التوازن بين الروح و الجسد.. قوام البناء الحضاري

التوازن بين الروح و الجسد.. قوام البناء الحضاري
عبد الحكيم درقاوي
  كثرت تعريفات الكُتاب و الفلاسفة لمفهوم"الحضارة"، و سبب هذه الكثرة التمييز الشائع بين "الحضارة" و "المدنية"، على اعتبار أن الأولى أقرب ما تكون إلى التعبير عن التقدم الروحي/الديني/الأخلاقي، بينما المدنية أقرب ما تكون إلى التعبير عن الجانب المادي و التقدم التقني الذي تحققه البشرية في مناحي الحياة الاقتصادية أو المعمارية أو الهندسية أو الطبية..
  و إن كانت عصور التاريخ الإنساني قد شهدت غلبة جانب على جانب آخر في كثير من الأحيان، فإن الصورة المثالية للحضارة الإنسانية تقوم حينما يتم فيها المزج و الجمع بين الجانبين معا. 
وفي هذا الإطار نألف الدكتور مصطفى النشارـ في كتابه "في فلسفة الثقافة و النقد الثقافي"ـ يضع بصمته في الموضوع مبينا أن الحضارة هي:(التي يوازن أفرادها بين المطالب المادية ـ الدنيوية و بين المطالب المعنوية ـ الروحية. و يعيشون حياة أخلاقية و اجتماعية سوية لا تطرف فيها و لا تشدد. إن الإنسان في هذه الحضارة يدرك أنه ليس مجرد جسد ثائر مُطَالَب بممارسة كل اللذائذ و الشهوات، بل هو نفس و عقل قادر على أن يتحكم في تلك الشهوات فيَحُد منها و يوظفها لصالح حياة سوية متوازية لا شطط فيها و لا إفراط في الجري وراء لذاتها الحسية، إنها الحضارة التي ينجح الإنسان فيها في تلبية مطالب الجسد و تلبية مطالب الروح باعتدال و توازن بدون إفراط أو تفريط).
  ففي هذا التعريف ما يؤكد تلاحم الجانبين الروحي و المادي في معنى الحضارة،  و لا معنى لأي تقدم مادي ما لم يسبقه و يقوده و يساوقه التقدم في المجال الروحي و الأخلاقي. بل كلما انغمس البشر في التنعم المادي و الاستمتاع بلذات الحياة مستفيدين من تقنيات العصر و آلياته و أدواته الحديثة، بعدوا عن التحضر ضاربين بعرض الحائط بالقيم الأخلاقية و الدينية التي ينبغي أن تميز المجتمع البشري عن المجتمعات البهيمية.
  فالبشرية إذا ما اكتفت بما سمي "القشرة الحضارية"دون الأخذ بالجوهر الحضاري للإنسانية و هو قيمها الأخلاقية و الدينية الداعية إلى المساواة  و الحب   و التراحم و التعاون بين البشر، فإنهم بلا شك سيفقدون البوصلة الحضارية الإنسانية و يعيشون حياة البهائم و الحيوانات، فلا تَحَضر بدون قيم و لا إنسانية بدون مراعاة حقوق الآخر و العمل على إسعاده معنويا    و ماديا.
  و رغم زخم التعريفات للحضارة يطفو التعريف الذي صاغه (البرت اشفيتسر) في كتابه "فلسفة الحضارة"، ذلك التعريف الذي يقول فيه:(إن الحضارة هي التقدم الروحي و المادي للأفراد و الجماهير على السواء).


 


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس