مشهد في الحافلة

مشهد في الحافلة
قصة بقلم : غزلان القضيوي
منذ بداية دراستها في الجامعة، و هي تحب تلك الرحلة القصيرة التي كانت تقضيها على متن الحافلة، و رغم مشقة المشوار كانت تحبه. كانت تحب تأملها الصباحي للركاب، و عمال الحافلة، حتى النوافذ... لقد أضحت ملمة بتفاصيل كل حافلة، كانت تخترق زجاج النافذة و تغوص في دواخل نفسها حتى تكاد تنسى الزمان و المكان، إلى أن كسر شخص ما حميمية تأملها الصباحي.
كانت  تنتظر بتلهف دائم صديقتها العزيزة، التي كانت تصعد من المحطة الموالية، إلى أن أصبح المرور بهذه المحطة يؤلمها في كل مرة، حين يصعد منها هو.
نعم هو حبيبها السابق الذي فطر فؤادها و مع أن كلمة حبيب اكبر من أن يحملها شخص مثله،
في كل مرة كانت تراه كانت تخطف أنفاسها و يٌقبض قلبها، كانت تتحاشى النظر حين ينظر إليها و تتأمله في صمت متألم في غفلة منه، و كأن القدر لم تكفه الضربة الأولى فزادها ألما فوق ألم و كأنه يقول تعالجي بالطريقة الصعبة. 
مرت الأيام على نفس الحال، إلى أن تفاجأت بأن غضبها و ألمها منه قد ولى، علمت ذلك حين رأته مع صبية صغيرة يبدو أنها حبيبته الجديدة، و بدل أن يحزنها الأمر ابتسمت في خبث حين رأت عيني تلك الفتاة تتبارقان و هي تنظر إليه، و هي تتعمد الارتماء في حضنه كلما تمايلت الحافلة.
ربما ضحكت من سخافة المشهد، أو من غباوة حبيبته الصغيرة التي تبدو واقعة في حبه إلى الصميم، و كأنها تقول لها احذري أيتها الصغيرة من تلك الابتسامة الخادعة فكما أنت حبيبة الحافلة، لربما هنالك حبيبة القسم، و حبيبة المقهى، أو ربما لا أحد... فسخافته و أنانيته  وحدهما يكفيان للقضاء على أحلام تلك الصغيرة التي كانت كلما أراد هو النزول من الحافلة ترمقه بعينيها الحزينتين و كأنهما تقولان لا تذهب. و كان كلما ذهب ترك تلك الصغيرة هائمة و كأنها في حلم يقظة تتمنى لو أنه لا ينتهي.
أما بطلتنا فكانت تراقب من بعيد إلى أن أصبحت ترى الصغيرة و حبيبها كباقي الركاب العاديين، و تستكمل تأملها الصباحي الذي ما عاد يقطع صفوه إلا مرور المراقب أو صديق يريد إلقاء التحية. فقد تحررت أخيرا من كل ما كان يربطها به، و من ذلك الألم الذي تركه لها كهدية وداع.


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس