إبداعات الأستاذ محمد عبد الفتاح
مرتجلة الياقوت نموذجا
الدكتور عبد الجبار لند
بسم الله والصلاة والسلام على مولانا رسول
الله ، نتوجه بالتحية إلى السيد النائب
الإقليمي بإقليم سيدي بنور ، والسيد مدير الثانوية الإعدادية السلام بأحد
العونات، والسادة الأستاذات والأساتذة، و تلامذتنا الأعزاء. ونشكرهم على حفاوة
الاستقبال.
إن الأستاذ محمد عبد الفتاح قد تعددت إنتاجاته
الإبداعية وتنوعت مشاربها وأجناسها ، فهو إلى جانب إبداعه
في الشعر فقد أبدع في القصة والمسرح ، كما ألف في النقد الأدبي ، إضافة إلى ثقافته
الواسعة بالتاريخ واطلاعه على الفلسفة وعلومها، مما أثرى كتاباته ، وأدى إلى تداخل
أجناسها.
وقد ظهر هذا التداخل جليا في مسرحيته الياقوت ،
التي يتداخل فيها الحوار المسرحي بالإبداع الشعري بالسرد الدرامي ، وقد حدد نوعها
بمرتجلة المسرح لتحديد طبيعتها النقدية و أسلوبها احتفالي في معالجة قضايا المسرح
واهتماماته به، وارتباطه بالواقع الاجتماعي والسياسي والفني، وتحليله النفسي
لأفراد المجتمع.
وقبل
الولوج إلى عوالم مرتجلة الياقوت لابد من أن نعرج على مصطلح المرتجلة ونشير إلى
الفرق بينه وبين الارتجال، يقول الدكتور محمد الكغاط عن للمرتجلة: " هي
مسرحية تقوم نظريا على الارتجال، وأنها تتناول في الغالب قضايا الكتاب والممثلين،
ويمكنكم الرجوع إلى مرتجلة فرساي لموليير، ومرتجلة باريس لجيرودو، ومرتجلة ألما
ليونسكو لتروا كيف يلتجئ الكاتب إلى المسرح من أجل عرض قضايا المسرح"،
فالكغاط كما يقول الأستاذ جمال الدين الخضري ، وإن كان قد لجأ إلى هذا الأسلوب
للحديث عن قضايا إنسانية من خلال تبليغ مواقف المسرحيين إلى الجمهور.
وقد عرف الأستاذ محمد عبد الفتاح
المرتجلة في مقدمة مسرحيته الياقوت بقوله: " إن الأمر يتعلق بمشاهد تكتب جماعيا،
لكنها تخضع لسلطة المخرج ، وتحافظ على خصوصيات الكتابة المسرحية من خلال الاستعانة
بالحلم وتوظيف الأسطورة و الخيال ، غير أنها تنفرد عنها في كونها توظف مجموعة من
الخصائص النوعية التي حضرت في أغلب المرتجلات حتى كادت تصبح من سماتها الرئيسية
بما يجعلها مولودا مستقلا ، ومن بين هذه الخصائص التي تحضر في المرتجلة: نقد البعد
المحيط بالمرتجلة كالوضعية الفنية والوضعية الاجتماعية ، والوضعية السياسية و
الثقافية، وارتباطها بالمكان ، والاشتراك الجماعي في كتابة مشاهدها، وتفجير اللغة المسرحية وإدخالها في
سياق السخرية.
بالرجوع إلى المؤلف نجده يتضمن اثنين
وسبعين صفحة من الحجم المتوسط موزعة على أحد عشر مشهدا، تمت التوطئة لها بمقدمة
عرف فيها الكاتب الارتجال والمرتجلة باعتبارها فنا جديدا على المتلقي تحتاج إلى
التعريف، يليها تحديد الشخصيات .
