العقل" الممثل {العقل المطلق ، عقل النص} ، العقل الذي وقع انسداد و
"العروي" اختار هذه اللحظة ، باعتباره تاريخاني ، الذي يسعى دائما البحت
عن لحظات تجسد جميع ما توصل إليه من أفكار ومعارف ، لهذا اختار "محمد
عبده" باعتبار هذا الأخير متل لحظة تشكل مفارقات وهي لحظة تاريخانية بالنسبة
"للعروي" التي عاش فيها "محمد عبده" مآزق و مفارقات بين الغرب و العرب وبين العلم و التقدم
وبين الدين و الدولة ....إلخ. بل إنه نموذج من الخطابات العربية السائدة
{الليبرالي، التقني، السلفي...}
إن تفكير "العروي" في هذا المعرض هو محاولة
تشخيص الواقع العربي وتأخره التاريخي وأكيد
من بين العوائق التي تعيق تقدم الثقافة العربية الإسلامية ، هو التراث وهو
العائق الأكبر في تحصيل التنوير و التقدم مما يعني أن المفهوم المركزي في نظرية
الحداثة عند العروي هو القطيعة المعرفية ، أي القطع مع التراث ، فلا مجال للتحديث
في ظل استمرارية تاريخية {من تجديد أو تأصيل أو إصلاح} فمطالبة "العروي"
اليوم بمفهوم العقل ، فهو ينشد ذلك العقل {عقل الفعل} مخالف للعقل السلفي الذي
يحتفي به الجابري على سبيل المتال ، وهو هنا "العروي" ينشد ضمنيا الطابع
العلمي في بعده التجريبي[4]
يقول "العروي" : "يتأصل عقل الفعل في نقض
عقل الاسم ، ولا يكون الإصلاح إصلاحا إنشائيا إلا في الإطار الأول وخارج الإطار
الثاني ....الحسم الذي نتكلم عليه قد وقع بالفعل في جميع الثقافات المعروفة لذينا
ابتداء من القرن 16م إلى يومنا هذا..[5]
وانطلاقا من هذا الطرح ، يؤكد "العروي" ، أنه لا مناص من القطيعة مع
التراث ، و التسليم بمفهوم العقل الحديث ، باعتباره عقل الفعل الذي هو في حاجته
التراث العربي الإسلامي و الذي يفتقده في نفس الوقت و بالتالي فالأطروحة التي
اقترحها العروي هي نفي الأصالة ، و القطيعة المعرفية و الاستقلال التاريخي ، من
أجل تسهيل عبورنا لثقافة الحداثة وهذا هو إيمانه الذي يتجلى في قدرة الفكر
التاريخي ، على تحديت العالم العربي[6]
فما السبيل إلى تحديت العالم العربي عند "عبد الله
العروي" ؟ وماهي مقومات الحداثة التي ينشدها "العروي" من أجل
النهوض بالعالم العربي ومواكبة التطور المتأخر؟
استنبط "العروي" للحداثة مبادئ ثلاثة ، أهم
هاته المبادئ : مبدأ العقلانية ومبدأ الفردانية ، ومبدأ الحرية، و الذي يلح على
ضرورة هذه المفاهيم الحداثية وربطها بالوقائع إذ لا معنى للحداثة عنده من غير
الحديث عن المجتمع ، ولا حداثية إلا بتحققها في الحياة الاجتماعية الواقعية ، ولا
فكر حديت في مجتمع غير حديث ، و السبب في ذلك
هو انحصار هذه المفاهيم في الذهن ، وبالتالي ما كان أن يكسبها معنى الحداثة
، تم لا سبيل عند "العروي" إلى الحديث عن هذه المفاهيم ، إلا ضمن مفهوم
الكونية ، فهي مفاهيم و معارف كونية ولا معنى لها ، إلا في دلالتها ،بما يسميه
"العروي" بجمهور البشرية الذي يجعل منها مفاهيم أكتر شمولية من مفاهيم
التراث المحلي العربي[7].
وأقف بهذا الصدد مع أول مبدأ من مبادئ الحداثة وهو:
مفهوم العقل.
إن حديت "عبد الله العروي" عن العقل هو على
التحقيق ، حديت عن منطق الفكر الحديث بعد أن انفصل عن الفكر القديم.[8]
فلا اشتراك بين العقل القديم و العقل الحديث ، اللهم إلا
بالاسم ، أما المعنى فيختلف ذلك أن من شأننا حسب "العروي"، حيت نعمل لفظ
العقل في حدود تراثنا القديم ، فإننا نقول
غير ما يقوله غيرنا اليوم فمفهوم العقل
عند المفكرين الكبار، أمثال "الخلدونية" و"محمد عبده" ... غير
مكتمل بالنظر إلى مفهوم العقل كما تعلمه البشرية اليوم[9]
وفي مطلع كتاب مفهوم العقل عند "العروي" ،
يسهل على باحته ودارسه اكتشاف اشكاليته المتحورة حول وهي هل نظر المفكر العربي
الإسلامي التقليدي في غير منطق الفكر؟ هل تجاوزه لينظر في منطق الفعل؟10
ومن هنا تتضح مسألة هامة ، وهي أن هم الأستاذ
"العروي" ، لم يكن هو البحت في مفهوم العقل كمصطلح ، وإنما همه كان هو
النظر في حدود العقل العربي الإسلامي القدامى ، أو كما عبر عنه الأستاذ
"العروي" بمصطلح الحصر ، يعني حصر العقل العربي ، أي بيان محدودية تصور
الفكر الإسلامي للعقل ومنهج بيان هذا الحصر هو النظر إلى مفهوم العقل القديم ،
الذي يتبين أنه مفهوم غير مكتمل ولذلك قال "العروي" ما يهمنا هنا هو
البحت في قضية حصر هذا العقل ، لأن هذا هو موضوع كتابنا 11 و "العروي"
من هذا المنظور لاحظ أن ثقافتنا العربية الإسلامية تظل تكرر ما تقول منذ عقود ، إن
الفكر الذي ورتناه عن السلف ، ما يسميه البعض للترات يدور كله حول العقل12 فنؤمن
ونقول ، إن موروثنا الثقافي مبني على العقل إطلاقا 13 لكن عن أي عقل نتحدث؟
يقول "العروي" ، لو حقيقة أنه عقل فلماذا
تخلفنا؟ لماذا ندعي العقل و المعقولية وحياتنا اليوم تشهد على ضروب من اللامعقول
؟أليس هذا العقل هو أصل الإحباط و الذي لطالما اعتززنا به؟
لذلك يؤكد الأستاذ "العروي" هنا أن العقل الذي
تتحدث عنه الثقافة العربية الإسلامية ، وتحتفي به هو عقل ملتصق و مفارق عن المجتمع
المعاصر أما العقل الحديث فهو عقل مختلف تمام [10]
إن الحدود التي وقف عندها العقل العربي القدامى ، كونه
ظل مرتبطا بما هو نظري أي أنه ظل عقلا تأمليا فرديا[11]
وبالتالي هذه هي قمة مفارقة العقل في الثقافة العربية الإسلامية ، حيت تم حصر
التأويل الإسلامي التراثي لمفهوم العقل وتم حصره بالمطلق وبالنظر التأملي و العمل
، وهذا ما أعاقه.
مبدا الفرد:
يؤكد "العروي" باختصار أن الفرد داخل الدولة
الإسلامية القديمة مستعبد ، فلا يعرف الحرية، إلا إذا خرج منها أو عليها [12]
وما من دولة سلطانية إلا و الفرد مستعبد فيها ، و الحال أن في دولة السلطان ، هذا
شأنها ، حيت يصير الفرد العاقل يرى فيها قبل كل شيء أنها "جهاز قمع"
إن ما كانت على عهد الدولة الإسلامية تمة فردانية حقة،
وإنما أدلوجة فردانية يعيش المرء تحت إمرة سلطان معين ، وحال الفرد ذاك كان هو حال
العرب على خلال الزمن الحديث الذي ينشده الأستاذ "العروي" وعلى عهد
التنظيمات ، انحلت بنية المجتمعات العربية العشائرية ، فكان أن ظهر مفهوم أول
للفرد وهو مفهوم الشخصية ، وكانت هذه الأخيرة مخالفة لفردية المجتمع التقليدي الذي
ما كانت تعي بفرديتها ، إلا بعد أن يهجر
الجماعة المنتمي لها ويرفض الدولة ، رفضا مطلقا ، وإذا كان الفرد التقليدي
، حسب الأستاذ "العروي" يجد نفسه مدينا للعشيرة فها هو الآن يطالب بحرية
المرأة و الطفل ، ويدعوا إلى التحرر الواقعي المشخص لا المجرد الوهمي ، وهكذا من
فرد زاهد متصوف ، إلى فرد اجتماعي مسؤول ، وهذه من علامات الحداثة[13]
لكن رغم ذلك تبقى هذه الفردية ناقصة في نظر "العروي" فأين يتجلى هذا
النقص؟
يجيبنا "العروي" بالقول " إن النقص الذي
عانت منه الفردية العربية ، هو كونها كانت تطمح إلى تكوين فردية ليبرالية ، مادامت
حققت استقلالها وحريتها عن العشيرة التقليدية وسلطة الحاكم ، و الحال أن هذه
المميزات التي تميزت بها الفردية لم تكن كافية لتأهيلها بشكل فعلي ، لتتمثل معنى
جيدا للفردية في بعدها الاجتماعي و السياسي الحرة ، المسؤولة ، وهي بذلك اقتصرت
على التقليد الفردي الليبرالي ، ولم تتمثل الفردية الفاعلة التاريخية وهذا ما كان
ينقصها ولازال.
مبدأ الحرية:
يؤكد "العروي" على مسألة أساسية وهي أنه كلما
اتسع مفهوم الدولة ، ضاق مجال الحرية الفردية ، حيت تكون الدولة مستبدة و مناهضة
للحرية الفردية ، لكن في نفس الوقت كانت ضعيفة ومجالها كان محدودا وذلك بخلاف
الدولة الليبرالية الحديثة التي كانت وطأتها خفيفة على الفرد الأوروبي لكنها مست
تقريبا كل مجالات الحياة [14]
يؤكد "العروي" أن مسألة الحرية رغم في بعدها
النسبي وليس المطلق ، كنا نعتر عليها في حياة العرب اليومية، لكن لا كممارسة فعلية
ولا كواقع وإنما كحلم حيت لا تعاش داخل الدولة وإنما خارجها.
لقد كان واضحا تعطش العرب للحرية ، وذلك لما يسري عليه
من عبودية مطلقة إذ السلطة، دولة القهر و الاستبداد و الديكتاتورية و السلطوية و
الاستغلال [15]ومن
تمة فإنه لا حرية في السلطنة.
·
تجليات الحداثة:
يشير "العروي" ، إلى تلات مؤسسات {الأسرة و
المجتمع و الدولة} وهي من تجليات الحداثة ، ودائما ما نلاحظ الأستاذ
"العروي" يقرن الأسرة بقضية المرأة و الحياة الزوجية و العائلية التي هي
أساس المجتمعات الحداثية و الديمقراطية ، إذ لا يمكن أن ننشد حداثة دون نشدان أسرة
نواتية تنهض على المساواة ، في الحقوق و الواجبات و الحميمية...[16]
فيما يخص المجتمع الحداثي ، فهو المجتمع الذي يحل فيه
تنظيم السلوك و الأفعال[17]
ونوع من العقلانية وصار ينظم مبادئه وفقها.
فيما يتعلق بالدولة الحداثية ، يذهب "العروي"
إلى التأكيد على أن الدولة الحديثة هي التي تشهد على عملية عقلنة المجالات
الاقتصادية ، و الاجتماعية ...و الدولة بلا حرية ضعيفة متداعية حسب
"العروي" ، لذلك على الدولة أن تستند إلى الحرية المرهونة بالعقلانية
وتحقيق الفردانية الحرة داخلها [18]
·
القطيعة مع التراث هو أساس
التحديث عند عبد الله العروي:
لا ريب أن الأستاذ "عبد الله العروي" هو
الوحيد من بين مفكري العالم العربي الإسلامي الذي اشتهر بجرأته بين المفكرين العرب
على طرح مسألة القطيعة طرحا صريحا و الحسم فيها حيت رفض كل ماله علاقة بالتقليد من
جميع النواحي[19]
وبالتالي لا سبيل له سوى اللجوء إلى الحداثة الذي تقتضي القطع مع الماضي قطعا
نهائيا بلا مطمح العودة أو الرجوع إليه أو تجديده ، وإنما تصفية الحساب معه بشكل
نهائي على جميع المستويات الفكرية و السياسية و الاجتماعية[20]
وهو يعبر عن هذه القطيعة الإبستمولوجية بمجموعة من العبارات على الشكل التالي
:"طي الصفحة " [21]
أو" القطيعة المنهجية مع مضمون التراث"
[22]أو
"القطيعة بين القديم و الحديث" [23]
وهي دعوة حقيقية قائمة على الحسم و الجزم على تحقيق التقدم دون الالتفات إلى
الوراء.
·
نقد العروي لدعاة الحداثة العرب:
يدعوا "العروي" ، إلى أن نكف عن الادعاء بأننا
نتميز بالحرية ، أو مفهوم التورة العلمية أو مفهوم الإدارة ، أو الفردانية فهذه
كلها مفاهيم حداثية تناسب أن يتميز بها الحداثيون الحقيقيون وليس نحن[24]
وما من سبيل من منظور "العروي" التمتع بها و التشبع بها سوى الإقبال على
الحداثة الغربية وهو بهذا "العروي" يوجه نقده اللاذع ،لأولئك الذين
أرادوا الخروج عن الحداثة والتشبع بنزعة ما بعد الحداثة كما تجلت في الغرب.
يحدد أكبر متقفى العالم الثالث "العروي" أن
تيار ما بعد الحداثة لم يظهر عندنا نحن ، في ثقافتنا العربية وإنما اكتسح أولا
أوساط أمريكا وأروبا تم البلاد العربية ، وكالعادة يقر "العروي" أننا
تقبلنا هذه الأفكار دون تمحيص كبير ، حيت إذا سمعنا مفهوم " ما بعد الحداثة
"فإن هذا المفهوم ، لا يتعلق بالأوطان العربية في حد ذاتها ولا يصح نقد
الحداثة وما بعدها ، وقول عنها ما بعد الحداثة الموحشة ، أو ما شابه لأنه ببساطة
لم نعش حداثة ولم نتأثر بأي آثار سلبية منها ، فكيف لفاقدي الحداثة في أوطانهم أن
يدعوا ما بعد الحداثة وينتقدوها ؟[25]
فإذا كنا نسمع مفهوم ما بعد الحداثيين فإن المسألة تخص
المثقفين الغربيين ممن دعوا بهذا المفهوم الذين عاشوا حداثة وما بعدها وهو الفكر
الذي أوصل أوربا إلى التوتاليتارية وتسبب في مآسي الغرب خلال القرن العشرين بسبب
مجموعة من العوامل أهمها العقلانية المتطرفة التي أفقرت الإنسان وسلبته هويته ،
وعزلته في أنانية ضيقة ، منعزلة في عالم
افتراضي وهمي وتسخيرها للتقنية ، مما أوقع الشخصانية الفردية في الاغتراب
السلبي و التشييئي ، وبالتالي نبه "العروي" إلى أن الأوضاع المزرية
التي عانى منها الغرب ، البعيدة كل البعد
عن أحوالنا ، لذلك فإن اتهام الحداثة من طرف المثقفين العرب و الناقدين للحداثة
باسم أننا عانينا منها وأول ضحاياها ، لا يجوز فلم نعشها لنعاني من مخاطرها ، فآخر
شيء يمكن التفكير فيه هو أننا ضحايا الحداثة.[26]
إن نقد "عبد الله العروي" لدعاة ما بعد
الحداثة ، كانت أشد على المفكرين العرب الذين ادعوا ضرورة تجاوز الحداثة المفقودة
عندهم وهذا في حد ذاته حديت غير مسؤول
وغير معقول.
يقول "العروي" ، نقرأ اليوم كتبا تنتقد
الحداثة ، ونعتمد عليها للقول ، إن اشكالية الحداثة أصبحت كلها متجاوزة .... وهذا دليل على أن المثقف العربي عندنا يعيش في عالمين منفصلين يواجه يوميا مظاهر
للتخلف و اللامعقول ، وهي كلها تدل على عدم استيفاء شروط الحداثة في مجتمعنا ،
يتألم منها ويتشكى ، لكنه عندما يكتب فإنه يبقى سجين الروايات و المقروآت ، فيفعل
كما لو كان يعيش في مجتمع متقدم ...فهل هذا معقول؟ هل نعيش فعلا في مجتمع متقدم؟
هل يحق لنا التصرف متل الأوروبيين الذين عاشوا في أحضانها وتشبعوا بها . هل يصح
لنا هذا الادعاء؟[27]
·
نقد العروي لدعاة الحداثة العرب:
يدعوا "العروي" ، إلى أن نكف عن الادعاء بأننا
نتميز بالحرية ، أو مفهوم التورة العلمية أو مفهوم الإدارة ، أو الفردانية فهذه
كلها مفاهيم حداثية تناسب أن يتميز بها الحداثيون الحقيقيون وليس نحن[28]
وما من سبيل من منظور "العروي" التمتع بها و التشبع بها سوى الإقبال على
الحداثة الغربية وهو بهذا "العروي" يوجه نقده اللاذع ،لأولئك الذين
أرادوا الخروج عن الحداثة والتشبع بنزعة ما بعد الحداثة كما تجلت في الغرب.
يحدد أكبر متقفى العالم الثالث "العروي" أن
تيار ما بعد الحداثة لم يظهر عندنا نحن ، في ثقافتنا العربية وإنما اكتسح أولا
أوساط أمريكا وأروبا تم البلاد العربية ، وكالعادة يقر "العروي" أننا
تقبلنا هذه الأفكار دون تمحيص كبير ، حيت إذا سمعنا مفهوم " ما بعد الحداثة
"فإن هذا المفهوم ، لا يتعلق بالأوطان العربية في حد ذاتها ولا يصح نقد
الحداثة وما بعدها ، وقول عنها ما بعد الحداثة الموحشة ، أو ما شابه لأنه ببساطة
لم نعش حداثة ولم نتأثر بأي آثار سلبية منها ، فكيف لفاقدي الحداثة في أوطانهم أن
يدعوا ما بعد الحداثة وينتقدوها ؟[29]
فإذا كنا نسمع مفهوم ما بعد الحداثيين فإن المسألة تخص
المثقفين الغربيين ممن دعوا بهذا المفهوم الذين عاشوا حداثة وما بعدها وهو الفكر
الذي أوصل أوربا إلى التوتاليتارية وتسبب في مآسي الغرب خلال القرن العشرين بسبب
مجموعة من العوامل أهمها العقلانية المتطرفة التي أفقرت الإنسان وسلبته هويته ،
وعزلته في أنانية ضيقة ، منعزلة في عالم
افتراضي وهمي وتسخيرها للتقنية ، مما أوقع الشخصانية الفردية في الاغتراب
السلبي و التشييئي ، وبالتالي نبه "العروي" إلى أن الأوضاع المزرية
التي عانى منها الغرب ، البعيدة كل البعد
عن أحوالنا ، لذلك فإن اتهام الحداثة من طرف المثقفين العرب و الناقدين للحداثة
باسم أننا عانينا منها وأول ضحاياها ، لا يجوز فلم نعشها لنعاني من مخاطرها ، فآخر
شيء يمكن التفكير فيه هو أننا ضحايا الحداثة.[30]
إن نقد "عبد الله العروي" لدعاة ما بعد
الحداثة ، كانت أشد على المفكرين العرب الذين ادعوا ضرورة تجاوز الحداثة المفقودة
عندهم وهذا في حد ذاته حديت غير مسؤول
وغير معقول.
يقول "العروي" ، نقرأ اليوم كتبا تنتقد
الحداثة ، ونعتمد عليها للقول ، إن اشكالية الحداثة أصبحت كلها متجاوزة .... وهذا دليل على أن المثقف العربي عندنا يعيش في عالمين منفصلين يواجه يوميا مظاهر
للتخلف و اللامعقول ، وهي كلها تدل على عدم استيفاء شروط الحداثة في مجتمعنا ،
يتألم منها ويتشكى ، لكنه عندما يكتب فإنه يبقى سجين الروايات و المقروآت ، فيفعل
كما لو كان يعيش في مجتمع متقدم ...فهل هذا معقول؟ هل نعيش فعلا في مجتمع متقدم؟
هل يحق لنا التصرف متل الأوروبيين الذين عاشوا في أحضانها وتشبعوا بها . هل يصح
لنا هذا الادعاء؟[31]
[4] "عبد
الله العروي" مفهوم العقل ، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ، بيروت
الطبعة الأولى ص 358 و "محمد جبرون" إمكان النهوض الإسلامي {مراجعة
نقدية في المشروع الإصلاحي لعبد الله العروي ، مركز نماء للبحوث و الدراسات بيروت
الطبعة الأولى 2012 ص 148/159
[6] محاضرة بعنوان
"عبد الله العروي والحداثة"/ "عبد الله العروي" عوائق التحديث
، منشورات اتحاد كتاب المغرب سلسلة محاضرات الشهر ط 1، 2006 ص 9/24
[12] "عبد الله
العروي" مفهوم الدولة ، المركز الثقافي العربي الدار البيضاء ، بيروت الطبعة الأولى 1981 ص 116
[16] "محمد
الشيخ" مسألة الحداثة في الفكر المغربي المعاصر، المركز الثقافي العربي الدار
البيضاء الطبعة الأولى 2004 ص 57
[19] "عبد
الله العروي" من التاريخ إلى الحب ،
حوار مع محمد برادة ومحمد الداهي منشورات الفنك 1996 ص 56
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية