السرطان : جدل الوجود بالقوة والوجود بالفعل ..
بقلم: د بتول قاسم ناصر
مقدمة : فلسفة
الطب
الـفلسـفة
هي العلم الذي يبحث في القضايا المجردة
و يحاول الإجابة عن الأسئلة الكبرى عن الكون والوجود . وهي العلم الوحيد الذي كـان
معـروفا في العصور القديمة. وتعد الفلسفة أم العلوم فهي تحضن جميع العلوم ، وذلك لأنها ترتفع في نتائجها الى مستوى المعرفة المطلقة
العامة التي لها امكان ان تحتضن ماهو خاص في تلك العلوم وأن تعمم نتائجه .
ولقد
قام الطب على أساس الفلسفة وكان الأطباء في ما مضى كلهم فلاسفة فأبو الطب في العالم
( أبو قراط ) كان فيلسوفا ً معروفا ً وكذلك كان جالينوس وكل الأطباء
القدامى ومنهم الأطباء
العرب الذين
كانوا مدراس للعلوم بكل أنواعها ، فابن سينا والرازي والكندي وابن رشد وغيرهم
كانوا فلاسفة مرموقين ً. فالفلسفة كانت أساسا لعلوم الأوائل من العلماء العرب
والذين سبقوهم . ولقد كان الطب العربي في المراحل المتقدمة منه يعتمد على التراث
الفلسفي اليوناني وعلى الطب اليوناني والمصري القديم وعلوم و تجارب الأمم السابقة
. وفي عصر الترجمه ترجم العلماء العرب للعربية
كتب الطب القديمة وخاصه كتب مؤسسي الطب اليوناني ابوقراط وجالنيوس . لقد كانت الفلسفه
اليونانية الاساس الذي بنى عليه العلماء العرب إنجازهم الكبير في علم الطب وقد طوروا ذلك الأساس
وأضافوا اليه من الشيء الجديد الشيء الكثير من خلال تجاربهم و ملاحظاتهم .
وقد
ارتفع الأطباء الفلاسفة العرب بالطب من مجرد مجموعة معارف تراكمت عبر الممارسة
التي تقوم على الخبرة، إلى مرتبة العلم الذي تؤسسه "كليات"، أي أسس
ومبادئ ومناهج يجب أن تعرف وتؤخذ كأساس للفكر الطبي وهذا ما فعله مثلا ابن رشد في
كتابه (الكليات في الطب) فالكتاب هو أقرب
إلى أن يكون كتابا في فلسفة علم الطب، أو الابستيمولوجيا، بالمعنى المعاصر، منه
إلى كتاب في الطب كممارسة(1) .
وفي
القرن التاسع عشر، أصبحت فلسفة العلوم موضوع اهتمام ، وهي أحد فروع الفلسفة التي تهتم
بالأفكار و الافتراضات والأسس الفلسفية الموجودة ضمن العلوم المختلفة ، وتحاول
تعميم نتائج هذه العلوم والارتفاع بها الى مستوى الكليات الفلسفية وتبحث عن صحة
نتائجها ومقولاتها العلمية والتأكد منها
لدى الفلسفة .
جدل الوجود بالقوة والوجود بالفعل في الفلسفة :
سنقتصر في بحث هذه القضية الفلسفية على ما قاله الفلاسفة اليونانيون الكبار ( سقراط وافلاطون وأرسطو )(2)وقد تطرقوا
الى هذه القضية وهم يبحثون عن الحقيقة الجوهرية التي تكمن وراء
الأشياء والتي تحكم الكون كله وقد ولجوا الى باب هذه الحقيقة عن طريق قضية التناقض
.
لقد آمنت الفلسفة القديمة بمبدأ التناقض ووحدة
الأضداد على عكس ما يقال من إيمانها بمبدأ عدم التناقض ، وآمنت بمبدأ الهوية . فالفلسفة الميتافيزيقية لا
تنفي وجود الأضداد وما يحصل بين الأضداد من صراع أو تفاعل ، كما ان هذه الفلسفة لم
تنكر الحركة .. وهذا التفاعل و الحركة بين الأضداد الخارجية هو من الديالكتيك ويمت
الى التناقض الذي يقول به المنطق الميتافيزيقي بصلة .
إن التناقض بين الأضداد المستقلة إنما هو أمر ملاحظ ومعروف
وهويدرك بالحواس وبالعقل . ومن صور التناقض التي تكلم عليها الفلاسفة الأقدمون
التناقض بين الشيء وضده و التناقض بين الشيء ونفسه وهو الذي ينتج عنه تطور الأشياء
والظواهر وتقدمها من مرحلة الى أخرى وهذا تحدثوا عنه من خلال التناقض بين الصورة والهيولى
أو الجوهر و المادة .
فمن صور التناقض لدى إفلاطون فضلا عن التناقض بين
الأضداد الخارجية التناقض بين الصورة والمادة
فهو يصفهما بما يجعلهما يتناقضان . فالمثل لدى إفلاطون وهي من عالم الصور
تتناقض مع الوجود المحسوس الذي هو من عالم المادة ، وهو يصفها بأنها الأسس الأولى للوجود
ولا أساس لها وهي جوهر الأشياء ولا جوهر فوقها ولا يحدها زمان ولا مكان فهي أزلية
أبدية لا تكون ولا تفسد .. إن عالم المثل هو عالم الأفكار والمعاني وهذا مبرر شرفه
وكماله وأما عالم المادة فهو عالم الأشباح والظلال وهذا مبرر خسته ودناءته وهو يصف
عالمنا بأنه عالم الأشباح والظلال في مقابل عالم الحقيقة ... المثل أولى الجواهر
وأولى الموجودات وأجدرها بالوجود وهي الوجود الحق وكل ما عداها هو وهم وخيال
فالوجود العقلي عنده أولى من الوجود الحسي . المثل من عالم الصورة المجردة من
المادة او الهيولى وهي المصدر الأساسي لكل وجود هيولاني .. هي مصدر المادة التي هي
عدم ووهم . يقول إفلاطون ان الصور مفارقة للمادة فهي جواهر تقوم بذاتها ولا تحتاج
الى ما تقوم به غير ذاتها فهي مبدا كل وجود وكل وجود إنما منها يستفيد وجوده ولم
يستطع تصور الهيولى أو المادة تصوره لشيء موجود باستمرار بل لقد قال عنها إنها عدم صرف .
وبالنسبة الى الوجود الإنساني فإنه مكون من صورة
ومادة كذلك ، فهو يتألف من نفس و بدن . ويذهب إفلاطون الى ان النفس جوهر روحاني
مفارق كان موجودا قبل وجود البدن وسيظل موجودا بعده وما وجوده مع البدن الا لفترة
قصيرة من الزمن سيغادره بعدها الى الملأ الأعلى . التناقض بين النفس والبدن عند إفلاطون
هو تناقض بين الصورة المفارقة للمادة
والتي هي جوهر روحاني خالد ومستقل وهو من عالم المثل وبين المادة التي هي
عنده عدم وسلب أي ان التناقض بينهما تناقض بين الوجود والعدم اللذين يعيشان حالة
انفصال وليس حالة تلازم ..
إن عالم المادة أو العالم
المحسوس هو الصورة المتحركة للأبدية التي
هي العالم المعقول وهو المثل . وهو يرى أن هذا العالم وكائناته المحسوسة لا تنشا
الا عن مشاركة جزء من المادة في مثال من المثل فيتشبه به ويحمل على بعض كماله ولكنه
ليس هو إياه إذ لا يمكن أن تكون المحسوسات هي المثل لأنها متصلة بمادة والمثل
معقولة . إن المادة التي صنع الله منها عالمنا ليست حقيقية في أصلها لأنها ليست
وجودا وإنما هي سلب للوجود ، إنها عدم محض وخلاء مطلق لا صورة لها ولا قوام ولكنها
تتقبل كل صورة تحل فيها لتتقوم بها مؤقتا وتكون جسما . وهي رخوة غير متماسكة
وتتحرك حركات مضطربة آلية بلا نظام ولا غاية لها ولا تدبير في سيرها . وهذه المادة
هي أصل العالم ومصدر الكثرة فيه وسبب ما نرى من فيه من نقص ومن خسة . وقد ذكر إفلاطون
في إحدى محاوراته ان الصانع قد احدث العالم محتذيا المثل أي انه ركب الصورة المأخوذة
عن المثل في المادة الخام ( التي كانت عدما ) ومن هنا قال بعض المفسرين إن افلاطون
يقول بحدوث العالم . لقد نظر إفلاطون الى المادة بأنها كانت سلبا أو عدما او فراغا
في الأصل ولكنها تصبح شيئا واقعيا بعد أن تتلبسها الصورة أو الجوهر أو المثل .
إننا نرى أن إفلاطون لا يختلف مع أرسطو في تصوره للمادة فأرسطو عبر عنها بالوجود
بالقوة أو بما هو( ممكن الوجود قبل أن يوجد) وعبر افلاطون عنها بالسلب او العدم
الذي يتحول الى وجود ونرى أن كلا التعبيرين يصدق على تصور واحد لم يختلفا فيه فالمادة
لم تكن وجودا واقعيا إنما كان لها بعض التميز عن الوجود الجوهري أو الوجود بالفعل
كما يسميه أرسطو والذي تمثله المثل او الله
ولذا فإننا استعملنا تعبير أرسطو في االعنوان ليدل على المفهومين . هذا وإن المادة كانت تتحرك حركة عشوائية غير منتظمة الا أن الصانع تدخل لكي ينظم الكل تنظيما يظهر
فيه اثر العقل والروية والغائية أي انه جعل حركتها موجهة بالعقل وإنها تتجه الى
غاية إلهية . فتكونت جزئيات من المادة وتميزت في أشكال مختلفة حتى نشأت العناصر
الأربعة . ومن هذه العناصر خلق الصانع جسم العالم وجعله على شكل الكرة أحسن
الأشكال كما صنع الأشياء فيه على نماذج المثل ، لكن جميع الأشياء في العالم تظل
تقليدا ناقصا لعالم المثل أو نقلا مبتورا عنه وهذا النقص لم يكن لعجز في الصانع بل
لضعف في طبيعة المصنوع أي ضعف في الجانب
المادي لا الجانب الجوهري ، فإذا لم يكن العالم كاملا فهو قريب من الكمال على كل
حال أو قل هو تقليد للكمال . وهذا يعني أن المخلوقات المادية تبقى تتناقض مع عالم
المثل الذي أراد الله الصانع لها ان تكون على غراره بسبب النقص الذي تعاني منه بسبب
طبيعتها المادية . ولأنها تتضمن المثل أي تتضمن غاية إلهية وعقلا إلهيا فإنها
تحاول أن تتجاوز هذا النقص حتى تكون في أعلى صورة لها . فالحركة كما يفسرها افلاطون إنما هي صراع وتفاعل بين عالم المثل الكامل أو عالم الصور
وبين العالم الواقعي المحسوس الذي يتضمن في داخله نقصا هو ما عبر عنه بالعدم أو
السلب الذي تحاول الأشياء أن تطرده عنها لكي يتحقق وجودها كاملا ، أي ان هناك صراعا يدور بين المادة
التي هي عبارة عن انعكاس غير كامل عن المثل وبين المثل التي هي الجوهر الكامل ، إنه
صراع بين الكل الكامل الذي هو جوهر الأشياء والجزء الناقص الذي هو الظاهر المتحقق
منها . وهذا الصراع هو الحركة في العالم المحسوس .. إن الحركة إنما هي صراع بين
المتناقضات ولكن قبل أن يخلق هذا التناقض وتخلق الأشياء المادية الواقعية كانت
هنالك حركة – كما يذهب افلاطون - ولكنها حركة مضطربة لم تتوجه الى غاية فنظمها
الصانع وشاء لها أن تتوجه بالعقل وبالغائية ومن هنا لا نستطيع أن نستنتج أن
التناقض الواقعي هو مصدر الحركة عند إفلاطون ، نعم إنه مصدر الحركة المنظمة
المتجهة الى غاية ولكنه ليس مصدر الحركة مطلقا لأن هذه كانت موجودة قبل أن تخلق
المادة وهي موجودة كذلك عند أرسطو. إن هذا العالم متحرك ومحسوس وهذه الحركة
المحسوسة هي الزمان الذي خلقه الصانع . لقد خلق الزمان بخلق العالم المحسوس ووجدت
القبلية والبعدية فقد كان زمان الموجودات الأرضية من عمل الصانع اذ انه قد ولد
بميلاد العالم المحسوس الذي هو الصورة المتحركة للأبدية التي هي العالم المعقول ..
أما أرسطو فرغم اختلافه مع افلاطون بكونه اتجه الى الواقع فإنه أبقى على
المقدمات الافلاطونية في نظرياته في أكثر
من موضع ومن هذه النظريات نظرية الصورة والمادة او الهيولى فلم يكن واقعيا صرفا
ولا مثاليا صرفا ..
يرى أرسطو من باب التناقض بين الجوهر والمادة أن الجوهر هو الأول في الوجود
وأحق المقولات باسم الوجود إذ بانعدامه تنعدم جميع الموجودات وأما المقولات الأخرى
فوجودها بالتبع لأنها حالات للجوهر . وهو سابق عليها جميعا فإنها تتقوم به أما هو
فلا يتقوم إلا بذاته ، هو الشيء القائم بذاته . وهذا هو المفهوم المنطقي للجوهر أما
المفهوم الوجودي له فهو ما يشير الى مفردات هذا العالم فهو الفرد الجزئي المكون من
مادة وصورة ، أي ان الجوهر لا وجود مستقل له الا بالمنطق لا في الواقع ما عدا الجوهر الذي يمثله الوجود الإلهي والذي
لا يتحرك ولا يقترن بالمحسوس .
أرسطو الفيلسوف الواقعي يركز على الوجود العيني
المحسوس فالكلي عنده رغم كونه شيئا حقيقيا وموضوعيا إلا انه ليس له أي وجود مستقل
فإنما الوجود للجزئيات لا للكليات وكلما اقترب الشيء من الوجود الفردي كان أمعن في
الوجود ، فمدار الجوهرية عند أرسطو إنما هو التحقق العيني والوجود في الخارج فكلما
اقترب الشيء من هذا التحقق كان أمعن في الو جود وبالتالي أمعن في الجوهرية . لكن أرسطو
لا ينفي ان تكون هناك جواهر مفارقة للحس وبريئة من المادة فهناك جواهر أزلية خالدة
مفارقة للحس ولا تلحق بها الحركة على أي وجه كان وهي الله والعقول المفارقة والجزء
الناطق من النفس المسمى بالعقل الفعال . والله هو صورة محضة لا تشوبها شائبة من
الهيولى لأن الهيولى نقص وهو منزه عن النقص . ويترتب على ذلك انه فعل محض فلا
يداخله شيء مما هو بالقوة وإلا لاحتاج الى فاعل آخر يخرجه من القوة الى الفعل فهو
الأصل السابق بالنسبة الى الوجود المادي . وهو العلة الفاعلة ، وهوعلة ذاته ولا يقتصر أمره على انه صورة محض
او فعل محض وإنما هو في قمة الصورية والفعلية وأعلى درجة من درجاتهما . وهو خير
محض لأن الخير المحض هو ما لا يمكن أن يكون على غير ما هو عليه ولذلك تصبو اليه كل
الكائنات فهو العلة الغائية التي تتوجه اليها الأشياء والتي تحركها جميعا دون أن
تتحرك . وأخيرا هو عقل خالص فلا عمل له إلا التعقل والتفكير . إنه يتأمل ذاته
ويفكر فيها وحدها ، هو عاقل ومعقول وليس كالإنسان الذي ينشطر فيه العاقل عن
المعقول .
ولقد طبق نظرية الصورة والمادة في مذهبه في
النفس فهو كأستاذه إفلاطون وقبله سقراط يقول بوجود بدن ونفس وهما نقيضان .. ولكن
العلاقة بين النفس والبدن هي من الوثاقة والقوة بحيث لا يمكن للنفس أن توجد مفارقة
كيف لا وهي صورة والصورة لا توجد مفارقة للهيولى ، فأرسطو ينكر حالة الإنفصال والمفارقة
إنكارا تاما ويقول بتلازم المادة والصورة تلازما ضروريا لا مجال فيه لفصل أحدهما
عن الآخر الا في بعض حالات وفيما عدا ذلك فكل شيء آخر لا تنفك فيه الصورة عن
المادة فلا تفرقة بين المادة والصورة في الحالات الاعتيادية إلا في الذهن وعلى سبيل التجريد ومن اجل العلم فقط
اما من حيث التحقق العيني في الوجود فإن الطرفين يوجدان معا على الدوام ، لا وجود
للصورة مفارقة للمادة فيه. .
إن
عدم وجود الصورة أو الجوهر مفارقا
للمادة إنما يخص الأشياء المادية فقط فجوهرها ملازم لها وهو ينزع بها نحو تحقيق الغاية من وجودها
أو القوانين المتضمنة فيها . لا توجد مادة بدون جوهر والمادة بدون جوهر( هي مادة في حالة كمون والجوهر هو الذي يجعلها حركة
) .
إن التناقض بين الموجودات لدى أرسطو أمر واقع وتتعدد أشكاله وهو يؤلف
ثنائيات متلازمة وهذه الثنائية نراها تتجلى في كل فلسفته من حيث أن كل شيء يتكون
من مادة وصورة حيث الصورة (الكيفية الفاعلة ) والهيولى أو المادة ( الكيفية
المنفعلة ) . والتناقض في الأشياء هو حلول احد الضدين بعد الآخر بوساطة خروجه من
القوة ( وهي المادة قبل أن يمسها الفعل ) الى الوجود المتحقق .
إن التناقض في الأشياء يتخذ حالة الفرق بين نسبة المادة
الى نسبة الصورة . حيث أن المادة أو الهيولى توجد في حال القوة قبل ان تخرج الى
حال التحقق فتزيد من نسبة المادة أو نسبة الصورة المتجسمة في المادة . فالتناقض هو
تناقض بين نسبة ما يتحقق من الوجود بالقوة الى نسبة الوجود بالفعل (الجوهر) ، بين
نسبة الوجود الواقعي الى نسبة الوجود الجوهري الكامن . ومع أن أرسطو يقول ان المادة والصورة لا يمكن
أن يفترقا ( في الأشياء المادية ) فإنه يتبين من تفسيره إنه توجد حالة للمادة تكون
مجرد إمكانية للتحقق وأنها غير متحققة لأن الجوهر غير متجوهر فيها فهي منفصلة وغير
ملتحمة بالصورة بعد وإنها تمثل نقصا في المادة يجعل المادة لاتعكس أو لا تمثل كل
الصورة . وهنا يمكن أن نلاحظ حالتين متناقضتين : الحالة الأولى هي الصورة الجوهرية
الكاملة والثانية هي واقع متحقق ولكن ينطوي على إمكانية ، وهذا يعني انه تناقض بين
ما هو كامل وبين ما هو ناقص عن الكمال وهذا هو التناقض كما يراه أرسطو ، انه تناقض
بين الكل وبين الجزء ، بين ما هو كل كامل وما هو جزء ناقص .
إن نسبة ما يتحقق من الصورة في المادة يجعل المادة تتناقض مع
جوهرها وهو عالم الصور تناقض الجزء مع كله . فالعالم على درجات بعضها فوق بعض
بتفاوت نصيبها من المادة والصورة . وما هو في درجة منحطة فمادته غلبت على صورته أي
ان نسبة المادة التي لاتعكس الصورة أكبر .
هناك
صراع دائم بين الصورة والمادة ولأن الصورة تنحل فيها العلة الغائية والعلة الفاعلة
إذ الصورة فعل أو كمال فإنها تقتضي بطبيعتها الحركة وذلك لأنها تسعى الى الكمال
وهذا هو غايتها ، وسعيها هذا يقتضي منها الحركة التي تتجاوز فيها ما هو كائن الى
ما يجب أن يكون . وأما المادة فهي قابلة للحركة وتلقي أفاعيل الصورة فهي منفعلة لا
فاعلة . هذه هي الناحية الحركية أو الدينامية في مذهب أرسطو . ففي الوجود دينامية
دائمة وحركة لا تنقطع وبحكم هذه الدينامية فإن الصورة لا تنفك تجذب العالم الى أعلى
كما أن المادة لا تنفك تجذبه الى أدنى ، فحركة العالم إنما تتلخص في جهد الصورة
لتشكيل المادة ومقاومة المادة للصورة وعنها ينتج الكون والفساد في الطبيعة . فلولا
مقاومة المادة لما كان فساد ولولا جذب الصورة لما كان كون فالكون والفساد أداة
الطبيعة الى بلوغ أهدافها العليا وتحقيق غاياتها البعيدة في التحقق الكامل . أن
الشيء ينطوي على ما هو وجود بالقوة وبواسطة حركة الصراع بين الصورة والمادة يخرج
الذي هو عدم أو وجود بالقوة من القوة الى الفعل وبوساطة حركة التجاوز يتم تجاوز
الصورة لكل الوجود بالقوة الكامن في المادة ..
وبالنسبة للصراع الكائن في الجسم الإنساني بين
النفس والبدن فإن النفس التي تقابل الصورة التي تقترن بها العلة الفاعلة تدفع
الهيولى الى التحقق والخروج من حال الكمون او الوجود بالقوة الى الوجود الواقعي
المتحقق وهذا هو تفسير نمو الجسم الإنساني . إن الخروج الكامل لما هو بالقوة يعني
ما سماه سقراط بالتوليد فهي عملية تشبه الولادة حيث الخروج من عالم الكمون الى
عالم الظهور والتحقق الفعلي .
إن عملية الولادة تعبر عن التفاعل أو العلاقة
بين الرجل والمرأة . والرجل يقابل الجوهر أو الصورة(الكيفية الفاعلة ) والمرأة تقابل الهيولى أو المادة ( الكيفية
المنفعلة ) وبما أن أحدهما مقدم على الآخر
فإن الرجل مقدم على المرأة ، فالرجل هو العنصر الفاعل أما المرأة فليست غير المادة
التي يعمل فيها العنصر الفاعل والتي تتقبل فعل الفاعل . إن التفاعل الذي بين الذكر
والأنثى وما ينتج عنه في عملية التزاوج هو انعكاس للتفاعل بين الصورة والمادة فكما
إن الصورة تريد أن تتجلى وتجذب العالم الى
أعلى فإن الذكر يريد ذلك ويكون ناتج عملية التزاوج ذكرا وبما أن المادة تحاول أن تجذبه الى أدنى تحاول
الأنثى ذلك فيكون الناتج أنثى ، فالصورة
تسعى لتشكيل المادة كما تريد لولا مقاومة المادة للصورة وعن ذلك ينتج الكون والفساد ، والكون والفساد أداة
الطبيعة لبلوغ أهدافها العليا في التحقق الكامل للجنس الإنساني . أن االمرأة تنطوي
على ما هو وجود بالقوة وبواسطة التفاعل بينها وبين الرجل ، بين المادة والصورة يخرج
الذي هو عدم أو وجود بالقوة وبوساطة عملية التناسل بينهما يتم تجاوز الصورة لكل
الوجود بالقوة الكامن في المرأة ..
إن الصراع بين الصورة والمادة إنما يسعى لتحقيق الكمال
والوصول الى الأفضل ولما كانت العلة الغائية – التي تقترن بالعلة الفاعلة والعلة
الصورية - هي الكمال الذي يتجه اليه كل معلول ولما كان وجود الهيولى هو وجود ممكن
وغير واجب يخرج من القوة الى الواقع فإن
العلة الصورية الغائية الفاعلة تدفع الهيولى الى التحقق والظهور والوجود الواقعي وهكذا
توجد الهيولى ويتحقق ظهورها . فالهيولى لا تتحقق الا بعد تحصيل الصورة لها أو
تحصيلها هي للصورة وسعيها الى الالتحاق بها بسبب عشقها لها ، وهذا العشق المستمر
للصورة من جانب الهيولى هو ما يسمى بالحركة ، فالصورة هنا هي علة حركة الهيولى
وبشيء من هذا القبيل يفسر أرسطو تحريك الله للعالم . فهو علة غائية للكون تشتاق
اليها الهيولى وتطلبها وهذا الشوق هو مصدر حركتها .
يفسر أرسطو ما نرى في الأشياء من تغير على أساس وجود
موضوع قابل لتلقي أي فعل عليه . فالتغير لا يمكن تفسيره الا إذا سلمنا بوجود موضوع
تطرأ عليه التغييرات و تتعاقب عليه ، وأن الهيولى هي هذا الموضوع القابل لأي صورة
ممكن أن تتحقق فيها وقابل للتغير . ولما
كانت الهيولى مجرد قابلية واستعداد فهي قوة مهيأة للفعل ولكنها ليست فعلا إنها سلب
للفعل او قل إنها لا تصبح أو لا توجد بالفعل الا عندما تحل فيها كيفية ما تعطيها
صفاتها الذاتية وتكون ماهيتها وعندئذ تتجوهر ويدركها الحس . هذه الكيفية التي تحل
في الهيولى هي الصورة فالصورة هي مجموع الصفات التي تطلق على شيء ما لأن بهذه
الصفات يتم كمال الشيء فإذا سلبت عنه لم تبق فيه الا الهيولى فحسب أي إن الصورة هي
الحالة الكاملة للشيء وهي التي تدفع الشيء للتحقق شيئا فشيئا فيحل عرض محل عرض آخر
حتى يصل الى الكمال والنهاية وهذا التحقق يتمثل بالصراع بين المادة والصورة .. فالوجود الحقيقي عند أرسطو إنما هو وجود
الصورة لا الهيولى بينما وجود الهيولى أدنى مرتبة بكثير من وجود الصورة وذلك لان
الوجود بالفعل أعلى مرتبة من الوجود بالقوة ، والهيولى وجود بالقوة بينما الصورة
وحدها هي وجود بالفعل وليس معنى هذا كما يذهب أرسطو انه ليس للهيولى أي وجود والا
لم تحدث الأشياء .
إن الوجود المادي هو الوجود الفردي المحسوس المتحرك حركة واقعية
محسوسة فالحركة هي أهم شرائط هذا الوجود عند أرسطو ، وهو يصف حركة الكون والفساد -
وهي التي تتعلق بالصفات الذاتية للشيء وهي التي يتطور فيها الشيء بتجاوز التناقض
فيه - بأن فيها يحل موجود محل موجود آخر أي إن الحركة فيها إنما تتم بين نقيضين .
وتفترض الحركة عدة أشياء فهي تفترض أولا موضوعا وطرفين وعلة إذ لا بد للحركة من
موضوع تقوم فيه والا امتنعت الحركة . وأما الطرفان فهما الاتجاه من والاتجاه الى
فالحركة تتجه من حال القبلية أو التهيؤ الى حال التحقق والوقوع وباصطلاح أرسطو من
حال القوة الى حال الفعل . ومن هنا فالحركة عند أرسطو إنما هي استكمال لما هو
بالقوة او تحقيق له ، أن الشيء ينطوي على وجود بالقوة أو ما هو قابل لأن يكون مادة
وبوساطة حركة الصراع بين الصورة والمادة - إذ تسعى الصورة الى إخراج كل الوجود
بالقوة الى وجود في الواقع - يخرج احد النقيضين من القوة الى الواقع ويحل محل
الوجود بالقوة ويتجاوزه وهذا ما يسميه حركة الكون والفساد التي تعني ترافق الحركة
مع التناقض ..
إن الحركة لدى أرسطو نتيجة للصراع بين التناقضات الداخلية في
وحدة المتناقضات والأضداد لينجم عن الصراع بينها تحقق جديد للوجود ، فهي سير
تدريجي للوجود وتطور للشيء في الدرجات التي تتسع لها إمكاناته . ولذلك حدد المفهوم
الفلسفي للحركة بأنها خروج الشيء من القوة الى التحقق تدريجا ، فالشيء المتحرك يحتوي على الفعلية والقوة أو الوجود والإمكان
معا وهذا هو تشابك القوة والفعل أو الإمكان والوجود واتحادهما في الشيء المتحرك ،
فإذا نفد الإمكان ولم تبق في الشيء طاقة على درجة جديدة انتهى عمر الحركة . ويرى ارسطو أن في المحتوى الداخلي للشيء إمكانا
للدرجة المقبلة واستعدادا لها ،أي أن في
داخل الشيء يتشابك (القوة ) و ( الفعل ) . أن التشابك والإجتماع والتفاعل في داخل
الشيء هو الوحدة التي تجمع بين القوة والفعل ، ونستطيع أن نفسر القوة بالطاقة أو
السلب الذي في الأشياء ، والفعل بالجوهر الكامل للشيء الذي يسعى الى التحقق في ذلك الشيء فهو ما ينتقل
اليه الشيء في حركته محققا تاريخ نفسه . الشيء المتحرك هو الوجود المتطور الذي
يثرى ويتدرج بصورة مستمرة حتى تستنفد بالحركة تلك الإمكانات التي يتضمنها الشيء
ويستبدل في كل درجة من درجات الحركة الإمكان بالواقع والقوة بالفعلية المتحققة .
فالحركة كما يشرحها ارسطو إنما هي صراع وتفاعل بين الفعل والقوة . والقوة والإمكان هو ما عبر عنه افلاطون
بالعدم أو السلب الذي تحاول الأشياء أن تطرده عنها لكي يتحقق وجودها كاملا فتنتهي
الحركة . وهكذا نجد أن ارسطو يفسر التطور واستمراره في العالم المادي بالتناقض بين
المادة وجوهرها مادام أحد الجانبين واقعا متحققا (إيجابا) ولكنه ينطوي على سلب
مازال إمكانا وقوة أو طاقة لما تتحقق بعد(عدما) فالجانب المادي متناقض وهذا الجانب
بدوره يتناقض مع (الصورة ) التي هي الوجود
الكامل والتي تتضمن العلة الفاعلة والغائية التي تسعى الى الكمال ، أي ان هناك
تناقضا وصراعا يخوضه الكل الجوهري الذي هو الكمال والغاية التي يتضمنها الشيء مع
هذا الشيء الذي ما زال ينطوي على الوجود بالقوة مما يجعله جزءا متحققا من الكمال
ولا يعكس الكمال كله ولهذا يسعى الكل الكامل الى تجاوز هذا الجزء الواقعي المتحقق الذي
يتضمن سلبا والذي يعاني نقصا . وهو يقر بالاجتماع بين المتناقضات ( الكل والجزء
) ويقول باشتباك الجانبين ، وهذا الاشتباك
يعني صراعا وحركة . فالحركة كما يشرحها ارسطو إنما
هي صراع وتفاعل بين الواقع الذي يتضمن الإمكان والقوة وبين الصورة التي تمثل
الكمال والفعل .
من كل هذا الشرح نرى انه ليس صحيحا ما نسب الى
المنطق القديم او منطق ارسطو من انه يقول بعدم التناقض وانه يؤمن بالثبات . فهو
يقول بأن الوجود الحقيقي هو
الوجود المادي المتحرك حركة محسوسة فالحركة هي أهم شرائط هذا الوجود . ويقول
بالتناقض لكن لا بمعنى ان الشيء هو ضده ، إنما
بمعنى أن الأشياء تتفاعل مع أضدادها المستقلة عنها وتتصارع وتكون لهذا التفاعل أو
الصراع نتيجة وحركة وتغير . ولا يعني الاستقلال أنها لا تجتمع معها في وحدة فإن الأضداد تجتمع في ( وحدة الأضداد ) ولكن دون أن يمس
مبدأ الهوية وإن الأشياء تنطوي على التناقض ولكن
المتناقضات تحتفظ بهويتها وتتفاعل فيما بينها ونتيجة هذا التفاعل أن الجانب الذي
يمثل الوجود السابق هو الذي ينتصر فيؤثر في الجانب السالب أو يطرده من وحدة
العلاقة ويؤول الأمر اليه وهذا ما نفهمه من فلسفة ارسطو فهناك صراع بين نقائض
وأضداد (مجتمعة في وحدة ) وهذه الوحدة تتيح للمتناقضات أن تتفاعل لتتحول وتتغير أي
تتحرك ولا تثبت .. فهذا كله لا يتنافى مع مبدأ عدم التناقض الذي تأخذ به الفلسفة
الكلاسيكية ونحن هنا نفهم ان احد النقيضين في علاقة (الوجود) بـ(العدم) وهو
(العدم) كما يسميه افلاطون أو (الوجود بالقوة) كما يسميه ارسطو يتحول الى وجود لكن
(الوجود) لا يتحول الى (عدم) أي أن احد النقيضين وهو الوجود السابق هو الذي ينتصر
على نقيضه ومن خلال مراحل من عملية النفي أو التجاوز ويبقى بعد انتهاء عملية
الصراع او الحركة وانتهاؤها ، فالحركة ليست أزلية كما يذهب ارسطو(3) .
جدل الوجود بالقوة والوجود بالفعل في
البيولوجيا:
عرفنا
من هذه الحقائق الفلسفية وكذلك مما فصلنا به في بحوث لنا سابقة (4)
ونوجزه الآن أن هناك قانونا عاما يحكم كل الوجود وهو يتضمن عدة مباديء فلسفية منها
: إن التناقض يتخلل الوجود وإن المتناقضات ترتبط بعلاقات التناقض ولا وجود لها
خارج هذه العلاقات أي انها خارج هذه العلاقات عدم وهنا تنشأ علاقة تناقض بين
الوجود (العلاقة) والعدم (أحد طرفيها خارجها) . وكما ان العلاقة وجود فهي حركة
وصورة هذه الحركة صراع بين النقيضين وإن نقيض الحركة (العدم)هو سكون . إن علاقات
التناقض هي علة وجود المتناقضات إذ لاوجود لها خارج هذه العلاقات كما قلنا ، وإذا
كان أحد النقيضين لايتعرف أو يوجد إلا من
خلال هذه العلاقات فهذا يعني أسبقية وجودها على وجود أحد طرفيها ، وإن أسبقية
وجودها على وجود أحد طرفيها تعني أسبقيتها بأحد طرفيها وقد سميناها هنا (أصل
العلاقة) أو (أصل الحركة) أي إن أحد النقيضين (في علاقة الحركة بالسكون أو الوجود
بالعدم) هو العلاقة وهو أصل العلاقة عندما يكون سابقا . إن أحد النقيضين في كل
علاقة سابق على الآخر، وهذا يمثل الوجود،
وإن النقيض الآخر هو العدم قبل أن يخلق ليظهر الى الوجود ويكون وجوداً ظاهراً .
أن أسبقية أحد النقيضين الذي سميناه (أصل العلاقة) أو (أصل
الحركة) على وجود نقيضه الآخر(العدم) الذي يرتبط معه بعلاقة التناقض يجعله وجوداً جوهريا
كامناً لأن النقيض الآخر لم يوجد بعد ليوجد الاختلاف والتناقض ويتميز النقيضان
ويصبح الوجود ظاهراً. فأسبقية هذا النقيض تجعل وجوده كامناً فإذا تحول العدم الى
وجود أظهر صفة الوجود السابق عليه وأصبح هذا الوجود السابق ظاهراً متميزاً.. وقلنا
إن العدم يوجد على مراحل محددة (إذ لا يظهر كل العدم مرة واحدة لأن وجوده وجود
جزئي عكس الوجود الجوهري الكلي) فالهيولى أو ما هو وجود بالقوة يوجد على مراحل كما
ذهب أرسطو ، وان ايجاده كاملا ينتهي بانتهاء هذه المراحل وإذا ما تم ايجاده كاملا
أي أصبح وجودا ولم يعد عدما انتهى التناقض بين النقيضين وانتهت علاقة التناقض التي
تضمهما .
إن الوجود الكامن جوهر او مضمون وبعد أن يخلق نقيضه فإنه يصبح
وجودا ظاهرا ولكنه لايظهر منه الا الجزء المحدود الذي يعادل الجزء المحدود الذي
يخلق من نقيضه ، وهنا تنشأ علاقة تناقض وعلاقة صراع جديدة بين الوجود الكلي الكامن
والوجود الجزئي الظاهر الذي ينطوي على العدم أو الوجود بالقوة مما لم يتحول بعد
الى وجود ظاهر ، وأن علاقة الصراع بين الوجود الكلي الكامن او الجوهر وبين الوجود الظاهر (الذي تحقق جزء منه في
الواقع) تبقى مستمرة ، إذ لا يكون التحول
الى واقع مادي يظهر الوجود السابق مرة واحدة فهذا يحدث على مراحل حتى ينتقل الى
الكمال الذي يمثله هذا الوجود ، أي ان الجوهر يتناقض مع المادة بسبب عدم تحولها
مرة واحدة الى وجود ، واذا كان التناقض صراعاً فإن الصراع يبقى طالما وجد تناقض
بينهما ، بين المضمون والشكل. وإنهما متى ما تطابقا انتهى التناقض وتوقف الصراع لأن غاية
الصراع أن يبلغ بالشكل الى كمال المضمون .
ونحن ندرس هذه
الحقائق من خلال الإنسان بوصفه علاقة بين ذكر وانثى - وهما مختلفان - ومن خلال
الخلايا التي تكون جسمه باعتبار كل خلية علاقة بين عوامل ذكرية واخرى انثوية .. فبالنسبة
الى العاملين الجنسيين الذكري والأنثوي
اللذين تابعنا من خلالهما هذه الحقائق الفلسفية ، فإننا ذكرنا في بحوثنا السابقة
أننا نفترض أن الذكري هو السابق أي ان الأنثوي كان عدما عندما كان السابق موجوداً.
وعندما يوجد هذا النقيض الذي كان عدماً، فإنه تخلق بعد إيجاده العلاقة بينه
وبين نقيضه الذي كان موجودا أو كان له أصل سابق في الوجود والذي سميناه أصل
العلاقة والذي يكون علاقة بعد وجود نقيضه العدم . ونحن نربط بين هذه العلاقة والعامل
الذكري ، فهو علاقة بينه وبين العامل الأنثوي (XY)، ونربط بين العامل الأنثوي (X) والنقيض الآخر الذي كان عدماً والذي
يوجد من العدم.
إن العامل الذكري علاقة(XY) بينه وبين العامل
الأنثوي ، إذ انه يتكون من عاملين مختلفين، وإنه سابق على العلاقة ، أصل للعلاقة .
وعندما يكون أصلاً فإنه يكون بأحد طرفيها، العامل (Y) ثم يوجد نقيضه ليتحول
الى (XY)، أي الى رجل، فالرجل علاقة بين عاملين. وعندما كان بعامل واحد لم
يكـن انساناً، إنما كان وجوداً
يتصل بوجود سابق على الخلق، فعندما نقول إن الرجل سابق فهذا يعني أن له أصله
السابق في الوجود. وعندما يوجد نقيضه أو يظهر يظهر هو كذلك فقد قلنا إنه يتحول الى
علاقة (XY) والعلاقة وجود متعين أو ظاهر .
الرجل
علاقة (XY) وإنه يوجد نوعان من الحيوانات المنوية بعضها تحتوي على نسخة من
كروموسوم (X) وبعضها الآخر يحتوي على نسخة من كروموسوم(Y)ِ. أما البويضة، فإنها
تحمل العامل (X) وحده. فالبويضات جميعها متشابهة حيث تحتوي كل واحدة منها على
نسخة واحدة من كروموسوم (X) فضلاً عن بقية الـ(22) كروموسوماً الأخرى. واذا لقح حيوان منوي
يحمل كروموسوم (X) بويضة فإن الجنين يكون أنثى. أما اذا كان الحيوان المنوي يحمل
كروموسوم(Y) فإن الجنين يكون ذكراً. فالعامل الذكري هو الذي يحدد نوع وجود الطرفين:
الذكر والأنثى .
وقد
عبرنا – في بحوثنا السابقة - عن هذه الأطراف الجنسية المتفاعلة في جسم الإنسان من
خلال المركبات العضوية الموجودة في الخلايا وقلنا إن العامل الذكري يمثل الوجود
الجوهري( لأنه الوجود السابق
وهو مصدر وجود كلا الطرفين الذكري والأنثوي) وهذا
العامل تمثله الحوامض النووية(DNA) التي هي
الوجود الجوهري في الخلية .
ولقد عرفنا في البحوث التي أشرنا إليها أن الرجل يأخذ من العامل الأنثوي ما يساعده
على الظهور وهوالميتاكوندريا إذ يرثها الرجال من أمهاتهم ولا يستطيعون أن يورثوها
، فالعامل الأنثوي تقترن به وحده الميتاكوندريا التي هي معمل الطاقة في الخلية وهي
التي تصنع البروتينات التي هي مادة بناء الخلايا التي يبنى منها الجسم
، ولقد
قلنا إن أهم ما يؤكد تمثيل المرأة للجانب المادي وجانب الظهور هو امتلاك
البويضة للميتاكوندريا دون الحيمن فيتم
توارث جينات الميتاكوندريا الموجودة في البويضة ولا يسهم الحيوان المنوي بأي منها . ولاتقترن بالعامل الأنثوي مادة البناء فقط بل مدة ظهور
هذا البناء وعمره في الأرض فالجينات التي بها يرتبط عمر الإنسان موجودة على العامل
الأنثوي . إن العامل الأنثوي سبب ظهور الرجل وظهور الأنثى وهذا عرفناه في بحوثنا
السابقة .
إن الجينات الذكرية
(الحيامن ) لا تمتلك الميتاكوندريا فيتم توارث جينات
الميتاكوندريا عن طريق البويضة لا عن طريق الحيمن ، فعند تخصيب البويضة يساهم
الحيمن في جينوم النواة فقط إذ ان نواته فقط تدخل البيضة بينما يطرح او يبقى
السايتوبلازم الذي يحوي نسبة بسيطة من الميتاكوندريا خارج البيضة ، وهذا يعني أن
جينات الرجل أو الوجود الجوهري له لاتبارح النواة ونحن نعرف أن نواة أو بذرة كل
شيء تحتوي على الوجود الجوهري له ، فهذا يؤكد أن وجود الرجل وجود جوهري فجيناته
تلازم النواة التي تحتوي على الوجود الجوهري الكامن ، ثم إنه لا يمتلك جينات
الميتاكوندريا التي توجد في السايتوبلازم والتي تعطي الوجود الظاهري للجينات . إن
هناك جزءا قليلا من الميتاكوندريا لدى الحيمن وهو يوجد في القطعة الوسطى منه أوغمد الذيل
وهذا الجزء لا يدخل البيضة ووظيفته أنه يزود الحيوان المنوي بالطاقة التي
يحتاج اليها في حركته السريعة باتجاه البويضة ثم يطرح
السايتوبلازم الذي يحوي هذه النسبة البسيطة من الميتاكوندريا قبل دخول البويضة كما قلنا .
إن الرجل أو العامل الذكري يمثل الوجود الجوهري ونحن
عبرنا عنه بالجينات فهي تمثله ، ولكن الجينات تمثل الأنثى كذلك وجيناتها توجد في
نواة الخلية ونقول نعم فجينات الرجل والمرأة توجد في النواة مادام كل منهما وجودا
إنسانيا يسعى الى التجلي والنمو ولكننا نبحث عما يتميزان به أو يختلفان وهو ما
يعبر عن أصلهما ما دمنا ننظر إليهما من خلال علاقة الاختلاف أو التناقض التي
تضمهما ، فالمرأة تمتلك جينات في النواة ولكنها تتميز عن الرجل بأنها تمتلك جينات
الميتاكوندريا خارج النواة في
السايتوبلازم الذي يمثل المظهر
الخارجي للخلية حتى أنه يسمى الهيولى أي المادة التي تتقبل الجوهر وينعكس فيها
الجوهر وجينات الرجل في النواة فقط وهي التي تضم الوجود الجوهري ، ومن خلال هذا
الفرق عبرنا عن الرجل بالوجود الجوهري وعبرنا عن المرأة بالوجود الظاهري .
.
العامل الأنثوي يمثل إذن الوجود الظاهري ، وإن عملية
توليد الوجود الظاهر وهو ما تمثله البروتينات والمواد المادية التي يبنى منها
الجسم - ترتبط به . ولقد قلنا إن الميتاكوندريا وهي بيت الطاقة ومصنع البروتينات
ترتبط بالجانب الأنثوي لا الذكري. ولهذا تحتاج كل الخلايا سواء كانت خلايا الذكر
أم الأنثى للعامل الأنثوي(X)
. إن الخلايا الجسمية الأنثوية تحتوي كروموسوماتها على
كروموسومين جنسيين أنثويين في حين تحتوي خلايا الذكر كروموسوماً أنثوياً واحداً.
ويبدو أن الخلية
لكي تمارس فعالياتها الطبيعية تحتاج الى وجود كروموسوم(X) واحد بحالة نشيطة
وفاعلة . وفي الخلية الأنثوية يكون أحد هذين الكروموسومين بحالة ممدودة لتأدية
فعالياته . أما الثاني فيبقى في حالة مكثفة وملفوف بشكل رصين وثخين مما يمكن رؤيته
ككتلة صبغية. ويبدو أن هناك ميكانيكية محددة تمنع أحد الكروموسومين من أن يمارس
وظيفته وتبقيه ملفوفاً ومكثفاً وهو ما يسمى بجسيم بار. إن جسيم بار عبارة عن
كروموسوم مكثف وغير فاعل، لأن الخلية تحتاج الى كروموسوم واحد فقط ونعتقد أنه الذي
يرتبط به نشاط الميتاكوندريا وتوليد الطاقة وبناء البروتينات .
إننا نعبر إذن عن
الجانب أو العامل الأنثوي_ في عملية التفاعل الدائر بين العوامل الذكرية والأنثوية
في الخلية_ بالبروتينات والمواد التركيبية الأخرى التي
تعطي الجسم تركيبه الظاهري. ونعبرعن العامل الذكري الذي هو وجود جوهري بالحوامض النووية DNA أي اننا نعبر عنهما من
خلال ما يختلفان به مما يمثل أصلهما . الرجل وجود جوهري ولهذا يحتاج الى المرأة
ليظهر فهو يحتاج الى
البروتينات والتركيبات المادية الأخرى التي تمكن جسمه من بناء وجوده الظاهري ولذلك
يضم اليه في العلاقة التي تمثل الرجل كما ذكرنا العامل(X) الذي أخذه من جانب الأنثى (الأم)
فهو يرث الميتاكوندريا من أمه وليس من أبيه فالرجل وجود جوهري تظهره المرأة وهو
يخرج من المرأة .
إن الحوامض النوويـة والبروتينات تحدد كيمياوياً
هذا التناقض أو الاختلاف الفلسفي الذي بين الوجود الجوهري الكامن والوجود الظاهر.
فالحوامض النووية تحمل الجينات او العوامل الوراثية التي يتكون منها وفي ضوئها الإنسان
أو يوجد، ففيها معلومات تحدد صفاته الظاهرة والباطنة وكل ما يتعلق بوجوده، أي ان
الانسان كائن فيها او كامن فيها، ففيها سر الوجود . لقد وجد الباحثون أن الـDNA هو المادة الوراثية في
نواة الخلية وأنه الحامل الرئيس للمعلومات الوراثية وليس البروتينات او الـRNA في أغلب الكائنات
الحية.
ويرتبط الطرف الآخر (البروتينات) بمعنى الوجود
الـذي يتحقق بنفي العدم أي تحويله الى
(الوجود الظاهر) وهو الوجود المتأخر الذي قلنا إنه يرتبط بالمرأة أو إن المرأة هي
التي تمثله. ويفهم من كلامنا أن البروتينات كانت عدماً قبل أن تصنع ما دامت ترتبط
بهذا الوجود الظاهر الذي يخلق من العدم . والبروتينات لها هذه المواصفات ، فهي من
المواد او الجسيمات التي توجد أو تخلق في الخلية نتيجة لنشاط مكونات الخلية الحية ولعملية
إنتاج أوتحرير الطاقة. وبعضها مفيد تستهلكه في نشاطاتها المتنوعة، وبعضها الآخر
نواتج عرضية للعمليات الأيضية، أي عمليات البناء والهدم. وتقوم الخلية بالتخلص
منها بطرق شتى أو قد تخزن في داخلها، والمح الذي يدخر في البيوض والأجنة هو من هذه
المحتويات غير الحية في الخلية الأنثوية.
فالبروتينات إذن هي ناتج لفعالية انتاج الطاقة
التي تحرر نتيجة التفاعل
لتبنى منها ومن المركبات الأخرى في الخلية المادة الحيوية (مادة الخلايا)، فهي (الممكن الوجود) في لغة الفلسفة أي القابل للتحول
الى الوجود . إن مادة الخلايا تبنى من خلال عمليات تسمى
بـ(الأيض الخلوي) وهو مجموع التحولات الكيميائية التي تحدث بمساعدة الانزيمات في
الخلية وتتضمن عمليات بناء المواد والمركبات المختلفة في الخلية وعمليات تقويض
المواد والمركبات المختلفة . وتتصف عمليات البناء باستهلاكها للطاقة عادة ، بينما يرافق
العمليات التقويضية تحرر للطاقة(5). إن عمليات إنتاج واستهلاك أو تحرير
الطاقة تؤدي الى إظهار الوجود او الى إيجاد الوجود الظاهر الذي تمثله الخلايا أو
مادة الجسم الحي. ومصدر ذلك هو البروتينات وكذلك الإنزيمات التي تساعد هذه
العمليات والتي هي بروتينات كذلك . البروتينات إذن تمثل الوجود الظاهر لا الوجود
الكامن الذي قلنا إن الجينات تمثله.
فالبروتينات ليست حاملة العوامل الوراثية، ولذا يذكر أن لها أهمية بنائية او
تركيبية وأنها بعد تصنيعها تظهر المعلومات الوراثية ، تجلي صفات الإنسان ومعناه او
جوهره الذي تحدده المعلومات الوراثية . أي إن البروتينات هي المادة التي ستتجلى
بها المعلومات الوراثية التي سيصبح بها الكائن الحي انساناً بعد أن كان مجرد
معلومات او جوهراً او معنى او مضموناً. إنها تعطي الصبغيات DNA نمطاً بنيوياً
وتنظيمياً(6). إن الهدف الرئيس للجينات هو اختزان وصفة لصنع جميع أنواع
البروتينات التي هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل . إن
الجينات مسؤولة عن انتاج البروتينات التي يحتاج اليها الجسم للنمو وليؤدي وظائفه
بشكل طبيعي. وعندما تحدث العلماء عن كيفية تكون أجسامنا شبهوا جسم الإنسان ببناية
من الطوب الذي هو الوحدة الأساسية التي يبنى منها جسم الإنسان . وهذا الطوب هو
الخلايا، وهي مؤلفة من مادة هي البروتين التي يحصل عليها جسمنا من الغذاء اليومي
بعد أن تهضمه المعدة ويتحلل الى أحماض أمينية . البروتين يمثل إذن المظهر، ويمثل
الـDNA الجوهر او المعلومات التي يظهرها البروتين. وهما طرفان لا ينفصلان
في بناء الخلية والجسم . لايمكن
للحامض النووي DNA أن
يؤدي وظيفته بدون وجود بروتينات مساعدة أو انزيمات ولا وجود للبروتين بدون ال DNA . الكروموسومات هي كتل
من الحمض النووي الملتفة داخل غطاء بروتيني . وهذه البروتينات تلعب دورا مهما في
المحافظة على هيكل المادة الوراثية وتنظيم نشاط تعبير الجينات الذي يؤدي الى تكشف
وتكوين الفرد الكامل من خلية الزيكوت . البروتينات هي جينات مترجمة , كل بروتين هو
جين مترجم، هو معلومات مترجمة مادياً(7).
ولأن
البروتينات تمثل الوجود الظاهر لذا توجد كمية كبيرة من الماء والبروتينات في
السايتوبلازم الذي يقوم بمعظم أعمال الخلية وهو المظهر الخارجي للخلية(8). ولذلك
يسمى (الهيولى) أي الصورة المظهرية أو المادة التي يتشكل بها الجوهر أو التي تتقبل
الجوهر كما ذكرنا. والبروتين يخلق في السايتوبلازم حيث لا يوجد الـDNA هناك إنما تنسخ المورثة
المحمولة على جزيء DNAعن طـريق شريط
فردي من الـ RNA الرسول لينتقل بها الى السايتوبلازم وهناك تبدأ عملية خلق
البروتين وتترجم الشفرة هناك(9) وتصنع البروتينات من الحوامض الأمينية التي تبنى في
الميتاكوندريا بوجود الريبوسومات التي تلعب دورا مهما في صنع وانتاج هذه
البروتينات التي تشكل المادة البنائية المظهرية للجسم.. إن الميتاكوندريا الأنثوية تترجم الشفرات الجينية عن طريق البروتينات التي
تصنعها أي إنها تغلف المعلومات الجوهرية بغلاف مادي بروتيني . إن هذا يعني ان
المعلومات الجوهرية تأتي من نواة الخلية الى مكون أنثوي هو الميتاكوندريا لكي
يلبسه جسما ماديا مظهريا يتلفع به .
ولولا هذه الميتاكوندريا لا تستطيع الخلية أن تعمل هذا
العمل وكذلك كل الأعمال الحيوية الأخرى لأنها مصدر الطاقة والحيوية للخلية للقيام
بفعالياتها المختلفة فتزود التفاعلات الكيمياوية في الجسم بالطاقة التي تحتاج
اليها ولذا سميت بيت الطاقة أو محطة انتاج الطاقة أومولد الطاقة والبطاريات
الإنزيمية التي تختزن الطاقة . وهي المسؤولة عن أكسدة المواد الغذائية والسكر
بوساطة الانزيمات الموجودة فيها فتستخلص الطاقة من المركبات الموجودة في الخلية
لتنفيذ العمليات المختلفة مثل عملية الأيض او البناء التي تحتاج اليها الخلية
لانتاج أنواع الهرمونات والخمائر والبروتينات التي تلعب دورا فاعلا في وظائف الجسم
ومنها التحكم في تصرفاتنا . ومن الخمائر المهمة التي تصنعها جينات الميتاكوندريا
خميرة السايتوكروم سي_ اوكسيديس ومادة ATPعظيمة
الطاقة التي تعد مصدرا سهلا وسريعا للطاقة إذ تحررها بشكل كبير في أي مكان في
الخلية يحتاج الى طاقة (10)..
إن التفاعل
بين العوامل الذكرية والأنثوية إنما هو تفاعل بين النواة والسايتوبلازم إذ توجد
الجينات الذكرية في النواة لأنها تعبر عن وجود جوهري وتوجد الجينات الأنثوية التي
تعبر عن وجود ظاهري في النواة وفي السايتوبلازم في الميتاكوندريا الأنثوية . أن
الميتاكوندريا تمتلك نظاما جينيا خاصا بها مكونا من 37 جينا , فهي الجسيم الوحيد
في الخلية الذي يحتوي الDNA خارج النواة ، ومن أجل ذلك جاء
اسمها فهي توجد في سايتوبلازم الخلية لا في نواتها وهذا يساعدها على الانقسام في
داخل السايتوبلازم دون الحاجة الى انقسام الخلية.
ولهذا يصفها بعض الباحثين بأنها خلية مستقلة في داخل الخلية وهكذا يبدو التفاعل
أوالصراع بين النواة
والسايتوبلازم كأنه تفاعل بين خليتين مستقلتين ،
ففي حين يتكون الDNA في النواة من
خليط شفرتي الأم والأب تكون للميتاكوندريا نسخة خاصة من الشفرة الوراثية تتعلق
بعملها في توليد الطاقة وتكوين البروتينات وغير ذلك مما يتعلق بحفظ حياة الخلية .
ولأن ال DNAالموجود في الميتاكوندريا يتكاثر بالانشطارمثل البكتريا
فلا يطرأ على الDNA الذي
تحتويه تغير في أثناء انشطارها فهو عديم
التغير تقريبا من جيل لجيل بينما يكون التغير في DNA النواة الذي يحدد طول قاماتنا ولون أعيننا وصفاتنا
الأخرى أمرا ملازما .
أن هناك تفاعلا بين عمل الDNA في
الميتاكوندريا و الDNA
في النواة ولكنه يتصل بنوع محدد من المعلومات في كل منهما. والذي يدعو الى التفاعل
أن ما يحمله DNA
النواة من معلومات لابد من أن يترجم من خلال البروتينات التي تصنع من خلال عمل
الميتاكوندريا ، أي ان عمل DNA الميتاكوندريا يتصل بإنتاج الطاقة وصناعة البروتينات لا
بالمعلومات الوراثية الأخرى الموجودة في جينات النواة، فنوع المعلومات الوراثية في
كل منهما مختلف ولكنهما متعاونان ومشتركان بالمعلومات التي تتصل بانتاج الطاقة
وصناعة البروتينات التي تحتاج إليها الجينات لتتجلى . الميتاكوندريا تعطي مادة
بنائية خارجية لا دخل لها في تكوين صفات الفرد الجوهرية . إنها لا تنقل صفات
وراثية تحدد خلقة الانسان الراسخة والمميزة له إنما هي صفات تتعلق بعملية بناء
الخلايا ومستوى الطاقة والمادة المتوفرة لذلك وما تتعرض له الخلايا من خلل وأمراض
مما يتصل بعمل جهاز الطاقة والبناء الذي هو الميتاكوندريا وهذا هو تفسيرنا لعمل
ودور الDNAالذي تحتويه فهو يتعهد بالجانب البنائي الشكلي للإنسان
في حين يتعهد DNA
النواة بالجوانب الجوهرية له .
إن التفاعل بين
النواة والسايتوبلازم إذن إنما هو تفاعل بين الجوهر الكامن الذي يسعى الى التجلي
والمظهر الذي يريد أن يتلفع به ليخرج الى الحياة ولهذا توصف الميتاكوندريا بأنها
لولاها لا تكون الحياة _وهذا يؤكد وصفنا السابق لدور الحمض النووي فيها _ فلولاها
يكون الانسان مجرد معلومات جوهرية كامنة في العوامل الوراثية لآبائه ولا يكون
وجودا ظاهرا . فالوجود الظاهر يرتبط بالميتاكوندريا وهذه ترتبط بالأنثى فقط
ولولاها لا تستطيع الخلية أن تعمل لأنها مصدر الطاقة والحيوية للخلية للقيام
بفعالياتها المختلفة .
إن التفاعل بين النواة والسايتوبلازم كالتفاعل بين
الجوهر أو الصورة والهيولى وهو تفاعل مستمر دائم لصناعة المادة أو الخلايا الجديدة
التي هي عبارة عن تجل للجوهر الذي تتضمنه الجينات وهذا مستمر باستمرار الحياة ولا
يتوقف إلا عندما يتجلى الجوهر تماما وعندها تنضب الطاقة اللازمة لصناعة البروتينات
وتشيخ الميتاكوندريا وتضعف وعندها تنتهي حياة الخلايا ويموت الأنسان . فبتقدم
العمر تتشوه الميتاكوندريا وتتضاءل وينعدم فعلها وتقل الطاقة الخلوية وتكون
الشيخوخة التي يصحبها الوهن ثم تموت الخلية . وتظهر الشيخوخة على الحمض النووي
للميتاكوندريا الذي ينهكه انقسام الخلايا المتكرر فيصبح هشا رقيقا . وعندما ينضب
مصدر طاقة الخلية وتشيخ الميتاكوندريا يشيخ الجسم كله ويكون هذا سببا لتضاؤل
الأنسجة والعضلات التي تحتاج الى طاقة كبيرة للقيام بالأعمال الفيزيائية البدنية .
إن هذا يعني أن حياة الميتاكوندريا وتقدمها في العمر وشيخوختها ترتبط بعملية صرف الطاقة وبعملية انقسام الخلايا التي
هي عملية صرف للطاقة(11) وبالتقدم
بالعمر الذي يرتبط بعملية انقسام الخلايا .
إن التفاعل بين النواة والسايتوبلازم يستمر حتى يتجلى
الجوهر تماما أي حتى تستنفد كل الطاقة الكامنة (الوجود بالقوة) أو تستنفد كل
المادة التي تخلق من خلال عملية انتاج الطاقة الكامنة . إن عمليات تجلي الجوهر
تحدث من خلال عمليات انقسام الخلايا التي لها امد محدد هو مقدار عمر الانسان فهي ترتبط بعملية التقدم في العمر فهناك برنامج
داخلي يحدد عدد مرات انقسام الخلايا ثم يقف هذا الانقسام وتموت الخلية. وهذا معناه
أن هناك عمرا محددا للطاقة او مستوى محددا لها وأن هذا المستوى يستنفد باستمرار
عملية انقسام الخلايا والتقدم في العمر، فهذا المستوى المحدد يرتبط بعمر الانسان
فهناك انقسام مبرمج للخلايا وهناك تقدم مبرمج لعمر الإنسان وهناك وقت محدد لعمر
الإنسان وهناك خزينا محددا للطاقة يكفيه مدة عمره فقط .
إن برمجة انقسام الخلايا وبرمجة صرف الطاقة من أجل هذا
الانقسام ثم برمجة عمر الإنسان كل ذلك يرتبط بالأنثى دون الذكر. فلقد وجد الباحثون
أن العوامل البيولوجية التي تحدد مدة ظهور الوجود الإنساني أي عمر الانسان ترتبط
بها ، فالجينات التي تحدد عمر الانسان ترتبط بالعامل الأنثوي X . لقد بَين العلماء أن هناك جدولة
لعمر الانسان في داخل الخلايا وأن قدره محتوم من خلال انقسام محدد للخلايا . وهذا
القدر من الانقسام قد رسم وحتم في جينات الخلايا نفسها وأن الجسم يستهلك نفسه
بموجبه مع كل انقسام من خلال ساعة بيولوجية تدق مربوطة الى منبه انذار الموت. فكما يربط منبه الساعة الى وقت محدد فإذا دخل الوقت استيقظنا على
رنينه فهنا منبه الموت يدعونا من داخل
الخلايا للرحيل .
لقد
حددت الساعة البيولوجية عمر الإنسان من خلال عدد مرات الانقسام في الخلايا ، فخلايا
كل كائن حي تنقسم عددا محددا من المرات ثم تتوقف بعدها عن الانقسام وتهرم وتموت .
وتخلفها خلايا أخرى تنقسم عددا محددا من المرات ثم تتوقف عن الانقسام وتهرم وتموت
، وهكذا حتى تستنفد كل الطاقة .. فهناك مدة محددة لحياة الكائن الحي وهناك مدة
محددة لحياة خلاياه وهناك طاقة محددة . إن خلايا جسم الانسان تتجعد وتموت بعد نحو
50_70انقساما . وإن الذي يحدد عدد مرات انقسام الخلايا هو ما يسمى بالتيلومير وهو
قطع مكررة من الحمض النووي TTAGGG
تقع في نهاية الكروسومات وأهم وظائفها هو منع الكروموسومات من أن تفقد
متتاليات أساسية عند نهاياتها وتقوم
بحماية تلك الكروموسومات . وتعتمد التيلوميرات في عملها على إنزيم يسمى
التيلوميراز الذي يجب ان يتوافر بكميات مناسبة . ومع كل انقسام خلوي يفقد جزء من
التيلومير فيتقلص طوله إذ يفقد في كل انقسام نحو مئة وحدة من مكوناته وبعد عدد
معين من الانقسامات تصبح التيلوميرات أقصر من أن تسمح للخلية بمعاودة الانقسام
وترميم الأجزاء المفقودة من الكروموسومات فتومئ للخلية بالتوقف عن الانقسام ثم
تبدأ بالاضمحلال والموت . إذن فالتيلومير يعمل مثل الساعة البايولوجية التي تدق في
كل خلية والتي توقف انقسام الخلية وتؤدي الى الشيخوخة والموت. ونحن نضيف الى هذا
الوصف بإن التيلومير هو وصفة تحدد مقدار الطاقة المقرر انتاجها لكي تصرفها الخلية
في عملية الانقسام وإذا توقفت الخلية عن الانقسام فهذا يعني انتهاء الطاقة المخصصة
لهذه الخلية أو انتهاء لعمرها . ونستطيع
أن نصف الجينات التي تشرف على عملية بناء التيلوميراز الذي يعتمد عليه التيلومير
بأنها العقل أو الجوهر الذي يرتبط بالطاقة الكامنة في جسم الانسان أو الوجود
بالقوة أو العدم الذي يراد تخليقه وهو الذي يعطي الأمر بذلك .
إن الانزيمات
التي تقوم بمضاعفة الDNA
في أثناء عملية الانقسام الخلوي لا تستطيع نسخ الكروسومات على مدى طولها حتى
الأطراف بل انها تترك دوما في كل دورة تضاعف منطقة صغيرة عند النهاية (قطعة من
التيلومير) من دون نسخ وهذه القطعة أو هذا الجزء تمثل مقدار وحدات الطاقة الكامنة المقرر صرفها على
عملية الانقسام ، ففي كل مرة ينسخ فيها كروموسوم يحذف جزء من التيلومير . ولا بد
للتيلومير من أن يتآكل مع توالي عمليات الانقسام وبالتدريج يقل في أجسامنا طول
التيلومير وتبدأ الخلية في الدخول في طور الشيخوخة والانهيار. ولكن الخلية تمتلك
طريقة حيوية للتعويض عن طريق الإنزيم الباني للتيلومير وهو التيلوميراز. فهذا
الإنزيم هو الذي يمكنه ترميم الأطراف البالية للكروموسومات وإعادة تطويل
التيلوميرات وانه بهذا يكون في الخلايا كأنه إكسير الحياة الخالدة. وتقوم الخلايا
الجنينية فيما قبل مرحلة التمايز الخلوي بصنع انزيم التيلوميراز واليه تعود قدرتها
على الانقسام والتكاثر. وما أن يكتمل تكوين الجنين حتى يتم كبت وإيقاف تشغيل
الجينات التي تصنعه في كل أنسجة الجنين فيما عدا أنسجة محددة . ولقد اكتشف العلماء
أنه باضافة انزيم تيلوميراز الى كروموسومات الخلية فإن الخلايا تستمر في الانقسام
دون أن تظهر أية علامات على الشيخوخة والموت . وقد يتعرض عمل جين التيلوميراز الى الاضطراب
فتستمر الخلية في التكاثر بدون ضابط وبلا توقف مسببا مرض السرطان . والخلايا
الطبيعية المتخصصة لا يمكن لها أن تنتج انزيم التيلوميراز ولكن يمكن ذلك للخلايا
الجنسية والإنجابية وكذلك للخلايا السرطانية وهو ما يجعلها تنمو باستمرار .
لقد أكد العلماء أن الجينات المؤثرة في طول عمر
الانسان والتي ترتبط بالتيلومير والتيلوميراز ترتبط بالكروموسوم الأنثوي X . وهذه الجينات تنتقل من الآباء
والأمهات الى أولادهم من خلال الكروموسوم الجنسي X . وهذا تأكد للعلماء من خلال
مقارنة العلاقة بين طول شريط الحامض النووي عند الاطفال وعند أي من أبويهم .
وعندما تم قياس ذلك وجدوا علاقة واضحة في طول هذا الشريط بين الأمهات وأبنائهن من
الذكور ولم تكن هناك علاقة واضحة بين الآباء وأبنائهم من الذكور . وذلك يشير الى
أن الجينات المؤثرة في طول العمر وأمراض الشيخوخة موجودة على كروموسوم X . إن تأثير هذه الجينات يكون بنسبة القصر في طول شريط
الحامض النووي وهذا يؤثر في طول العمر وفي ظهور أمراض الشيخوخة (12). .
وهكذا نرى أن العامل الأنثوي الذي تقترن به وحده
الميتاكوندريا ، هو الذي يعطي للانسان مظهره الخارجي لأن الميتاكوندريا هي
المسؤولة عن انتاج الطاقة _ التي أمر بصرفها الجين المسؤول عن التيلوميراز وحدد
مقدارها بتحديد عدد القطع المصروفة من التيلوميرات _ ثم إن الميتاكوندريا هي المسؤولة عن صنع
البروتينات والمواد الأخرى التي هي المادة الخارجية للجسم وعندما تتضاءل الميتاكوندريا
وتضعف تضعف خلايا الجسم وتمر بمرحلة الشيخوخة فالموت ، كما أن هذا العامل الأنثوي ترتبط به مدة عمر
الانسان ومستوى الطاقة المخصص لمدة هذا العمر أي مدة ظهور الأنسان على الأرض لأنه
تقترن به الجينات التي تتحكم بمدى انقسام الخلايا عن طريق تحديد عدد الوحدات
المفقودة أو المصروفة من التيلوميرات .
مرض
السرطان :
ذكرنا
في استنتاجنا الفلسفي أن الصراع او التفاعل بين النقيضين يرتبط بغاية هي نفي أحد
النقيضين للآخر من وحدة العلاقة التي تجمعهما ، والنفي لا يعني هدماً فقط ، بل هو
بناء . فالنقيض الغالب الذي قلنا إنه السابق وإنه (الوجود) ينفي نقيضه العدم أو السلب الذي في العلاقة وينتج من عملية نفي العدم (وجود)
مادي يعكس الوجود السابق أي انه يحيل العدم الى وجود مادي أو يبني منه وجودا ماديا
. وهو ينفيه أو يبنيه على أجزاء أو مراحل . وهو في نفي كل مرحلة يوجد العلاقة (
التي هي الخلية هنا ) ثم ينفي نقيضه (العدم ) من تلك العلاقة بأن يوجد (الوجود)
الذي هو هنا البروتينات والمواد المادية الأخرى ، وهكذا… وتبقى العلاقات أو
الأجزاء أو المراحل تتراكم حتى الوصول الى أعلى مرحلة او أعلى علاقة ، وبنفي نقيضه
منها او بتجاوزها تنفلت علاقة التناقض العامة التي كانت تضمه الى نقيضه، والتي تضم كل العلاقات الأجزاء
(الخلايا ) .
تقول
المصادر العلمية إن السرطان مرض تنقسم فيه الخلايا انقساماً غير منتظم، فوضويا. وتستمر هذه الخلايا في
الانقسام ولا تتعرض للتثبيط الذي تتعرض له الخلايا العادية. وهذا الانقسام
والاستمرار فيه دون توقف يؤدي الى خرق بالغ للوظيفة الحيوية لتلك الخلايا ، ومن ثم
الأعضاء والأنسجة المختلفة التي تكونها ويقود الى الموت .
أن السرطان يتصل بعلم
الأورام لأنه ورم، أي ازدياد في انقسام الخلايا وازدياد في صنع الخلايا. وقد ذكرنا
أن صنع الخلايا يعني تحويل العدم الى وجود ظاهر، تحويله الى مادة تعكس مضمون وجوهر
الإنسان . وإننا نلاحظ من دراسة ما يجري في الخلية أن هناك ارتباطاً بين عملية
انقسام الخلية وعملية تكوين البروتين التي قلنا أنها تعني نفي العدم و ايجاد
الوجود المادي الظاهر ، وتعني تحويل الوجود الكامن الذي تمثله جزيئة الـ DNA الى وجود ظاهر تعبر عنه
البروتينات فتتضاعف مادة الـ DNA في داخل نواة الخلية وتترجم الى بروتينات في سايتوبلازم الخلية عن طريق M_RNA مما يستدعي انقسام الخلية وظهور خلية جديدة.
لقد
بينا أن الشفرة الوراثية في الـ DNA تنتقل بطريقة الاستنساخ الى الـMRNA إذ
يعمل الـ
DNA
بمنزلة قالب للـMRNA، وبانتقال الـ MRNA الى السايتوبلازم فإنه يحمل تلك الشفرة الى المكان الذي يتم فيه
صنع المواد البروتينية ليترجم الرموز التي يحملها في صناعة البروتينات ، وهذه
العملية تسمى بالترجمة . وهكذا فإن الجينات التي هي وحدات من جزيء الـ DNA تحدد شكل ونوع وخواص
جزيء البروتين وبهذا تسيطر على فعاليات الخلية.
إن
الشفرة الوراثية في سلسلة الـ DNA تنتقل بالاستنساخ الى MRNA وهذه تنقلها بالترجمة
الى البروتين، أي ان البروتين المصنوع يشبه الشفرة او المعلومات الموجودة في الـ DNA. إن هذا يعني أن انقسام
الخلية يرتبط بغاية هي إيجاد بروتين يشبه الوجود الذي يمثله جزيء الـ DNA، إيجاد وجود ظاهر يشبه
الوجود الكامن، يشبه المعلومات المخزونة في جزيء الـ DNA وبذلك يتشابه الوجود الظاهر المخلوق من العدم مع الوجود الجوهري
وتنتهي علاقة التناقض بين الوجود والعدم التي كانت تمثلها الخلية .
إن
الخلية تنقسم وإن انقسام الخلية او انتهاء علاقة التناقض بين الوجود الكامن(
الجوهر) والعدم الذي
تحول الى وجود ظاهر يشبه الوجود الكامن لا يعني موت الخلية التي تولدت منها خلية
جديدة _ وهي علاقة تناقض ـ او انتهاء وجودها، لأن هناك علاقة تناقض كلية لم تنته
بعد بين كل الوجود الكامن في الجسم وكل العدم أوالمادة (التي ماتزال لم تعكسه
تماماً لما فيها من سلب او عدم) ، وهذا الوجود الكلي للوجود الجوهري وللعدم يحدده
عمر الإنسان الذي يرتبط بمستوى الطاقة الكامنة _ أو العدم الذي لم يخلق بعد _ فيه
، فتبقى الخلايا محتفظة بكيانها في بنية الجسم وتبقى عملية توليد خلايا جديدة
مستمرة حتى انتهاء علاقة التناقض العامة التي يعني انتهاؤها موتاً للجسم الانساني،
لأنها هدم للأساس الذي يبنى عليه ، وهذا الأساس هو كونه علاقة بين الوجود والعدم .
ونرى أن انتهاء علاقة
التناقض العامة في الجسم تتمثل بمرض السرطان ، فلقد ذكرنا أن المصادر الطبية تعرف
السرطان بأنه ورم ، أي انه ازدياد في صنع الخلايا. وقد ذكرنا أن صنع الخلايا يعني
تحويل العدم الى وجود ظاهر، تحويله الى مادة تعكس مضمون وجوهر الإنسان أي تحويل
العدم الى وجود يشبه الوجود الجوهري السابق وانتهاء التناقض بينهما . إن
البروتينات ومواد مادية أخرى قبل تصنيعها هي عبارة عن مادة غير حية بلا مضمون ولا
جوهر ولا تعبر عن معنى . وبعد تصنيعها تعكس المعلومات الوراثية وتعبر عن معنى
الانسان ، وهنا نذكر بمعنى العدم كما استخدمه الفلاسفة اليونانيون فهو القابل
للتشكل وتلقي أفاعيل الجوهر فيه وعكس الجوهر وتحويله الى وجود ظاهر.
فالسرطان هو تحويل كل ما يمكن أن يوجد من العدم
(الطاقة الكامنة) في الجسم وفي خلال عمر الإنسان كله ، تحويله الى وجود ظاهر،
فيتطابق هذا الوجود الظاهر مع جوهر الوجود او المعلومات التي تختزنها جزيئات الـ DNA، وعندها تنتهي علاقة
التناقض العامة (بين الوجود والعدم) لتنتهي بانتهائها كل علاقات التناقض الأجزاء(الخلايا)..
إن
السرطان يعني تشابهاً بين الجوهر والمادة، يعني تحويل كل الجوهر الى مادة، حيث
يسعى هذا النقيض الفعال الـDNA الى أن يحيل العدم
الكامن في الجسم او الطاقة الكامنة فيه الى بروتينات ، أي الى وجود مثله، يعكسه،
في عملية الصراع بينهما لتنتهي العلاقة التي يمثلها الإنسان أو خلاياه .
وإذا
كان الانقسام المستمر للخلايا أو للعلاقات أو توليدها، توجهه غاية هي إظهار كل الجوهر الكامن عبر خلق الخلايا أو العلاقات حتى آخر علاقة او خلية، فإن بلوغ هذه الخلية أو العلاقة الأخيرة يعني
انتهاء كل العلاقات التي بقيت تحتفظ بكيانها ضمن بنية الجسم لأن علاقة التناقض
العامة لم تنته بعد . وهذا
يعني أن الجسم الإنساني سيشهد ـ من خلال تطور الصراع وتكرار تكون الخلايا التي هي
علاقات جديدة تخلق من خلال تطور هذا الصراع ـ سيشهد الإنقسام الأخير الذي يعني إنتهاء
كل علاقات التناقض التي يتألف منها وهي الخلايا. وهذا يعني موته كما قلنا، لأنه
مبني على أساس هذه العلاقات . وإن مظهر حدوث ذلك الإستنفاد الكلي المؤدي الى الموت
يتمثل كما نرى بالانقسام السرطاني الذي يعني استنفاد كل الطاقة أو كل السلب
الموجود في الجسم لخلق ما يعادل كل الجوهر الكامن فيه من الوجود الظاهر. وهذا
الاستنفاد الذي يحدث في السرطان لا يحدث وفقا للبرنامج الوراثي الذي يقتضي التدرج
في عملية صنع الخلايا والتدرج في عملية الاستنفاد والصعود في هذه العملية الى حين
انتهاء عمر الإنسان ، إنه يعني صنع كل الخلايا التي يستطيع الإنسان أن يصنعها في
عمره في وقت واحد أي انه استعجال لعملية صنعها كلها ، فهو لا يعني الاستنفاد الذي
يراعي الزمن والذي تشرف على عملية حصوله أو توقيته ساعة الزمن في الجسم الإنساني
أي التيلوميرات إنما يعني حصوله مرة واحدة . وهذا يفسر لنا سبب وجود التيلوميراز
في الخلايا السرطانية هذا الإنزيم المرتبط بعمل التيلومير والذي لا يوجد في
الخلايا الطبيعية إنما في الخلايا التي تشهد زيادة في عملية الانقسام كالخلايا السرطانية
لأنه الموجه أو الآمر بصرف
وتحديد عدد وحدات الطاقة المصروفة التي هي قطع أو أجزاء من التيلوميرات ،
أي إن السرطان هو خلل في جهاز التوقيت الزمني أو جهاز الأمر والاشراف على صرف
الطاقة الذي هو التيلوميرات والتيلوميراز والجينات
المشرفة على انقسام الخلايا بما يجعلها
تمضي في عملية الانقسام بلا توقف حتى صرف كل الطاقة الكامنة المسجلة لديها والتي
تشرف على عملية صرفها في خلال العمر كله . وهذا الخلل يرجع الخلايا الى مراحل
سابقة كانت قد تجاوزتها عندما كانت عامة وقبل أن تتخصص . إن هذا يفسر لنا حقيقة إن
السرطان يلغي تخصص الخلايا فتصبح عامة، لأنه يتطلب خلية عامة يستنفد منها الإنسان
كاملا، كل مافيه من مادة وطاقة كامنة لإظهار وجوده وجوهره الكامن كله فالخلايا
المتخصصة لا تستطيع صرف هذا المقدار الهائل من الطاقة إنما تصرفها بقدر محدود هو
القدر الذي يسمح لها بالقيام بعملية انقسام الخلايا لمدى محدد ولمرات معدودة من الانقسام أما الخلية العامة
فهي تنقسم بلا توقف إذا لم تكبت قدرتها على الانقسام ولهذا تعود الخلية السرطانية
الى حالة الخلية العامة فالسرطان عودة أو تراجع في عملية تطور الخلايا وذلك لكي
تسترد الخلية قدرتها على صرف الطاقة وتسترد امتلاكها للتيلوميراز الذي سبق وان
أغلقت مفاتيحه وكبتت جيناته في الأنسجة المتخصصة التي تقدمت اليها الخلية بعد
عملية انتقالها من كونها خلية عامة الى كونها خلية متخصصة . ولهذا تشبه الخلية
السرطانية الخلية الجنينية في كونها عامة وفي انقسامها المستمر(13)،
فهي تنقسم باستمرار لاستخراج كل الطاقة ولبناء كل البروتينات التي يستطيع الجسم
بناءها في خلال عمره كله .
إن
انقسام الخلايا حالة طبيعية مستمرة في الجسم لبنائه او لتعويض التالف منه . ولكن
هناك مظهراً لنمو الخلايا ولانقسامها في الجسم يتمثل بمرض السرطان الذي يعني الموت
المحقق للانسان لأنه يعني انتهاء علاقة التناقض العامة التي يقوم عليها الجسم
الانساني بين الوجود والعدم بإخراج كل العدم أو نفيه كله بتحويله كله الى وجود
ظاهر. إن الدراسات تصف السرطان بأنه تأيين لذرات الجسم، أي تغيير تركيبها وقطع
العلاقات القائمة بين مركباتها واخراج طاقتها وهي الجانب السالب في العلاقات التي
تمثلها ذرات الجسم أيضا، وذلك عندما يتعرض الجسم الى ما يؤين ذراته . واذا نظرنا
الى الجسم على أنه علاقات من خلايا وليس من ذرات ، فإن الدراسات تصف السرطان بأنه
نمو او انقسام مستمر للخلايا. وقد قلنا إن الخلايا تولد باستمرار ويتم تجاوزها لكي
يتم استخراج كل ما في الجسم من سلب أو طاقة كامنة مما لم يتحول بعد الى وجود ظاهر،
نفيه كله ، أي كل ما يستطيع صنعه وعلى امتداد عمره . وهذا النفي الكامل يتمثل بمرض
السرطان . واذا كان السرطان يعني نفي الجانب السالب من الجسم تماماً، فإنه يعني
انتهاء علاقة التناقض العامة بين الوجود الجوهري والسلب او العدم في الجسم التي
بانتهائها تنتهي أو تموت كل علاقات التناقض الأجزاء التي تنضوي تحتها (أي خلايا
الجسم من أعلى خلية الى أول خلية) والتي بقيت تحتفظ بكيانها لأن علاقة التناقض
العامة لم تنته بعد . واذا كان التناقض هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الجسم أو بناء
خلاياه، فإن انتهاء التناقض يعني انتهاء هذا الأساس أي انهدام هذا الأساس ولذلك
يعني السرطان الموت المحقق .
إن
الفرق بين الإنقسام السرطاني والإنقسام الطبيعي للخلية أن الانقسام السرطاني يعني
تحويل كل الوجود الكامن في الجسم الى وجود ظاهر. أما في انقسام الخلية فإنه يعني
تحويل نسبة منه تمثله مادة الـDNA الموجود في تلك الخلية
والتي تتضاعف قبل انقسام الخلية ليحل نصفها في الخلية الجديدة المتولدة عن الإنقسام
او ليتجلى من خلال الخلية الجديدة التي تمثل وجوداً مادياً ظاهرا ً. فالسرطان هو
تحويل كل ما هو ممكن الوجود في الجسم الى وجود ظاهر، تشابه كل الوجود الظاهر مع
جوهر الوجود او المعلومات التي تختزنها جزيئات الـDNA. ولقد قلنا إن هذا يعني
بناء متواصلاً للخلايا يستغرق كل مدة عمر الإنسان حتى الوصول الى آخر خلية يستنفد
من خلالها آخر نسبة من العدم او الطاقة الكامنة.. إن هذه الخلية الأخيرة تعني أن
عمر الإنسان لابد أن يصل الى نهاية وهذة النهاية محددة في داخل الإنسان كما ذكرنا
في (جهاز الأمر والاشراف على صرف الطاقة) أو في الساعة البايولوجية التي تدق في كل
خلايا الجسم الإنساني .
والجسم الإنساني ومن خلال
القانون العام الذي يحكمه لديه القدرة على صنع عدد هائل من الخلايا. فعدد الخلايا
التي يصنعها الجسم في اثناء الحياة كبير جدا ، وهناك ـ ضمن القانون
العام الذي يحكم وجود الإنسان او حياته ـ معدل لحياته او لعمره، فهناك حد لعمره. فالزمن هو أحد ابعاد المادة، هو
البعد الرابع لها. وللجسم الإنساني بعد زمني او عمر يحدده بسنين معدودة، وهو ضمن
هذا الحد وفي خلال العمر المحدد له يصنع مقداراً من الخلايا يتفق وهذا العمر. وهذا
يعني أن صنع الخلايا له مدى، وأن النمو له حدود (14)، ففي التنامي
الطبيعي للانسان يصل نمو الخلايا الى حد او نقطة معينة يبلغ فيها ما حدد له من مدى
ويدعى عندها الى التوقف . وهذا المدى يرتبط بالعدم أو الطاقة الكامنة في الإنسان، أوبالمادة
التي من الممكن تصنيعها لتخلق خلايا جديدة، يرتبط بمقدار البروتينات غير المخلقة
فيه. وهذا المقدار يرتبط بالمعلومات التي تتضمنها الجينات الوراثية عن مقدار ما
يصنعه الجسم الانساني من خلايا في مدة حياته . يرتبط بالبرنامج او القانون العام
الذي يصنع الإنسان في ضوئه وعلى وفقه والذي يوجد كمعلومات جوهرية مكتوبة على
الجينات الوراثية وهو يضع حدوداً لعمر الانسان كما يحدد كل شيء فيه . وتبين قراءة
العلماء للجينوم البشري أن كل نوع من أنواع الكائنات له برنامج يخطط لزواله . إذ
يبدو أن كل نوع من أنواع الكائنات يأتي وقد جهز بهذا البرنامج الذي اختير ليناسب
مدى ما يتوقع له من الحياة والعمر(15)، أي ان هذا البرنامج يحدد نهاية
لعمر الإنسان حتى لو سلم من كل الأمراض التي تؤدي الى الموت ، ومن كل الاحداث التي
تؤدي اليه ، فهنالك برنامج يخطط لموته . وهذا البرنامج يرتبط ـ في تفسيرنا ـ بكمية
ما يصنعه الجسم من الخلايا، فكل خلية تصنع هي درجة على سلم الصعود الى النهاية
المحتومة . وإن قدرة الجسم على صنع الخلايا لها حد تنضب فيه وإن بلوغ هذا الحد
يعني شيخوخة الجسم وموته. ولذا يقال إن تضاعف الخلايا يؤدي الى شيخوخة الخلايا لأنه نضوب لطاقتها،
والسرطان يرتبط بما تعنيه الشيخوخة ، فإذا كانت هذه تعني لدينا فيما تعنيه نضوباً
في الطاقة او القدرة على صناعة البروتينات التي يمكن تحويلها الى خلايا جديدة فإن
السرطان يعني كذلك الشروع في هذا النضوب أو السعي اليه ، ولكنه يختلف عنها بأن هذا
النضوب لا يحدث تدريجا وإنما مرة واحدة وإن
هنالك محفزات تؤدي الى هذا النضوب خارج البرنامج الطبيعي للإنسان . وإن وجود هذه
المحفزات يؤدي الى إخراج كل الكمية التي أعدها البرنامج الذي صمم عليه الإنسان .
وهذه الكمية تشمل كل ما يمكن للجسم أن يصنعه في خلال عمره من البروتينات والمواد
البنائية الأخرى. فهذه المواد التي كانت غير مصنعة وطاقة كامنة تصنع عن طريق توليد الخلايا الجديدة بدون حاجة
الجسم الى هذا . إذ إن الجسم يصنع ما يحتاج اليه من خلايا في عمليات البناء او إعمار
التلف. أما أن يصنع الخلايا بلا انقطاع، فذلك ما لا يحتاج اليه، بل على العكس إنه
وسيلة لتدميره . إن السرطان انفلات في عملية صنع الخلايا(16) وتزايدها
الى ما لانهاية وحتى إخراج كل ما يختزنه الجسم من طاقة كامنة او بروتينات من
الممكن تصنيعها، وحتى استنفاد كل قدرته على صنعها. ولهذا يشهد الجسم ورماً سببه
تزايد صنع الخلايا. وينسب السرطان الى أمراض الاورام ـ كما قلنا ـ والورم نمو
ولكنه نمو غير مسيطر عليه إذ إن الخلايا تنسخ نفسها وتتزايد بحماس ، لذلك فإن الأنسجة
التي تكون معرضة بوجه خاص للسرطان هي تلك التي تنزع لأن يكثر فيها انقسام الخلية
طيلة الحياة إما للترميم او لأسباب أخرى كما في الجلد والثدي والقولون والمعدة
وخلايا الدم البيضاء. إن السرطان مرض في جهاز انقسام الخلايا ولذلك يوصف السرطان
بأنه مرض للجينات التي تشجع نمو الخلية وهي الجينات الورمية. وهو مرض للجينات التي
تكبح الورم، ولذا فإن العطب الذي يصيب جين تي بي(53) الكابح للورم هو علامة على
وجود سرطان قاتل، ولهذا يكتسب هذا الجين لقب حارس الجينوم(17).
إن
السرطان إذن انفلات في النمو يعني تعطيل كل ما يكبح هذا الانفلات . والنمو يعني
صنع الخلايا، وصنع الخلايا يعني صنع البروتين . ولهذا يرتبط السرطان بزيادة تكوين
البروتين ، ولهذا تشبه الخلايا السرطانية الخلايا الجنينية في أنها تنمو بسرعة
مثلها ، وأنها من أجل ذلك تنتج كميات كبيرة من البروتينات. ولهذا تبدو النوية التي
هي جسم صغير يقع عادة حول مركز النواة أكبر حجماً في هذه الخلايا النشيطة في تكوين
البروتينات، لأن النوية هي محل تكوين الرايبوسومات التي هي بدورها تكون بمنزلة
المعمل الذي تبنى فيه البروتينات(18). إن السرطان هو استنفاد صنع
البروتين الذي يمثل جانب العدم او جانب السلب او جانب الطاقة . وهذا هو غاية
التفاعل او الصراع بين طرفي الاختلاف او الصراع في الجسم . فعملية الصراع أو
التفاعل التي قلنا إنها تدور بين الكروموسومات
الذكرية والكروموسومات الأنثوية وهو ما يسميه العلماء بالحرب البيولوجية في خلايا الجسم هدفها تحويل العدم او الوجود
الذي لم يخلق او لم يظهر بعد_ والذي يقترن بالكروموسومات الأنثوية_ الى وجود ظاهر
عن طريق صنع البروتين وصنع الخلايا الجديدة . وإن بإصدار الأمر بكامل تحويله او
استنفاده كاملاً مرة واحدة يكون السرطان هو النتيجة.
إن
الصراع او التفاعل الذي عرضنا قصته في الجسم الإنساني إنما هو صراع بين الوجود
(وهو ما تمثله الكروموسومات الذكرية والأنثوية المتحدة في نواة الخلية ) والعدم
الذي يخلق في السايتوبلازم والذي مازال( وجودا ممكنا) والذي قلنا إنه يقترن بالمرأة
فقط إذ إن هناك عدما كامنا في المرأة وإن هناك صراعا بين الوجود والعدم الذي
مازال( وجودا ممكنا) . وإن الصراع أو التفاعل بين الكروموسومات الذكرية والأنثوية
يستمر حتى يتحول كل العدم الكـامن في المرأة الى وجود.
إن المرأة هي سبب الوجود
المادي للإنسان . وإن عملية إيجاد العدم في الخلية تتمثل بعملية صنع أو انتاج
الطاقة أو استخلاص الطاقة من المركبات أو المواد الغذائية الموجودة في الخلية
فتحدث عمليات أكسدة الدهون والسكريات داخل الميتاكوندريا التي قلنا إنها تقترن
بالمرأة فقط وتنبعث الطاقة فيمكن تنفيذ العمليات المختلفة من بناء للبروتينات
وغيرها من المواد ومن عمليات الهدم . ولأن الميتاكوندريا هي المركز النشط لإنتاج
الطاقة في الخلية فإنها تموج بالعديد من الشوارد الحرة التي تسبب تلف الخلايا
فتشيخ ويضعف انتاجها للطاقة وتموت وقد تهددها بالإصابة بأمراض أخرى مثل السرطان
وهو موضوع بحثنا .
وتشترك الشيخوخة والسرطان في أنهما ظاهرة لعملية فقدان
الطاقة ولذلك تظهر النتائج على الميتاكوندريا التي هي مولد الطاقة كما تظهر
النتائج على التيلوميرات التي ذكرنا أنها تتصل بعمر الإنسان ومستوى الطاقة المقررة
لهذا العمر والتي يتضمنها البرنامج الوراثي للانسان . وهذا يعني أن تأثير السرطان
يظهرعلى الجانب الأنثوي لأن الميتاكوندريا والتيلوميرات تتصل بالجانب الأنثوي
ويعني أن السرطان نتيجة للتفاعل بين العوامل الذكرية والأنثوية في الجسم . إن
السرطان يرتبط بعملية انقسام الخلايا وترتبط التيلوميرات والميتاكوندريا بعملية
انقسام الخلايا _وهذا كنا قد شرحناه_ فهما تحددان مرات الإنقسام ومستوى الطاقة المخصصة لكل إنقسام . ولأن
السرطان هو استخراج لكل الطاقة الكامنة أي المخصصة لعمر الإنسان والتي تتضمنها
المعلومات الوراثية في DNA
الميتاكوندريا والتيلوميرات لذلك فإن السرطان ينعكس أثره عليهما فيصاحبه
حدوث طفرات في المحتوى الوراثي للميتاكوندريا ويصاحبه نشاط للتيلوميرازات وهي الإنزيمات التي تعمل على
تطويل التيلوميرات من أجل إدامة عملية انقسام الخلايا وتطويل عمرها وجعلها خالدة
لا تموت لكي تصرف كل الطاقة الكامنة أو المقدرة لعمر إنسان كامل ..
إن موت الخلية وشيخوختها أو فقدانها للطاقة هو أمر مبرمج
مسبقا . فهذه العمليات تجري تحت سيطرة
برنامج وراثي جيني مسبق ، وإن الجينات تلعب دورا قويا في هذه العمليات ولكنه في
الحالة الطبيعية من حياة الإنسان وحياة خلاياه يحدث تدريجا ومع تقدم الإنسان في
العمر، أما في السرطان فإنه يحدث مرة واحدة ولذلك فإن الخلايا تنقسم باستمرار ولا
تتوقف عن الانقسام حتى تهدر كل الطاقة المقدرة لها في أثناء عمرها . إن عملية
إنتاج الطاقة وعملية الأكسدة والأيض أو البناء والهدم (التي قلنا إنها عملية إيجاد
للعدم أو إيجاد الوجود المادي المتمثل بالخلايا ) تحدث في الميتاكوندريا التي
تقترن بالجانب الأنثوي فقط . وهذه العملية ترتبط _كما ذكرنا سابقا_ بعمل جزيئات
أخرى ترتبط بالجانب الأنثوي كذلك ويكمل عمل بعضها بعضا ونقصد بها التيلوميرات .
فعمل الميتاكوندريا وعمل التيلوميرات يرتبط بعملية إنتاج الطاقة وعملية إنقسام
الخلايا وبناء الخلايا.
إن بناء خلايا الجسم
يستدعي انقسام الخلايا وهذا يستدعي انتاج الطاقة الذي يحدث في
الميتاكوندريا وإن استمرار هذه العملية أو حدوثها بوتيرة متصاعدة يضعف
الميتاكوندريا فتشيخ الخلية وتموت او تنتقل الى الحالة السرطانية . إن تكرار عملية
انتاج الطاقة وتكرار عملية الانقسام يؤدي الى قصر التيلوميرات ويؤدي كذلك الى أن
تشيخ الخلية وتموت أو تتحول الى خلية سرطانية . إذن فعمل الميتاكوندريا يرتبط بعمل
التيلوميرات والاثنتان ترتبطان بالجانب الأنثوي كما قلنا . واذا كان عمل
الميتاكوندريا هو انتاج الطاقة وصرف الطاقة على العمليات الحيوية التي تحدث في
الخلية لاسيما بناء البروتينات والمواد الأخرى في عملية انقسام الخلايا فإن عمل
التيلوميرات هو عملية زمنية تضبط مرات عملية
الإنقسام ومستوى الطاقة المخصصة لهذه المرات ، وهي تتأثر بعملية الإنقسام فإذا زادت عن هذه الضوابط وزاد صرف الطاقة فإن ذلك يؤدي الى قصرها وقد يضطرب أمر هذه العمليات
ويختل وينفلت من عقاله ولا يعود الصرف مقننا على وفق جدول زمني محدد ويتمثل هذا
المظهر بحدوث السرطان .
إن الذي نستنتجه من هذا أن هناك تناسقا بين عمل
الميتاكوندريا التي مصدرها الأنثى فقط والتي تقع في السايتوبلازم وعمل التيلوميرات
التي تقع في النواة وترتبط بالكروموسوم الأنثوي. وإن هذا العمل يرتبط بعملية إنتاج
أو صرف الطاقة واستغلالها في بناء الجسم
عن طريق تكوين خلاياه وهي الوجود المادي الظاهر للإنسان . وإن الميتاكوندريا
والتيلوميرات ترتبطان بالأنثى ، فالأنثى هي التي تحقق الوجود المادي الظاهر
للانسان . وإن تحقق كل الوجود الظاهر أو استنفاد كل الطاقة الكامنة في الجسم أو
تحويل كل (الوجود الممكن التحقيق) الى (وجود كائن) يؤدي الى الشيخوخة أوالسرطان، وإن
هذين يعنيان استنفاد وصرف كل الطاقة التي خصصت للإنسان في أثناء مدة وجوده لكي
يصرفها في عملية بناء نفسه . إن السرطان إذن نتيجة للصراع أو التفاعل بين العوامل
الذكرية والأنثوية لإظهار ما في جعبة الأنثى من وجود قابل للظهور .
والآن لنا أن نتساءل : ما الذي يجعل الجسم يتجاوز توجيه
هذا البرنامج الداخلي الذي يبرمج عملية تقدم العمر ويأمر بالصرف المقنن للطاقة
والانقسام المحدد للخلايا فينصرف عن هذا ويعمد الى عملية انقسام للخلايا مستمرة
وعملية صرف للطاقةغير متوقفة ؟.
هناك
عوامل عدة تذكرها المصادر العلمية تعمل على تجاوز توجيه هذا البرنامج الداخلي
الدقيق أو ضرب هذا البرنامج والجهات العاملة فيه وتؤدي الى ظهور هذا المرض منها: العوامل
الخارجية ومنها العوامل الإشعاعية المؤينة. ويطلق اسم الإشعاعات المؤينة على جميع
الإشعاعات النووية كالجسيمات المشحونة ( البروتونات وجسيمات ألفا وبيتا
والالكترونات والإشعاعات الكرومغناطيسية والأشعة السينية وأشعة جاما والنيوترونات ...)
لأنها تقوم بتأيين الوسط الذي تمر فيه بما يؤدي الى تغيير في تركيب ذلك الوسط
وكلما زادت كمية الإشعاع زادت احتمالية الآثارالمتوقعة . فالجسيمات المشحونة تقوم
بتأيين الوسط مباشرة عند المرور فيه وذلك بسبب الكهربية التي تحملها (19)..
ومن
المعروف أن هناك قوى كهربائية تحافظ على شكل وبنية الخلية بصورة عامة. ومن المعروف
كذلك أن خلايا الجسم البشري من أهم مكوناتها الحامض النووي DNA
وهو يتأثر بالحقول السالبة والموجبة وهو يتألف من ذرات تتأثر بهذه الحقول . فعندما
تدخل الأشعة السينية او الجسيمات النووية السريعة جدا الى الخلايا فإن تأثير هذه
العملية يمكن أن يكون مدمرا للغاية وذلك بسبب طاقة هذه الإشعاعات التي تفوق مئات
المرات القوى التي تربط أجزاء الخلية الى بعضها . وعليه فإن الضرر
الذي سيلحق بالخلايا سيكون كبيرا
بسبب تلف البناء الكهربائي الذي يحافظ على بنية الخلية وعندئذ تموت الخلية . أما
اذا كانت طاقة الإشعاع أقل تأثيرا فإن الخلايا قد تبقى حية لكن الإشعاع يؤثر في
هذه الحالة على فعاليتها الحيوية التي تتضرر الى حد كبير يؤدي الى تغيير هندستها
وبنيتها او شكلها الأصلي ومن ثم فإن الخلية التي بقيت حية قد تتحول تدريجا لتصبح
خلية سرطانية تقوم بصورة ذاتية بتوليد خلايا سرطانية أخرى. وهناك أضرار خفيفة
للإشعاع وهذه من الممكن تلافيها وتقويمها لتواصل الخلايا نشاطها الاعتيادي .
إن الخلية تحتوي على المركبات والمعادن الضرورية للجسم
ويكون الماء معظم أجزاء الخلية ويختلف الإشعاع النووي بضمنه الأشعة السينية في
تأثيره عن باقي أنواع الأشعة كالضوء والحرارة في أنه يقوم بتأيين الماء الموجود في
الخلايا الحية مما يؤدي الى اختلال نظام عمل هذه الخلايا . ونتيجة لهذا التأين
تتكسر الكروموسومات او تتكون سلسلة لولبية الجذور تعيق الكروموسومات من إعادة
التكوين المماثل للأصل (20)..
من العوامل المسببة للمرض أيضا ، المواد
الكيمياوية التي تفقد ذراتها بعضاً من الالكترونات النووية، حيـث تتحد بسبب نقص
الالكترون فيها بالذرات الغنية بالالكترونات الموجودة في الأحماض النووية
والبروتينات. وتبدو المواد المسرطنة متخصصة في تأثيرها، فبعضها يحفز ظهور السرطان
في عضو من أعضاء الجسم دون الآخر.
ومع تقدم علم الكيمياء
والوراثة تم تحليل عدد كبير من المواد المسرطنة، ووجد أن معظمها هي مواد
كهرومغناطيسية تتحد بقوة مع الأحماض النووية الخلوية DNA وRNA والبروتينات. حيث ثبت أن
معظم هذه المواد المسرطنة عند اتحادها مع المادة الوراثية فإنها قد تسبب سرطاناً
وذلك بإحداث تغييرات في المعلومات الوراثية، والتي تؤدي في معظمها الى طفرات في
المادة الوراثية .
ومن العوامل التي تعمل على
ظهور المرض العوامل الداخلية الذاتية الوراثية التي يدخل فيها التاريخ الوراثي
للفرد والتشوهات الصبغية الكبيرة والاختلال الوظيفي الهرموني والفيروسات.
ومن
نظريات تكون السرطان نظرية التغير في المورثة، وتعتمد هذه النظرية على مفهوم
التغير في المادة الوراثية عن طريق تغير في المورثات. والأدلة عديدة التي تثبت ذلك
التغير وتدعم النظرية. والتغير الوراثي عادة ما يكون ثابتاً فيحدث ضرر بالمادة
الوراثية في شريط DNA او بإضافة مادة وراثية الى المادة الوراثية الأصلية، او تغير
مورثة واحدة او نقص صبغي. ومعظم السرطانات التي تصيب الإنسان لها علاقة باختلال
العدد الصبغي، وإن الخلية تصبح أكثر تسرطناً كلما زادت التشوهات الصبغية في
التركيب الوراثي للفرد .
إن
هذه العوامل التي تذكرها المصادر العلمية والتي تؤدي الى ظهور هذا المرض تدخل ضمن
تفسيرنا للمرض فلقد ذكرنا أن
كيان الجسم الإنساني يقوم في أساسه على أساس أنه علاقة تناقض بين الوجود والعدم في خلاياه وفي ذراته ، والعدم
هو الطاقة الكامنة في الجسم والتي ترتفع الى مستوى الطاقة الفعلية بعد تخليقها
واستغلالها في عملية صناعة البروتينات والمواد المادية الأخرى أي ان العدم يتحول الى
وجود فتنتهي العلاقة بينه وبين الوجود الى تشابه لا الى تناقض ، وإن فقدان هذه
الطاقة كليا يؤدي الى قطع علاقة التناقض التي يقوم على أساسها جسم الانسان ، فإذا ما قطعت هذه العلاقة _ كأن يتعرض الجسم
الى أشعة مؤينة تعمل على إخراج كل الجانب السالب او الطاقة في الجسم والمخصصة له
ضمن برنامجه الوراثي فإنه يلغى أو يختل عمل البرنامج الذي يحكم الجسم والذي يعمل
على توجيه عملية صرف الطاقة على وفق جدول محدد ومقنن ، لأن الطاقة المطلوب إخراجها
منه في هذه الحال طاقة هائلة لذا يعمد الى عملية صنع مستمر للخلايا إذ قلنا إن كل
خلية تصنع تستخرج أو تصرف نسبة من الطاقة .
وإذا ما حدث خلل
للجينات التي تحكم عمل البرنامج الذي يحدد عملية صرف الطاقة أو صنع الخلايا او
انقسام الخلايا ومنها جينات الميتاكوندريا التي يتصل عملها بصنع الخلايا وانقسامها
وكذلك جينات التيلوميرات التي قلنا إنها الساعة البيولوجية التي تحدد عمر الخلية
وعمر الانسان وعدد ما يصنع من الخلايا خلال عمر الانسان ، فإن هذه الجينات سيضطرب
عملها وتنفلت عملية صنع الطاقة او صنع الخلايا من عقالها. ولهذا نجد عند السرطان
أن المحتوى الوراثي للميتاكوندريا تحدث به طفرات وأن التيلوميراز وهو الإنزيم الذي يسيطر على عمل
التيلومير سيزداد إفرازه ويعمل على إطالة نهاية التيلوميرات في الخلايا السرطانية
وجعلها خلايا خالدة تنقسم دائما ولاتتوقف عن الإنقسام والتكاثر .
إن الضرر الذي يلحق بالمادة
الوراثية في الميتاكوندريا وهي المركز النشط لإنتاج الطاقة في الخلية كما ذكرنا قد
يهددها بالإصابة بمرض السرطان فإنها تموج بالعديد من الشوارد الحرة التي تسبب تلف
المادة الوراثية وحدوث الطفرات فيها . وقد تؤدي هذه الشوارد الحرة بالخلايا الى أن
تشيخ ويضعف انتاجها للطاقة وتموت . ويعبر عن هذه العملية بعملية الأكسدة التي تنتج
ذرات الأوكسجين الحرة غير المستقرة التي تنتج هي الأخرى الشوارد الحرة وهي ناتج
ثانوي عن عملية إنتاج الطاقة في الخلية . والشوارد الحرة آيونات سالبة حصلت على الكترونات غير
مرتبطة (حرة) منفردة أي غير مزدوجة وتستطيع أن تقوم بمهاجمة
الخلايا في تفاعلات متسلسلة وأن تؤكسد الDNA والبروتينات وجزيئات أخرى في كل أنحاء الجسم
وتتلفها . وهي تستطيع أن تنتج مزيدا من الشوارد والمؤكسدات ذات القرابة بها مثل
فوق أوكسيد الهيدروجين ومن ثم تحفز سلاسل طويلة من النشاط التدميري كما تؤدي الى
إحداث طفرات جينية تعجل عملية الشيخوخة وتثبط بعض الإنزيمات وتؤدي الى ظهور بعض
السرطانات وحدوث طفرات في المحتوى الوراثي للميتاكوندريا أو جيناتها ومن ضمنها
الجين المهم الذي ينتج خميرة سايتروكروم سي أوكسيديس والخمائر التي تساهم في إنتاج
الطاقة المعروفة بـ ATPالتي تزود التفاعلات الكيمياوية في الجسم بالطاقة التي
تحتاج اليها .
وتعرف
الأكسدة بأنها عملية فقدان للالكترونات من الذرات أو الجزيئات او الآيونات . وتعمل
الجذور الحرة على الأرتباط بأي شيء يصادفها كالDNA والبروتينات والشحوم فتسبب تلف
الخلية وتظهر علامات الشيخوخة او تتحور الجينات السليمة الى جينات سرطانية . إن
عملية الأكسدة هي عملية فقدان للطاقة التي تعمل بها خلايا الجسم
(21)
السرطان إذن يحدث بتأثير هذه العوامل فيضرب
الجينات المشرفة على عملية انقسام الخلية وصرف الطاقة ويؤدي الى صرفها كلها وهذا
يعني اختلال العلاقة التي تبنى منها خلايا الجسم وذراته. وهذه العلاقة هي البرنامج
أو البنية العامة التي يبنى في ضوئها الإنسان . ولذلك فإن جميع البشر معرضون
للاصابة به، ذلك لأنه يتصل بالتصميم الداخلي الذي جاء الإنسان تعبيراً عنه، فإذا
ما اختل هذا التصميم وانهدم هذا البرنامج قضي على الانسان بالموت لانهدام الأساس
او البنية العامة التي بني عليها . إن البنية العامة للخلايا قائمة على علاقة
اختلاف بين مصدرين يأخذ أحدهما من الأب والآخر من الأم . ولإنها بنية عامة يمتلكها
كل البشر يقال إن كل البشر يملكون المورثات التي باستطاعتها تحويل الخلايا العادية
الى خلايا سرطانية. ولكن ظهور السرطان يعتمد على وجود العوامل والمحفزات وتنشيط
المورثات من عدمه الى جانب حالة الجسم ومقاومته وقدرته على القضاء على مثل تلك
الخلايا المتحولة(22).
إن
القول بأن البشر كلهم يملكون المورثـات التي باستطاعتها تحويل الخلايا العادية الى
خلايا سرطانية يدلل على أن السرطان إنما هو خلل او تطور ينتاب القانون العام الذي
يحكم تكوين وخلقة الجسم الإنساني ما دام كل البشر يملكون استعداداً للاصابة به.
وما دام هذا المرض ليس مرضاً معديا فهو يتصل بالقانون او البرنامج او التصميم
الداخلي الذي صمم عليه جسم الإنسان او بنيته العامة التي هي بمنزلة الهيكل الذي
يؤسس لبناء الجسم الانساني. وهذا القانون أو البرنامج او التصميم الداخلي أو
البنية العامة، إنما هي (علاقة التناقض) التي ينبغي أن تكون قائمة لكي يبقى بناء
الجسم قائما فإذا ما انتهت هدم بناء الجسم لهدم أساسه .
العلاج
:
وإذا
كان السرطان انتهاءا لهذه العلاقة فإن إعادة
العلاقة الى وضعها السابق هو الذي يقضي عليه. وإعادة هذه العلاقة يكون بإعادة
الطاقة الكامنة المفقودة او الجانب السالب في الخلايا أي أن يكون هناك سلب لم
يستنفد ومادة لم يستكمل تصنيعها وأن يكون هناك جوهر لم يطرأ عليه خلل طاريء فيعطي
الأوامر بتصنيع كل ما في قدرته على التصنيع من المادة مما يتسع له عمر الانسان ،
أي المادة التي يمكنه صنعها في خلال عمره كله . إن اعادة العلاقة الى ما كانت عليه
من الإيجاب والسلب هو الكفيل بالقضاء على هذا المرض . ولأن السرطان هدم لبنية كل خلايا الجسم لذلك فإنه يمتد
على كل هذه الخلايا . وهنا نسأل : كيف نعيد العلاقة التي تقوم عليها الخلاياالى
وضعها السابق ؟ .
لقد
قلنا إن الجسم الإنساني كله يبدأ من خلية واحدة وبالاستنساخ والتكاثر تتكاثر خلايا
الجسم حتى تصل الى العدد(60_100) ترليون خلية . وهذا العدد الضخم من الخلايا يرتبط
ببعضه فهو بناء تراكمي عن خلية واحدة لذا فإن هناك علاقة عامة تجمع بين خلايا
الجسم كله، فهذه الخلايا تتطور عن هذه الخلية العامة لتتخصص ثم انها ترتبط بها
وتستطيع أن ترتد إليها ، لذلك فإن كل الخلايا تستطيع
أن ترجع الى الحالة العامة أو الحالة الجنينية وتلغي تخصصها وهذا ما يحدث في
السرطان .
إن الجسم الإنساني ينطلق مما هو عام ، من خلية
واحدة ، وتبقى هذه العمومية محفوظة في كل الخلايا بعد توسع الجسم. وهناك برنامج
وراثي موحد تشتمل عليه كل الخلايا . فهذا النظام أو البرنامج الوراثي يتسم بالعمومية
مع تخصص الخلايا . هذه الخلايا تختزن كل المعلومات التي تخص الجسم
الإنساني : شكله، حجمه ،أعضاؤه ،عدد خلاياه، تخصصها ،عملها ، وأخيرا العمر الذي
يعيشه الإنسان والطاقة الكامنة المخصصة له في مدة عمره هذا وقد قلنا إن هذا يرتبط
بعمل التيلوميرات التي ترتبط بالجانب الأنثوي.
وإذا كان السرطان هدما لبنية كل خلايا الجسم لإنه قطع للعلاقة التي تقوم
عليها هذه الخلايا بين الوجود والعدم أو بين الجانب الموجب والسالب فيها بإخراج كل
الجانب السالب أو الطاقة الكامنة التي تشتمل عليها فبإعادة هذه الطاقة كلها الى
الخلايا أوبإعادة ما أصبح واجب الوجود في لغة الفلسفة الى ما هو ممكن الوجود أي
الى حالته غير المخلقة نستطيع القضاء على السرطان كما قلنا. ولكن كيف نفعل ذلك وقد
أخرجت الطاقة الكامنة من كل خلايا الجسم وهدم الجسم الإنساني كله من خلال هدم
العلاقة في كل خلاياه؟. . نقول لعل الأمل يطالعنا في عملية الإستنساخ التي توصل
اليها العلماء ، وبهذا الإستنساخ لخلية من خلايا الشخص المريض يمكن أن
نحصل على خلية أولية لها حياة جديدة كالخلية الأولى التي انطلق منها الجسم
الإنساني أي لم تمر بالتجربة التي عاشها الجسم بعد إصابته بالسرطان فهي انطلاقة
لحياة جديدة ، وبعد زراعتها في الجسم
المريض تكون قادرة على بنائه كله من جديد بناء نظيفا من المرض . فهذه الخلية قادرة
على بث الطاقة المفقودة أو الجانب السالب الذي خرج من خلايا الجسم كلها لإنها تمتلك المعلومات والطاقة التي تمتلكها الخلية
الأولى (زيكوت) التي خلق منها الإنسان والقادرة على أن تخلق الجسم من جديد بعد أن
هدم من أساسه .
والاستنساخ
أصبح الآن وسيلة علاجية مهمة لغرض الحصول على الخلايا الأولية لبلوغ أهداف لم
يستطع الطب علاجها سابقا . ويمكن الحصول على هذه الخلايا المستنسخة بنقل نواة أحدى
خلايا الشخص المراد علاجه الى بويضة مستعارة من مصدر آخر غير الشخص المريض مفرغة
من النواة وذلك للحفاظ على المعلومات الجوهرية في النواة المنقولة وأخذ الطاقة او
المادة المراد تعويضها من البويضة المنقول اليها فالميتاكوندريا ترتبط بها وهي ما
تزال بحالة سليمة ولما تستنفد كما حصل للميتاكوندريا في خلايا جسم المريض بالسرطان
، اما التيلوميرات والتيلوميراز والجينات المرتبط بها فتستعيد ذاكرتها القديمة من
غير أي خلل أو قصور وبذلك تكون الخلية المستنسخة وما ينتج عنها من خلايا متخصصة
نسخة طبق الأصل من التكوين الجنيني للشخص المريض وهذا شرط أساسي وحيوي لعدم لفظ أو
طرد الأنسجة عندما تزرع في جسم المريض (23) .
إن
استخدام الاستنساخ لإنتاج مثل هذه الخلايا يعد أكبر الاكتشافات العلمية وأكثرها
خطورة في هذا الزمن وسوف يكون لها دور كبير في علاج كثير من الأمراض مع أن هناك من
يعترض على تقنيات الاستنساخ التي يستعاض فيها عن بويضة الأم ببويضة بديلة متبرعة .
ولقد
شاع في العالم الآن ما يسمى العلاج الجيني الذي يقول العلماء أنه يمكن الاستفادة
منه في معالجة الخلل او الطفرة الجينية التي ادت الى الاصابة بالمرض وهو عملية زرع
أو دمج لجين معين سليم تم نزعه بوساطة إنزيم قطع معين ويكون هذا الزرع بداخل
المادة الوراثيةDNA للخلية
المريضة . ومن ثم تنشأ القدرة على التضاعف وانتاج مادة وراثية جديدة تحتوي على
صفات الجين الجديد السليم فتشفى بذلك الخلية المريضة. فإذا زرع الجين الطبيعي السليم فإنه يسود ويتغلب
على الجين المعطوب وبذلك تسود الصفة الجديدة المعالجة على الصفة المريضة ويشفى
المريض من دائه . وفي علاج الشيخوخة مثلا وضح العلماء إمكان أخذ خلايا إنسان ما
لكي تعالج جينيا في مقاومة الشيخوخة ثم تعاد الى صاحبها لكي تعالجه بشبابها من
أمراضه المختلفة . وأمكن إنتاج إنزيم توليميراز من الخلايا القابلة للانقسام مثل
الموجودة في البيض والخلايا المنوية وحقنت بعد ذلك في كروموسومات الخلايا ثم تركت
الخلايا لكي تنقسم ووجد العلماء أن الإنزيم ساعد التيلومير الموجود في الكروموسوم
على النمو مرة أخرى وازدادت فرصة إطالة العمر. وهناك ما يسمى الآن بالمكتبة
الجينية وهي ستمثل لنا المخزون الوراثي الذي سيمكننا من مضاهاة جيناتنا المعطوبة
بالجينات السليمة ويتيح لنا انتقاء التقنية الجينية المناسبة للعلاج . ويؤمل
العلماء أن تكون من تلك التقنيات استئصال أو تثبيط الجينات المسرطنة من خلال تقنية
البتر الإنزيمية (24)..
إن
عملية الاستنساخ العلاجي التي نفترض أنها تعالج السرطان لا تعتمد على زرع أو
استئصال جينات محددة في الجسم المصاب إنما زرع خلية هي في الحقيقة تمثل إنسانا
كاملا . وعملية استنساخها تتبع الآليات نفسها التي تتبع الآن في العمليات الجارية
في المؤسسات العلمية والطبية في العالم لصناعة هذه الخلايا الأولية البكرالتي
لديها القدرة على النمو وتكوين إنسان كامل . ونفترض أن عملية الاستنساخ هذه تعيد
برمجة مورثات هذه الخلية التي تؤخذ من الجسم المريض بالسرطان ، تعيدها الى وضعها
السليم بلا طفرات او خلل وتزودها بالطاقة التي فقدها الجسم من خلال ما تمتلكه
البويضة المنقول اليها النواة من السايتوبلازم والميتاكوندريا غير المستنفدة لتعمل
على إنتاج أو بناء وضع جديد للخلايا في داخل جسم المريض يوقف عملية انهيارها
وانقسامها المستمر إذ يعيد اليها ما فقدته ويبرمجها من جديد بعد أن كانت كلها قد
فقدت كل طاقتها أو الجانب السالب منها مما أخل في نظامها الذي تقوم عليه وهدم
بنيانها . وبعد زراعة هذه الخلية في الجسم المصاب بالسرطان ستعمل على إعادة
التوازن الى كل خلايا الجسم أو ستقوم ببنائها من جديد وذلك لأنها ترتبط مع خلايا
الجسم المريض بعلاقات عامة وتقوم معها على أساس واحد هو الأساس الواحد الذي بنيت
عليه وانطلقت منه أول خلية تكون منها هذا الجسم . وكما أن الخلية الأولى (الزيكوت)
لديها القدرة على بث الحياة في كل خلايا الجسم_إذ تكونت منها كل خلايا الجسم_ فإن
هذه الخلية الأولية المزروعة لها مواصفات وقدرة هذه الخلية الأولى.
وكان
بعض المختصين قد أثاروا شكوكا حول إمكان إعادة برمجة مورثات الخلايا المزروعة لتصبح خلايا جديدة تحل محل
الخلايا التالفة وان البرنامج الوراثي فيها سيتمكن من استعادة ذاكرته القديمة
مستردا قدرته الأولى في انتاج إنسان جديد متكامل الاعضاء.
إن
الاستنساخ العلاجي الذي نفترضه علاجا للسرطان هو استعمال المادة الوراثية الجينية
من خلايا المريض ذاته لتوليد خلايا أولية يبنى منها الجسم . ولقد عرفت هذه الخلايا الأولية بقدرتها على
تخليق الأنواع المختلفة من الخلايا وبأنها أصل كل خلية في الجسم بغض النظر عن مكان
هذه الخلية وبأنها ذات مكونات متعددة
بمعنى أن فيها طاقة كامنة تمكنها من أن تتحول الى أي نوع من الخلايا الأخرى . إن
التقنية المستخدمة تقوم على إعادة زراعة
هذه الخلايا الأولية المستنسخة في أجسام المرضى بما لها قدرة على التغيير والنمو
داخل أنسجة الجسم. وتعمل هذه الخلايا فيما بعد كجهاز إصلاحي لخلايا الجسم كلها
والحفاظ على وظيفة الأعضاء الجسمية .
هناك
جدل أخلاقي قائم الآن حول استخدام طريقة الاستنساخ العلاجي باعتبار أن الخلية
الأولية الناتجة يمكن أن تكون حياة إنسانية قائمة والتلاعب بها أو تدميرها حتى لو
كان علاجا هو أمر مرفوض . ويرد دعاة الاستنساخ العلاجي بأن هذا الاستنساخ الذي
يوافقون عليه هوغير الاستنساخ التكاثري الذي يعارضه أكثر علماء الاستنساخ .
فالاستنساخ العلاجي يلقى قبولا لدى كثير من العلماء ورجال الدين لأنه لا يقتل أجنة
كاملة النمو ولا يمس الموروث الجيني للبشر كما خلقه الله أو يتلاعب بمورثاته التي
ميزت البشر وجعلتهم بشرا (25). ونرى أن الاعتراض الأخلاقي على تقنية استخدام
الاستنساخ العلاجي لا تصح مع هذه الطريقة التي نفترضها في علاج السرطان لأن الخلية
التي انتجت بعد عملية الأستنساخ ستنتج حياة جديدة تعيش في جسم المريض مكان الحياة
التي توشك أن تغادر جسدها .
الهوامش
(1)ينظر : في تاريخ الطب العربي ، ابن رشد "العصا
القاتلة " والرجل "الذي أفسد جميع الأطباء" في أوربا، محمد عابد الجابري . مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة
الثاانية ، بيروت ، 2008 .
(2)
ينظر : مع الفلاسفة الإلهيين في استنباط القانون المطلق .
(3) ينظر: (مع الفلسفة اليونانية ) الدكتور محمد عبد الرحمن
مرحبا ، منشورات عويدات ، بيروت – باريس ، الطبعة الثالثة 1988 . ص57 – 76 ..
(4)
ينظر : المرأة سر ظهور الخلق . و : الحياة الخلوية : أي المركبات العضوية فيها
أسبق في الوجود ؟ .
(5) ينظر: علم الأحياء، للصف
السادس العلمي، الجمهورية العراقية، مديرية مطبعة وزارة التربية، الطبعة الثانية،
1407هـ1987م، ص6،25، وينظر: الخلية، الدكتور محمود حياوي، الجمهورية العراقية
ص103.
(6)ينظر: علم الوراثة ، تأليف أ.د. عثمان
عبدالرحمن الانصاري/ أ.د.ناصر محمد سلامة، منشورات شركةELGA، مالطا، 1999. ص57،59،62ـ64.
(7)ينظر: الجينوم ، مات ريدلي، ترجمة:
د.مصطفى ابراهيم فهمي، سلسلة عالم المعرفة، رقم (275)، الكويت، ، ص،14،23،52،.
(8)ينظر: الخلية،ص61.
(9)ينظر: علم الوراثة،
ص 83 ،87،،.و:
الخلية...(من الإنترنيت).
(10) ينظر:الميتاكوندريا
بيت طاقة الخلية مصدرها المرأة فقط ،د.بهجت عباس ، الحوار المتمدن ، العدد 598،
21/9/2003. و: هل الميتاكوندريا التي تورث من الأم فقط هي سبب شيخوخة الأنسان
؟ د. بهجت عباس ، الحوار المتمدن ، العدد
1212 ، 29/5/2005. و:زوبعة
حول الأطفال المعدلين وراثيا ، طارق يحيى قابيل ، و: الاستنساخ ...(من الإنترنيت) .و: حقيقة حواء أو حواء الحقيقية ...(من
الإنترنيت) .
و : بحث جديد
واعد يقترب من حل هذا اللغز . L.R. رستنك محرر
مجلة ساينتفك امريكان ، مجلة العلوم ، سبتمبر 1995 ، المجلد (11) .
(11) ينظر :اكتشاف جديد للعلماء / انزيم يحمي
الخلايا من الموت والشيخوخة ..(من الإنترنيت ) .
و : هل الميتاكوندريا التي تورث من الأم
فقط هي سبب شيخوخة الإنسان؟.....و: اتجاهات في البيولوجيا / لماذا نشيخ / الإجابة مدونة الى حد كبير في
جيناتنا ولكن في أي منها .
(12) ينظر:التيلوميرات
والتيلوميراز والسرطان ، W.Cكريدر _ H.E بلاكبيرن ،
مجلة العلوم ، يونيو، 1996، المجلد (12) .
و : اكتشاف جديد للعلماء / انزيم يحمي الخلايا من الموت والشيخوخة....و:
الساعة البيولوجية /كيف تعمل وكيف تؤثر في صحة الإنسان وحياته ؟ الأستاذ الدكتور
مسعد شتيوي ، مجلة أسيوط لدراسة البيئة.و:العلم يقترب من معرفة الجين المسؤول عن
طول العمر ...(من الإنترنيت). و: لتحديد تاريخ ميلادك..طريقة جديدة لفك الشفرة عمر
الانسان ..(من الإنترنيت) . و: مشكلة الشيخوخة ، الانسان والحياة ، نعيم نمورة _
الخليل ، مجلة العربي الحر .
(13) ينظر : علم الوراثة ، ص388.
(14) ينظر: الجينوم، ص234.
(15) نفسه، ص235.
(16) ينظر: الخلية، ص140.
(17) ينظر:
الجينوم، ص،240 ،372 ، 375 .
(18) ينظر: الخلية،
ص58، 63.
(19) ينظر : اشعاع
مؤين (الموسوعة الحرة ، من الانترنيت ) .
(20) ينظر: التأثير
البايولوجي والوقاية من الأشعة السينية ، قاسم أمين الهيتي ، الحوار المتمدن ،
العدد 2015 ، 22/7/2007 .و: الإشعاع وتأثيره على الخلية ، تعليق على مقال د. أسعد
الخفاجي ، بهجت عباس . الحوار المتمدن ،العدد ، 686 ، 18/12/2003.
(21) ينظر :اتجاهات في البيولوجيا ، لماذا نشيخ ؟ الإجابة مدونة
الى حد كبير في جيناتنا ولكن في أي منها ، بحث جديد واعد يقترب من حل هذا اللغز ، L.R. رستنك محرر مجلة ساينتفك امريكان ،
مجلة العلوم ، سبتمبر ، 1995، المجلد(11) .
(22) ينظر: علم الوراثة، ص394.
(23) ينظر:
الاستنساخ ....(من الإنترنيت) .
(24)نفسه .
(25 ينظر :
الأستنساخ ، د. خليل البدوي،....و: استنساخ الخلايا الجذعية ضرورة أم افتعال ؟
طارق قابيل ....( من الإنترنيت) . و: استنساخ علاجي ...(من الإنترنيت) .
تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية