الملامح الأولى للفلسفة الائتمانية

الملامح الأولى للفلسفة الائتمانية
بقلم يوسف قشار
كعادته في نقد المنتوج الفلسفي في الحقل الإسلامي العربي، وتأسيسا للفلسفة الائتمانية التي تقوم على العقل المؤيد والمسدد بالإضافة إلى العقل المجرد. اعتبر الفيلسوف اللغوي والعالم المنطقي طه عبد الرحمان، أن الفلاسفة الإسلاميون لم يكونوا كذلك إلا بالاتفاق، أي أن كل ما أنتجه هؤلاء بداية من الكندي، و وصولا إلى ابن رشد، مرورا بابن سينا والفارابي، ما هو إلا مضمون يوناني مكتوب بخط عربي، وأن أقصى مجهودهم التوفيق بين بعض إشكالات الفكر اليوناني والدين الإسلامي. كل هذا لم يجعل فيلسوفنا ينفي غزارة معرفة هؤلاء المتفلسفة ولا سعة عطائهم ولا فائدة كتاباتهم لعموم الثقافة التي احتضنها المحيط الإسلامي. بل إن هؤلاء القدامى لا يمكن مقارنتهم بتاتا بمتفلسفة هذا العصر من المسلمين، الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء التوفيق بين فلسفة الغرب والإسلام بل أخذوا يلتقطون قضاياها التقاطا هو أقرب إلى اللقم منه للتلقي. وهذا يعني أن تجربتنا الفلسفية لم تخرج عن المحاكاة ولم تتجاوز المقارنة، وأن أقصى ما توصلت إليه هو استيعاب الموروث اليوناني وخاصة مع صاحب " فصل المقال". ولكن ما ذهب إليه طه عبد الرحمان وبالضبط في آخر كتبه "بؤس الدهرانية" يتناقض مع ما سبق و أن أشار إليه في سابقيها وخاصة "تجديد المنهج في تقويم التراث"، حيث ميز فيه بين ابن سينا و ابن رشد و لم يضعهما في كفة واحدة، على اعتبار أن الشيخ الرئيس على الأقل خلق نوعا من التقريب التداولي للمتن الأرسطي، على خلاف كاتب "مناهج الأدلة" الذي رفض هذه التبيئة معتبرا أنها مشائية مشوهة .. ولعل انتفاء التفكير الفلسفي في المغرب الإسلامي يعود إلى غربة النص الرشدي على محيطه لتماهيه مع النموذج الإغريقي، وهذا ما حال دون تركه أي آثار من بعده... على خلاف الفلسفة السيناوية التي عرفت امتدادا واستمرارا في المشرق مع بهمنيار ونصير الدين الطوسي و الميرداماد والشيخ البهائي وصدر الدين الشيرازي و الملا هادي السبزواري وصولا الى الحسين الطبطبائي. 
كما نلاحظ أن الفيلسوف طه غيب شخصية أساس في الفكر الإسلامي من خلال الأمثلة المقدمة، وهي أبو حامد الغزالي الذي كان مؤسسا ولو بالقوة للفلسفة الائتمانية، من خلال النقد الذي وجهه للفلسفة الأولى في كتابه "تهافت الفلاسفة". إن دفاع طه عبد الرحمان الدائم عن حجة الإسلام وخاصة في كتابه "اللسان و الميزان"، يعكس لنا عمق التقارب بين الرجلين، وهو ما دفعنا إلى الاستفهام حول الدواعي التي حالت دون مؤسس فقه الفلسفة و الإشارة إلى صاحب "إحياء علوم الدين" ... و بالإضافة إلى الغزالي لاحظنا تغييب متفلسف آخر من المتن الطاهائي، وهو الملا صدرا الشيرازي الذي كانت له محاولات جادة ورغبة حقيقية في الانفلات من الابستيمي الأرسطي، جسدتها المنابع المعرفية المتعددة وجعل البرهان قرين العرفان لا ضدا له...  إن تغييب صاحب الحكمة المتعالية من إنتاجات الفيلسوف طه عبد الرحمان، يفرض علينا العديد من التساؤلات حول سبب هذا التغييب لا الغياب. فلا يمكن لمفكر عميق كطه أن يغفل عن مثل هذا الفيلسوف الذي ترك لمسات مبدعة جعلته بعيدا كل البعد عن القالب الذي وضع فيه كل الفلاسفة المسلمون - كقوله بأصالة الوجود واعتبارية الماهية والحركة في مقولة الجوهر واتحاد العاقل بالمعقول...- إلا إذا كان هذا الترك و الإهمال من طه مقصودا أو على الأقل لمبرر نجهله ويعلمه فيلسوفنا. 
إن الفلسفة الائتمانية التي تتأسس على مبدأ الشهادة، ومبدأ الإضافة، ومبدأ التزكية، لم تعلن عن نفسها مع فيلسوفنا المغربي، بل ربما كانت سابقة في الوجود، لكن بكيفية مختلفة تراعى فيها اللحظة التي لم يكن فيها أي فصل بين أم العلوم وأبنائها...

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس