عندما تصبح شهادة البكالوريا في مهب الريح

                                            عندما تصبح شهادة البكالوريا في مهب الريح


بقلم: عبد الفتاح جنيني



شكلت شهادة البكالوريا من حيث قيمتها المعرفية تلك البوابة التي يدشن من خلالها المتعلم نهاية مرحلة وبداية أخرى ، فهي بمثابة نهاية مرحلة التأهيل والإعداد نحو عالم التخصص والتعمق الدراسي ، لهذا يمكن اعتبارها بمثابة تتويج لمسار تعلمي طويل تدرج فيه المتعلم ابتدائيا ثم اعداديا فثانويا ليصبح قادرا ومتمكنا من عدة قدرات وكفايات لعل ابرزها تلك المرتبطة بالتعلم الذاتي إضافة إلى الحس النقدي والمسؤولية والإنخراط في قضايا الشأن العام ...أي أنه اصبح يحمل كل صفات المواطنة مما يؤهله  للتعليم العالي الذي يفتح له بدوره فرصا لتنمية هذه القدرات تنتهي بتمكينه من فرص للعمل تحقق له انخراطا أكبر في المجتمع . لكن واقع الحال لم يعد كذلك ، فالأمر لا يحتاج لحكمة متبصرة ولا فراسة نافذة حتى نكتشف أن قيمة البكالوريا كشهادة معرفية اصبحت في مهب الريح ، ولم تعد تعني شيئا للكثير من التلاميذ الحاصلين عليها ، ، طبعا نستثني من هذا الأمر ثلة من التلاميذ المتفوقين الذين يشكلون ما تبقى من الأمل لمصير التعليم المغربي ، والذين تشكل البكالوريا بالنسبة لهم  استمرارية طبيعية لتعليمهم ، فهؤلاء لندرتهم لا يمكن جعلهم مقياسا لواقع التعليم المغربي ، لكن هناك فئة تمثل السواد الأعظم من المتعلمين الذين يتوجب على الباحثين من مختلف تخصصاتهم أن يهتموا بدارستهم ، فالأمر لا يتعلق بحالات فردية وانما أشبه بالظاهرة التي تستفحل سنة بعد أخرى . يتعلق الأمر بتلاميذ عبر مختلف المسالك خاصة الأدبية وتلك المسماة بمسلك علوم الحياة والأرض والذين وجدوا أنفسهم – بقدرة قادر اوبقوة السحر – يدرسون بمستوى الثانية بكالوريا دون مؤهلات تساعدهم على مسايرة تعليمهم بطريقة عادية ، وأمام هذا العجز من جهة والرغبة في النجاح التي تؤججها عوامل نفسية واجتماعية وبسبب ممارسة  بعض رجال التعليم السلبية من جهة ثانية والذين يمنحون نقطا مبالغا فيها للمتعلمين في المراقبة المستمرة دون ربطها بالجهد تحث تبريرات متعددة –التعاطف بدعوى أنهم  ضحايا أو خوفا من المتاعب التي قد يسببها سخط هؤلاء المتعلمين أو لأن المتعلم  يشتري النقطة بكل بساطة عبر دعم مؤدى عنه أو توهما بعدم تأنيب الضميرمن طرف أغلب المدرسين الذين يدرسون بالتعليم الخصوصي ، فيسوون بين تلاميذهم  وبين تلاميذ التعليم الخصوصي ، حيث تفرض هذه المؤسسات الخاصة سقفا للتنقيط لا يسمح له بالخروج عنه   ...-هنا بالذات وانطلاقا من هذه المفارقة : النقطة دون جهد  ً تبدأ أم المعارك ، حيث أن حصول هذه الفئة على معدلات مهمة في المراقبة المستمرة بطرق لا صلة لها بالجهد يخلق لديها وهما خطيرا بإمكانية الحصول على شهادة البكالوريا - حتى مع عدم وجود الجهد –هذه الشهادة التي أصبحت تشكل نوعا من الهوس للبعض منهم مما يجعلهم مستعدين لأي شيء من أجل الظفر بها بما في ذلك اللجوء إلى العنف ،  هذا العنف الذي  تتنوع أشكاله وتزداد حدته لدرجة أصبح يتخذ شكلا مازوشيا يمتد إلى ذات المتعلم نفسه كأن يلحق نوعا من الأذى بجسمه  أو يهدد بالانتحار كما حصل مؤخرا مع تلميذة بثانوية ابن عباد بسطات  ، ناهيك عن ذلك الذي قد يمس المراقبين الحارصين على أداء واجبهم بمهنية وضمير ، إضافة إلى ذلك العنف الموجه إلى البنية التحتية للمؤسسات التعليمية  ...إنه عنف جارف لم يعد يستثني أحدا، فنتيجة ما يسمى بعدوى العنف أصبح يخترق العملية التعليمية بكل أركانها ، لكنه يصل إلى مرحلة أوجه مع امتحانات البكالوريا . والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف يمكن أن نوقف هذا العنف المجاني ؟ أولا لابد أن نشير أن هذا العنف يؤشر بشكل خطير على افلاس منظومة التربية والتعليم حيث لم تعد المدرسة قادرة وحدها على أداء وظيفتها الأولى المتمثلة في التربية وتهذيب الأخلاق خاصة أمام تراجع دور الأسرة وازدياد تأثير الصورة أمام انفتاح اعلامي جارف ، مما يجعل هؤلاء المتعلمين في وضع بين المطرقة والسندان ، فهم من جهة  لا يمتلكون مؤهلات تمكنهم من متابعة دراستهم بشكل عادي ، ومن جهة ثانية يجدون أنفسهم أنهم متروكين لحالهم دون مساعدة من اية جهة ، فيتقوى عجزهم ، لكن الرغبة اللاشعورية في مقاومة الاعتراف بهذا العجز تجعل الوهم  يتسرب إلى نفوسهم ، فيعتقدون أن هناك امكانية للحصول على البكالوريا شريطة أن تتوافق هذه الإمكانية مع امكانية أخرى هي  الغش و ألا تصطدم بواقع المراقبة المريرة ، فتسنفر لهذه الغاية كل الوسائل الممكنة وفي مقدمتها توظيف التكنلوجيا الحديثة من هواتف نقالة وغيرها ...ولأن الرغبة كما ذهب إلى ذلك شوبنهاور تعبير عن الحاجة وكل حاجة هي نقص فإن هذا الأمر يولد ألما في نفوس هؤلاء ، خاصة عندما تبوء محاولاتهم ويصطدم حلمهم بالحصول على شهادة البكالوريا بصخرة الواقع الصلبة . وعندما يستنفدون حقهم في الرسوب ، وأمام قوة الرغبة التي تسيطر عليهم والتي لا تكون في الغالب  واقعية  و مسبوقة بإرادة تعطيها قوة التحقق ، وأمام اصرارهم يتحولون إلى مرشحين أحرار للبكالوريا ، وهنا تبدأ تراجيديا أخرى بملامح هيتشكوكية ، ابطالها شخصيات دونكيشوتية ، أما مضمونها فعبثي يغيب فيه المعنى ، حيث يصبح فيه الأمرغير قابل للتحليل ومستعصي على الفهم ، فيكفي أن تصطدم بواقع مراقبتهم أو تصحيح أوراق تحريرهم حتى تفهم أن عدم وضع شروط أمام هؤلاء المترشحين الأحرار الذين يشكلون نسبة 40 % من العدد الإجمالي للمترشحين مع تسجيل نسبة غياب هائلة بين صفوفهم ، لا يعني سوى أن هناك تجارة رائجة  للوهم بمباركة الوزارة الوصية .


تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس