فوكو والسلطة

فوكو والسلطة

’’إن فوكو هو أول من ابتكر المفهوم الجديد للسلطة ،والذي كان ضالة الجميع ، الكل كان في بحث عنه دون الإهتداء إليه أو معرفة السبيل المؤدي إلى إكتشافه ،أو حتى التعبير عنه ’’   جيل دولوز

بقلم: عبد الفتاح جنيني  

لعل من أكبر الإشكالات الفلسفية لميشيل فوكو تلك المرتبطة بمفهوم السلطة ، فهي تخترق الكثير من كتبه ، وتشغل حيزا كبيرا من فلسفته ، فكيف يفكر هذا الفيلسوف  هذا المفهوم ؟ ولماذا هذا الاهتمام به ؟ وما الجدة التي يحملها هذا المفهوم في فلسفته ؟ وما الغاية المتوخاة من التفكير فيه ؟وهل هناك إمكانية لفهم ماهيتها؟ ...إن هذه الأسئلة الكثيرة التي يثيرها هذا المفهوم لا يمكن الإجابة عنها ، إلا في إطار رؤية متكاملة لمشروع فوكو الفلسفي الذي تميز بعدة تقلبات فكرية ومنهجية ، لدرجة أن هناك من يتحدث عن مرحلتين كبيرتين من حياة فوكو الفكرية ، حيث شكلت الثورة الطلابية لسنة 1968أحد العوامل المؤثرة في رسم معالم هذا التحول لديه ، ولعل احدى ثمارها اهتمامه بمفهوم السلطة .
بداية لابد من التأكيد أن فوكو لم يخصص كتابا بعينه لمفهوم السلطة لكن الاهتمام بها يخترق الكثير من مؤلفاته بدءا بتاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي 1961 ونشأة العيادة 1963وصولا إلى الكلمات والأشياء 1966وأركيولوجيا المعرفة 1969 –هذا الاهتمام نجد حاضرا أكثر في كتابيه المراقبة والعقاب وارادة المعرفة- دون إغفال محاضراته بكوليج دوفرانس التي لايزال تلامذته ينشرونها تباعا . لكن الثابت أن فوكولا يسعى من اهتمامه بمفهوم السلطة  إلى بناء نظرية متكاملة ونسقية ومجردة حولها ، فسؤال الماهية لديه  : ما السلطة ؟ لا يدخل في قلب اهتماماته ، بل إنه يستعيض عنه بالتساؤل عن الكيفية التي  بها تتحقق السلطة أو تمارس بها نفسها وتظهر إلى الوجود  ، ذلك أنه لا يمكن القبض عليها إلا في حالة تحققها وفي الكيفية التي تتحقق بها  ، حيث يرى أنه لا وجود لسلطة إلا وهي ممارسة ، من هنا يهدم فوكو مسلمة أن السلطة شيئا قابلا للتملك أي أن السلطة في ملك فرد أو حتى جماعة وأن تملكها لها أساس غلبتها ، فالسلطة لديه لا تمارس بهذه الكيفية ، فهي استراتيجية أكثر منها ملكية ، ولا ترجع أثارها إلى تملك ما بل تعود إلى تدابير وحيل ووسائل وتقنيات وأعمال وهذا ما يسميه بالاستراتيجيات المعقدة ، فهي تمارس أكثر مما تتملك ، فهي كما يقول  ليست بنية أو مؤسسة أو قوة معينة يمكن للبعض تملكها  بقدر ما تعكس وضعا استراتيجيا معقدا في مجتمع معين ، وبالتالي فهي تنبع من الأسفل وتوجد بشكل محايث للمجال الذي توجد فيه سواء كان اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا أو جنسيا...وبهذا يتأتى لفوكو هدم المسلمة الثانية التي تربط السلطة بالدولة والقوانين كما هو الحال مع النظرية الليبرالية أو بالطبقة المستغلة كما هو الحال مع الماركسية أو بالهيمنة – كهيمنة الأب وما يرمز إليه في التحليل النفسي – فهذه ليست بالحري إلا الأشكال التي تنتهي إليها السلطة ، وهنا يصبح الحديث عن ميكرو السلطة الذي يجعلها حاضرة حتى في أكثر الأشكال هامشية ، ويفتح على الأطراف بدل المركز، من هذا المنطلق يرى فوكو أن السلطة ليست مجموعة أجهزة فقط ، حيث يجب البحث عنها في مؤسساتها المحلية :المدرسة –الأسرة –السجن –الإدارة ...وبذلك يهدم فوكو مسلمة التبعية التي تجعل السلطة متجسدة في أجهزة الدولة وتابعة لنمط انتاج ما يعد بالنسبة لها بنية تحتية ، يقول : ليست علاقة السلطة في موقع براني بالنسبة لباقي انواع العلاقات ...فهي لا تحتل موقع بنية عليا ...بل توجد حيثما تلعب مباشرة دورا منتجا. ويستنتج من هذا أن السلطة لا يمكن فهمها من مسلمة الجوهر والعرض ، فهي ليست جوهرا بقدر ما ذات طبيعة اجرائية ، كما لا يعني ذلك أنها عرض بقدر ما يعني أنها علاقة أو مجموع علاقات القوى .فحيث توجد علاقة تفاعلية توجد السلطة ، وحيث توجد هذه الأخيرة توجد مقاومة لها ، وهذه المقاومة ليست مجرد رد فعل تجاهها أو ضدها بل إنها طرفها الآخر الذي يلازمها .
يمكن أن نخلص مع فوكو أن هناك ثلاثة مفاهيم تتمركز لديه حول مفهوم السلطة ، وهي السلطة الإنضباطية و البيوالسلطة والسلطة الحكوماتية ، فما يقصد بذلك ؟ بداية لابد من الاشارة إلى منهجية البحث التي يعتمدها فوكو والتي تقوم على الحفر التاريخي –الاركيولوجيا- والاعتماد على الأرشيف مكنته من النظر إلى مفهوم السلطة بطريقة مغايرة –كما تم توضيحه سابقا – لكن ما الهدف من وراء كل سلطة  من هذه السلط ؟ وهل هي سلط متكاملة من حيث التأثير والأهداف ؟ .....يتبع

تنويه: تماشيا مع مبادئ المجلة المرجو التعليق باللغة العربية

فيلوبريس على الفيسبوك

المواضيع الأكثر قراءة

فيديوهات فيلوبريس