أما الغلاف فقد تصدره عنوان المسرحية
"الياقوت" بخط كبير بارز وبلون أحمرو الياقوت هو اسم علم للمرأة
، وهو دال ـ حسب الموسوعة الحرة ـ على نوع من الأحجار الكريمةحمراء اللون، تنتمي
إلى معدن الكوروندوالذي هو عبارة عن أكسيد الألومينيوم، ويعلو العنوان في أعلى
الغلافاسم الكاتب محمد عبد الفتاح بلون أسود غامق وحروف متوسطة الحجم ، وفي أسفل
الغلاف نلفي صورة تشكيلية تظهر من خلالها جمجمة بشرية بعيون بارزة تنسكب منها
الدماء، مما يعكس واقع المرأة والإنسان العربي عامة، أيضا ووضع المسرح العربي الذي
يجسد هذا الواقع، ويحاول تغييره، ويتوسطها من جهة اليسار تحديد جنس العمل الأدبي
وهو مرتجلة للمسرح، وفي أسفل الغلاف نجد تنويها يحيل على الجائزة التي حصل
عليها هذا العمل الإبداعي، وهي جائزة التسامح في الكتابة، والجهة المانحة، وهي
الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة وفضاء المستقبل.
وبغوصنا بين ثنايا العمل الإبداعي نجد
الشخصيات كالتالي :
الفتاة
( الياقوت) و الممثل الأول والثاني والثالث والمخرج والشاعر والقاضي والنيابة
العامة والدفاع ثم الجوقة ، يدور التنامي الدرامي بينها حول قصة حب بين الشاعر
والياقوت انتهت بجريمة قتل وهمية تنقلنا بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتستحضر
مختلف فئات المجتمع باعتبار الحياة مسرحا كبيرا يتقاطع فيه التمثيل على الركح
بالتمثيل في عالم الشهادة، كما تحضر المحكمة بكل مؤثثاتها القاضي والنيابة العامة،
والدفاع، لتعكس واقع الأحكام الجاهزة والمسبقة التي نطلق لها العنان على الغير
بسبب الأهواء والمشاعر السطحية التي تخضع للمنفعة الخاصة، فينتفي حضور المرأة
باعتبارها عضوا فاعلا في بناء الأرض والوطن، بل هي رمز الأرض والوطن حسب تعبير
الأستاذ محمد عبد الفتاح إلى مجرد وسيلة لتلبية حاجة بيولولوجية،وتمثيل دور المتعة
الإيروتيكية على خشبة المسرح ، الذي تعرض بدوره لرؤية نقدية من خلال هذه المسرحية،
إذ أبرز النص معاناة كل من المخرج والممثلين والتقنيين، لإنتاج عمل مسرحي هادف
ينبثق عن المجتمع، ويتفاعل مع قضاياه وطموحاته.
ولا يفوتنا في هذا المقام من الإشارة إلى
حضور محمد عبد الفتاح الشاعر وذلك يتجلى في المقاطع الشعرية التي وظفها الشاعر من
إبداعه، وهي تبرز شاعريته المتألقة من خلال جمالية الصور والأخيلة التي استعملها،
وكذا اللغة المتأنقة والعاطفة الجياشة التي تزخر بها هذه المقاطع، التي ارتأينا
انتقاء مقطع منها يشهد بحقّ على براعة محمد عبد الفتاح في فتق لباب شاعرية فذة،
تكون مسك ختام هذه المداخلة. يقول الشاعر:
ترحلين ..
يتوارى ظلك خلف سحاب مستباح...
بلا (وداعا) ترحلين
وخلف الوشاح...
تتقاسمه الرياح..
وأنا وراءك حائرا
فارغ الظل كنبع يهرقه الجليد..
نبضي في صدري سجين
نبض صداه بلا رنين
كشراع مصلوب على سفين
تتقاذفني عواصف الجليد
ذات الشمال، وذات اليمين..
وإذ ترحلين..
أغوص في حزني يبلعني ليل طويل..
أنتعل سبيل التائهين..
يا امرأة أتذكرين
شبانة، وشفتاي
وشدى صوت حزين !
يا امرأة تعزف أغنية الرحيل
تجر خطاها ميلا فميل
لا تطوقيني بالحبال
طوقيني باليدين..
لا تطبعيها في الفراغ..
قبليني في الجبين
لا تزرعين عوسجا
تعهديها
ياسميـــــــــــــــــــــــــــــــن..
سأمشي خلفك ما أشاء
سأكون خلفك ما أريد
قد أبعث يوما خلفك خلقا جديد..
نسلا
جديد..
وقد أبقى هكذا معذب شريد
سأمشي خلفك ما أشاء
سأكون خلفك ما أريد
تتوزعني القصيدة ..
تصلبني المسافات البعيدة
إلى
أن أبعث يوما
ملاكا شهيدا ..
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية